التطبيع مع ’’ إسرائيل’’ من البوابة السعودية الخليجية... سقوط مريع وتفريط بالمقدسات
يحكى الكثير عن هرولة أنظمة عربية رسمية أو مسؤولين وقيادات من دول عربية وإسلامية باتجاه (إسرائيل) طالبين الرضا وساعين للتطبيع معها مقدمين مختلف صنوف التنازلات وبأشكال متنوعة، مع كل يحمل ذلك أحيانا من ضرب للقيم والمقدسات التي تخص الأمة وشعوبها، ومن دون أي اعتبار للدماء التي أريقت من قبل هذا العدو الأول والأخير لهذه الأمة أو للتضحيات التي قدمت على مدى عشرات السنين بمواجهة آلة القتل والفتن الإسرائيلية.
وفي الماضي كنا نعلم عبر تسريبات من هنا وأخرى من هناك بمواقف مهادنة أو مطبعة مع العدو أو لقاءات تجري بين قيادات عربية وإسلامية ومسؤولين إسرائيليين وكان الأمر يخدش سمعنا وعقولنا، وتحصل التساؤلات في السر والعلن عن مدى صحة مثل هذه الأمور والنفوس كانت تحاول عدم تصديقها أو القبول بحصولها، إلا أن اليوم ما نسمعه بات يتجاوز كل حدود ويخالف كل منطق حيث يخرج علينا في وضح النهار من القيادات الخليجية من ينتقد استمرار الصراع العربي الإسرائيلي ويرفض استمراره.
المواقف الخليجية والتضحية بالقضية الفلسطينية..
وفي هذا الإطار برز كلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال إلقاء كلمة بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث قال إن "النزاع العربي الإسرائيلي أطول نزاع في الوقت الحاضر ولا يوجد مبرر لاستمراره"، وتابع أن "المملكة السعودية تشارك بالبحث عن حل سلمي للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وموقفنا يستند إلى حل دولتين تعيشان في سلام وأمان مع دولة فلسطينية داخل حدود عام 1967 بعد إجراء بعض التعديلات وفق ما يتفق عليه"، مشيرا إلى أن "الحل ينطوي على أن تكون القدس الشرقية عاصمة فضلا عن تقاسم عادل للموارد المائية واللاجئين"، معتبرا أن "هذا يمثل اتفاقا عادلا بالنسبة لنا".
مواقف الجبير تعيد إلى الذاكرة المبادرة السعودية لـ"السلام" التي أطلقها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز خلال القمة العربية في بيروت في العام 2004، والتي لم تحصل على القبول من الجانب الإسرائيلي الذي يعول على الحصول على المزيد من المكاسب من قبل الأنظمة الرسمية العربية، والأيام تثبت أنه قادر على ذلك نتيجة الممارسات العربية الرسمية.
رأس حربة مشروع التطبيع..
هذه المواقف السعودية تتلاقى مع ما نشر قبل أيام عن كلام جديد للملك البحريني حمد بن عيسى الذي يبدو أنه يؤيد ويبارك عملية تطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال، فقد نقل عن الملك قوله إنه "يعارض المقاطعة العربية لـ (إسرائيل) ويعتبر أن المقاطعة طال أمدها من قبل الدول العربية ويجب أن تنتهي"، ما يحمل دلالات أو مؤشرات على ما يجري في الكواليس من تحضيرات لشيء ما "يطبخ" في هذا الإطار.
وفي إطار متصل، أكدت مصادر بحرينية أن "حكومة المنامة أمرت المساجد بوقف الخطب المناهضة لـ (إسرائيل)"، ولفتت إلى "إمكانية إعلان تطبيع العلاقات بشكل رسمي في غضون سنة إثر توفر عدد من الدلائل التي تشير إلى أن المنامة تسقط العداء لـ (إسرائيل)"، وأشارت إلى أن "حصول زيارات خارج الأطر السياسية الرسمية منها على سبيل المثال زيارة مسؤولين من اتحاد كرة القدم الإسرائيلي إلى مؤتمر فيفا في مايو/أيار في المنامة بالإضافة إلى زيارات لرجال أعمال ورجال دين بصورة متكررة إلى البحرين".
ولفتت المصادر إلى أن "الجانبين البحريني والإسرائيلي يعملان بالفعل على إقامة زيارات تبادل لوزراء ورجال أعمال وشخصيات دينية دون أن يتطور الأمر إلى فتح بعثات دبلوماسية"، وأضافت أن "إقامة علاقات مع (إسرائيل) لن تكون مشكلة فالنظام البحريني لا يعتبر أن (إسرائيل) تهدد أمنه".
وعودة الحديث عن تسارع في وتيرة العلاقات الخليجية الإسرائيلية، يذكرنا بما سُرب إلى الإعلام قبل فترة عن زيارة شخصية سعودية رفيعة المستوى إلى الأراضي المحتلة وعقد لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، قبل أن تبادر صحيفة "ميكور ريشون" الإسرائيلية يوم الأحد في 10 سبتمبر/ أيلول 2017 للقول إن : ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زار (إسرائيل) سرا والتقى برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وفي هذا السياق، تحدثت وسائل إعلام عدة عن أن الزائر إلى تل أبيب اصطحب معه وفدا أمنيا كبيرا من ضمنه كان الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي الذي يعتبره البعض أحد عرابي العلاقات السعودية الإسرائيلية المفترضة ومن الداعين الشرسين في السر والعلن للتطبيع مع الكيان الذي قام على أنقاض فلسطين ودماء شعبها.
المشاريع المشبوهة.. والموقف الفلسطيني
كل ذلك يفتح الباب للتساؤل عن جدوى إقامة علاقات مع كيان الاحتلال في ظل استمرار عدوانيته ضد الفلسطينيين والأمة كلها وعدم تقديمه حتى الساعة أي دليل على حسن نواياه بل العكس هو الصحيح، حيث تستمر القيادات الإسرائيلية في إطلاق التهديدات باتجاه العديد من الدول والتيارات العربية والإسلامية، وبالأخص الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة، لكن تبقى المشاريع السياسية الخاصة لبعض الأفراد هي الدافع والمحرك لتقديم كل التنازلات لصالح المشروع الأمريكي الإسرائيلي.
وانطلاقا من كل ذلك نددت حركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين "بكل أشكال التطبيع العربي مع العدو الإسرائيلي"، وحذرت من "دعوات التطبيع وإنهاء مقاطعة الاحتلال"، وقالت "تابعنا مؤخرا تصريحات عدد من المسؤولين العرب التي حاولوا من خلالها التودد للكيان الصهيوني وإظهار حسن نواياهم تجاه"، وشددت على "رفض الفلسطينيين التفريط في أرضهم ومقدساتهم"، وخاطبت كل الساعين للتطبيع "كفوا أيديكم عن العبث بقضيتنا وإذا كنتم عاجزين عن الوقوف مع شعبنا وإسناد حقه في المقاومة والنضال لاستعادة حقوقه"، وأكدت أن "الأجيال لن تغفر ولن تنسى".
موقف الحركة الفلسطينية الذي يعبر عن لسان حال الفلسطينيين، يتلاقى مع مواقف الشعوب العربية والإسلامية الحية الرافضة لأي شكل من أشكال العلاقة مع العدو الإسرائيلي، انطلاقا من الوفاء للقضية الفلسطينية التي يحاول البعض الأنظمة المساعدة على تصفيتها والتخلص من العبء التاريخي التي كانت تشكله لهم أمام شعوبهم، فالشعوب وتيارات المجتمع المدني والأحزاب والشخصيات الحرة لا تترك للعدو ثغرة كي يعبر من خلالها، سواء عبر المواجهة الثقافية أو الإعلامية أو السياسية وعبر منع دخول ومشاركة الفنانين والإعلاميين الإسرائيليين إلى الوطن العربي أو عبر التظاهرات في كل ذكرى فلسطينية أو مناسبة تستدعي ذلك وغيرها من أشكال إبقاء القضية المركزية للأمة أي القضية الفلسطينية حية تتناقلها الأجيال حفاظا على الحقوق ومنعا لإهدارها.
بقلم : مالك ضاهر
ارسال التعليق