ترامب لن يكتفي بـ500 مليار دولار وهدية ايفانكا المائة مليون.. انه يطمع بالمزيد
استخدام السيدة نيكي هيلي مَندوبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حَقْ النّقض “الفيتو” ضِد مَشروع قرار تَقدّمت بِه مِصر، إلى مَجلس الأمن يُطالب الولايات المتحدة بالتّراجع عن قَرارِها بنَقل سَفارتِها إلى القُدس المُحتلّة “بَلطجةٌ” سياسيّةٌ على دَرجةٍ كبيرةٍ من الخُطورة، ولكن ما هو أخطر مِنها في رأينا، ما وَرد في الاستراتيجيّة الأمنيّة الأمريكيّة التي أعلَنها الرئيس ترامب أمس، وتُشكّل إهانةً أُخرى لحُلفاء بِلاده في مِنطقة الخَليج العربيّ.
للمَرّة الأولى، ومُنذ تولّيه الرئاسة، يُكرّر الرئيس ترامب ما قاله في حَملتِه الانتخابيّة حول ضَرورة أن تُسدّد البُلدان الثريّة العربيّة للولايات المتحدة تَكلُفَة الدّفاع عنها، وبِطريقةٍ تَنطوي على الكَثير من الحِقد والفَظاظة.
إنّها مَرحلةٌ قادِمةٌ من الابتزاز تَستهدف المملكة العربيّة السعوديّة، ومُعظم دُول الخليج، تَرتكز على تَضخيم الخَطر الإيرانيّ، من أجلِ إرهاب هذهِ الدّول وإجبارِها على دَفع مِئات المِليارات من احتياطاتِها الماليّة، أو حتى بالاستدانة من البُنوك الأمريكيّة، ورَهنْ احتياطاتِها النفطيّة والغازيّة لعُقودٍ قادمةٍ إذا اقتضى الأمر، تمامًا مِثلما فَعل الخيديوي إسماعيل، ملك مصر الأسبق، بقناة السويس حتى انتهى بِها الأمر إلى خُضوعِها بالكامل لسَيطرة الدائنين الغَربيين وبَقيّة القِصّة مَعروفة.
الرئيس ترامب عادَ من زِيارتِه الخارجيّة الأولى إلى الرياض في شهر أي؟ار (مايو) الماضي، بأكثرِ من 460 مليار دولار على شَكل استثماراتٍ ومَعوناتٍ وصَفقاتِ أسلحة، وفَوقها هِبة بمِئة مليون دولار لمُؤسّسة ابنته إيفانكا الخيريّة، مِثلما حَصلَ على حواليّ 50 مليار دولار من بَيع طائراتٍ حَربيّةٍ إلى الإمارات وقطر والبحرين، ويبدو أنّه كتاجرٍ وسِمسار ما زالت شَهيّته مَفتوحةً للمَزيد طالما أن هُناك من لا يَقول لا، ولا يَتردّد عن إخراج دفتر الشيكات وتَوقيع الصّكوكِ المَفتوحة.
***
يُروى عن العاهِل السعوديّ الملك عبد الله بن عبد العزيز، أنّه تَعرّض في أوائِل فَترة حُكمِه إلى مُحاولةِ ابتزازٍ أمريكيّة مُماثلة، عندما وَصلت إلى مَضاربه السيدة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة في حِينها، وحَملت إليه عَرضًا بحِماية ِالمملكة من أخطارٍ تُهدّدها من العِراق وإيران، وإرسال قوّات المارينز للقِيام بهذهِ المُهمّة.
بعد تفكيرٍ عريق في ليلةٍ ربيعيّةٍ مُقمرة، التفتَ إلى الضّيفة الأمريكيّة، ورَوى لها رِوايةَ ذلك البَدويّ ومُعاناتِه مع الذّئب الذي يُهاجِم قطيع أغنامه بين الحين والآخر، ويَخطف إحداها، وقال أنّه، أي البَدوي، أرادَ استشارةَ “خُبرائِه” الذين أشاروا عليه بالاستعانةِ بقَطيعٍ من كِلابِ الحِراسة الشّرسة للتصدّي لهذا الذّئب المَلعون، وأخذ بِرأيهم، وفِعلاً نَجحت الكِلاب في التصدّي للذّئب في كُل مَرّة يَقترب من القَطيع حتى تَسرّب اليأس إلى قَلبِه، أي الذئب، واختفى تمامًا من المَشهد، وسَلِمَت الأغنام من شَرّه.
الملك عبد الله استطرد في القِصّة بقَوله أن البَدوي حلَّ مُشكلة الذّئب، ولكن بَدأ يُواجِه مَشاكِل أُخرى، وهِي أن قَطيع الكِلاب باتَ يَحتاج إلى رأسيّ أو ثلاثة من الغَنم يَوميًّا لإطعامِها وسَدْ جُوعِها بصِفةٍ يوميّةٍ، الأمر الذي ضاعَف خسائره، وباتَ القَطيع يَتناقص بُسرعةٍ يومًا بعد يَوم حتى أوشكَ على الزّوال، وباتَ ذلك البَدوي يَترحّم على أيّام الذّئب.
السيدة أولبرايت فَهِمت الرّسالة جيّدًا، وغادَرت مَضارب العاهل السعودي الرّاحل الصحراويّة مُهروِلَةً، ولا يُرى غير الغُبار خَلفها، ولم تَفتح الإدارة الأمريكيّة هذا المَوضوع مُطلقًا حتى جاءَ الرئيس ترامب.
***
الرئيس ترامب يُريد “الجِزية” من حُلفائِه العَرب نَقدًا، فلا حِماية مَجانيّة، والمُستشار هو جاريد كوشنر صِهره، الذي باتَ صَديقًا حَميمًا للمَسؤولين السعوديين حاليًّا، ويُقدّم لهم استشاراتِه في كيفيّة التّعاطي مع قرارِ والد زَوجته بشأن تَهويد القُدس، والصّفقة الكُبرى لحَل القضيّة الفِلسطينيّة بإقامة دَولةِ غَزّة، والتّنازل عن حَق العَودة والمَدينة المُقدّسة لليَهود، والذّئب المُفترض هو إيران.
لا ننسى في هذه العُجالة التّذكير بقانون “جيستا” الذي يُطالب المملكة ودُول خليجيّة أُخرى بتَعويضاتٍ لضحايا هَجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 التي تُقدّر ببِضعَة آلافٍ من المِليارات، والمَحاكم الأمريكيّة تَجمع الأدلّة والبَراهين بنَفسٍ طَويلٍ، وثِقَةٍ بالنّصر.
لا نَعتقد أن القطيع سيَبقى قَطيعًا بعد إطعام كِلاب الحِراسة الجَشِعة، ولا نُبالغ إذا قُلنا أن المملكة ستَترحّم على أيّام الذئب، وسَتندم أشدَّ النّدم على الاستعانةِ بكِلابِ الحِراسة الأمريكيّة.
بقلم : عبد الباري عطوان
ارسال التعليق