تقرير وثائقي بلادنا ملاذا لمن ترفضهم شعوبهم وتطردهم بلدانهم
عبر عدة عقود، أسست السعودية لنهج سياسي قائم على استضافة المسؤولين والرؤساء الذين تنتهي أدوارهم السياسية، لسبب او لآخر، غير ان الجديد الذي برز في الفترة الماضية يتمثل في استضافة مسؤولين لم تنته بعد أدوارهم السياسية، كالرئيس اليمني المستقيل هادي منصور، ورئيس الوزراء اللبناني “المستقيل” سعد الحريري.
وبوجه عام، تكون هذه الاستضافات محكومة بشروط تفرضها الرياض على ضيوفها من السياسيين، حتى لا تتضرر العلاقات مع الدول الأخرى، من اهمها تجنب أي نشاط سياسي طيلة فترة إقامته بالسعودية، وعدم نقل أو تحريك أموال الرؤساء السابقين إلى المملكة؛ تجنباً لتفسيرات من حكومات بلدانهم الأصلية تسيء للعلاقات مع الرياض.
كما لا يُسمح لهم بإجراء أي لقاءات إعلامية، أو ممارسة أي أنشطة عامة، بما فيه النشاط الاقتصادي واسع النطاق، مثل تأسيس الشركات والاستثمار، وغيرها. بيد أن هادي والحريري يمثلان استثناء في هذا السياق.وفي ما يلي عرض لأهم الشخصيات التي استضافتها السعودية عبر أكثر من نصف قرن..
** البدر وضياء وشريف
الإمام اليمني، محمد البدر (1926-1996)، الذي أطاح به انقلاب عسكري عام 1962، انتقلت بعده اليمن من نظام ملكي (الإمامة) إلى النظام الجمهوري، يعد من اوائل هذه الشخصيات.
وعاش البدر في المملكة حتى وفاته، ولا يزال أبناؤه يعيشون في مدينة جدة والعاصمة الرياض.
كما استضافت المملكة الرئيس الأوغندي، عيدي أمين (1971-1979)، الذي توّج نفسه رئيساً مدى الحياة، قبل أن يطيح به انقلاب عسكري، عام 1979، أجبره على الفرار، والإقامة في جدة، حتى وفاته، عام 2003.
وتوجد على القائمة أيضا رئيسة وزراء بنغلاديش، خالدة ضياء (من 1991 إلى 1996 ومن 2001 إلى 2006)، ورئيس وزراء باكستان، نواز شريف، بعد ساعات من انقلاب عسكري قاده الجنرال برويز مشرف، الذي استضافته المملكة هو الآخر بعد الإطاحة به.ولقي مشرف المعاملة نفسها التي لقيها نواز شريف، الذي يكاد يكون السياسي الوحيد الذي خرج حياً من المملكة إلى بلده، عام 2007، ليعود إلى السلطة، خلافاً لآخرين قضوا ما تبقى من أعمارهم في المملكة ودفنوا فيها.
وتولى نواز شريف رئاسة الحكومة ثلاث مرات غير متتالية بين أعوام 1990و1993، و1997و1999، وأخيراً بين عامي 2013 و2017.
** زين العابدين وهادي
بعد ثورات الربيع العربي التي شهدتها دول عربية، منذ أواخر 2010، استضافت المملكة الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي (1987-2011)، الذي لا يزال يعيش برفقة عائلته في جدة.
وتطالب الحكومة التونسية الرياض بتسليمه، بعد أحكام صدرت بحقه تصل إلى السجن المؤبد، لكن المملكة صرفت النظر عن مثل هذه المطالبات، انطلاقاً من التزامها بعدم تسليم ضيوفها لبلدانهم الأصلية. ويبدو هذا الموقف السعودي من بين أسباب كثيرة تجعل الرؤساء أو كبار المسؤولين المطاح بهم يفضلون الإقامة في المملكة.
وفي توقيت مقارب لإزاحة زين العابدين بن علي، تمت إزاحة الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح” (1978-2012)، ليحل نائبه عبد ربه منصور هادي رئيسا للبلاد، في فبراير/شباط 2012.
بعدها أُزيح هادي هو الآخر عن الرئاسة، في 20 يناير/كانون ثانٍ 2015، بعد محاصرة القصر الرئاسي، وإعلان سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثي) على العاصمة صنعاء، بالتحالف مع قوات من الجيش موالية لصالح.
نجح هادي بالتحرر من الإقامة الجبرية، والفرار إلى مدينة عدن (جنوب)، في 21 فبراير/شباط 2015، معلناً تراجعه عن قرار استقالة أعلنه سابقاً، وشدد، في بيان بعد تحرره، على “بطلان ولا شرعية جميع القرارات التي اتخذت منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014 (اجتياح مسلحي الحوثي لصنعاء”.
ومن منفاه في الرياض، مارس هادي والحكومة اليمنية نشاطهما السياسي أملا في الوصول إلى تسوية سياسية للصراع، برعاية الأمم المتحدة، لكن دون تحقيق تقدم يُذكر، مع “عدم قدرة الضربات العسكرية للتحالف العربي على الحسم العسكري”، وفق خبراء في الشأن اليمني.
رافق إقامة هادي في الرياض، خلال الأشهر القليلة الماضية، سيلٌ من الأنباء المتضاربة حول حرية نشاط فريقه الحكومي واستقلالية قراره ومنعه من السفر.
وركز معظم ما تداولته وسائل إعلام مختلفة على أن الحكومة السعودية “فرضت إقامة جبرية”، ومنعت هادي ووزراء وعسكريين يمنيين من المغادرة إلى عدن (العاصمة المؤقتة).
وذكرت وكالة “أسوشيتدس برس″، نقلاً عن مسؤولين يمنيين قبل نحو أسبوع، أن المنع السعودي بدأ قبل أشهر، بسبب “حالة عداء مرير” بين هادي والإمارات، العضو الفاعل بعد المملكة في التحالف العربي، والتي تفرض سيطرة أمنية واضحة على جنوبي اليمن، غير أن الرئاسة اليمنية سرعان ما نفت بشكل قاطع هذه الأنباء.
** سعد الحريري حملة “الشائعات” التي تعرض لها هادي تعرض لها أيضاً رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، الذي أعلن استقالته من الرياض، عبر بيان متلفز، يوم 4 نوفمبر/تشرين ثانٍ الجاري، بداعي الخشية على حياته، ووجود دولة داخل الدولة اللبنانية، في إشارة إلى هيمنة جماعة “حزب الله” اللبنانية، الموالي لإيران، على إدارة الدولة.
وهاجم الحريري إيران قائلاً إن “لديها رغبة جامحة في تدمير العالم العربي، وأينما حلت يحل الخراب وتحل الفتن”.
وتناقلت وسائل إعلام “شائعات” عن احتجاز السلطات السعودية له في أحد فنادق الرياض لمنعه من العودة لبيروت، بجانب سعوديين، بينهم أمراء ووزراء سابقون وحاليون ورجال أعمال، تم توقيفهم بعد ساعات من إعلان تشكيل “لجنة مكافحة الفساد”، برئاسة ولي العهد، محمد بن سلمان، في 4 نوفمبر/تشرين ثانٍ الجاري، بقرار ملكي، وهي الليلة ذاتها التي أعلن فيها الحريري استقالته.
لكن بعد يوم واحد من لقاء الحريري مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في قصر اليمامة بالرياض، يوم 6 نوفمبر/تشرين ثانٍ الجاري، أجرى الحريري زيارة خاطفة إلى الإمارات، التقى خلالها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، ثم عاد إلى الرياض، في نفي غير مباشر لهذه الأقاويل.
وعلى ما يبدو فإن هادي والحريري، حليفي السعودية المتواجدين على أراضيها الآن، فشلا في الحد من تنامي النفوذ الإيراني، ومواجهة تهديداته التي لا تخفي المملكة سعيها إلى التصدي لها.
ارسال التعليق