بهاء الحريري.. ورقة السعودية الجديدة في لبنان
في الوقت الذي تنقلب فيه الأجواء السياسية اللبنانية رأسًا على عقب حول طريقة تقديم رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، استقالته من منصبه في السعودية، وما إذا كانت الأخيرة أجبرته على الاستقاله ووضعته تحت الإقامة الجبرية، تنكشف المزيد من خطة المملكة حول زعزعة استقرار لبنان وإثارة الفتن السياسية بداخلها، فيبدو أن استقالة “الحريري” واحتجازه في المملكة كانا جزءًا من مخطط كبير لشق الصف الوطني اللبناني.
محاولات فرض “بهاء” بديلًا لـ”سعد”
أفادت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، التي تولي اهتمامًا خاصًّا بالأزمة اللبنانية، بأن السلطات في السعودية تود أن يترأس “بهاء الحريري” بدلًا من شقيقه “سعد” الحكومة اللبنانية، وذكرت الصحيفة الفرنسية أنها حصلت على هذه المعلومات من مصادر موثوقة ورفيعة المستوى في الحكومة اللبنانية، مشيرة إلى أن أقارب سعد الحريري رفضوا العرض السعودي بعد دعوتهم إلى الرياض لمناقشة تفاصيل الفكرة، وأكدت عائلة الحريري للسعوديين أنها لن توافق على تداول السلطة في لبنان بهذا الشكل.
في ذات الإطار نقلت مصادر لبنانية محاولات المملكة إقناع العائلة وتيار المستقبل بضرورة إحلال بهاء كبديل لسعد، الأمر الذي أثار خلافات كبيرة داخل العائلة والتيار خلال الفترة الأخيرة، حيث تصاعدت المناقشات الحادة في الاجتماع الأخير للتيار؛ مما دفع “نادر الحريري” إلى رفع صوته في كثير من الأحيان، وتدخل النائبة “بهية الحريري” لاحتواء مواقف بعض المعترضين، قبل حسم الموقف بالاتفاق على أن الأساس هو عودة الرئيس الحريري الى بيروت، وعدم البتّ في أي أمر آخر، بما في ذلك الطلب السعودي بمبايعة بهاء الحريري زعيمًا للعائلة والتيار، وهو ما أكدته “بهية” بأن دفع “بهاء الدين الحريري” في اتجاه تكليفه لرئاسة الحكومة العتيدة يشكل طعنة في ظهر الرئيس سعد الحريري ترفضه العائلة بالمطلق، لأن غايته “زعزعة الصف الإسلامي في لبنان وشق العائلة الحريرية”، وقد يعُمّم ذلك لاحقًا على بقية القيادات في التيار.
تأتي محاولات السعودية إحلال “بهاء” بدلًا من “سعد” في الوقت الذي تؤكد فيه الأحزاب السياسية في لبنان اعتبار استقالة “سعد” غير شرعية ولا دستورية؛ نظرًا لأنها جاءت بالإجبار، وأن عودته إلى لبنان ضرورية لقبول استقالته، ومن ثم النظر في تعيين رئيس جديد للحكومة اللبنانية، حيث أعلن وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، أن “اللبنانيين ليسوا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر، والسياسة في لبنان تحكمها الانتخابات وليس المبايعات، ومن يظنّ غير ذلك يكون جاهلًا بطبيعة لبنان السياسية ونظامه الديمقراطي”.
“السبهان” يقود الحملة الترويجية
بدأت الأذرع السياسية والدبلوماسية للمملكة السعودية بالعمل الحثيث من أجل تنفيذ مخططات الرياض في لبنان، لكن هذه المرة يبرز اسم “ثامر السبهان” في الحملة الجديدة لفرض “بهاء” كبديل لشقيقه، فبعد أن فشلت الدعوات السعودية للعائلة الحريرية، برزت محاولات إقناع الجمهور اللبناني بضرورة مبايعه خيارات السعودية، حيث أكدت مصادر لبنانية أن “السبهان” يعيش حالة من الاستنفار والتواصل مع عدد كبير من الشخصيات اللبنانية، بمعاونة القائم بالأعمال السعودي في بيروت، وليد البخاري، الذي باشر في الساعات الـ36 الماضية بتوجيه دعوات لشخصيات وجموع من المناطق اللبنانية لزيارة السفارة في بيروت ومبايعة المملكة وخياراتها، والإدلاء بتصريحات تدعم قرار مبايعة بهاء الحريري، فيما ينشط الوزير السابق “أشرف ريفي” وقيادات من فريق 14 آذار لتنظيم وقفات شعبية تدعم السعودية، سواء في الحملة على إيران وحزب الله أو على صعيد مبايعة بهاء بدلًا من شقيقه الأصغر.
مخطط سعودي مُحكم
الأنباء عن محاولات السعودية إيجاد موطئ قدم جديد لها في لبنان، من خلال تجنيد ذراع جديد من أذرعتها السياسية لإثارة البلبلة السياسية هناك، تتناسق مع تحليلات بعض الصحف الإسرائيلية التي أكدت أن ما يحدث في المنطقة حاليًّا ليس عبثًا أو من قبيل الصدفة، بل خططت له المملكة منذ فترة وبمنتهى الدقة، وأن الأخيرة ستحرك خلاياها في بيروت لتنفيذ هجمات ضد حزب الله، أو على الأقل لإعادة الأجواء السياسية المتوترة هناك إلى ما كانت عليه قبل تنصيب الرئيس “ميشال عون”، وهو ما سيعمل على بث الفوضى في البلاد، كتمهيد لتحميل حزب الله مسؤولية هذه الفوضى وشن حرب على الحزب.
صحيفة معاريف الإسرائيلية ذكرت في ذات الإطار أن السبيل الوحيد المتوفر أمام السعودية للرد على حزب الله هو تشغيل خلايا تضمّ لبنانيين أو أجانب لتنفيذ عمليات ضد أهداف في لبنان، وقال محلل الشؤون الأمنية في الصحيفة، يوسي ملمان، إنّ الأزمة ليست عفوية، موضحًا أن التقدير هو أن هذه الخطوة خطط لها سلفًا من قبل السعودية، في إطار الصراع الدائر بين المملكة وإيران على الهيمنة في الشرق الأوسط وعلى العالم الإسلامي، مضيفًا أن قرار الرياض ببدء الأزمة جاء على خلفية الإحساس بأن إيران حققت إنجازات في العراق وفي سوريا، وأشار إلى أن خبراء في إسرائيل وفي الغرب يعتقدون أن السبيل الوحيد المتوفر أمام السعودية للرد على حزب الله هو تشغيل خلايا تضم لبنانيين أو أجانب لتنفيذ عمليات ضد أهداف في لبنان، لافتًا إلى أن “عمليات كهذه من المتوقع بالطبع أن تؤدي إلى ردود مضادة من قبل حزب الله وتدهور الوضع في لبنان”.
من هو بهاء الحريري؟
هو رجل أعمال من مواليد عام 1966، تخرج في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل بداية في السعودية في مجال الهندسة والعمارة بشركة “سعودي أوجيه” التابعة للعائلة، حيث تدرّج في كل الوظائف التابعة للشركة إلى أن تسلم مهمة التدقيق ليصبح مديرًا للتدقيق، وبعد فترة غادر الشركة لإنشاء عمله الخاص، لكن دون أن يستقيل من دوره في الجانب التنفيذي فيها، كما سبق أن عمل في إدارة المصرفين التابعين لعائلته، وهما البنك العربي وبنك البحر المتوسط.
منذ اغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، في عام 2005، وقرار السعودية توريث شقيقه الأصغر “سعد” كوريث لإرث العائلة السياسي، اتجه بهاء إلى الاهتمام بأعماله الخاصة بعيدًا عن الساحة السياسية، ولم تبرز أي مواقف سياسية له منذ ذلك الوقت، حيث أسّس شركة “هورايزون للمشاريع الإعمارية” في لبنان، كما أنه يرأس شركة العبدلي في الأردن لبناء الوسط التجاري في العاصمة عمّان.
اختيار السعودية لشقيقة الأصغر “سعد” للإمساك بزمام تيار المستقبل عقب وفاة والده “رفيق” أحدث شرخًا في العلاقات بين الأخوين، حيث انتقد بهاء كثيرًا أداء شقيقه سعد المتعثّر وسياسته الإدارية والمالية، وصولًا إلى جلوسه على الطاولة نفسها مع حزب الله، محملًا إيّاه مسؤولية تردي الوضع التنظيمي والشعبي لتيار المستقبل، حيث ينتهج “بهاء” سياسات ومواقف تجاه إيران وحزب الله أشد وأقسى من مواقف شقيقه، الأمر الذي قد يجعل السعودية تتمسك بتنصيبه رئيسًا للوزراء.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق