السعودية والإمارات تعبثان بالعمق الاستراتيجي لعُمان
تشير الأجواء السياسية الحالية إلى أن السعودية والإمارات تحملان على عاتقهما تسعير الفتنة الخليجية وتوسيع دائرتها، لتكون سلطنة عمان في مركز الخلافات، وجرها إلى خط الصراعات بالوكالة التي تديرها الرياض وأبو ظبي بأوامر أمريكية، وتكهن العديد من المراقبين بأن المنطقة الخليجية ستشهد في المستقبل القريب نزاعات قد تتخطى الحاجز السياسي لتصل إلى العسكري، ما قد يدفع سلطنة عمان إلى التكشير عن أنيابها بعد المساس بأمنها القومي.
عسكرة «المهرة».. مدخل لتوريط مسقط
ظلت محافظة المهرة اليمنية الحدودية مع سلطنة عمان، والتي تُعدها الأخيرة حديقتها الخلفية وبعدها الاستراتيجي، بعيدة تمامًا عن نيران العدوان السعودي الأمريكي على اليمن لأكثر من عامين، لكنها دخلت على خط صراع النفوذ هناك قبل أشهر قليلة، حيث انطلقت إرهاصات التدخل السعودي الإماراتي في المحافظة خلال أغسطس الماضي، عندما اتخذت أبوظبي من “خدمات الهلال الأحمر الإماراتي” في اليمن غطاءً لتنطلق من تحته في محاولات السيطرة على المهرة، ومن هنا انطلقت تحركات عسكرية وأمنية إماراتية بإنشاء وحدات مسلحة تابعة لها، وفي نوفمبر الماضي، دخلت السعودية على خط صراع النفوذ هناك، عندما أرسلت فريقا عسكريا إلى منفذي “شحن” و”صرفيت” الحدوديين البريين ومطار الغيضة، في زيارة قيل إن الهدف منها “دراسة الإمكانات المتاحة لفرض السيطرة الكاملة على منافذ المحافظة”.
ترافق إرسال الفريق العسكري مع حملة إعلامية سادت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية تتهم عمان بوجود عمليات تهريب أسلحة لحركة أنصار الله من السلطنة عبر منافذ محافظة المهرة، الاتهام الذي نفته مرارًا وتكرارًا وسعت إلى اتخاذ إجراءات مشددة لضبط بعض عمليات التهريب عبر الحدود، لإثبات عدم اضطلاعها في عمليات التهريب، إلا أن تحركات الرياض وأبو ظبي ظلت مستمرة، الأمر الذي دفع العديد من الخبراء إلى القول بأن حجة “مكافحة التهريب” ذريعة لتحقيق أهداف الحليفين السعودي والإماراتي في تهديد أمن سلطنة عمان، من خلال عسكرة المحافظة الحدودية، وزرع تشكيلات مسلحة في مديرياتها لتكون على أهبة الاستعداد على غرار ما حدث في عدن.
بالفعل، ما لبثت الاتهامات أن انطلقت حتى وصلت تعزيزات عسكرية سعودية للمحافظة اليمنية الحدودية إلى مدينة “الغيضة” مركز المحافظة، وتوزعت على باقي مديرياتها، وبحسب المعلومات والمصادر، فإن التعزيزات الجديدة شملت مدرعات وعربات مصفحة ودبابات وذخائر وقذائف متنوعة الأحجام، وانضمت تلك القوات إلى الدفعة الأولى التي دخلت المهرة في أواخر نوفمبر الماضي، لتكون ذراع التحالف في منافذ المحافظة، وتزامن ذلك مع ورود أنباء تؤكد تزويد السعودية حلف قبائل “بوقي بن حميد” الذي يضم قبائل “سمودة” و”كلشات”، بكميات من الأسلحة بذريعة مكافحة التهريب من عمان إلى اليمن.
العمل الإنساني.. ستار جديد
ولم تكتف السعودية والإمارات بكيل الاتهامات لمسقط، بل سعت إلى استغلال الناحية الإنسانية أيضًا لجذب التأييدات من مواطني “المهرة” للوجود السعودي الإماراتي هناك، ففي الوقت الذي تعاني فيه جميع مدن اليمن من أزمات ومعاناة إنسانية حادة، وعلى رأسها صنعاء وعدن، على خلفية القصف العشوائي الذي تشنه طائرات العدوان السعودي دون تحرك أي من الأطراف المشاركة في العدوان للتخفيف من حدة هذه المعاناة، نشطت المجهودات الإنسانية للمملكة والإمارات في محافظة “المهرة”.
وتحت ستار “العمل الإنساني”، تكثفت برامج إنسانية وانطلقت مجموعة من النشاطات التي يقوم بها مركز “الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية”، بهدف استمالة ذوي الحاجة من أبناء المحافظة، عبر توزيع مساعدات عينية عليهم من حين إلى آخر، فيما عملت المملكة على الدفع بقوافل تشمل حافلات وسيارات إسعاف وسيارات نظافة إلى محافظة المهرة، كما عملت وحدات سعودية على رصف الشوارع الداخلية وإضاءتها وتشجيرها، إلى جانب وعود أطلقها بعض المسؤولين السعوديين والإماراتيين في المحافظة بشأن افتتاح وحدات صحية جديدة، وتزويد الموجود منها بمعدات وأجهزة طبية، واستحداث آبار مياه، وإنشاء محطة تحلية، والإتيان بمولدات كهربائية وترميم مدارس وافتتاح ثلاث كليات جديدة.
باكريت.. أداة الـتأميم السعودية
لم تتوقف السعودية وحليفتها الإماراتية عند هذا الحد، بل دفعت الرئيس اليمني المستقبل، عبد ربه منصور هادي، إلى اتخاذ قرار للإطاحة بمحافظ المهرة، محمد عبد الله كدة، من منصبه، وهو الرجل الذي لعب دورًا كبيرًا في تقويض تحركات أبوظبي والرياض في شرق اليمن، ومعروف بقربه من سلطنة عمان التي يحمل جنسيتها، وتعيين راجح باكريت، الموالي للسعودية، خلفًا له، ليكون الشخصية المثالية بالنسبة للرياض في إطار محاولاتها الاستيلاء على “المهرة”، حيث لا يكاد يفوت تصريحًا إلا ويشيد فيه بجهود المملكة في تأمين المحافظة وتنميتها.
عقب تعيين باكريت محافظًا، تواردت أنباء عن أن الأخير فتح باب التجنيد لأبناء المهرة في الجانبين العسكري والأمني، الأمر الذي حمل خطورة زرع أفكار سعودية في ذهن هؤلاء المجندين لإشعال الفتنه مع سلطنة عمان، وبالتزامن مع ذلك، أرسلت المملكة وفدًا ترأسه محافظ المهرة، التقى زعماء جماعات سلفية متشددة بالمحافظة بهدف التجهيز لإقامة مركز ديني سلفي في مدينة قشن، ثاني أكبر مدن المحافظة، ما أثار حالة من الجدل السياسي، تخوفا من حدوث حالة انقسام مجتمعية، حيث حذرت شخصيات اجتماعية في المحافظة من خطورة إقامة مثل هذه المراكز على السلم الاجتماعي.
معاقبة عمان
لاشك أن المساعدات الإنسانية والوفود الدينية والسياسية والتغييرات الجوهرية التي طالت محافظ المهرة، لا تأتي دون غايات سياسية وعسكرية تخطط لها المملكة السعودية وحليفتها الإماراتية، حيث اعتبر العديد من الخبراء أن الرياض وأبوظبي بهذه الخطوات التصعيدية يقرعون جرس الإنذار والخطر لسلطنة عمان، ويحاولون التحرش بسيادتها وتهديد أمنها القومي، لحملها على تغيير موقفها تجاه الأزمات المتورطتين فيها، وعلى رأسها الأزمة الخليجية المتمثلة في مقاطعه قطر، أو الأزمة اليمنية المستمرة منذ ما يقرب ثلاثة أعوام، أو ملف مواجهة النفوذ الإيراني، من خلال العبث بالتوازن الطائفي والوضع الأمني القائم في محافظة المهرة الحدودية، واستمالة المهريين لانتزاع وفائهم إلى مسقط، ليكون أمام السلطنة خياران لا ثالث لهما، إما مجاراة الرياض وأبو ظبي في العدوان على اليمن، والمشاركة في حصار قطر، وتخريب علاقاتها مع إيران، أو الدخول في صراع سياسي وقد يكون عسكري مع السعودية والإمارات.
خطوات استباقية
يبدو أن سلطان عمان تنبأ بالمخطط السعودي الإماراتي، وتيقن من أن جيرانه في المنطقة الخليجية بصدد إقحامه في خلافات ونزاعات وصراعات بالوكالة نأى بنفسه عنها قبل سنوات، الأمر الذي دفعه إلى اتخاذ بعض الإجراءات الاستباقية في محاولة للحفاظ على الأمن القومي للسلطنة، حيث أصدر السلطان قابوس في يوليو الماضي، مرسومًا قضى بمنح الجنسية العمانية لأسرتي رئيس الوزراء اليمني الجنوبي السابق، حيدر أبو بكر العطاس، وسلطان المهرة، عيسى بن عفرار، بالإضافة لمنح الجنسية لـ69 شخصا من أبناء الأسرتين، وهي الخطوة التي اتخذها سلطان عمان في محاولة لتحصين بلاده من التوغل الإماراتي ومحاولات إشعال الفتن بتشكيل ميليشيات عسكرية هناك.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق