«لعبة العروش».. الانقسام القادم في السعودية
قالوا قديما: «من زرع حصد». وبالنسبة للسعودية، التي دعمت سرًا وعلنًا حركات التمرّد في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وإثيوبيا والفلبين ولبنان، التي أدّت إلى الحروب الأهلية والصراعات بين الأديان، فقد يكون يوم الحساب قد اقترب.
والملك الحالي «سلمان بن عبد العزيز» هو آخر الملوك من أبناء الملك السعودي الأول، «عبد العزيز آل سعود»، والذين لن يكون لهم فرصة أخرى للجلوس على العرش. وبعد موت «سلمان»، سينتقل الحكم لجيل جديد من أفراد العائلة المالكة السعودية. ولكن ليس كل نسل الملك السعودي الأول سعيد بكيفية انتقال الخلافة المستقبلية.
وقد سمّى «سلمان» ابن أخيه «محمد بن نايف» وليًا للعهد، بعدما أطاح بأخيه غير الشقيق «مقرن بن عبد العزيز» بعد وفاة الملك السابق «عبد الله» عام 2015. ومن حسن التدبير، سمّى «سلمان» ابنه «محمد بن سلمان»، والذي لم يكن معروفًا خارج المملكة، نائبًا لرئيس الوزراء. ويرى البعض أنّ الأمير البالغ من العمر 30 عامًا، هو ولي العهد الفعلي للمملكة، بعدما اتّخذ الملك «سلمان» بعض الوسائل لتخفيف مهام «محمد بن نايف» وزير الداخلية والصديق المقرب من الولايات المتحدة.
وتركّزت المزيد من السلطة والمناصب في يد الأمير «محمد بن سلمان»، بما في ذلك ترأس وزارة الدفاع، ومجلس شؤون الاقتصاد والتنمية، وشركة النفط الحكومية العملاقة أرامكو. وولي ولي العهد ووزير الدفاع هو مهندس الحملة العسكرية السعودية ضد الحوثيين في اليمن والدعم المستمر للمقاتلين الجهاديين في سوريا والعراق، وكذلك الدعم العسكري للحكم الملكي الوهابي في البحرين في قمعه الوحشي ضد الأغلبية الشيعية المسلمة. و«محمد بن سلمان» هو القوة الرئيسية في المملكة التي تسعى للمواجهة العسكرية مع إيران.
لعبة العروش
ويوجد انقسام داخل الأسرة المالكة خلق نوعًا من «لعبة العروش» الواقعية داخل المملكة. وكان لدى الملك السعودي الأول ما بين 37 و44 ابنًا من 22 زوجة. واحد من هؤلاء الأبناء، ويبلغ من العمر 85 عامًا، هو الأمير «طلال بن عبد العزيز»، ويسمى أيضًا بـ «الأمير الأحمر» لدعمه فكرة إنشاء دستور وطني للحكم على النمط الغربي والانفصال عن الشريعة الإسلامية. يرتاب «طلال» بسبب تركيز السلطة في أيادي أسرة «سلمان»، الأمر الذي يأتي على حساب باقي الأمراء. والأمير «طلال» ليس وحده.
وتركّزت السلطة بشكل عام مع سبعة من أبناء الملك عبد العزيز وزوجته «حصة بنت أحمد»، ومن بينهم الملك «سلمان». ويعرف هؤلاء الأبناء باسم «السديريين السبعة». وهؤلاء السبعة هم الراحل الملك «فهد»، وولي العهد الراحل «سلطان»، وولي العهد الراحل «نايف». إضافة إلى نائب وزير الدفاع السابق «عبد الرحمن»، ونائب وزير الدفاع السابق «تركي»، ووزير الداخلية السابق «أحمد»، وهؤلاء قد تمّ إبعادهم عن طريق الخلاف. وسابعهم هو الملك «سلمان». وبالإضافة إلى أسر باقي أبناء الملك المؤسس، فإنّ أسر «السديريين الستة» بعد استثناء الملك «سلمان»، غيورون بشدّة على السلطات التي تمّ إعطائها إلى ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان». ويتوقع العديد من المراقبين للسياسة الملكية الداخلية السعودية، أنّه حين يموت الملك «سلمان»، ستنشأ معركة على الخلافة قد تؤدّي إلى حرب أهلية ملكية في المملكة.
وتعني الحرب الأهلية بين أفراد الأسرة المالكة السعودية، أنّ الأمر قد يتحوّل ببساطة إلى حرب بين مختلف مناطق المملكة. وبالتالي، فإنّ الانقسام في ليبيا وسوريا والعراق واليمن الناتج عن المغامرة السعودية، قد يرتدّ ليضرب السعودية بشكل أوسع.
اضطرابات متوقعة
والمنطقة الأولى المتوقع استفادتها من الانقسام داخل الأسرة المالكة السعودية هي المنطقة الشرقية، والتي يحكمها «سعود بن نايف»، وهو نجل ولي العهد الراحل «نايف بن عبد العزيز» من عاصمة المقاطعة، الدمام. عندما توفي الملك «عبد الله» عام 2015، تمّ تجاوز «سعود بن نايف» ليكون وليًا للعهد لصالح شقيقه الأصغر، «محمد بن نايف». وعلى الرغم من أنّ الشقيقين أولاد أخ للملك «سلمان»، فربما لا يزال سعود مستاءً من عمّه لتجريده من فرصته ليصبح ملكًا. وقد تبدأ حرب أهلية شاملة من المنطقة الشرقية، والتي لا تعدّ فقط مركزًا لصناعة النفط السعودية مع الآلاف من العمال الأجانب، لكنّها أيضًا موطن الأغلبية بنسبة صغيرة أو الأقلية الكبيرة من المسلمين الشيعة.
ولم تحب الحكومة السعودية أبدًا وجود تعدّد ديني في البلاد، لأن النتائج ربما لا تكون سارّة، لا سيما في المنطقة الشرقية. وفي عام 2009، تم إلقاء القبض على زعيم الشيعة الشعبي «نمر باقر النمر» من قبل السلطات السعودية لترويجه فكرة وجوب انفصال المنطقة الشرقية عن المملكة. وفي عام 2015، وسط إدانات وانتقادات دولية، أعدمت المملكة «النمر». لذا نتوقع أن تكون المنطقة الشرقية هي الأولى التي تثور علنًا ضد الحكومة السعودية إذا ما تحوّلت «لعبة العروش» إلى «حرب العروش».
والمنطقة التالية التي تثور ضد النظام الملكي قد تكون عسير، المنطقة الجنوبية التي تحازي حدود اليمن الشمالية، بالإضافة إلى اثنين من مناطق السعودية المجاورة. وعسير هي موطن أقلية كبيرة من المسلمين الزيديين. وقاد النظام السعودي حملة إبادة عسكرية ضد أبناء عمومتهم في الجانب الآخر من الحدود في اليمن، ضد الحوثيين، وهم أيضًا من الزيديين.
وقد شنّ الحوثيون عدّة هجمات عسكرية، شملت قصفًا صاروخيًا على أهداف سعودية في عسير وجازان ونجران، على أمل أنّها قد تشعل انتفاضة زيدية في المناطق الجنوبية السعودية. وذكرت تقارير خلال الحرب في اليمن أنّ الحوثيين قد استولوْا، مؤقتًا على الأقل، على قرى قليلة في عسير ونجران وجازان. وستكون حركة التمرّد من قبل الزيديين في عسير ونجران وجازان بجانب التمرّد الشيعي في المنطقة الشرقية، حملًا زائدًا على القوات المسلحة السعودية للتعامل معها، وخاصةً إذا تفشّى الأمر من الولاءات المتنافسة إلى الأمراء المتنافسين والمطالبين بالعرش.
وسيكون التدخل في الحرب الأهلية السعودية من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو مصحوبًا بتكلفة مرتفعة للغاية للغرب من حيث أكياس الجثث وتخريب المنشآت النفطية والاستنزاف المالي بمليارات الدولارات. والإعادة المحتملة لوجود جنوب يمني مستقل والقتال للسيطرة على شمال اليمن بين الحوثيين وبقايا الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية قد يورّط القوات الغربية في حرب أهلية أيضًا طويلة الأمد في جزءٍ آخر من شبه الجزيرة العربية. حتّى وإن كانت إدارة «ترامب»، العضو الأكثر ارتباطًا بالحرب، لا ترغب في التورّط في المأزق العربي الكبير.
وقد يتسبّب الصراع في السعودية أيضًا أن تتحوّل مكة والمدينة لكيانين مستقلّين مع مسؤولية رئيسية بحماية الأماكن المقدّسة وضمان دخول آمن للحجّاج المسلمين. وقد تصبح منظمات مثل المؤتمر الإسلامي والمنظمات الإسلامية الأخرى التي لم تتأثر بالوهابية مسؤولة عن الإشراف، حيث يتم تولّي حكم المدينتين المقدستين كـ «مناطق محايدة» غير متأثرة بالاضطرابات.
وتشمل المناطق الأخرى التي قد تخرج عن السيطرة مناطق الحدود الشمالية المتاخمة للعراق وتبوك، والتي تقع على طول الحدود الأردنية الجنوبية وخليج العقبة. وقد تسعى تبوك للحماية الأمنية من قبل كلٍ من الأردن و(إسرائيل) لتبقى بمعزل عن المواجهة المسلحة بين الفصائل السعودية. وقد تسعى منطقة الحدود الشمالية إلى تسوية مماثلة مع العراق.
وستتركّز المعركة الرئيسية للسيطرة على السعودية في منطقة الرياض، لأجل السيطرة على المفاتيح الرئيسية للمملكة أو ما تبقى منها، والتي ستكون في العاصمة السعودية، الرياض. وفي أي حال، إذا اندلعت حرب أهلية في السعودية، سيكون من الأفضل تركها للجهات الإقليمية الفاعلة لترتيب الأمور. وأي تدخّل خارجي، سيجعل الأمور أسوأ بكل تأكيد، ومن الممكن أن تتطوّر إلى حرب إقليمية واسعة أو حرب عالمية.
ترجمة وتحرير شادي خليفة
ارسال التعليق