حوادث وكوارث
بن سلمان في مديات مرمى المدافع الداخلية والخارجية فهل ينجو من نيرانها الحارقة
بقلم: عبد العزيز المكي
بعد حادث إطلاق النار الذي حصل أمام قصر السلام في جدة، حيث كان ولي العهد محمد بن سلمان موجوداً فيه...ثم بعد تجمهر 11 أميراً أمام قصر الحكم في الرياض واعتقالهم، وما قيل عن حصول تمرد أو احتجاج، وحتى مواجهة بالأسلحة النارية...بعد هذه الحوادث وغيرها كثر الحديث عن محاولات اغتيال استهدفت تصفية بن سلمان من قبل العائلة الحاكمة أو أوساطها أو من الدوائر المقربة منها.
على أن هذا الحديث جاء في إطار التكهنات، والتحليل من خلال ربط الأحداث ببعضها البعض الآخر وصولاً إلى تحديد الصورة الكاملة للمشهد السعودي الذي يجري التعتيم عليه بشكل يصعب اختراقه من قبل المحللين أو حتى المراقبين عن قرب لما يجري وراء الكواليس داخل العائلة المالكة..
على أن تواتر مثل هذه التحليلات والروايات عن حصول عملية اغتيال أو تمرد للأمراء ضد بن سلمان، ينهض بها التواتر إلى المصداقية واليقين، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف إذا جاء هذا التأكيد من الأوساط المقربة من دائرة العائلة الضيقة الذين يتخفون بأسماء وهمية، الذين يقول الإعلام الغربي إنهم أمراء سعوديون يعيشون في الخارج، ففي هذا الإطار كشف المغرد السعودي الشهير "العهد الجديد" في 13/1/2018، والذي يقول عن نفسه انه راصد ومحلل لمظاهر التغيير في العهد الجديد قريب من غرف صناعة القرار حيث أحاول أن أهمس من هناك، يقول هذا المغرد "إن محمد بن سلمان تعرض لمحاولتي انقلاب من الأمراء" وأضاف "الأولى أمام قصر السلام أطلق عليه النار لكنه لم يصب ثم قالوا إنها محاولة إرهابية" وتابع هذا المغرد " الثانية في قصر الحكم حينما تجمع الأمراء مهددين تهوراته وضاغطين لأجل إيقاف وإعادة الموازين". وتساءل "العهد الجديد"، قائلاً "نجا بن سلمان من المحاولتين السابقتين...فهل سينجو من المقاومة؟ ".
وكان العهد الجديد قد كشف في 18/1/2018، بأن الأمير الذي قاد الحراك في قصر الحكم بالسعودية برفقه عدد من الأمراء الذين تم اعتقالهم مؤخراً هو بندر بن عبد الله بن سعود الكبير، وهو والد زوجة مشعل بن عبد الله- وقال " العهد الجديد " " بندر بن عبد الله بن سعود الكبير (المعتقل في قضية الحكم ) هو والد زوجة مشعل بن عبد الله، وهو ابن صيتة شقيقة الملك عبد الله..
واعتقاله يؤكد أمرين :
1ـ بن سلمان سيستمر بضرب وإقصاء الأمراء المخالفين له أو حتى المقربين من ملوك سابقين أو أمراء منافسين.
2ـ الاعتقالات جاءت نتيجة خلافات وتمرد...".
بدوره كان المغرد السعودي الشهير الآخر "مجتهد " قد كشف السبب الحقيقي وراء الاعتقالات التي نفدها بن سلمان بحق 11 أميراً، وقال: إن "السبب الحقيقي لاعتقال هؤلاء الأمراء، يرجع إلى شعور بن سلمان وخوفه من بداية تمرد داخل العائلة المالكة.
إذن فعلاً هناك تحرك مضاد يجري داخل العائلة السعودية ضد بن سلمان، وضد هيمنة آل سلمان على القرار السعودي، وبدون شك لا يمكن فصله أو عزلهُ عن المؤثرات الداخلية والخارجية في الدائرة الضيقة لآل سعود، ولذلك فأن هذا التحرك يؤشر إلى عدة أمور في غاية الأهمية والخطورة نشير إلى بعضها بما يلي :
أولاً : أن يكون هذا التحرك انعكاس لصراع مخابراتي بدأ يتجلى بهذا الشكل، بما يعني أن الوضع وصل إلى مديات باتت غير قابلة للتحمل ولابد من الحسم، وذلك بحكم ارتباط آل سعود بالسي آي إي جهاز المخابرات الأمريكي، وبالموساد " الإسرائيلي ". وبناء على ذلك يمكن رصد أو توقع الاحتمالات التالية من هذا الصراع المخابراتي الذي يعبر عن نفسه بين الحين والآخر..
الاحتمال الأول...ويتمثل في أن يكون التحرك الآنف للأمراء، هو عبارة عن صراع بين السي اي اي والبنتاكون من جهة، وإدارة ترامب من جهة أخرى. فترامب ومستشاره صهره كوشنر يدعمان بن سلمان إلى حد كبير، وقال ترامب مؤخراً كما كشف كتاب ( نار وغضب ) إننا وضعنا رجلنا محمد بن سلمان على رأس الحكم في السعودية، اننا هندسنا الوضع في المملكة...ولا يهم ترامب كما يقول الخبراء غير المال، الذي وضعه بن سلمان في خدمته، أما السي أي ايه ومعها البنتاغون إلى حد ما، فهما يؤيدان وكانا يفضلان، خصوصاً السي آي أي محمد بن نايف ولي العهد السابق، حتى أن السي آي اي منحت بن نايف قبل تنحيه عن ولاية العهد، أو بعبارة أدق إجباره على التنحي عن منصبه، وساماً رفيعاً، تثمينا لجهوده وتعاونه مع المخابرات الأمريكية، وكإشارة على إمضاء هذا الجهاز على أن يكون هو الملك القادم. أما وزارة الدفاع الأمريكية فهي متبرية وغير راضية من سياسات بن سلمان الحمقاء، ولقد لاحظنا، أن خبراء عسكريين أمريكيين سابقين انتقدوا مراراً وتكراراً تورط بن سلمان في حرب اليمن، بل أن رئيس أركان الجيوش الأمريكية السابق كولن باول، كان قد قال إن بن سلمان لا يفهم شيء في شؤون الحرب، منتقداً شنه الحرب على اليمن، وبين الحين والآخر نجد أن بعض من هؤلاء الخبراء، أو حتى من الخبراء في معاهد بارزة ترتبط بوزارة الدفاع مثل مؤسسة راند، يحذرون الإدارة الأمريكية من السياسات الحمقاء التي يتبعها بن سلمان في المجالات العسكرية، والتي يمكن أن تسبب للولايات المتحدة مشاكل وصعوبات جمة هي في غنى عنها في المنطقة، ويمكن أن تسبب لها خسائر فادحة نتيجة لهذا الدعم الذي تبديه الادارة الأمريكية لسياسات بن سلمان غير المدروسة. فلا يستبعد أن تكون السي آي أي لها دور كبير في دفع هؤلاء الأمراء، أو المقربين منهم، للتخلص من بن سلمان خوفاً من أن يورط الولايات المتحدة بمآزق وكوارث هي في غنى عنها.
وقد يكون هذا التحرك عملية توظيف من قبل الموساد " الإسرائيلي " لتحقيق مآرب صهيونية، وقد عُرف عن الموساد انه حينما ينفذ إلى مؤسسة الحكم يقوم بصناعة أجنحة داخل المؤسسة من أجل الضغط على هذا الجناح بذاك، فكيف إذا كانت الأجنحة موجودة أصلاً، فهو سيسارع إلى دعم هذه الأجنحة، لتوظيف هذا الدعم في عملية الابتزاز، وبدون شك، كما ذكر الكثير من الكتاب والمحللين فأن الصهاينة يقومون الآن بعملية ابتزاز لبن سلمان بين الحين والآخر لحمله على تنفيذ السياسات التي يريدون، ولذلك لا يستبعد أن يكون للموساد الصهيوني دور في عملية تحريك الأمراء الغاضبين ويساهم في عملية تفجير الاحتقان بين أوساطهم بهدف تخويف وإرعاب بن سلمان وحمله على الاستنجاد بالصهاينة لحمايته، ما يسهل ذلك على الصهاينة عملية ابتزازه وتوجيهه نحو المسارات التي تخدم المصالح الصهيونية، حتى ولو كانت مضرة لمصلحة المملكة السعودية.
وثانياً : أن يقوم عدد من الضباط المنسوبين الى الحرس الوطني، الذي كان يرأسه متعب بن عبد الله، بإطلاق النار على بن سلمان، فذلك يعني أمرين، هما :
محاولة انتقام من هذه القوة التي تدين بالولاء لرئيسها متعب، من بن سلمان نظراً لما قام به من عملية اعتقال لمتعب بن عبد الله، وللتغييرات التي يجريها على هذه القوة خلاف رغبة ضباطها وأفرادها، وكذلك بعثرة وحداتها وتفكيكها وإرسال بعضها إلى جبهات القتال.
إن القوات المسلحة بلغت حداً لا تستطيع التحمل تجاه هذا الوضع الذي قادها اليه بن سلمان، حيث ورطها في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، شنها ظلماً وعدواناً على الشعب اليمني، وبسبب استمرار هذه الحرب والعدوان، باتت هذه القوات المسلحة تنزف وبشكل يومي على كل الأصعدة، على اثر الخسائر الفادحة التي تُمنى بها في مواجهة أنصار الله والجيش اليمنى، ذلك فضلاً عن الأهانة التي باتت هذه القوات تعانيها إلى جانب الإذلال بسبب هزائمها أمام أنصار الله والجيش اليمني سيما في الجبهات الحدودية في نجران وجيزان وعسير، والى الحد الأدنى أصبحت فيه هذه القوات تفضل الهروب والفرار من جبهات القتال للتخلص من القتل أو الأسر بيد الجيش اليمني واللجان الشعبية، وذلك ما دعا سلمان إلى منح الجنود في هذه القوات مكافئات من أجل البقاء في مواقعهم بالخطوط الأمامية، ففي يوم6/1/2018صدرت سلسلة أوامر ملكية بينها " صرف مكافئة قدرها 5000 ريال سعودي للعسكريين المشاركين في الصفوف الأمامية للأعمال العسكرية في الحد الجنوبي للمملكة فلا يستبعد أن تكون القوات المسلحة بصدد محاولة للتخلص من بن سلمان الذي زجها في أتون هذه المحرقة، من أجل إيقاف الحرب والتخلص من أوزارها المكلفة.
وثالثاً : ثمة احتمال كبير أن يكون تحرك الأمراء ضد بن سلمان، هو انعكاس وتجلي لتدخل مباشر أو غير مباشر من قبل الدول الغربية، مثل فرنسا وألمانيا وحتى بريطانيا، عبر مخابراتها، أو عبر وكلائها وحلفائها داخل عائلة آل سعود، وما يرجح هذا الاحتمال عدد من المؤشرات نذكر منها ما يلي :
تدخل الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون بشكل مباشر لإنهاء أزمة اعتقال بن سلمان لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي دعاه بن سلمان للرياض، وأجبره على تقديم الاستقالة من رئاسة الوزراء، ومنعه من العودة إلى لبنان وذلك من أجل إثارة حرب وفتنة طائفية في لبنان، فالرئيس الفرنسي أرسل وزير خارجيته إلى هناك، وقيل انه أي الرئيس الفرنسي، هدد بن سلمان بأن باريس سوف تقلب الطاولة بوجهه إن لم ينهِ هذه الأزمة ويكف عن العبث بالشأن الداخلي اللبناني، حيث شكل اختطاف وإجباره على الاستقالة، تدخلاً سافراً وفجاً في الشأن اللبناني، مناف لكل الأعراف والمواثيق الدولية. وحينها لم يجدِ بن سلمان مجالاً للمناورة أو التملص، سوى الإذعان لما أراده الرئيس الفرنسي، وذلك يعني أن الفرنسيين غير راضين على تلك السياسات التي وصفوها بالحمقاء والمتهورة.
اشترط الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني على حزب المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، التعهد بالالتزام بعدم بيع السعودية أسلحة جديدة، لأنها ترتكب المجازر تلو المجازر بحق الشعب اليمني المظلوم، باستخدام هذه الأسلحة التي تزودها بها أميركا والدول الأوربية. وذلك مؤشر واضح على تبرم وانزعاج أكثر الأحزاب السياسية في ألمانيا من سياسات النظام السعودي وحماقاته التي ساهمت في دفع المنطقة إلى مزيد من الاحتقان والتوتر.
الحملة الإعلامية الغربية المتصاعدة ضد النظام السعودي، حيث توزعت هذه الحملة باتجاهات متعددة، منها اتجاه ركز على التأكيد على أن النظام السعودي هو المصدر الأساسي للفكر الإرهابي الوهابي، الذي بات يهدد الاستقرار والأمن العالميين، خصوصاً في أوربا، ثم اتهام هذا النظام بتفريخ الإرهابيين التكفيريين الذين يرتكبون الجرائم الدموية المروعة بحق الأبرياء في العراق وسوريا ولبنان وفي العواصم الأوربية. واتجاه آخر ركز على الجرائم التي ترتكبها السعودية في اليمن وضرورة وقف هذه الحرب والامتناع عن تزويد الحكومات الغربية الرياض بالأسلحة التي تستخدمها في قتل المدنيين العزل في اليمن وفي تدمير بنية بلادهم التحتية. واتجاه ثالث ركز على القلق الغربي من سياسات بن سلمان وتهديدها للاستقرار في المنطقة، والذي من شأنه، أي انعدام الاستقرار، تهديد المصالح الغربية في تلك المنطقة، الاقتصادية منها بشكل خاص. وفيما يخص القلق الغربي على المصالح الغربية الاقتصادية، نشير إلى صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية كشفت في 13/1/2018، أن كلا من الرئيسيين الفرنسيين السابقين فرانسوا هولاند، ونيكولا ساركوزي، بعثا مؤخراً برسائل لبن سلمان على خلفية اعتقاله للوليد بن طلال الملياردير السعودي المعروف، وأوضحت الصحيفة أن نداءات هولاند وساركوزي، جاءت بعد شكاوى للمدراء التنفيذيين الفرنسيين من شراكاتهم مع الوليد بن طلال، عقب اعتقاله، وهو ما أعلنه صراحة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، حيث أكد أحد مساعدي ماكرون بأن لدى فرنسا علاقات قوية مع الوليد بن طلال بصفته مستثمراً كبيراً لدى فرنسا، ويرتبط الوليد بن طلال بمجموعة من الشراكات في فرنسا، التي تشمل حصصاً في سلسلة فنادق فرنسية، ونصف حصة البنك الفرنسي، (كريدي اجريكول) ووقعت شركة طيران تابعة له إنفاق شراكة كبيرة مع شركة طيران ايرباص الفرنسية.
هذا إلى جانب القلق الفرنسي خاصة والغربي عامة من سياسات بن سلمان التصعيدية ضد إيران والرامية إلى تخريب الاتفاق النووي الإيراني، والى الدعوة إلى الحرب معها، فكل هذا التوجه من شأنه أن يهدد الاستثمارات والعقود الغربية مع إيران وبقية دول المنطقة، بما فيها السعودية نفسها، ولذلك فعلى خلفية كل هذا القلق مما يقوم به بن سلمان على صعيد رفع مناسيب التوتر خارجياً وداخلياً، لا يستبعد المراقبون أن يكون للغربيين دور في الدخول على خط المعارضة الكبيرة من داخل العائلة السعودية لبن سلمان، للتخلص من الأخير الذي بات بنظر الدول الغربية يشكل تهديداً للمصالح الغربية، سيما وان لدى هذه الدول نفوذ وعلاقات مخابراتية مع بعض أمراء آل سعود، ومع بعض الأجهزة السعودية العسكرية منها والمدنية.
وفي كل الأحوال، فأن سياسة بن سلمان وارتهانه إلى ترامب والى الكيان الصهيوني، سوف تقوده إلى هلاكه وهلاك آل سعود ككل وسقوط ملكهم والى الأبد.
ارسال التعليق