السلطات السعودية مدينة بعشرات آلاف الدولارات لعمّال وافدين
لا تقف معاناة العمالة الأجنبية في بلاد شبه الجزيرة العربية عند حدّ معين، فلا سقف لمعاناتهم. وهم إن تمكّنوا من الوصول إلى بلاد الحرمين سواءً بالطرق الشرعية أم عكس ذلك، بدؤوا مسارا صعبا من الإجحاف في المعاشات وظروف العيش الصعبة، وليس نهاية بتمكّنهم من الحصول على أجورهم البخسة سلفاً.
يأتي هؤلاء إلى بلاد الخليج لما توفّره هذه الأخيرة من فرص عمل لا تتطلب شهادات علمية أو كفاءات معيّنة. لكن ما يواجههوه بعد مجيئهم؛ ليس أقلّ مرارة من واقع عيشهم في بلادهم.
ما يفوق التسعة آلاف عامل أجنبي لا يزالون ينتطرون مستحقاتهم من الشركات التي عملوا بها في بعض الأحيان أكثر من عقد، من أصل 21 ألف عامل على الأقل من باكستان، وبنغلادش، والفليبين، ونيبال. وقدّرت محكمة التنفيذ في الرياض في 2019 أن سعودي أوجيه -وحدها-، التي تمت تصفيتها الآن، مدينة بأكثر من 2.6 مليار ريال سعودي (693 دولار أمريكي) كأجور غير مدفوعة وغيرها من المستحقات للعمال.
بدأت الأزمة عام 2016، بعد فترة من انخفاض أسعار النفط والركود الاقتصادي في السعودية، حين تخلفت شركات عدة عن سداد أجور مئات آلاف العمال الوافدين، الذين تقطعت بهم السبل نتيجة ذلك.
وفي أواخر 2023، أعلن أمناء تصفية "شركة سعودي أوجيه المحدودة" وأمين إفلاس "مجموعة محمد المعجل"، وهم أمناء الشركتين السعوديتين اللتين واجهتا تحديات من هذا النوع، وتخضعان حاليا للتصفية والإفلاس على التوالي، أن على الموظفين التسجيل للحصول على مستحقاتهم. لكن ثمة ثغرات عديدة في خطة السداد تعرّض الأجور للخطر.
في تقرير صدر حديثاً لمنظمة (هيومن رايتس ووتش)، في الـ28 من الشهر الجاري، نقلت المنظمة وفق المقابلات العديدة التي أجرتها مع حوالي 27 من هؤلاء العمّال من الجنسيات المختلفة، بعض من أوجه هذه الثغرات. ووفق ما أفاد هؤلاء العمال إنهم عملوا بين ثلاث سنوات و20 سنة في السعودية، وإن لديهم مستحقات لدى إحدى الشركتين تبلغ 80 ألف ريال سعودي (21,333 دولار أمريكي)، منها تعويضات نهاية الخدمة.
نبّهت المنظمة إلى أنه "ينبغي للسلطات السعودية أن تضمن حصول جميع الموظفين السابقين في هاتين الشركتين على كامل مستحقاتهم. وينبغي لها أيضا وضع تدابير صارمة بوجه السرقة المتفشية للأجور التي يتعرض لها العمال الوافدون في جميع أنحاء البلاد".
واحدة من هذه الثغرات، تكمن في أصل أسلوب تقديم الطلب على الاستحصال على الأجر المتأخر، حيث قال ابن موظف سابق في مجموعة محمد المعجل إن والده، الذي لا يجيد استخدام التكنولوجيا، سمع بالدعوة إلى التسجيل من برنامج إخباري عبر إذاعة محلية في نيبال وطلب من ابنه أن يسجله. ونوّهت المنظمة في هذا السياق إلى أنه "ينبغي للسلطات تعزيز جهودها للتواصل مع العمال لضمان أن جميع العمال المؤهلين قد أُبلِغوا بالبرنامج ويستطيعون تسجيل معلوماتهم بسهولة".
ثغرة أخرى تتجلّى في أن عديدٌ ممن تمكّنوا من الحصول -بعد حين- على شيك عن أجروهم لم يتمكّنوا من صرفها. قال عامل بنغلادشي -ممن أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم- إنه أجرى اتصالات دولية مستميتة وباهظة الثمن بمصرف الإنماء، المصرف السعودي الذي أصدر الشيكات لموظفي سعودي أوجيه السابقين. ولكن عندما تلقى أخيرا الشيك، لم يقبل أي مصرف في بنغلادش بصرفه.
قال موظف آخر إن مصرفا محليا في بنغلادش قبل الشيك منه، لكن الحصول على الأموال سيستغرق أسابيع. أما العمال الفليبينيون الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات، فقالوا إنهم أودعوا شيكاتهم لكن، على حد تعبير أحدهم، المصارف المحلية "تنتظر أن يحول مصرف الإنماء أمواله إلى مدخراتنا".
ليس كلّ العمّال الذين لم يستحصلوا على أجورهم، واردة أسمائهم في لائحة المُستحقين. عدد ممن تمت مقابلتهم ولم ترد أسماؤهم في قائمة الطلبات الأصلية، أو لم يحصلوا على رقم طلب، قالوا إن مستحقاتهم تبلغ آلاف الدولارات. وليس من الواضح بالنسبة لهم لماذا تم استثناؤهم. قال أحدهم عن مسؤولي سفارة بلاده: "كل ما قالوه لي هو أن الأسماء الواردة في القائمة التي يقدمها [أمناء الإفلاس في مجموعة المعجل] فقط هي المؤهلة لتقديم طلب".
يؤكّد التقرير أن ثمن تخلّف أصحاب العمل عن سداد أجور العمال لفترات طويلة قد يكون مأساويا من الناحية المادية والنفسية لهم ولعائلاتهم. تنقل عن إحدى العاملين في سعودي أوجيه: "أشعر بتوتر دائم بشأن أجري لأنني خسرت عرقا ودما لكسب كل قرش. أنا الآن مصاب بارتفاع ضغط الدم - أعيش حياة صعبة جدا. اضطررت إلى الاقتراض من المصارف لأدير أمور عائلتي، وأسدد كلفة علاجنا [الطبي]. إذا حصلت على هذه الأموال، سأتمكن من سداد القروض. وإلا سأُدمَّر".
ويتذكر العمال بوضوح اضطرارهم إلى الاعتماد على سفارات بلدانهم أو السلطات السعودية في 2016 من أجل الغذاء والعودة إلى ديارهم عندما لم تُدفَع أجورهم. لجأ آخرون إلى مدخراتهم أو حصلوا على مساعدة عائلاتهم في بلدانهم، بما في ذلك عبر الاقتراض. قال بعض العمال إنهم علقوا في السعودية، لأنهم لم يقبضوا أجورهم ولم يتمكنوا من مغادرة البلاد بسبب عدم تجديد الشركة إقاماتهم.
ارسال التعليق