هل أصبح السفير السعـودي بريمر اليمن
لم تمضِ سوى أيام قليلة على نجاح المعتصمين من أبناء محافظة المهرة اليمنية في الضغط على السعودية لسحب قواتها - ولو بشكل غير كلي - من المنافذ البرية والجوية والبحرية، حتى سجّل السفير السعودي محمد آل جابر حضوراً مُثيراً للجدل في المحافظة الواقعة شرقي البلاد، والمحاذية لحدود سلطنة عُمان. الرياض كانت استغلَّت قيادتها للتحالف العسكري الداعم للسلطة الشرعية في نشر قواتها بمطار ومنافذ المهرة، البعيدة عن الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ نحو 4 سنوات، في خطوة مماثلة لتلك التي أقدمت عليها حليفتها أبوظبي في أرخبيل سقطرى، وانتهت بانسحاب للقوات الإماراتية على وقع ضغوط شعبية وتنديد دولي. وفي خطوة تهدئةٍ فيما يبدو، أجرى الرئيس عبد ربه منصور هادي، الأربعاء زيارة قصيرة إلى المحافظة، كان اللافت خلالها تصدُّر السفير السعودي، لاستقبال الرئيس، وكأنه صاحب الشأن في المحافظة.
انتقادات لاذعة
هذا المشهد أثار انتقادات لاذعة من قبل الناشطين اليمنيين؛ لكونه تجاوز البروتوكولات، وناقض ما أعلنه سابقاً بتنفيذ مطالب المعتصمين الرافضين للوجود غير المبرَّر للقوات السعودية، بالنظر إلى أن وجودها مرتبط بمناطق النار وليس المناطق البعيدة عن الصراع. الصحفي اليمني وديع عطا قال: إن "ظهور السفير السعودي في المهرة أثناء استقبالٍ رسمي للرئيس هادي وعلى سجاد أحمر كما لو كان رئيس الدولة يزور أخرى. برأيي يُعتبر ذلك مؤشّراً على إصرار النظام السعودي لتكريس التبعيّة اليمنية لهم". وأضاف: "حديثه وتصريحاته (السفير) في أكثر من مناسبة تجعله يبدو وكأنه بريمر اليمن"، في إشارة إلى بول بريمر، الدبلوماسي الأمريكي الذي نصّبته واشنطن حاكماً مدنيّاً على العراق عقب غزوه، في 2003.
أطماع وتقاسم
وتساءل عطا: "هل نحن في جولة جديدة من جولات تثبيت السيادة اليمنية على غرار سقطرى ؟ وما الذي تريده السعودية من المهرة؟ بينما يُفترض أنها منشغلة الآن بدعم الشرعية لا إرباكها!". وشهدت العلاقة بين اليمن والإمارات توتّراً؛ بعد الخلاف العلني بشأن الوجود الإماراتي في جزيرة سقطرى اليمنية، بعد أن قالت الحكومة اليمنية إن "الجزيرة تحت احتلال دولة خليجية". وتدهورت العلاقات بين عبد ربه منصور هادي والإمارات، التي تشارك في التحالف العربي بقيادة السعودية، في الفترة الأخيرة، وبدأ ذلك باتّهام هادي لولي عهد أبوظبي، في فبراير 2017، بالتصرّف في اليمن كدولة محتلّة وليس محرِّرة. وبنفس السيناريو، أثار الاهتمام السعودي بالمهرة جدلاً كبيراً؛ إذ إنها لم تشهد حرباً حتى تُدشَّن فيها مشاريع إعادة الإعمار المموَّلة سعودياً، لكن مراقبين يرون أن المملكة تبحث عن طريق بديل لتصدير النفط، ولديها مشروع مدّ أنبوب عبر الأراضي اليمنية إلى ميناء نشطون في المهرة على سواحل البحر العربي. كما يأتي ذلك في سياق تقاسم للكعكة اليمنية بين أبوظبي والرياض؛ فالأولى سيطرت على جنوبي وغربي السواحل اليمنية، في حين تسيطر الثانية على المناطق الشمالية والشرقية للبلاد. بدوره نشر الناشط السياسي اليمني، عباس الضالعي، صورة تجمع الرئيس هادي بالسفير السعودي، وعلَّق عليها في تغريدة على "تويتر" بقوله: "صورة تفضح الكذب السعودي، السفير السعودي بريمر اليمن، محمد آل جابر، في الوسط (مكان الرئيس). الرئيس هادي في الجانب. صورة ملك السعودية فوق صورة الرئيس هادي. كتبوا على اللوحة برعاية وحضور هادي، وكأنه ضيف شرف وليس صاحب الأرض".
تغلغل في المؤسَّسات
ووصف الضالعي هذه المشاهد بـ "تصرّفات المحتلين بكل المقاييس،ولهذا سيخرجهم الأحرار من أرض اليمن"، بحسب تعبيره. وليست هذه التصرفات التي يبدو فيها السفير السعودي كالحاكم هي الأولى؛ ففي شهر يوليو 2017،أعلن إنهاء التوتّر في ميناء عدن حينذاك بين القوات الموالية للشرعية والميليشيات الانفصالية التي تدعمها الإمارات. وفي مايو الماضي، ظهر السفير آل جابر في مقابلة تلفزيونية مع قناة الإخبارية السعودية، كشف من خلالها عن دوره في تهريب الفريق علي محسن الأحمر، نائب رئيس الجمهورية حالياً، عندما اجتاح الحوثيون صنعاء، في سبتمبر 2014، وكيف أنه تواصل بطيارين من قاعدة العند، وحرّك طائرة عسكرية، في خطوة تكشف تغلغله في المؤسَّسات اليمنية. وفي منتصف أبريل الفائت، نشر السفير آل جابر مقطعي فيديو على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"؛ الأول وهو برفقة الرئيس هادي على متن سيارة، والثاني مع الرئيس ونائبه على متن طائرة عسكرية، خلال حضورهما مناورات درع الخليج المشترك 1، في مشهد غير مناسب بروتوكولياً بحسب ناشطين.
خطورة وفساد
المحلّل السياسي اليمني، منير الماوري، اعتبر أن السفير السعودي لدى اليمن "أخطر وأشد فتكاً من بريمر العراق". وقال في حديثه لـ "الخليج أونلاين": إن "بريمر العراق كان ينفّذ مشروعاً سياسياً لبلده طبقاً لما رسمه صنّاع القرار، أما بريمر اليمن فإنه ينفّذ مشاريع خاصة وغريبة لا تتناسب مع توجهات الأمير محمد بن سلمان، بل تتناقض معها". وحمّل الماوري السفير آل جابر مسؤولية الفشل السعودي في اليمن، حيث بيّن أن "50% من أسباب الفشل السعودي في اليمن ربّما يتحمّله السفير السعودي". وأوضح أن "هذا البريمر ارتبط للأسف بمشاريع فساد صغيرة وكبيرة مع عناصر في الشرعية اليمنية، جعلته يعمل كل ما في وسعه لتأخير الحسم العسكري، وتعطيل الحلّ السلمي؛ بهدف إطالة أمد الحرب طمعاً في استمرار مكاسبه واستمرارية مشاريعه".
ارسال التعليق