الموقف السعودي على الأرض.. ثغرات يخفيها التهويل
شهدت الأيام الماضية، تحركات سعودية متسارعة داخليا وخارجيا، أثارت وتيرتها قدراً من الارتباك في السياسة الإقليمية للشرق الأوسط، بعد مرحلة من الهدوء النسبي الذي لم يقطعه سوى تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تجاه إيران، والتي ظلّت في محل إطلاق الكلمات فقط، في ظل عزوف الحليف الأوروبي عن الذهاب نحو مواجهة فعلية لمحور المقاومة، وفي ظل شلل مؤقت شهدته الأداة الإقليمية للولايات المتحدة في المنطقة، المتمثل في السعودية وحلفائها الخلايجة، شلل نفضته الزوبعة السعودية الأخيرة التي حدثت بملمح “استعراضي” واضح من حيث التوقيت والتراتبية، وأثمرت جزئياً عما أراد الحكم السعودي إظهاره بها، من حيث التعبير عن عنفوان وتحكُم لدى المملكة وقدرة على الحسم الفوري أو التحرك الحاد والناجز في ملفات مهمة في الداخل السعودي وفي لبنان، وكان واضحاً تبنّي قيادة المملكة لأسلوب التهويل لتثبت للأطراف المعادية لها حيازتها قدر من القوة لا تثبته الإجراءات في الواقع إلا على مستوى الشكل لا المضمون.
الحقيقة أن الزوبعة، التي تمتعت بعامليّ المفاجأة والضجيج، لا تنفي واقع الأزمة السياسية للمملكة على المستوى الإقليمي، ولم تعبر عن حيازتها لأي أوراق جديدة للقوة والسيطرة، فالهيمنة السعودية المطلقة على تيار المستقبل اللبناني، وزعيمه سعد الحريري، بديهة لم يجلب واقع المنطقة وتناقضاتها ما يفيد تغيّرها، بل على العكس تزداد رسوخاً بارتفاع وتيرة التناقضات والصراعات الإقليمية، وبدخول المؤسسة الاقتصادية العملاقة للحريري، الرابطة بين المملكة ولبنان، في مستنقع الإفلاس يوماً بعد الآخر، ما يفيد منطقياً عودة المؤسسة وصاحبها إلى نقطة انطلاقهما والراعي الرسمي سياسياً ومالياً لهما، بعدما طال الإفلاس سياسة الحريري أيضاً بفشله في تحقيق ما رسمته له المملكة من أهداف في الداخل اللبناني.
ضربات اليمن الموجعة في الجو والبر
تعود جذور بنك الصواريخ الباليستية لدى القوات المسلحة اليمنية إلى عهد جمهورية اليمن الجنوبية السابقة، التي تمتعت بعلاقات عسكرية وثيقة مع جمهورية كوريا الديمقراطية والاتحاد السوفييتي، ما كفل انطلاق مسيرة ترسانة الصواريخ الباليستية اليمنية التي تم تطويرها على مر السنوات بشكل يبدو أنه جاء مفاجئاً للمجتمعَين الدولي والإقليمي، في ظل محدودية الموارد العامة للدولة اليمنية على مر الأعوام، وبخلع الرئيس عبد ربه منصور بإجماع شعبي، ثم استقوائه بالسعودية وانطلاق العدوان الخليجي على اليمن، اضطلعت مجموعة ألوية الصواريخ في القوات المسلحة اليمنية بدور رئيسي في صد العدوان بصفتها السلاح الاستراتيجي الوحيد للبلاد، في مواجهة غارات جوية طاحنة تقتل آلاف المدنيين، وحصار جوي وبحري تسبب في تجويع اليمنيين وانتشار الكوليرا بينهم.
رغم الثبات النسبي للموقف العسكري على الحدود اليمنية السعودية، بريّاً، ورغم اضطرار الجيش اليمني وقوات أنصار الله الاعتماد على السلاح الخفيف في ظل الصعوبات الجغرافية ونقص إمكانات التسليح، استطاع اليمنيون على مدار أكثر من عامين الوصول إلى الحدود المباشرة لمحافظتيّ جيزان ونجران، وهي أراضٍ يمنية في الأصل، تم الاستيلاء عليها سعودياً، ويبدو أن استحالة الحسم البري من جانب اليمنيين بالدخول إلى أراضي المحافظتين تعود إلى عامل واحد، يكمن في افتقارهم لغطاء يؤمّن وضعهم، على أرض مستوية، في مواجهة الطيران السعودي، وهو ما توفره الجبال والتضاريس الصعبة المشرفة على المحافظتين، التي لا تسمح للطيران بالنيل منهم وتتيح لهم، في المقابل، مواصلة القصف واحتلال المواقع العسكرية السعودية، مع استحالة طبيعية لتوفير دفاع جوي يمني لتلك القوات، فضلاً عن ضعف يمني كبير في هذا السلاح، على أي حال، شهد العالم فرار عناصر الجيش السعودي من مواقعهم بداخل الأراضي السعودية مرة تلو الأخرى، مخلّفين أسلحتهم الثمينة وفائقة التطور إذا ما قورنت بالسلاح اليمني الخفيف والمتوسط.
من هنا، يعود الواقع نفسه باليمنيين إلى الصواريخ الباليستية إذا ما أرادوا ردع العدوان، وهو ما يحققونه بدقّة طالما أحرجت الحكم السعودي الذي يتلقّى ضربات صاروخية شملت مصافي النفط في ينبع، في تحوّل بالغ الخطورة، ومطار الملك خالد في العاصمة الرياض، كما شملت من قبل قواعد عسكرية ضخمة مخلّفة خسائر مؤثرة وإن كانت غير ضخمة، لتدخل المملكة عهداً جديداً مفترَضاً، يعلن عن نفسه بمفردات للقوة والحزم والسيطرة، تحت قصف يبلغ مطار العاصمة وأكبر القواعد الجوية في المملكة، وسط ذعر يعيشه السكان، ومحاولات تنجح حينا وتفشل أحياناً لاعتراض الصواريخ اليمنية، التي بلغت أبو ظبي في الإمارات منذ أقل من شهرين، لتفتح الباب أمام المزيد من المفاجآت المحتمَلة.
بقلم : محمود عبدالحكيم
ارسال التعليق