ما آثار قرار "العدل الدولية" على الإغلاق الجوي المفروض ضد قطر؟
التغيير
حكم دولي جديد تناله قطر في المحاكم الدولية، يضاف إلى سلسلة من القضايا التي كسبتها الدوحة، في المحافل العالمية على مدار السنوات الثلاث الماضية، بعد اندلاع الأزمة الخليجية التي بدأتها مملكة آل سعود والإمارات والبحرين ومصر عام 2017، بفرض حظر بحري وجوي وبري على قطر بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة بشدة، مؤكدة أنه سعي للتحكم في قرارها السيادي.
ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية، لجأت الدوحة إلى المجالس الدولية للتحكيم فيما تعرضت له، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وقانونياً، حتى تصل إلى حقوقها بالطريقة الأمثل، وبالاعتماد على القانون الدولي.
وفي تطور جديد فيما يخص الأزمة الخليجية والحظر الجوي المفروض على قطر منذ يونيو 2017، أقرت محكمة العدل الدولية باختصاص مجلس منظمة الطيران المدني الدولي "إيكاو" في النظر بالقضية التي رفعتها قطر ضد الدول الأربع حول انتهاك حقوقها بحظر الطيران الجوي.
"العدل الدولية" تُنصف قطر
ورفض قضاة محكمة العدل الدولية، في الجلسة التي انعقدت بمقرها في لاهاي (في 14 يوليو 2020)، بالإجماع الحجج التي قدمتها الدول الأربع إلى مجلس "إيكاو" بعدم الاختصاص في الملف.
وقال رئيس محكمة العدل الدولية، عبد القوي أحمد يوسف، إن المحكمة ترفض بالإجماع قبول الاستئناف المقدم من الدول الأربع حول قضية الحظر الجوي المفروض على دولة قطر.
كما شددت المحكمة على أن قطر بذلت "جهوداً صادقة بالتواصل مع الدول الأربع؛ للتفاوض قبل لجوئها إلى منظمة الطيران المدني الدولي".
والقضية المرفوعة في محكمة العدل الدولية (أرفع هيئة قضية في الأمم المتحدة)، تعود إلى أكتوبر من عام 2017، حيث تقدمت الدوحة بشكوى إلى مجلس منظمة الطيران المدني الدولي "الإيكاو"، ثم تقدمت بشكوى أخرى بعدها تم تسجيلها بموجب الفقرة الثانية من المادة الـ2 من الاتفاقية الدولية لخدمات العبور الجوية لعام 1944 ضد كل من البحرين والإمارات ومصر.
قطر عرضت ضمن القضية التي رفعتها "الانتهاكات كافة التي ارتكبتها الدول الأربع، بسبب عدم الامتثال لأحكام اتفاقية شيكاغو والاتفاقية الدولية لخدمات العبور الجوية، حيث طلبت من مجلس الإيكاو الفصل في قضية حظر الطيران وإعلانه كإجراء غير قانوني"، وفقاً لصحيفة "الشرق" القطرية.
والقرار الجديد يعيد القضية إلى مربعها الأول، حيث طلبت الدول الأربع من "العدل الدولية" إبطال قرار اتخذته منظمة الطيران المدني الدولي التابعة للأمم المتحدة وكان لصالح الدوحة، مؤكدةً أنها تملك الصلاحية القانونية للبت في خلاف يتعلق بطلب قطر، حول انتهاك جيرانها الثلاثة ومصر اتفاقاً ينظم حرية عبور الطائرات المدنية في الأجواء الخارجية.
لكن الدول الأربع سارعت لمعارضة القرار، مؤكدة أن منظمة الطيران المدني ليست الهيئة المخول لها البت في هذا الخلاف، وطلبت من قضاة محكمة العدل الدولية أن يعلنوا قرار هيئة الطيران "باطلاً وملغىً"، وهو ما انتهى بقرار المحكمة الجديد.
تداعيات القرار الدولي
ومع صدور القرار الدولي، رحبت قطر برفض الاستئنافين المرفوعين أمام محكمة العدل الدولية، وقال مكتب الاتصال الحكومي في بيان: إنه "بناء على الحكمين الصادرين، من المقرر أن يستأنف مجلس منظمة الطيران المدني الدولي إجراءات فض النزاع في الشكوى المقدمة من دولة قطر".
فيما قال وكيل قطر لدى محكمة العدل، محمد بن عبد العزيز الخليفي، في لقاء مع قناة "الجزيرة": إن "الحكم جاء بإجماع آراء أعضاء هيئة المحكمة، ومن ضمنهم القاضي الخاص الذي عينته دول الحصار، وحقيقةً هذه من الحالات النادرة التي يصوّت فيها القاضي الخاص المُعين من قِبل دولة ضد الدولة التي عينته، وهذه دلالة على ضآلة هذه الدفوع وعدم قوتها أمام المحكمة".
وبخصوص الخطوة القانونية المقبلة، أوضح الخليفي أن "مجلس الإيكاو أعطى الدول الأربع مدة معينة للرد على الشكوى القطرية، وهذه المدة ستنقضي استناداً إلى الموعد المحدد بعد 7 أيام من الآن.. لدى هذه الدول الآن 7 أيام للرد خطياً على الشكوى القطرية المقدمة منذ بداية تقديم هذه الشكوى إلى المنظمة".
وأضاف: إنه بعد ذلك "يصدر المجلس ما يراه مناسباً إما بإعطاء الأطراف جولة أخرى من المذكرات الخطية وإما بالتوجه مباشرة إلى المرافعات الشفوية، وتقدير ما يراه المجلس للرد على الطلبات القطرية المباشرة بشأن هذه المخالفات الصريحة للاتفاقية".
في المقابل، لم يكن القرار وفق تطلعات الدول الأربع بما ظهر من تصريحاتهم عقب قرار "العدل الدولية"، مؤكدين أن قضية الحظر الجوي المفروض على قطر لن تُحل حتى بعد عرضها على مجلس "الإيكاو".
ومن هنا قالت سفيرة الإمارات لدى هولندا "حصة عبد الله العتيبة": إن "العلاقات لن تعود إلى ما كانت عليه، إلا عندما تلتزم قطر أمام الدول الأربع بتنفيذ اتفاقيات الرياض، وتثبت أن بإمكانها لعب دور بنّاء في المنطقة".
واعتبرت قرار محكمة العدل الدولية "قراراً تقنياً ومقتصراً على المسائل الإجرائية والولاية القضائية لمعالجة النزاع، وقد نظر في الأسس الإجرائية للقضية فحسب"، وفق وكالة الأنباء الإماراتية "وام".
آل سعود كانت لهجتهم أقل حدة بخصوص الأمر، فقد علق سفير المملكة لدى هولندا، عبد العزيز بن عبدالله أبو حيمد؛ في بيان مقتضب نشره حساب السفارة في لاهاي على "تويتر"، قائلاً إن بلاده "تود توضيح أن الحكم الصادر من المحكمة اقتصر على بيان مدى وجود اختصاص لمجلس منظمة الطيران المدني (إيكاو)، وأنه لا توجد أي علاقة بالأسس الموضوعية في الشكوى المقدمة من دولة قطر".
من جانبه قال سفير البحرين غير المقيم لدى هولندا، الشيخ فواز بن محمد آل خليفة، في تصريح نشرته الخارجية البحرينية: إنه "ليس للقرار أي تأثير أو دلالة على موضوع النزاع أو الفصل في المزاعم القطرية التي لا أساس لها، وتستهدف مقدرات الدول الأربع وأمنها".
ضجة على مواقع التواصل
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالقرار القضائي الصادر عن "العدل الدولية"، ما بين مؤيد لإنصاف قطر، وإجراءات الدول الأربع الجائرة بحقها، ومن يعتبر أنه قرار غير ملزم وسيبقى الحظر الجوي مستمراً.
وقال أحمد اليهري في تغريدة نشرها على موقع "تويتر": إن القرار "يعني العودة مجدداً لمنظمة الإيكاو للتحكيم، والتي بدورها سوف تستند في قرارها إلى اتفاقية شيكاغو، التي ترفض استغلال المجال الجوي لتحقيق أهداف سياسية، وهو ما يعني أننا بإذن الله أمام انتصار آخر محسوم في منظمة الإيكاو".
من جانبه، قال تميم بن سلطان: "ليس انتصاراً قانونياً فقط! بل هو انتصار أخلاقي من الطراز الأول، في الوقت الذي لجأت فيه دول الحصار إلى... الطرق في مواجهة قطر من دخول في الأعراض، وغدر، وحصار جائر، وتخطيط للغزو، تلجأ قطر إلى أكثر الطرق حضارية؛ لجأت إلى المحكمة، درس أخلاقي لن تنساه دول الحصار!".
في مقابل ذلك قال المحلل السياسي الإماراتي ماجد الرئيسي: "محكمة العدل الدولية لم تفصل في القضية التي رفعتها دول المقاطعة بإغلاق حدودها الجوية عن الطيران القطري، وإنما حكمت باختصاص منظمة الإيكاو.. فماذا يعني ذلك؟ وما خلفية القضية؟".
فيما قال السعودي عبد العزيز ساعد: "الخطوط الملاحية الجوية تخضع للسيادة المحلية لكل دولة، منظمة الإيكاو ليست مختصة بشؤون الإرهاب، وحكم العدل الدولية يتعلق بالملاحة فقط، لذلك سيبقى الحال على ماهو عليه حتى تخضع قطر وتُغير سلوكها".
ولا تعد هذه هي المرةَ الوحيدةَ التي تنال بها قطر تأييداً قضائياً دولياً في نزاعات مع الدول الأربع، ففي يونيو 2018، رفعت قطر إلى محكمة العدل الدولية خلافها مع الإمارات، متهمةً إياها بـ "انتهاك حقوق الإنسان" بعد "الحصار" الذي فُرض على الدوحة.
وحينها أمرت محكمة العدل الدولية، الإمارات بحماية حقوق المواطنين القطريين، خصوصاً لمّ شمل العائلات التي انفصل أفرادها، والسماح للطلاب بمواصلة دراساتهم، وتنظر محكمة العدل الدولية في الخلافات بين الدول، لكن قراراتها لا تتصف بطابع إلزامي لتنفيذها.
ارسال التعليق