بلومبرج: دول مجلس التعاون لم تعد غنيّة
نشر الموقع الإلكتروني لمجلة "بلومبرج" الأمريكية المعنية بالشؤون الإقتصادية تقريراً أكد فيه أن دول مجلس التعاون لم تعد غنيّة كما كانت في السابق، مشيراً إلى أن هذه الدول قد دخلت في عصر العجز في الميزانيات والإحتجاجات والتقشف والإقتطاعات من الرفاهيات التي كان يحصل عليها مواطنوها في السابق.
وسلط التقرير الضوء على التغييرات الإقتصادية الأخيرة التي ضربت بعض دول مجلس التعاون، في أعقاب تراجع أسعار النفط بنسب كبيرة، مشيراً إلى أن هذه التغييرات خلّفت مشاعر من عدم الرضا في أوساط الشباب في هذه الدول لم تكن معهودة في السابق.
ولفت التقرير إلى أن دول مجلس التعاون تعيش مرحلة تتسم بتخفيض الإنفاق وشح الوظائف، وهناك سخط بين الشباب نادراً ما كان الفرد يراه في السابق قبل أن تتعرض أسعار الطاقة إلى الإنهيار، الأمر الذي خلّف عجزاً في الميزانيات.
وقال التقرير إن زمن الوظائف الحكومية السهلة، والوقود الرخيص، والسفر ذي الخمس نجوم، والتسوق الفاخر، لم يكن ليتلاشى قبل اليوم، لكن ما يجري في دول مجلس التعاون في الوقت الحاضر بات أقرب إلى حياة وعالم الغرب.
وذكر التقرير أن الرواتب في دول مجلس التعاون الغنيّة بالنفط كانت ضخمة في السابق، ومستويات المعيشة مرتفعة جداً، لكن هذا الأمر بات الآن أقرب إلى الزوال، حيث تلجأ حكومات هذه الدول حالياً إلى تخفيض نفقاتها وفرض الضرائب وتقليص الوظائف، إلى أن وصل الأمر إلى درجة وقوع إضراب عن العمل في ميناء نفطي كويتي الأسبوع الماضي شارك فيه نحو 13 ألف عامل إحتجاجاً على خفض الأجور والمزايا، وهو أول إضراب عمالي لسنوات طويلة تقترب من عقدين كاملين.
ومضى التقرير في ذات الإتجاه فيما يتعلق بالسعودية حيث تناول الميزانية الجديدة في هذا البلد تحت عنوان "السعودية تخطط لخفض غير مسبوق للدعم لمواجهة تراجع أسعار النفط"، مشيراً إلى أن الرياض خفّضت دعم الطاقة وخصصت الجزء الأكبر من ميزانية العام لمقابلة تراجع سعر النفط، واصفاً إياها بأنها أكبر هزة في السياسة الإقتصادية السعودية في التاريخ الحديث.
ومن المعروف أن السعودية تواجه حالياً عجزاً في الميزانية يصل إلى نحو 100 مليار دولار، وهي الآن بصدد بيع عدد من شركاتها المهمة بينها شركة "أرامكو" الناشطة في مجالات النفط والغاز الطبيعي والبتروكيمياويات والتي يديرها ولي ولي العهد محمد بن الملك سلمان، لتوفير حوالي 2 تريليون دولار لخزينة الدولة.
وأشار التقرير إلى أن "رؤية 2030" التي أطلقها محمد بن سلمان قبل عدة أيام، دليل على أن تراجع أسعار النفط سيؤدي مباشرة إلى سلسلة من التغيرات الإجتماعية والإقتصادية في دول مجلس التعاون.
من جانبها قالت صحيفة (وول ستريت جورنال) إن السعودية ترفع بحدّة أسعار الوقود المحلي، مستعرضة ما جاء في الميزانية الجديدة، فيما قالت صحيفة (فاينانشيال تايمز) تحت عنوان "السعودية تكشف النقاب عن برنامج تقشف جذري" إن التقشف الذي أعلنته الرياض في ميزانيتها للعام الجديد كان قد أثار ردوداً سلبية في مجتمع الأعمال داخل البلاد.
وفي قطر وهي أغنى دولة في العالم تم إبلاغ المواطنين مؤخراً بإلغاء الدعم الحكومي عن الوقود، في إطار خطة للتقشف على المدى الطويل.
أمّا في سلطنة عمان، فإن الوظائف أصبحت أقل كثيراً من السابق، وبات بعض الموظفين يدخلون إلى الشركات لفترات تدريبية طويلة، بدلا من حصولهم على وظائف بشكل سريع في الوزارات المختلفة.
ونقل التقرير عن "سعيد غانم نسيبة" مؤسس شركة "كورنرستون غلوبال أسوسيتس" للإستشارات، ومقرها لندن قوله: "هناك فترة من التقشف الضروري لتحقيق الإستقرار الإقتصادي على المدى الطويل…التحدي يتمثل في تحقيق التوازن بين معدل التغير مع إقناع السكان بأن أي معاناة ستكون جزءا من مستقبل أفضل".
وأشار التقرير إلى وجود حالة من عدم التفاؤل، وهناك مخاوف من إرتفاع نسبة البطالة حتى بين الحاصلين على تعليم عالٍ، كما أن إنخفاض أسعار النفط يجبر الحكومات على خفض دعم الوقود، معرباً عن إعتقاده بأن الوقت قد حان لإجراء إصلاح شامل للنموذج الإقتصادي، بما في ذلك إنشاء أكبر صندوق سيادي.
ونقل التقرير أيضاً عن الكاتب والمحلل الإماراتي سلطان القاسمي، قوله: "إن العقد الإجتماعي التقليدي لدول مجلس التعاون، بات يواجه خطراً في الوقت الحالي، ولم يكن أكثر هشاشة مما هو عليه الآن".
في هذا السياق تقول التاجرة الكويتية "لبنى سيف عباس" البالغة من العمر 52 عاماً، إن إنخفاض أسعار النفط تسبب في حصول تغييرات إجتماعية، وهو ما سيدفع الكويتيين إلى أن يكونوا أكثر طموحاً وأكثر إجتهاداً". وأشارت عباس إلى أن الكثير من الكويتيين الذين يعملون في الوظائف الحكومية لا يؤدون أعمالهم بالشكل المطلوب في حين أن الإقتصاد يحتاج إلى أشخاص ذوي كفاءة في مجال عملهم.
وختم موقع "بلومبرج" تقريره بالقول إن صندوق النقد الدولي يتوقع عجزاً في ميزانية دول مجلس التعاون الست، بنسبة تقدر بـ12.3% تقريباً، وهي نسبة ليس لها سابقة منذ تسعينيات القرن الماضي.
ارسال التعليق