حوادث وكوارث
ابن سلمان يعزز تحالفه مع آل صهيون... ولكن بدفع أثمان باهظة !!
بقلم: عبد العزيز المكي
يوماً بعد آخر، تتكشف حقائق جديدة حول هرولة بن سلمان نحو عدو العرب الاول، ومحاولاته توثيق آفاق التعاون والتنسيق بين الطرفين، وفي كافة المجالات تقريباً، ويرى البعض من المحللين الغربيين والصهاينة وحتى العرب، أن هذا التعاون والتنسيق، أتخذ وتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة، ومنذ اتضاح مؤشرات انهيار داعش في العراق وسوريا... إلى جانب حالة الفراغ التي تشهدها المنطقة بسبب انحسار وتراجع الوجود الأمريكي، مقابل الصعود الروسي والإيراني، ولمواجهة هذا الوضع الخطير بالنسبة للصهاينة وآل سعود دفع بهم بحسب قول بعض المحللين إلى أن يعملوا خلال العام 2017، على توسيع العلاقات بينهم وربطها استراتيجيا بعضها ببعض، بجانب إعلانها وتمتينها وتوحيد الخطاب تجاه القضايا ذات الاهتمام المشترك، بل والتكامل في مواجهة ما يعتبرونه (أخطر من داعش) أي المقاومة في غزة ولبنان، فشهد العام 2017 سعي سعودي إسرائيلي (متبادل ومتكامل يتخطى مسألة تطبيع العلاقات الثنائية بينهم إلى مستوى التحالف الإستراتيجي).
وبالطبع هذا ما أكدته مقابلة صحيفة إيلاف المقربة من البلاط السعودي مع قائد الجيش الصهيوني أي رئيس الأركان غادي أيزنكوت، فهذا الأخير شرح وعبر صحيفة سعودية أولويات الكيان الغاصب فيما يخص أساس التحالف بين الرياض وتل أبيب، والتأكيد على متانته، والآفاق التي يتمحور حولها، لدرجة أنه أوضح أن هذا التحالف يرقى للتحالف العسكري بين الطرفين...
الصحف الغربية، الأمريكية والبريطانية والأسبانية... أيضاً أكدت هذا الرأي وقالت إن إخفاقات ابن سلمان على الصعيد الخارجي سرّعت من هرولته وتحالفه مع العدو الصهيوني، فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة بوبليكو الأسبانية تقريراً نشره موقع (عربي 21) يوم 24/12/2017 بعد ترجمته، جاء فيه (إن خسارة المملكة العربية السعودية أمام منافستها إيران في كل من العراق وسوريا؛ جعلت ابن سلمان متأهباً كي لا تتكرر نفس الأخطاء في جبهات صراع أخرى، خاصة في اليمن ولبنان، وعموماً تمر هذه العملية عبر إسرائيل، التي أصبحت في نهاية المطاف (كعب أخيل) المملكة العربية السعودية).
وأوضحت الصحيفة إن ابن سلمان راهن وبقوة على (إسرائيل) لسببين اثنين أولهما، إن ابن سلمان و(إسرائيل) يكنان عداءاً عميقاً لإيران، وثانيهما، إن ابن سلمان يعتبر أن (إسرائيل) لها قدرة عالية على التأثير على الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما من شأنه أن يعزز عزلة إيران ويضاعف العقوبات المفروضة عليها. وأشارت الصحيفة الاسبانية إلى أن ابن سلمان بات يمنح أو يولي أهمية قصوى لعلاقته مع الكيان الصهيوني !! وذلك ما جعل الكتاب والمعلقين الصهاينة يكتبون ويعلقون فرحاً وإطراءاً وبشكل يكاد يكون يومياً حول هذا الحماس السعودي نحو السعي بشكل حثيث لإظهار التحالف الصهيوني السعودي.
وفي هذا السياق، تقول سمدار بيري محللة شؤون الشرق الأوسط في صحيفة يدعوت احرونوت يوم 30/12/2017 أنه (أمام أعيننا يتشكل السلام الجديد، لم يعد السلام بارد، المتنكر والعدائي، بل سلام يستتر في أعلى الأماكن في قيادة السلطة، حاكم مقابل حاكم في حالة مصر وآلية مقابل آلية في حالة الأردن...) وتابعت المستشرقة الصهيونية سمدار بيري قائلة (يدخل الشريك الثالث الى الصورة، ولي العهد الشاب من المملكة العربية السعودية، الذي يفرض نظاماً جديداً سياسياً واقتصادياً وربما اجتماعياً) وشددت هذه المستشرقة، واعتماداً على مصادرها في تل أبيب، على أن هناك علامات كثيرة جداً تتراكم وتؤكد وجود حوار رفيع المستوى بين ابن سلمان والمسؤولين الصهاينة، وبحسب هذه المحللة فإن هناك الكثير من المصالح، وعلى رأسها التهديد الإيراني تربط بين الرياض وتل أبيب تحت البساط، وأردفت قائلة أنا على استعداد لتصديق وزير الخارجية السعودي (عادل الجبير) حين يصر على أننا لم نبدأ بعد في مسار العلاقات المفتوحة. وبحسب هذه المحللة فإن دخول السعودية على خط التحالف مع الكيان الصهيوني رسم حدود بين ما تسميه المحور الإسلامي المعتدل الذي يضم الدول العربية (السنية) والكيان الصهيوني وبعض الدول الإسلامية غير العربية، وبين محور المقاومة الذي يضم إيران وسوريا والعراق ولبنان بالإضافة إلى فصائل المقاومة في المنطقة... وتذهب هذه المحللة بعيداً في الإشارة إلى ملامح احتمالات نشوب الصراع على مستوى أوسع وأشد وطأة بين هذين المحورين في منطقة الشرق الأوسط.
وكما قلنا في مقالات سابقة، صحيح إن ابن سلمان يبذل كل الجهود من أجل التحالف مع الكيان الصهيوني وتظهير هذا الحلف إلى العلن من خلال تهيئة الظروف الداخلية والإقليمية اللازمة لذلك، صحيح أن ذلك يأتي بدافع حماية النظام السعودي وبدافع الاستقواء بالعدو لمواجهة إيران ومحور المقاومة، لكن الصحيح أيضاً، وكما أكدنا مراراً وتكراراً، هو أن العدو يتوق إلى هذا التحالف لحماية نفسه وكيانه، إذ بات يستشعر ولأول مرة بعد انهيار داعش في العراق وسوريا، بالخطر على وجود واستمرار هذا الكيان الغاصب... غير أن النظام السعودي بقيادة ابن سلمان بدلاً من أن يستفيد من هذا الشعور الصهيوني الذي عبر عنه وبصراحة أكثر من جنرال وقائد عسكري على أعلى المستويات، فضلاً عن المعلقين العسكريين وكتاب الصحف وعدد من المسؤولين الصهاينة من الوزراء السابقين والحاليين، خضع لابتزاز صهيوني بشع، يمكن أن يشكل هذا الابتزاز سبباً من الأسباب الأساسية لسقوط وتلاشي هذا النظام في المستقبل.
وفي هذا السياق، نشرت الصحف أو بعضها العربية منها والغربية التوصيات التي قدمها الخبير الصهيوني مردخاي كيدار للحكومة الصهيونية للتحالف مع السعودية وللتعامل معها بشأن التسوية فيما يخص القضية الفلسطينية، وهي توصيات نجد أن سياسة ابن سلمان تترجمها وتلتزم بها حرفياً، كما سنرى لاحقاً، وقال كيدار في دراسة نشرها مركز (بيغن- السادات) الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية، إن القاعدة الأولى التي ستتبعها (إسرائيل) عند التفاوض مع السعودية هي أن تبادر إلى التأكيد على أنها لن تقدم أي ثمن لإتمام التسوية. وأضاف كيدار: إذا أرادت السعودية أن تعيش بسلام مع (إسرائيل)، فستمد الأخيرة يدها لإقرار التسوية، وهذا كل ما تحصل عليه الرياض، وإذا لم تقبل بهذا الشرط فلن يتم مناقشة أي شيء. ونوه هذا الخبير الى أن السعودية ليست جديرة بالثقة، محذراً الحكومة الصهيونية بأن تضع هذا الأمر نصب عينها في التعامل مع النظام السعودي... وقدم كيدار في هذا الدراسة التي نشرت في 30/12/2017، على بعض الموقع العربية عشر نصائح أساسية لإبرام التسوية مع الرياض. هي ما يلي:
1ـ إدراك إن السعودية تسعى للتسوية مع (إسرائيل) لمحاربة إيران التي تعتبرها الرياض العدو الأول والأخير في المنطقة، بمعنى إن السعودية تريد الاستقواء بالكيان الصهيوني، ولا بد أن يكون هناك ثمن تدفعه السعودية لقاء ذلك، وكأن هذا الخبير يقول، صحيح إن الكيان الصهيوني بحاجة ماسة لتجنيد السعودية (بثقلها الإسلامي، وقيادتها لأكثرية الدول العربية) في مواجهة إيران، ولكن لا بد من استحلابها إلى جانب هذا التخندق.
2ـ التشديد على أن (إسرائيل) موجودة منذ 70 عاماً بدون تسوية مع السعودية، وليس هناك سبب فوري لهذه التسوية سواء مع السعودية أو الإمارات، لأن ذلك لن يحل أزمات الشرق الأوسط، تماماً كاتفاقيات التسوية مع مصر والأردن التي لم تسهم في إيجاد حلول لهذه الأزمات، وهذه النصيحة أو الشرط، تعبر بوضوح عن النظرية التي وصفها ابن غوريون، وطورها وايزمن جد وايزمن الرئيس الصهيوني المتوفى والتي تستند هذه النظرية في جملة ما تستند إليه من أسس، إلى التقليل من أهمية الأشياء التي يريدها العدو من الطرف الآخر (العربي) حتى يتجنب ابتزاز الطرف الآخر، وأيضاً رفع السقوف عالياً فيما يخص المطالب الصهيونية، أو فيما يخص الأثمان التي على الطرف الآخر دفعها، حتى يكون التنازل عن هذه السقوف منّة من العدو لهذا الطرف، وحتى يمكن بذلك التنازل، انتزاع مكاسب جديدة من الطرف الآخر لصالح المفاوض الصهيوني، فهذه النظرية الدبلوماسية للتفاوض تطبق بحذافيرها في هذه التوصيات.
3ـ التأكيد على إن التسوية مع السعودية ينبغي ألاّ تكون مرتبطة بأي قضية أخرى، وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية، قائلاً: إن رئيس الوزراء (إسرائيلي) الأسبق مناحيم بيغن قد أرتكب خطأً فادحاً في عام 1978 بموافقته على السيادة الذاتية الفلسطينية عند توقيعه اتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات والتي مهدت الطريق لإنشاء السلطة الفلسطينية.
4ـ التشديد على أنه في حال إصرار السعودية على معالجة القضية الفلسطينية يجب أن يكون رد (إسرائيل) في أي اتفاق تسوية كالتالي: (إذا أردتم حقاً مساعدة الفلسطينيين، أبنوا لهم مدناً وقرى في السعودية، وسيكون من دواعي سرور تل أبيب المشاركة في بناء المجمعات السكنية لهذا الغرض).
5ـ إن الاعتراف من قبل (إسرائيل) بنظام آل سعود، على الرغم من إن أصول العائلة ليست من الحجاز، مرهون باعتراف الرياض بالقدس عاصمة (لإسرائيل)، مؤكداً إن تل أبيب ستعترف بالسعودية كدولة إسلامية مقابل اعتراف الأخيرة بـ (إسرائيل)، (دولة يهودية)، كما ستعترف (إسرائيل) بحق آل سعود بالعيش في الحجاز مقابل اعترافهم بحق اليهود بالعيش في (إسرائيل)، من النيل الى الفرات.
وفي هذا الشرط يتجلى الإذلال الصهيوني والإهانة لآل سعود بأبشع صورها!!
6ـ ستسمح (إسرائيل) للرياض بتحديد مكان السفارة الإسرائيلية في السعودية، مقابل السماح لها بوضع سفارتها في المكان الذي ترغب به (إسرائيل) أي في القدس، إذا نقلت السعودية سفارتها من القدس إلى مكان آخر دون موافقة (إسرائيل) فستصبح اتفاقية التسوية باطلة!
7ـ التزام (إسرائيل) والسعودية بعدم التصويت ضد بعضهما البعض في المنظمات والمؤسسات الدولية.
8ـ التشديد على ضرورة أن يبقى الأوروبيون والأمريكيون بعيدين عن طاولة المفاوضات بين السعودية و(إسرائيل)، لأنهم ليسوا أطرافاً في الاتفاق ولن يضطروا إلى تحمل عواقب فشله، فمصالحهم لا تتوافق مع مصالح (إسرائيل) بالضرورة، خاصة عندما يتعلق الأمر بسرعة إجراء وتقدم للمفاوضات.
9ـ التأكيد على رفض الضمانات الدولية حتى وإن كانت من أفضل أصدقاء (إسرائيل) مقابل التنازل عن شيء تريده السعودية. وهذا معناه، إن الكيان الغاصب لا يريد شاهد يلزمه الالتزام بما أتفق عليه مع النظام السعودي، فهو متى ما رأى الوقت مناسباً أو الظرف مناسباً للتملص من التزاماته التي وقعها مع الجانب السعودي، فهو يُقدم على هذه الخطوة، مثلما فعل مع مصر ومع الأردن، ومع السلطة الفلسطينية...
10ـ التأكيد على أن التسوية مع (إسرائيل) ليست مجرد هدنة مرفقة بوثيقة، بل ينبغي لتل أبيب أن تصر على تطبيع كامل يتضمن علاقات ثقافية وسياحية وتجارية وصناعية وفنية وعلمية ورياضية وأكاديمية.
وقال كيدار أيضاً: (إذا شاركت (إسرائيل) في المؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي تعقد في السعودية، فسيرفرف علمها جنبا الى جنب أعلام الدول الأخرى، وإذا فازت في أي منافسة رياضية داخل السعودية، فسيتم عزف النشيد الإسرائيلي، وستعرض الكتب والمنتجات (الإسرائيلية) في المعارض السعودية.
نظام ابن سلمان لم يشر إلى هذه الشروط الصهيونية، لكن السياسة التي يتبناها وتعكسها مواقفه وسلوكياته تجاه مختلف تطورات وأحداث المنطقة، تؤشر إلى التزام عملي من جانب بن سلمان بهذه الشروط الصهيونية، وهنا نرى من الضرورة بمكان الإشارة إلى عدد من تصرفات وسلوكيات النظام السعودي، في الإطار المشار إليه، ومنها ما يلي:
1ـ القضية الفلسطينية... بخصوص هذه القضية يقوم ابن سلمان بدور محوري لإنهاء هذه القضية، فالرئيس الأمريكي ترامب أعلن بعد قراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أن النظام السعودي كان على علم بهذا القرار، بمعنى أنه كان موافقاً على أن القدس عاصمة الكيان الصهيوني، وما عزز ذلك ما سربته التقارير الغربية والعربية حول إن ابن سلمان أقترح على محمود عباس في لقائه معه وبناءاً على طلبه هو بالذات بعد إعلان ترامب قراره المشئوم، أقترح عليه الموافقة على أن تكون ضاحية أبو ديس عاصمة الدولة المزعومة، كما خيره أي خيرّ محمود عباس بين القبول بمشروع التسوية الذي أعده الأمريكان والصهاينة والسعوديين، أو التنحي عن السلطة والمجيء بمحمد دحلان مكانه، الذي قال أنه مستعد لتنفيذ هذا المشروع المعروف باسم (صفقة القرن) والذي يقضي بإسقاط عودة اللاجئين وإقامة كيان فلسطيني على أرض غزة مع جزء من سيناء المصرية، وأجزاء من الضفة الغربية، بينما تبقى المستوطنات في الضفة في مكانها وتلحق بالكيان الغاصب... وهو ما رفضه محمود عباس لحد الآن.
2ـ التحريض ضد إيران ومحورها، وتوظيف كل الإمكانات الإعلامية والسياسية في هذا الإطار، أي في تشويه إيران وتشطين محور المتحالف معها ، ومحاولة خلق مناخات وأجواء لدى الرأي العام العربي والإسلامي، مناسبة لتغيير قناعات العرب والمسلمين بهذا المحور، وبالتالي التمهيد لحرب طائفية يريدها الصهاينة، أو خلق المبررات اللازمة لشن العدوان الصهيوني على لبنان، ولعل قصة احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وحمله على الاستقالة، خير دليل على هذا الجهد الذي يبذله ويواصل بذله ابن سلمان خدمة للكيان الصهيوني والتزاماً بالشروط المشار إليها.
3ـ الابتزاز المالي، فعلى غرار ما يقوم به الرئيس الأمريكي ترامب وعائلته من عملية استحلاب تاريخية تجاوزت مئات المليارات من الدولارات، شملت عقود استثمار وهدايا، وصفات أسلحة وما إلى ذلك... فعلى غرار هذا الاستحلاب هناك استحلاب آخر يجري وراء الكواليس تقوم به (الدويلة الصهيونية) للنظام السعودي، على شكل هبات واستثمارات، وحماية أمنية، ودعم عسكري وما إلى ذلك، وقد اعترفت مصادر صهيونية بذلك، وقالت إن من صفقة الأسلحة البالغة 450 مليار دولار مع الولايات المتحدة، والتي جرى توقيعها خلال زيارة ترامب الأخيرة للرياض، 100 مليار دولار مخصصة لشراء سلاح صهيوني للسعودية!!
هذا، بالإضافة إلى الكثير من الإجراءات التي يصر ابن سلمان على المضي في اتخاذها من أجل إرضاء الكيان الصهيوني وتعزيز التحالف معه، لكن المحللين والخبراء الغربيين يكاد يجمعون على أن هذه السياسة السعودية سوف تؤدي بالنظام السعودي الى السقوط المحتم.
ارسال التعليق