هل تصمد السعودية بعد التخلي عن أداة بقائها؟ (مترجم)
نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرا تحليليا مطولا عن اتجاهات المملكة العربية السعودية الليبرالية الجديدة بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، وأشار التقرير إلى دور دولة الإمارات في دفع المملكة باتجاه هذا التحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
التقرير أوضح أنه على مدى عقود، استخدم الحكام السعوديون الدين للبقاء في السلطة وكسب الهيمنة الإقليمية. وأكد أن محاولة محمد بن سلمان لزعزعة هذا الوضع الراهن قد تؤدي إلى عواقب وخيمة وتثير المقاومة الشعبية.
نص التقرير:
يوم الثلاثاء، أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن بلاده تتجه نحو شكل “معتدل ومنفتح للإسلام”.. هذه التصريحات التي أثارت ردود فعل متباينة بين السعوديين، تعكس ما يمثل تحولا جذريا في مسألة الدين في المملكة.
تساءل الكثيرون عن الدور الذي يحتمل أن يلعبه الدين في عهد محمد بن سلمان، خاصة مع حقيقة أن الحكام السعوديين السابقين استثمروا بكثافة في هذا الدور من خلال تصوير المملكة في العالم باعتبارها الوصي الوحيد على العقيدة الإسلامية.
الدين كأداة
منذ تأسيس الدولة السعودية، ونظرا لوجود أقدس المواقع الإسلامية على أراضيها، لم يكن الدين بمثابة أداة داخلية للنخبة السياسية لفرض وإنفاذ سلطاتها فحسب، بل أيضا كأداة خارجية استخدمتها الدولة الوليدة في محاولاتها لفرض قيادتها وهيمنتها على العالم الإسلامي.
على مدى العقود الماضية، كانت إحدى الطرق لتحقيق هذا الهدف هي استثمار مليارات الدولارات في مشاريع تنمية في الأماكن المقدسة والمناطق المحيطة بها، وفي الآونة الأخيرة، أعلنت حكومة الملك سلمان بن عبد العزيز، تخصيص 100 مليار دولار لأعمال بناء جديدة. وهو تمويل سخي يأتي في أوقات صعبة، إذ تم فرض تدابير تقشف اقتصادي على المواطنين السعوديين عن طريق خفض الإعانات الحكومية، مما يرفع أسعار السلع الأساسية مثل الوقود والمياه والكهرباء، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة تشن حربا شرسة في اليمن تبلغ تكاليفها التشغيلية 200 مليون دولار يوميا.
هذا التدفق للأموال ليس بأي حال من الأحوال استثمارا بريئا أو استثمارا يمكن اعتباره مجرد استجابة لاحتياجات التنمية، بل هو مدفوع من قبل استراتيجية ترسخ لخلق صورة للنظام الملكي السعودي باعتباره المدافع عن العقيدة والإيمان، وهو ما يمكن أن يفسر أيضا بما أصبح يعرف بالتقليد السعودي عندما يبدأ كل ملك خططا لمشروعات جديدة في الأماكن المقدسة، بل يحاول تمديد مدة هذه المشاريع على مدى حياته.
الالتزام بالإسلام
الفكرة هي الرغبة في خلق تصور لالتزام سعودي مستمر بتعظيم وحماية الإسلام من خلال مشروعات مثل تظليل الكعبة وإحداث توسعات لا نهاية لها للمواقع المقدسة، فعندما تم إعلان أن مشروع توسعة المطاف في الحرم المكي الشريف تم الانتهاء منه أخيرا بعد 3 سنوات من العمل خلال الحقبة السابقة للملك عبد الله بن عبد العزيز، أعلن خلفه الملك سلمان بدء مشاريع جديدة تتضمن، مرة أخرى، التوسعة في نفس منطقة المطاف، ليكون من الواضح أن سلمان لا يريد أن ينظر إليه على أنه الملك الذي لا يحترم التقاليد، فتعليق مشاريع التوسعات قد يشوه صورة “حامي الإسلام” التي تدعي الحكومة السعودية دائما أنها تمتلكها.
بالنسبة للملوك السعوديين، يبدو أن هذا هو السبيل الوحيد إلى كسب لقب “خادم الحرمين الشريفين”، لكن هناك علامة أخرى على تسييس هذه الاستثمارات تتمثل في تركيز المشاريع التنموية في منطقة الحرم وما حولها، وعلى سبيل المثال، تعاني مكة المكرمة الحضرية من جميع أنواع الفقر ونقص الاستثمار وتدهور البنية التحتية، ولكن بما أنها خارج نطاق “رادار” الحجاج، فإن الحكومة غير مبالية بتلك الاحتياجات.. إن أولوية تخصيص الموارد في المملكة لا يتم إعطاؤها إلا بالنظر في العائد السياسي المتوقع لأي مشروع.
شراء نفوذ
الحكام السعوديون استخدموا الدين كأداة لتوسيع النفوذ في العالم الإسلامي ككل، وعلى سبيل المثال، سعت الرياض دائما إلى السيطرة على منظمة التعاون الإسلامي، والبنك الإسلامي للتنمية، اللذين توجد مقراتهما في جدة، وذلك من خلال تمويل ميزانياتهما وبرامجهما مقابل السيطرة على إرادتهما السياسية، وخلال القمة الأخيرة التي عقدت في تركيا، تمكن السعوديون من الضغط على البيان الختامي ليركز على إدانة إيران.
في الأزمة الحالية مع قطر، نشرت السعودية “عصا الدين”، كما هو الحال دائما، لابتزاز بعض البلدان الإفريقية، من خلال التهديد بالحد من حصص تأشيرات الحج المخصصة لها إذا لم تقطع علاقاتها مع الدوحة، ثم جاء دور المفتي السعودي الأكبر في منح مباركته لقرار الحصار المفروض على قطر.
هذه ليست سوى أمثلة قليلة على كيفية استخدام آل سعود للدين، وبيان كيف كانت المملكة، ومازالت، تعتمد على الاستخدام السياسي للدين، فالدين عند آل سعود هو قوة قسرية لإضفاء الشرعية على حكمهم داخليا، وأداة للتدخل الخارجي في شؤون البلدان الأجنبية.
بعد تصريحات محمد بن سلمان الأخيرة، يصبح السؤال الرئيسي بالتالي: هل من المرجح أن يتغير هذا كله عندما يصبح ملكا؟ قال سلمان: “نحن نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة يترجم فيها ديننا إلى التسامح”.
مرحلة انتقالية
العلاقة المتشابكة بين الدين والدولة في السعودية حساسة وعميقة الجذور، وأي محاولة لهز هذا التحالف يجب أن يمر عبر حوار فكري عام شامل، ويجب أن يأتي نتيجة لطلب الجمهور بدلا من فرضه من أعلى إلى أسفل، ومع ذلك، فمنذ تولي الأمير محمد بن سلمان سلطة ولي العهد، بدا التزامه بأخذ البلاد بالقوة إلى النقيض الآخر، ويبدو أنه يعمل على تجريد المملكة من أي شيء يتعلق بتراثها الديني.
يعتقد محمد بن سلمان، أنه مع قوة المراسيم الملكية قادر على عكس الوضع الراهن. هذا يعادل الاستيقاظ صباح يوم ما فجأة على أمر تنفيذي من الرئيس الأمريكي بجعل الشريعة الإسلامية قانون الولايات المتحدة.
محمد بن سلمان يفرض الليبرالية على السعوديين بدلا من إقناعهم بقبول ما كان يتم التأكيد عليه دوما بأنه قيم ومعتقدات غريبة لا تناسبهم، وقد أعلنت الحكومة السعودية مؤخرا عن مشروع جزر البحر الأحمر، وهو منتجع ترفيهي على الطراز الغربي على الساحل الغربي للمملكة.
تم إبلاغ المجتمع السعودي المحافظ بأن حكومته تريد إنشاء منتجع لا تطبق فيه قواعد المملكة التقليدية التي طالما تم الدفاع عنها من البيت الملكي، بما في ذلك الفصل بين الجنسين واللباس الإسلامي، على بعد بضع مئات من الكيلومترات من أكثر المواقع المقدسة في الإسلام.
هذه ليست نتيجة للتطور الثقافي الطبيعي داخل المجتمع ولكنه قرار ملكي، صدر بين عشية وضحاها، ليحول المملكة من أقصى اليمين (التدين المتطرف) إلى أقصى اليسار (الليبرالية المنفتحة).
دروس التاريخ
قد يكون لهذا النهج عواقب وخيمة. إنه ليس خطأ أخلاقيا فحسب، بل إنه يمكن أن يوفر حافزا للمقاومة الشعبية التي لن تكون فريدة من نوعها في تاريخ البلد، ففي 20 نوفمبر 1979، استولت مجموعة منظمة من 400 إلى 500 رجل بقيادة جهيمان العتيبي، على المسجد الحرام.
هاجم العتيبي شيوخ الوهابية لصمتهم وعدم الاحتجاج على السياسات التي يعتقد أنها خانت الإسلام واتهمهم بتقديم الولاء لحكام فاسدين مقابل الثراء. قد يكرر التاريخ نفسه إذا فشلت قيادة محمد بن سلمان الحالية في تعلم دروسه.
من الأفضل البدء بحماية حرية الفكر والتعبير، التي يمكن أن توفر سياقا على المدى البعيد لتغيرات ليبرالية في البلاد، وهذا من شأنه أن يخلق إطارا للأفكار للتحول وتمكين ظهور مجتمع متسامح، فالصالح العام يتحقق عند السماح بإجراء حوار شعبي مسبق وعدم أخذ المجتمع، كما يحدث الآن، على حين غرة.
رسائل إلى الإمارات
وعلاوة على ذلك، لا ينبغي للسعودية أن تسمح أبدا بترجمة أي خطاب أو رؤية إلى سياسة حقيقية على أرض الواقع. وفي هذا الصدد، ينبغي أن توجه رسالة واضحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه التحديد.
تفشل دولة الإمارات في إدراك أهمية الدين بالنسبة للتركيبة الاجتماعية والسياسية في المملكة، ويبدو أن أبو ظبي لا تدرك الآثار المترتبة على الدفع باتجاه فرض العلمانية القسرية في السعودية.
وتحقيقا لهذه الغاية، اعتقلت السعودية مؤخرا المثقفين والكتاب والناشطين كإجراء وقائي لعرقلة أي احتجاج محتمل ضد سياساتها، ويبدو أن أبو ظبي كان لها دور كبير في تنسيق هذه الاعتقالات.
وأخيرا، ينبغي التمييز بين العلمانية والحرية. بعض من أكثر الأنظمة الوحشية والفاشية التي عرفها العالم كانت بالفعل علمانية ومناهضة للدين بما في ذلك روسيا في عهد لينين وألمانيا في عهد هتلر، وما تخططه الإمارات للمملكة السعودية لا يختلف عن ذلك. يجب على السعودية أن تحدد طريقها إلى الحرية وفقا لتطلعات شعبها وليس وفقا لرغبة شيخ في أبو ظبي أو أمير في قصر السلام.
بقلم : شيماء محمد
ارسال التعليق