تحالفات السعودية تتفكك وتواجه العالم وحيدة
بينما تسعى السعودية للحصول على موقع في خريطة الشرق الأوسط، يرى مراقبون أنها أخطأت الطريق، وهي تحاول إقامة تحالفات متعددة تمنحها موقع رأس الحربة فيها؛ تارة عربية وأخرى إسلامية، مع حلم بجمع دول معينة في تحالف لفتح جبهة مع إيران.
وما إن يلتئم شمل تحالف من تلك التحالفات، حتى ينفرط عقده إما بسبب سياسات المملكة التي يثبت لها لاحقاً خطؤها، أو لخلاف مع الحلفاء في ظل تخبط سياسي واقتصادي يتسم به حكم بلاد الحرمين منذ الإطاحة بمحمد بن نايف من ولاية العهد في انقلاب أبيض، والإتيان بمحمد بن سلمان بدلاً عنه.
وكان الملك سلمان بن عبد العزيز قد دشن عهده بحملة عسكرية في اليمن عام 2015، وهدفها المعلن الإطاحة بميليشيا الحوثيين، الذين تعتبرهم القيادة السعودية قريبين من إيران، ولتحقيق هذا الهدف دعت الرياض عواصم عربية وإسلامية إلى التحالف معها في سبيل استعادة النفوذ والسيطرة على المنطقة.
وقال المراقبون إنه مع انجراف السعودية وراء الإمارات في حرب خرجت عن أهدافها المعلنة، دفع كل ذلك العديد من الدول المشاركة في التحالف إلى إعادة النظر في بقائها ضمن الحلف. خاصة أن الحرب أضعفت الشعب اليمني؛ حيث سعت أبوظبي للسيطرة على مقدرات اليمن، والتحكم بقنوات الملاحة الدولية ودعم طرف على حساب طرف وإنشاء ميليشيات ومرتزقة، بحسب ما أكدت تقارير دولية ومحلية،
ورأى المراقبون أنه بإعلان المغرب انسحابه من التحالف يمكن القول بكل ثقة إن ما عرف بالتحالف العربي أصبح في خبر كان، حيث أعلن مسؤول حكومي مغربي أن الرباط أوقفت مشاركتها في العمليات العسكرية مع التحالف، مؤكداً لوكالة “أسوشييتد برس” أن بلاده لن تشارك في التدخلات العسكرية أو الاجتماعات الوزارية في الائتلاف الذي تقوده السعودية.
وكان السودان أبلغ في مايو الماضي، السعودية رسمياً أنه لا ينوي التجديد لقواته العسكرية التي تشارك في التحالف، بدءاً من يونيو المقبل بحسب تقرير نشره موقع “الأحداث نيوز” السوداني. وأكد المراقبون أن التحالف أصبح يقتصر حقيقة على السعودية والإمارات اللتين تواجهان سيلاً من المواقف والتقارير الدولية التي تتحدث عن آثار ودمار خلفتهما الحرب لا يمكن تداركهما، في حين يسعى الكونجرس الأمريكي لسن قانون يفرض محاسبة التحالف الذي تقوده الرياض على الدمار الحادث. ويرى المراقبون أن الإعلان عن تحالف يضم 41 دولة إسلامية، في شهر ديسمبر 2015،
بقي التحالف حبراً على ورق، دون أن يتمكن من تقديم أي نتائج على أرض الواقع تجعل منه رقماً في المعادلة الدولية.
ويرى الكاتب والباحث في مركز الدراسات المغاربية المختار بكور: أن “تشكيل التحالف جاء كإطار سياسي شكلي لخدمة ولي العهد السعودي، وتحسين صورة المملكة التي خاضت العديد من المعارك الخاسرة”. وأضاف: إن “أهداف التحالف عند تأسيسه لم تكن واضحة، كما لم يتم تعريف ما هو الإرهاب، فالسعودية مثلاً تعتبر حركة حماس إرهابية لكن تركيا لا تعتبرها كذلك”. ورأى بكور أن “التحالف بات شكلاً من الأشكال الاستعراضية لنفوذ متوهم وسطوة مأمولة في رؤوس منشئيه، والعالم اليوم لم يعد يعترف بالاستعراضات، ولكن يحتل الساحة من يملك أدوات فرض القوة، وإيران وحدها اليوم باتت قوة ضاربة تقارع العالم بأسره وتفاوضه، في حين أنه يتوسل إليها لتحجيم قدراتها العسكرية الدفاعية منها والهجومية، دون أي حاجة لتحالف طويل عريض بأسماء رنانة”. واستمراراً لنهج إنشاء التحالفات السعودية؛ تم استحداث ما يشبه تحالفاً سداسياً دُشن باجتماع عقد في 31 يناير الماضي في الأردن، ضم وزراء خارجية مصر والبحرين والإمارات والسعودية والكويت والدولة المضيفة، الجديد في هذا التحالف أن أحداً لا يعرف بعد ماهيته ولا أهدافه، بل إن الاجتماع عقد دون جدول أعمال أو أجندة مسبقة، ولم يتم الكشف عن القضايا التي بحثها الوزراء المجتمعون.
المحلل السياسي الليبي أحمد سلام الراجحي، اعتبر في حديثا له: أن “الاجتماع لا يؤسس لتحالف، بل هو مقدمة لتحالف دعت له أمريكا تحت اسم الناتو العربي، وهدفه مواجهة إيران”.
ووصف الراجحي الاجتماع بأنه “أقرب للفضفضة بين الدول المشاركة، التي لا تتفق بالرؤية فيما يخص التعامل مع إيران، فإذا كانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر تتخذ موقفاً معادياً لها، فالحال لا ينطبق على الكويت والأردن، وأشار الراجحي إلى أن “السعودية والإمارات لم تتمكنا من هزيمة الحوثيين في اليمن مع وجود الدعم الأمريكي، فكيف ستواجه إيران ومعها جيوش من الميليشيات في المنطقة، في حين تم تخريب البيت الخليجي الداخلي، وقطر التي تريد واشنطن أن تكون جزءاً من الناتو العربي لم تشارك في هذا الاجتماع التشاوري”، مستدركاً “هذه ليست سياسة عاقلة لبناء التحالفات التي تضمن أمن المنطقة، إنه التخبط الصبياني بكل ما تعني الكلمة الذي يأخذ المنطقة إلى مغامرات غير محسوبة العواقب”.
ويرى محللون سياسيون أن الدول العربية بما فيها الحليفة للرياض، باتت تنفض عنها وتنأى بنفسها عن الارتباط بها بأي شكل من أشكال الارتباط العضوي في تحالف أو غير تحالف، بسبب استمرار تداعيات مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في أكتوبر الماضي، وأصابع الاتهام تشير إلى ولي العهد محمد بن سلمان.
وخلّفت حرب اليمن مأساة إنسانية يصعب تخيل حجمها، وسط تقارير حقوقية يومية عن انتهاكات السعودية والإمارات والحوثيين بحق الشعب اليمني ومطالبة مشرعين في الكونجرس بوقفها فوراً.
ارسال التعليق