محاربة الفساد في 2017
الفساد بشكليه المالي والإداري معضلة كبرى تنخر في سفينة التنمية، والخطط الاقتصادية الكبرى الموضوعة ستصطدم بعقبته وسيعرقل تحقيق أهدافها، وهو الجانب المظلم في مسيرة التنمية السابقة والحالية، والذي يمارس تحت مسميات متعددة كالواسطة والمحسوبية، والتجاوزات المالية والإدارية، والمبالغة في أسعار المشاريع والمشتريات الحكومية، وعدم الجودة في تنفيذ المشاريع الحكومية، وصرف مزايا مالية لغير مستحقيها، وغيرها من مجالات الفساد.
هذه الممارسات والسلوكيات تمارس بشكل يومي، منها ما يمارس في الخفاء كالاختلاس والهدر المالي والرشوة، ومنها ما أصبح مجالا للتفاخر وحديث المجالس، كالتفاخر بالواسطة التي تنفذ من خلال استغلال النفوذ وسوء استعمال السلطة، ولا أحد ينكر شيوعها وتغلغلها في القطاعين الحكومي وشبه الحكومي، مقارنة مع القطاع الخاص الذي لم يسلم هو الآخر منها، لكنها لا تزال أقل حدة وشيوعا، وكلها تقوض مبادئ العدالة وتساوي الفرص، وتفضي لهدر مالي، وعرقلة للتنمية.
الحديث عن الفساد ومحاربته يفترض ألا يرتبط بمرحلة معينة أو زمن معين، بل يجب أن يكون العنوان الأبرز لكل مرحلة، لكننا في المرحلة الحالية نحن أحوج ما نكون لمحاربته والقضاء عليه، لأننا نمر في مرحلة صعبة، وبقاء الفساد في وضعه الحالي سيزيد من صعوبتها، ومحاربته في هذه المرحلة بالذات تعني بتر يده كي لا تمتد أكثر وأكثر إلى مفاصل التنمية وتعطلها، وتخلق مزيدا من التحديات والعقبات.
أعتقد جازما أن هناك رغبة جادة في مكافحة الفساد ومحاربته تجاوزت الانتقاد إلى بدء خطوات عملية لمحاربته، وأتوقع أن عام 2017 سيكون اختبارا لجهود مكافحة الفساد الذي أصبح حديث الساعة، ويتطلب ذلك:
أولا: إصلاح مجلس الشورى وتوسيع صلاحياته، وتحويله إلى «برلمان» يمارس دورا تشريعيا، وآخر رقابيا في الجوانب المالية والإدارية، ولا سيما أن هناك قناعة تامة وخطوة جادة ستدفع بسرعة إجراء هذا الإصلاح.
ثانيا: إعادة هيكلة الأجهزة الرقابية وتوسيع صلاحياتها وتفعيل دورها، في ظل تواضع أداء وإنجازات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» التي أكملت عامها الخامس دون إنجازات تذكر، رغم منحها كافة الفرص والصلاحيات لتحقيق دور ملموس في محاربة الفساد، لكنها اكتفت بالتنظير والتثقيف والمحاضرات والندوات التي لن تقتضي على فساد ولن تجلب نزاهة.
ثالثا: سرعة إقرار مشروع نظام حماية المال العام الذي أقره مجلس الشورى، والذي يلزم الوزراء ونوابهم وأصحاب المراتب الوظيفية الممتازة والـ 14 و15 في نظام الخدمة المدنية ومن في مستواهم الوظيفي في السلك العسكري والدبلوماسي وأمناء المدن ورؤساء البلديات ومديري العموم للشؤون الإدارية والمالية ورؤساء أقسام المحاسبة، بتقديم إبراء ذمة مالية عند شغل الوظائف والمراتب السابقة.
رابعا: تعديل كثير من الأنظمة والتشريعات التي تعاني من وجود قائمة من الثغرات والاستثناءات التي مكنت من تجاوزها وتقليل فاعليتها، بحيث تكون قوة الأنظمة وسلطتها أقوى من سلطة المسؤول أي كانت مرتبته أو درجته، مما يجعله غير قادر على تعطيلها أو تجاوزها تحت أي ظرف، وتكون هي المرجع الرئيس الذي يتم الاحتكام إليه في حالات الاختلاف في الإجراءات الإدارية والمالية، لا أن يكون الوزير أو رئيس الجهة الحكومية هو من يقرر تفعيل هذا النظام أو ذاك، أو يحاول فرض ما يخالفها بقوة المنصب والنفوذ.
خامسا: إنشاء هيئة عليا للمشروعات الحكومية تتولى دراسة هذه المشاريع بعد إعدادها من قبل الوزارات والمؤسسات الحكومية، ومناقشتها، وجدولتها حسب أهميتها، وتقدير كلفتها المالية، مع إضافة هامش ربح معقول قبل طرحها للمناقصة العامة، إلى جانب سرعة الانتهاء من إنشاء وحدة مشتريات استراتيجية مستقلة لتكون مسؤولة عن مشتريات جميع الوزارات والجهات الحكومية، للحد من الهدر المالي التي يحدث في حال الشراء المباشر، باستثناء بعض الحالات الطارئة.
بقلم : محمد العوفي
ارسال التعليق