العلاقات المصریة السعودية...بين مايريده آل سعود ومايراه النظام المصريون
منذ وفاة الملك السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزيز، حيث شهدت في عهده العلاقات المصرية السعودية صعوداً وازدهاراً، بعد الأطاحة بالرئيس الأخواني محمد مرسي، وحتى يومنا هذا شهدت العلاقات المصرية- السعودية تذبذباً، صعوداً ونزولاً، وشهدنا حملات إعلامية في الاتجاهين ومن كلا الطرفين، اي الاشارة بهذه العلاقة والتغني بها في فترة الصعود، والانتقاص من هذه العلاقة وازدراء كل طرف للاخر في فترة النزول، حتى وصلت الامور الى التغطية والتصعيد الحاد بين الرياض والقاهرة، وهو تصعيد أشر الى بدء مرحلة جديدة من التوتر بين العاصمتين بلغت ذروته بوقوف مصر الى جانب روسيا في التصويت على قرار دولي بشأن سوريا، خلافاً لما تريده السعودية لدرجة ان دفع ذلك، مندوب السعودية في الأمم المتحدة الى التهكم والقول انه من المؤلم ان نجد دولاً مثل ماليزيا والسنغال أقرب الى الموقف السعودي من مصر! ثم قامت شركة أرامكو بقطع امداداتها النفطية لمصر لاسباب سياسية، رغم أنها ادعت ان القطع لاسباب فنية، مما شكل خرقا للاتفاقات التي عقدت اثناء زيارة سلمان وابنه لمصر قبل عدة أشهر، ومنها اتفاق تزويد مصر بالمحروقات شهرياً باسعارمخفضة ودفع مؤجل، وهي الزيارة التي اثارت جدلاً كبيراً بسبب موافقة حكومة السيسي على التنازل عن جزيرتي صنافير وتيران لصالح السعودية إذ إعترض المصریون بقوة، وتلكأت الحكومة المصرية بسبب ذلك في تسليم الجزيرتين للسعودية، وباتت القضية سبباً من أسباب التوتر في العلاقات بين الطرفين.
على أي حال، حاولت الأمارات مؤخراً التوسط بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك سلمان، وعقد اجتماع مصالحة يضمهما الى جانب رئيس دولة الأمارات محمد بن زايد آل نهيان، وعندما ذهب السيسي الى الامارات، أشارت بعض وسائل الاعلام المصرية الى أن هناك ترتیبات لاجراء قمة ثلاثية بين مصر والسعودية والامارات لاصلاح العلاقات بين القاهرة والرياض. اكثر من ذلك، ان النائب البرلماني والاعلامي المصري مصطفى بكري قال عبر حسابه على توتير أثناء زيارة السيسي للامارات، ان " هذه الزيارة تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات المصرية السعودية سحابة صيف، آن لها أن تنقشع عبر الدعوة الكريمة التي وجهها الشيخ محمد بن زايد للرئيس السيسي والملك سلمان والترتيب لعقد قمة بينهما لقضية الأجواء بين البلدين الشقيقين، الذين تربطهما علاقات تاريخية واخوية قادرة على تجاوز أي أزمات طارئة بين البلدين" على حد قوله. وأوضح بكري انه " علم من مصادر خاصة ان هناك اتجاهاً لعقد قمة ثلاثية بين الرئيس عبدالفتاح والسيسي والملك سلمان بن عبدالعزيز والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي".وأضاف بكري ان " الشيخ محمد بن زايد قد طرح خلال زيارته الأخيرة للقاهرة عقد قمة ثلاثية في الأمارات، وهو مالقي تجاوباً من الرئيس السيسي والملك سلمان" على حدزعم بكري...
على انه رغم كل هذا التفاؤل ، الّا ان السيسي فاجأ المراقبين وعاد من الامارات قبيل وصول سلمان الى الامارات، ما أشر في حينها الى فشل الوساطة الاماراتية، وحينها قيل ان الملك سلمان هو الذي رفض المصالحة، حيث ذكرت بعض الاوساط الاعلامية العربية ان " سلمان يعتقد ان السيسي غدر به في مجلس الأمن، وقام بالتصويت لصالح القرار الروسي ضد القرار الحربي بقيادة الرياض، فکان رد سلمان علیهم هو، بصفتي ملك السعودية فأنا أرفض أي تصالح معه (السيسي) في الوقت الحالي".
بعض الاوساط الاعلامية اليمنية وحتى الغربية أشارت الى ان فشل جهود المصالحة، يرجع الى اشتراطات ولي ولي العهد، وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان للموافقة على هذه المصالحة مع مصر،ومنها، إقالة وزير الخارجية المصري سامح شكري لمواقفه المتشددة من السياسات السعودية، وكذلك تسليم جزيرتی تیران وصنافیر الى السعوديين حتى قبل حكم المحكمة المصرية، وهما شرطان ان صح ما سربته وسائل الاعلام، يعدان بالنظرة المصرية تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي المصري.
بيد أن صحيفة هافينتجون بوست أشارت الى ان الاسباب التي ادت الى التوتر بين كل من مصر والسعودية هي الاختلافات بين الطرفين حول ملفات سوريا وايران واليمن، وأشارت الصحيفة الى رؤية الكتاب من كلا البلدين فيما يخص الاختلاف حول سوريا وفيما يخص اليمن، ففيما يخص سوريا أشارت الى ماقاله الكاتب والصحفي المصري عبدالله السناوي لوكالة الأنباء الفرنسية... " هناك دوماً حديث عن تحالف استراتيجي بين القاهرة والرياض وهذا غير صحيح...التحالف الاستراتيجي يعني وجود تفاهمات في الملفات الأقليمية، وهو أمر غير موجود بينهما في الملفين السوري واليمني، الخلاف الآن انفجر وظهر للسطح" وفیما یخص سوریا والموقف من أزمتها قال السناوي "في سوريا الموقف المصري يناقض الموقف السعودي"، موضحاً ان "مصر مع وحدة الأراضي السورية وضد تفكيك الجيش السوري وضد كل الجماعات المعارضة المسلحة، ومنها جبهة النصرة التي تساندها السعودية، ولها دور في تمويلها وتدريبها " وبالنسبة للموقف من الرئيس الأسد، بقاءه في السلطة من عدمه يقول السفير المصري السابق السيد أمين شلبي المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية وهو مركز بحثي مستقل في القاهرة..." السعودية موقفها حاسم تجاه رحيل الأسد وترى في ذلك حلاً للازمة، بينما مصر مع الحل السياسي للأزمة واحد عناصره بشارالأسد".
أما مايخص الاشارة الى مواقف النظام السعودي من الملفات الآنفة، فالصحيفة الأمريكية أشارت الى ماكتبه الكاتب السعودي القريب من البلاط السعودي جمال خاشقجي، حيث يقول بهذا الصدد " مصر لاترى خطر الايرانيين" الذين يدخلون في صراع إقليمي محموم مع السعودية بتأييدهم لبشار الأسد في سوريا والحوثيين في اليمن"، معتبراً ان " السعودية تسامحت مع الموقف المصري مراراً وتكراراً، واعتقد ان ماحدث في تصويت الأمم المتحدة هو القشة التي قصمت ظهر البعير" على حد قوله.
وبدلاً من أن يتفهم السعوديون المواقف المصرية، باعتبارها أُموراً سيادية والضغط باتجاه تغييرها لتتواءم مع المواقف السعودية،بدلاً من ذلك يريد السعوديون أن تتخلى مصر عن دورها وخططها واستراتيجيتها للتماهى مع ما يريده آل سعود، وهو مارفضه المصريون لاسباب جوهرية ومقنعة هي:
أولاً: ان التماهي مع سياسة آل سعود يعني، كما أشرنا قبل قليل تخلي مصر عن استقلالها وسيادتها، وشخصيتها، وتحولها الى أداة تحركها السلطات السعودية وفقاً لاجنداتها الداخلية والخارجية، وهذا ما لايتناسب مع مصر ذات التاريخ العريق وذات الثقل السكاني والجغرافي ودورها في الدفاع عن القضايا العربية وما الى ذلك، وهذا ماعبر عنه بعض الكتاب المصريين مراراً وتكراراً حيث اجمعوا على القول إنهم يرفضون ان يتحول المصريون الى " عبيد " لدى آل سعود لقاء حفنة من الدولارات لدعم الاقتصاد المصري المتهالك.بل ان جمال خاشقجي في تصريحاته التي أشرنا اليها يشير بوضوح الى مايراه آل سعود من ضرورة تخلي المصريين عن مواقفهم والانسجام التام مع ماتريده السعودية.وذلك كما قلنا رفضه المصريون، وابدوا استعدادهم لتحمل ضغوط قطع مساعدات النظام السعودية المالية والنفطية لقاء الاحتفاظ باستقلالية قرارهم من ملفات وازمات المنطقة.
ثانياً: وهو الأمر المهم والخطير من وجهة نظر الحكومة المصرية، وهو ان السياسة السعودية الخارجية تغيّرت بشكل خطير ولافت بعد مجئ الملك سلمان وطاقمه سيما ابنه ولي ولي العهد وزير الدفاع محمدبن سلمان، عمّا كانت عليه في عهد الملك السابق عبدالله بن عبدالعزيز، فكان المصريون ينظرون الى سياسة هذا الأخير،أنها أقرب الى المواقف المصرية، و لم تكن بهذه الفجاجة التي عليها سياسة خلفه سلمان وإبنه، فالمصريون يقولون إنهم بامكانهم التفاهم الى حدما مع السعوديين استناداً لىسياسة الملك السابق، فيما ليس بامكانهم الانسجام مع سياسة سلمان وابنه، لأنها وكما أوضحت أوساط عربية وغربية وصهيونية سياسة تشكل خطراً ليس على الدول العربية والاسلامية وحسب، انما على مصرنفسها، لأنها أي سياسة آل سعود، ترتكز الى أسس وقواعد تهدد بشكل خطير الاستقرار الاقليمي والقطري والعالمي، ومن هذه الأسس:
1- إن أهم أسس السياسة الخارجية للنظام السعودي الحالي، هو التماهي مع المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، والذي يهدف الى تفتيت المنطقة وتقسيمها واستنزاف طاقاتها البشرية والمادية عبر اثارة الفتن الداخلية، من مذهبية ومن عرقية، ومناطقية وقبلية ودينية وما الى الى ذلك، وهذا ما اعترف به الصهاينة أنفسهم وأشادوا به، فرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو صرح مراراً وتكراراً، ان النظام السعودي يقف في خندق" اسرائيل" في مواجهة ايران وحزب الله وباقي القوى الثورية في المنطقة، وتحدث أيضاً عن التنسيق والتعاون بين الطرفين فيما يخص الملفات السورية والعراقية واليمنية وحتى فيما يخص مصر، وللاشارة تحدث الكتاب العرب أو بعضهم بشكل مسهب تطور العلاقات بين الرياض وتل أبيب، وعن لقاءات تركي الفيصل مسؤول أو رئيس المخابرات السعودية السابق وأنورعشقي الجنرال السعودي المتقاعد ورئيس مركز جدة للدراسات الاستراتيجية مع المسؤولين الصهاينة، ولاداعي للتكرار.ومعلوم وباعتراف الصهاينة ووسائل إعلامهم ان هذا المشروع يهدف الى القضاء على الدول المقاومة، فيما بات النظام السعودي يشكل رأس الحربة في هذا المشروع الذي يستهدف مصر، وباعتراف الصهاينة أنفسهم، وباعتراف الغربيين.
2- توظيف النظام السعودي قطعان الوهابية، في تنفيذ هذا المشروع، وقام باعدادها فكرياً وبتسحليها بعد تدريبها وتمويلها لتفتك بالعراق وسوريا وليبيا،وحتى في مصر،في سيناء تحديداً، فالارهابيون الذين يهاجمون الجيش المصري في سيناء بين الحين والآخر، هم جزء من هذه القطعان الوهابية السعودية وتقودهم وتمولهم وتسلحهم كل من السعودية وقطر.فهذه القطعان باتت تشكل اليوم اليد الطولى والاداة الفعالة للاميركان والصهاينة، لتفتيت واضعاف دول المنطقة واستنزافها على كل الأصعدة ليخلو الجو للكيان الصهيوني، وليتحصن أمنه.
3- النظام السعودي لم يكتف باعداد وتمويل القطعان الوهابية وتسليحها وتدريبها،وتغطيتها بالفتاوي من علماء الوهابية السعوديين لتبرير جرائمها بحق الشعوب وفتكها وانما نزل بكل ثقلة وبشكل فاضح وبفجور عجيب لخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني كما تجلى ذلك في مهاجمته الشعب اليمني، وتدمير اليمن في عدوان ما يزال مستمراً منذ اكثر من 20 شهراً متواصلاً، بهدف تحويل اليمن الى حديقة خلفية للنظام السعودي وللصهاينة والأميركان، بهدف استغلال ثرواته وامكاناته وتحويله الى قاعدة أمريكية صهيونية في مواجهة دول في المنطقة ترفض هيمنة ال سعود، وفي مواجهة روسيا والصين، واذا عرفنا ان النظام الصهيوني ينسق مع اثيوبيا ويحرض ايضاً، ويبرم العقود الاقتصادية معها لقطع مياه النيل عن مصر والسودان، يتضح لنا كيف ان مايقوم به النظام السعودي من عدوان على اليمن، هو عدوان غير مباشر على الدول العربية وعلى مصر بالذات، لانه بهذا العدوان يريد الصهاينة تعزيز سطوتهم في تلك المنطقة وبالتالي تكون خططهم العدوانية لمصر اكثر قوة وتأثيراً !!
4- وانطلاقاً من الأسس الجديدة في السياسة السعودية، يمثل آل سعود اليوم رأس الحربة في تفتيت سوريا واستنزافها وتدمير جيشها ونظامها، بينما في الاستراتيجيا المصرية يشكل أمن سوريا ووحدتها جزءاً من الأمن القومي المصري وبالتالي يعني وقوف مصر الى جانب السعودية كما يريد آل سعود، تهديداً للأمن القومي المصري نفسه وهذا غير ممكن.
5- وانطلاقاً من الأسس ذاتها يحاول النظام السعودي خندقة العالم السني في مواجهة ايران والشيعة، لأن المشروع الأمريكي الصهيوني كما أشرنا لاينجح بغير اشعال هذه الحرب، كما اعترف بذلك الصهاينة أنفسهم، واراد النظام السعودي توظيف جامع الازهر وعلمائه واتباعه في اطار هذه المحاولة من خلال اغداق الاموال عليه وعلى مصر،لكن الازهر رفض ذلك، لان مثل هذه الحرب سيكون وقودها المسلمين، ومنهم المصريون لخدمة أجندات صهيونية، ولأنه رفض التوظيف السعودي، شنت السعودية واعلامها حملة أعلامية ضارية انتقاداً وتشويهاً واتهاماً .
ولأن الشعب المصري المعروف بروحه القومية يدرك مايريده النظام السعودي ولذلك رفض لعب دور لخدمة الاجندات الأمريكية والصهيونية.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق