البرقيات المسربة للخارجية السعودية.. الحلقة الخامسة
الوثائق الكاملة للبرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية التي تتضمن المراسلات السرية لوزارة الخارجية السعودية المسربة عبر موقع ويكيليكس والتي هزت الرأي العام العالمي لما حوته من قضايا سياسية خطيرة لم يكشف عنها النقاب من قبل.
ونكشف هذه الوثائق السياسية السرية تباعاً لتسلط الضوء على كيفية إدارة الرياض لسياستها الخارجية وتوظيف الدين لخدمة السياسة وتوظيف الثروة لصالح النافذين من خلال الوثائق التي وردت في كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية" الذي أعده المؤلف سعود بن عبد الرحمن السبعاني.
ويكشف الكتاب خفايا صناعة القرار في المملكة السعودية وكيف تدار الدبلوماسية السعودية في الخارج.
في هذه الحلقة ننشر مفارقات مضحكة مبكية رصدتها في وثائق الاستخبارات السعودية التي رفعتها للقصر الملكي الذي يبدو أنه يعشق هواية السير عكس ما تتوقعه الدول بل وحتى عكس ما تتوقعه الاستخبارات السعودية نفسها وهذا ما نلمسه في الوثائق المتعلقة بإعلان قيام الاتحاد الخليجي.
في ديسمبر عام 2011 أعلنت الرياض عن فكرة أثارت دهشة خليجية وتوجساً لدى الشارع الخليجي الذي عرف مبكراً مجلس التعاون الخليجي كمظلة لدول المجلس.
فاجأت الرياض شقيقاتها دول الخليج بإعلان إنشاء الاتحاد الخليجي بديلاً عن مجلس التعاون الخليجي بحجة أنه يريد أن يقلد تجربة الاتحاد الأوروبي.
ظن القصر الملكي حينها أن هذا المشروع سوف ينال رضا وقبول الشعوب الخليجية وكان بحاجة إلى معرفة ردود الأفعال الشعبية والرسمية داخل دول الخليج إزاء الفكرة التي أطلقها.
بدأت الاستخبارات السعودية تجوب المدن الخليجية وتسترق السمع في المجالس والديوانيات ورصد من يرددون المخاوف من الاتحاد الذين رأوا في قيام هذا الاتحاد تنمراً وطغياناً وفرض نفوذ على دول المنطقة حيث ظن القصر الملكي أنه في الحرم الشريف وأن بإمكانه أن يقود دول الخليج خلفه على طريقة إمام الحرم حيث يقول "استقيموا.. استووا" فظن أن بإمكانه أن يقود السياسة الخارجية والدفاعية لدول الخليج قاطبة بهذا الحلم حلم الاتحاد الخليجي.
وكان أول وأكثر الأصوات الشعبية الرافضة لفكرة الاتحاد الخليجي لناشطين من دولة الكويت منهم أحمد السعدون ومسلم البراك اللذان رفضا علانية وفي الديوانيات أن تخسر الكويت نظامها البرلماني من أجل اتحاد صوري يجعل من الكويت رهينة بيد النظام السعودي.
كانت أكثر الأصوات رفضاً لفكرة الاتحاد من الكويت مبررين رفضهم بعدم التفريط بالنظام البرلماني الديمقراطي في الكويت الذي بنوه في 50 عاماً للاندماج مع نظام متسلط غير ديمقراطي وأن أي اتحاد خليجي ينتقص من النظام الديمقراطي الكويتي مرفوض، وكان الرفض الشعبي الكويتي يمثل غالبية السكان باستثناء أصوات مؤيدة للسعودية.
إكراه إقليمي
كما كانت هناك معارضة لفكرة الاتحاد في سلطنة عمان كحكومة ونخبة فقد عارضوا فكرة الاتحاد بشدة ولهذا نجد سعود الفيصل يحرض الإعلام السعودي على الرد ومهاجمة ما كتب في الصحف العمانية الرافضة لفكرة الاتحاد، معللاً ذلك بأنه تم بإيعاز من الحكومة العمانية مدعياً أن موقف العمانيين نابع من موقف معالي يوسف بن علوي بن عبد الله المسؤول عن الشؤون الخارجية بسلطنة عمان، وهذا ما يكشفه تقرير رئيس الاستخبارات الأمير مقرن بن عبد العزيز، إلى القصر الملكي الذي رصد في الرفض الخليجي للاتحاد بأنه رفض للإكراه الإقليمي السعودي.
وفي رصد تقرير الاستخبارات السعودية نجد الرضا على ردود الأفعال الواردة من البحرين التي جاءت متوافقة تماماً مع مبادرة القصر الملكي باستثناء المعارضة البحرينية حيث اتسمت ردود أفعال المعارضة بالتعليقات الساخرة والمعارضة.
وتسجل البرقيات الاستخباراتية موافقة قطر وترحيبها على كافة المستويات على فكرة الاتحاد الخليجي سواء على المستوى الرسمي حيث ترصد البرقيات رد مجلس الوزراء أو على المستوى الثقافي حيث يرصد التقرير الاستخباري ردود فعل المثقفين والكتاب القطريين، أو على المستوى الاقتصادي عبر ما ذكره رئيس غرفة قطر من إشادة بفكرة الاتحاد كمبادرة مهمة في تاريخ ومسيرة مجلس التعاون الخليجي بعد 30 سنة على إنشائه وركز تقرير الاستخبارات على رأس الشارع القطري الذي أيد الفكرة.
إماراتيون عارضوا الاتحاد!
الغريب هو فيما رصده تقرير الاستخبارات السعودية من معارضة داخل الإمارات لفكرة الاتحاد الخليجي حيث أبدى المعارضون من داخل الإمارات تشاؤمهم من الفكرة مؤكدين أنها لن تتم معللين ذلك بأن مجلس التعاون لم يفعل شيئاً لدول الخليج ولم تتفق الدول على أبسط الأمور، ونظرة بسيطة على الحدود الإماراتية السعودية تريكم الجواب، كما أكد المعارضون الإماراتيون عدم وجود مناخ ثقة وفقدان للشفافية بين قيادات دول المجلس مشككين في نية القصر الملكي من وراء إعلان الاتحاد، بينما أشاد بالاتحاد من سماهم تقرير الاستخبارات السعودية "فقراء الإمارات الشمالية".
وظهر الغضب السعودي من الإمارات جلياً في تقرير الاستخبارات السعودية الذي يقول ما نصه "الإمارات لا ترفض أي مبادرة أو اقتراح بمعنى أنها لا تستخدم (لا) صريحة عند رفضها لأي مبادرة ولكنها مع سياسة تقويض أي فكرة أو قرار لا يتفق مع توجهاتها ويتوقع أن دولة الإمارات لا تريد التسرع في الانخراط في أي اتحاد من شأنه توتير العلاقة مع إيران التي تأتي في المركز الرابع حسب قائمة الشركاء التجاريين بتبادل تجاري وصل إلى أكثر من 5 مليارات دولار في النصف الأول من العام الماضي (2010) ويوجد حوالي 500 ألف إيراني والعديد من الشركات الإيرانية المستثمرة في البلاد، كما أن سمو الشيخ منصور بن زايد - والكلام للاستخبارات السعودية - يشير إلى أن موضوع الاتحاد يحتاج إلى دراسات معمقة كما أن بعض المسؤولين الكبار في أبو ظبي يرون أن التعمق في التفاصيل يوحي بالرغبة في التأجيل وعدم اتخاذ قرار بالإيجاب أو الامتناع كما أكد التقرير أن الناس في الإمارات متخوفون من أن تبتلعهم السعودية.
هذه هي الإمارات كما رصدتها الاستخبارات السعودية في تقرير يرشحها لهجوم عسكري سعودي فوري!
ارسال التعليق