تخلي الكويت عن حيادها.. أوامر سعودية عليا أم فشل للوساطة؟
منذ بداية الأزمة الخليجية ومقاطعة الدول الأربعة “السعودية والإمارات والبحرين ومصر” لقطر، حرصت بعض الدول الخليجية على عدم الدخول إلى هذا النفق المظلم، فاختارت أن تقف في منطقة الحياد بين المعسكرين، وأبرز هذه الدول سلطنة عمان والكويت، تلك الأخيرة التي لم تكتفِ بالوقوف على الحياد، بل انخرطت في قيادة جهود وساطة لحل الأزمة بين الطرفين، على اعتبار أنها وسيط مقبول من كلا الطرفين القطري والسعودي، لكن وبعد أكثر من شهر ونصف من عمر الأزمة الخليجية، فشلت كافة محاولات الوساطة، سواء الكويتية أو الغربية أو الأوروبية أو العربية، فاتخذت الكويت خطوات نحو ترك منطقة الحياد والتوجه إلى المعسكر السعودي علنًا ودون مؤشرات مسبقة، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة حول هذه الخطوة المفاجئة من قبل الدولة الوسيطة.
دائرة الخلافات تتسع
طلبت الكويت من السفارة الإيرانية لديها، أمس الخميس، تقليص عدد الدبلوماسيين العاملين من 19 إلى 4 دبلوماسيين فقط، وأكدت مصادر دبلوماسية أن الحكومة الكويتية أرسلت مذكرة احتجاج للسفارة الإيرانية فى الكويت، تبلغها بإغلاق الملحقية الثقافية والمكتب العسكرى أيضًا، وطلبت المذكرة من الدبلوماسيين مغادرة الأراضى الكويتية خلال 45 يومًا، وإيقاف جميع اللجان المشتركة بين البلدين.
بررت الكويت إجراءاتها الأخيرة والمفاجئة المعادية لإيران باتهام أفراد خلية إرهابية ناشطة في الكويت تدعى “خلية العبدلي” بتلقى تدريبات فى إيران، حيث قضت محكمة التمييز الكويتية، الأحد الماضى، في حكمها النهائي بسجن المتهمين فى قضية “خلية العبدلى” المتهمين بالتخابر مع إيران وحزب الله اللبنانى لسنوات متفاوتة، وتعود هذه القضية إلى أغسطس عام 2015، حين أعلنت وزارة الداخلية الكويتية ضبط أعضاء فى خلية إرهابية ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة فى منطقة “العبدلى” شمال العاصمة الكويت، ووجهت للمتهمين عدة اتهامات بـ”التخابر مع إيران وحزب الله، لتنفيذ أعمال عدائية ضد الكويت، بجلب وتجميع وحيازة وإحراز مفرقعات ومدافع رشاشة وأسلحة نارية وذخائر وأجهزة تنصت من دون ترخيص وبقصد ارتكاب الجرائم بواسطتها”.
الرد الإيراني جاء سريعًا، حيث أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، عن استدعاء القائم بالأعمال الكويتي، فلاح الحجرف، إلى الخارجية، وإبلاغه احتجاج طهران الشديد على الاتهامات التي وجهت لإيران، مؤكدًا أن الجمهورية الإيرانية تحتفظ بحق الرد على خفض بعثتها الدبلوماسية، وقال “قاسمي” إنه وعلى خلفية الاتهامات عديمة الأساس من قبل مسؤولي الخارجية الكويتية حول الملف المعروف بـ”العبدلي”، تم استدعاء “الحجرف” إلى الخارجية، وأكد قاسمي أنه تم إبلاغ القائم بالأعمال الكويتي رفض بلاده للاتهامات الفارغة الصادرة من المسؤولين الكويتيين تجاه طهران، وقال “من المؤسف أن يبادر المسؤولون الكويتيون في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة، بدلًا من السعي للحد من التوترات غير المجدية وضبط النفس إزاء ضغوط واستفزازات الأطراف الإقليمية المغامرة، إلى الاستجابة لهذه الاستفزازات ووجهوا اتهاماتهم الفارغة إلى إيران”.
وأفاد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بأن إيران ليس لها أي علاقة بهذا الملف، وقد تم إبلاغ المسؤولين الكويتيين بذلك منذ بدء النظر في هذا الملف، وأوضح أنه تم تذكير القائم بالأعمال الكويتي بأن الجمهورية الإيرانية تبنت دومًا مواقف مسؤولة إزاء دول المنطقة بما فيها الكويت في الظروف الصعبة التي مر بها هذا البلد، معتبرًا أن إيران تحتفظ بحق الرد على خفض التمثيل الدبلوماسي، فيما أعرب القائم بالأعمال الكويتي عن أسفه إزاء التطورات الأخيرة، وقال إنه سينقل هذه المطالب والقضايا المطروحة إلى المسؤولين في بلاده.
من جانبها، أكدت وزارة الخارجية السعودية تأييد المملكة للإجراءات التي اتخذتها الكويت تجاه البعثة الدبلوماسية الإيرانية، حيث أعرب مصدر مسؤول في وزارة الخارجية عن تأييد المملكة الكامل لهذه الإجراءات بعد صدور حكم قضائي بشأن ما يعرف بـ”خلية العبدلي” ومشاركة جهات إيرانية في مساعدة ودعم أفراد الخلية، حسب زعم المملكة.
تأتي هذه التطورات الخليجية وسط مباحثات ومفاوضات ماراثونية لحل الأزمة المشتعلة بين الدول الأربعه وقطر منذ ما يقرب من شهرين، وفي الوقت الذي تبذل فيه العديد من الدول جهودًا للملمة أطراف النزاع إلى اتفاق يحل الأزمة، ومحاولات حثيثة لرأب الصدع الخليجي، وبعد أن مثلت الكويت قبله دبلوماسية خلال الأسابيع الماضية لكل الدول العربية والأوروبية والغربية الراغبة في الدخول على خط الأزمة الدبلوماسية الخليجية، لكن يبدو أن الوسيط الوحيد المقبول في هذه الأزمة يتجه إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي تشير إلى احتمالية أن يصبح موقعه فارغًا خلال الأيام القادمة.
الخلاف الكويتي الإيراني.. فتش عن السعودية
رجح بعض المراقبين أن تكون هذه الإجراءات المفاجئة من الجانب الكويتي نتيجة لزيادة الضغوط السعودية عليه ليترك موقع الحياد وينتقل تدريجيًّا إلى المعسكر السعودي الإماراتي تمهيدًا لتصعيد الأوضاع ضد قطر الرافضة لمطالب دول المقاطعة الأربعة، سواء في مجلس التعاون الخليجي أو في جامعه الدول العربية.
في المقابل رأى آخرون أن هذه الخطوات تأتي في إطار الحملة العدائية التي تشنها المملكة على إيران وحزب الله اللبناني منذ أن اشتعلت الخلافات بينهما قبل ما يقرب من عامين، حيث تحاول الرياض حشد المزيد من الدول العربية والأوروبية في صفوفها وهو ما نجحت فيه مؤخرًا باستثناء بعض الدول التي لا تزال مُصرة على موقفها المحايد بين الطرفين وعلى رأسها سلطنة عمان ولبنان، لكن لا شك في أن الإجراءات التي اتخذتها الكويت مؤخرًا من شأنها أن تُضعف موقفها في الأزمة الخليجية كوسيط، وذلك بعد أن مالت إلى موقف السعودية المعادي لإيران.
فشل جهود الوساطة
على جانب آخر، قد تكون هذه الإجراءات الكويتية هي تعبيرًا عن ملل الوسيط من الجهود التي بذلها على مدار أكثر من شهر ونصف من عمر الأزمة دون تحقيق أي اختراق في جدارها، حيث يقود أمير الكويت، صباح الأحمد الصباح، مفاوضات مع الدول المتنازعة وغيرها ممن دخلت على خط الخلافات مثل أمريكا وفرنسا وتركيا، لكن دون أن يفلح في حلحلة الأزمة خطوة واحدة عن مكانها، الأمر الذي قد يدفعه إلى نبذ جهود الوساطة بعد أن ثبت فشله، خاصة مع تزايد الانتقادات والضغوط السعودية، حيث انتقد الكاتب السعودي بصحيفة الجزيرة، محمد آل الشيخ، في تغريدة نشرها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قبل أيام، محاولات الوساطة الكويتية، قائلًا: موقف المملكة المنقذ للكويت من براثن صدام، يجب أن نرى ثمنه موقفًا مساندًا لنا في موقفنا المناهض للإرهاب وتقليم أظافر قطر، وأضاف “أل شيخ”: موقف الملك “فهد” البطولي والأخوي مع الكويت يجب أن يتصدى له “صباح الأحمد”، إذا كان لديه ذرة من وفاء وفروسية وإباء.
ارسال التعليق