مهرجانات ميدل بيست: منبت سوء لأجيال قادمة
شكّلت مهرجانات الصخب التي أُقيمت في الرياض على مدى السنوات الماضية على يد محمد بن سلمان والبوطقة المحيطة به، وعلى رأسهم مهرجان "الميدل بيست"، أحد أبرز أوجه التهكّم علي عادات وقيم المجتمع السعودي، ذلك لما رافقها من مظاهر فاضحة وسط ذاك الزحام، والموسيقى الصاخبة والصرخات العالية.
مظاهر الفحش التي تتخللها هذه المهرجانات والتي كشفت عنها بداية الأمر مقاطع الفيديو المأخوذة من الحاضرين أنفسهم، شملت مشاهد التعرّي وشرب الكحول وتعاطي الممنوعات ومشاهد الاختلاط المبالغ به، تعاود مجلة billboard الأميركية الفنية وتكشف تفاصيل خطيرة عن ما يجول في أروقة هذه المهرجانات التي أراد ابن سلمان لها أن تكون وجهة المجتمع السعودي الحديث.
ولأن الشياطين تكمن في التفاصيل؛ لا ينبغي نقد الظاهر من هذه المهرجانات حصراً حيث مخالفة الرقص والغناء بالعموم التعاليم الإسلامية التي تدّعي "السعودية" أنها تطبق تحكم وفقاً لها، لكن ما يجري في المهرجانات الغنائية التي ترعاها "ميدل بيست" المدعومة من ابن سلمان كانت محط استغراب وونقد حتى المراقبين الغربيين الذين لا ينظرون من منظار الدين لهذه المظاهر.
المال الذي أُنفق على قطاع الترفيه الموسيقي والأموال التي دُفعت للفنانين الأجانب لاستقطابهم ينبئ بما هو أبعد من غايات الاستثمار السياحي، بقدر ما با أكيدا أنه يهدف للزجّ بالشباب السعودي الذي يمثّل نسبة مرتفعة جدا من المجتمع السعودي اليوم وإغراؤه بما يُشبع غرائزه هو السبيل لكسب تأييده.
في لمحة عن الاهتمام الحكومي بهذا الميدان، في عام 2018، أعلنت الهيئة العامة للترفيه في السعودية عن خطط لاستثمار 64 مليار دولار - أي أكثر من ضعف قيمة صناعة الموسيقى العالمية بأكملها في عام 2023، وفقًا لتقرير IFPI العالمي لعام 2024 - في مجال الترفيه على مدى العقد المقبل. وفي عام 2020، أطلقت البلاد رسميًا هيئة الموسيقى السعودية، مع انضمام المدير التنفيذي لاتحاد تجارة الموسيقى البريطاني بول باسيفيكو كرئيس تنفيذي في يناير 2023.
التقرير الذي أعدته المجلة الفنية الاميركية، ينقل فيها الصحفي تجربته في إحدى حفلات "ساوند ستروم" التي شهد فيها مظاهر لم يألفها عادة في مثل هذه الأحداث حول العالم. "إمرأة محجبة ترقص على أنغام موسيقى الهيب هوب، مشاهد تحرّش، تعاطي المخدرات والحشيشة والكحول في بلد كان بالأمس القريب يعدّ هذه المظاهر من المحرمات".
ولكن أيضا شهد أناسا يستمعون للأذان داخل خيمة في محيط المهرجان، بعد أن تهدأ الموسيقى، كآخر مظهر يذكّرك أنك في بلد يدّعي أنه إسلامي.
يُذكّر الكاتب أنه في الربيع الماضي، تم تحديث الأسئلة الشائعة على موقع هيئة السياحة السعودية للإعلان عن أن "الجميع مرحب بهم لزيارة السعودية" ردًا على سؤال "هل أعضاء مجتمع LGBT مرحب بهم للزيارة؟"، وهو الأمر الذي أنبأ بمسار هذه المهرجانات ونواياها.
تقول سيلفيا مونتيلو، التي كانت الرئيس التنفيذي لجمعية الموسيقى الإلكترونية سابقا أنه "في مشهد الموسيقى الإلكترونية التقدمي تاريخيًا، وهو عالم رائد من قبل السود والمثليين، فإن "ساوند ستروم" الممولة من السعودية هي بالتالي مستقطِبة للغاية في مجتمعنا"!
كما في كلّ تقرير تنشره صحيفة أجنبية، التطرق لموضوع غسيل السمعة يكون حاضراً، تقول المجلة "يُعد ساونج ستروم وسيلة إلهاء جذابة عن انتهاكات الحكومة السعودية لحقوق الإنسان. واجهت النساء والعمال المهاجرين والصحفيين القمع من نفس الحكومة التي تساعد في تمويل غزوات البلاد في مجال الموسيقى. وفي عام 2018، اغتيل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول؛ وفي عام 2021، أصدرت إدارة الرئيس جو بايدن تقريرًا يفيد بأن بن سلمان وافق على قتل خاشقجي، رغم أن محمد بن سلمان نفى ذلك. وفي أغسطس/آب الماضي، حُكم على مدرس متقاعد بالإعدام بسبب تغريدات انتقد فيها الحكومة، وفي يناير/كانون الثاني، حُكم على ناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة بالسجن 11 عاماً بتهم تشمل الملابس "غير المحتشمة" وتعزيز حقوق المرأة على وسائل التواصل الاجتماعي".
تنقل المجلة عن أحد المدراء في "مديل بيست" وهو سعودي الجنسية، أنه كان يدرس في أميركا بمنحة حكومية عام 1997 وكان من محبّي موسيقى الجاز وأمثالها، لكن ذات مرة تلقى مكالمة من القنصلية السعودية تطلب منه التوقف عن اللعب في الأندية الموسيقية إذا أراد الاحتفاظ بالمنحة الدراسية.
ومع ذلك، عاد (أحمد العماري) إلى الرياض في عام 2002 وبدأ في إقامة حفلات غير قانونية تحت الأرض، حيث يقول: "كان الناس، والطلاب كانوا خارج مقاعد الدراسة، كل شيء يبدو وكأنه أي حفل آخر كنت أحضره في جميع أنحاء العالم"، عندما تمت مداهمة حدث كان من المقرر أن يشارك فيه العماري في عام 2004، انتقل إلى دبي، وحصل على إقامة في أحد الأندية في البحرين، ثم انتقل إلى نيويورك وحصل على درجة الماجستير من برنامج إدارة التصميم في معهد برات.
وعندما عاد إلى وطنه في عام 2013، وجد العماري "مجتمعًا مختلفًا - معارض فنية، وعروض أفلام، وتجمعات مع حشود مختلطة". وفي عام 2019، ساعد في تشكيل "ميدل بيست" بمباركة الحكومة، حيث حجز أول عاصفة صوتية مع فنانين محليين، بالإضافة إلى عمالقة موسيقى الرقص العالميين.
يقارن أكثر من عضو في فريق ميج بيست هذا المهرجان الأول بسقوط جدار برلين. يتذكر العماري قائلاً: "لقد خرج كل منسق أغاني سعودي من على سطح السفينة في حالة من الفوضى الكاملة، والدموع، وعدم التصديق".
داخل الحفلة، ينقل الصجفي مشاهد الراقصات اللواتي يرتدين الملابس الفاضحة ويتراقصن أمام الحاضرين الذين يبلغون من العمر 16 عاما بأغلبهم، وأما النساء الحاضرات فإنهنّ مرتديات للعبايات التقليدية ومخفيات وجوههنّ مخافة الكشف عن هوياتهن من خلال الفيديوهات التي تُلتقط وتُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
ونشير هنا إلى ازدواجية الضرر اللاحق بالإسلام، ليس فقط على صعيد معتنقيه في الجزيرة العربية والتشويه الذي يُعمل على إلحاقه به، ولكن أيضا على صورته المُصدّرة للخارج التي يلتقطها السيّاح الأجانب وتبرز هنا مشاهد "الفتيات المحجبات الواتي يتراقصن على أنغاب الهيب هوب وسواها" التي تكرر ذكرها في التقرير المنشور في المجلة الاميركية.
كما يشارك الصحفي أيضا رواج حبوب المخدرات في هذه الأماكن حيث "عُرضت عليّ مرارا المخدرات" ولانتشار الكحول بين الحاضرين.
ويتطرق لظاهرة التحرش الملفتة نظرا لقلة عدد النساء الحاضرات، حيث يُقدّر أنه بين كل عشرين ذكر يكون حاضرا هناك فتاة واحدة. لكن انتشرت العديد من الشهادات التي أفادت بتعرض الفتيات للتحرش وعدم الدقرة على محاسبة الفاعلين لازدحام المكان وسهولة التخفي بين الناس.
في إحدى ليالي مهرجان "ساوند ستروم" كانت ثلاث نساء سعوديات في أوائل الثلاثينيات من العمر، يتحدثن الإنجليزية، يجلسن على طاولة معا ويتحدثن عن الحياة قبل إصلاحات بن سلمان، ويقلن إنه حتى عقد من الزمن الماضي، كان الشكل الأكثر إثارة للترفيه القانوني هو المطعم فقط. لكن "الإصلاحات" جعلت المواعدة أسهل حيث لم يعد يتعين عليهم مرافقة بعضهم البعض في زيارات سرية لمنازل الرجال".
فيما يتعلّق بارتفاع أجور المغنين، يقول المسؤول التنفيذي في الصناعة الذي عمل مع ميدل بيست إنه بينما حصل الفنانون على ضعف أو ثلاثة أضعاف رسومهم العادية في المهرجان الأول، بحلول عام 2022، انخفضت الأسعار إلى المستوى القياسي (من المتوسط إلى المرتفع ستة أرقام لأعمال المستوى الأول). ومع ذلك، يقول أحد الأمريكيين العاملين في الصناعة، والذي لديه معرفة برسوم الفنانين لمهرجان 2024، إن بعض الأسعار لا تزال "مرتفعة إلى حد الجنون".
وأما فيما يتعلق بالمردود المادي التي تجنيه الحكومة والجهات المسؤولة عن هذه المهرجانات، تشير تقارير الهيئة العامة للإحصاء في السعودية إلى أن 67% من السكان تقل أعمارهم عن 35 عامًا، وهي بيانات تم الاستشهاد بها مرارًا وتكرارًا من قبل الفنانين والمديرين التنفيذيين الموجودين هنا لتقييم السوق.
ولكن هذا الأمر لا يدوم، فوفق المتوقّع أن يضمحّل هذا الإقبال الكبير على هذه الأجواء في القاد من السنوات وهو ما بدأ يظهر خلال المهرجانات الأخيرة.
ختاماً، هذه الشهادات لن يفتخر بها أبناء شبه الجزيرة العربية وبأنها باتت أمرا واقعا في بلادهم نتيجة النوايا السلمانية لتغيير وجه بلاد الحرمين كسبا للتأييد الشبابي والخارجي لحكمه، قد لا تؤذي ابن سلمان لأنه بالفعل أراد رؤيتها وعمل على ذلك. لكن عليه أن يخشى من نظرة المسلمين في جميع أنحاء العالم تجاه حكمه وبلاده، لما يعززه من قناعة أن هذه البلاد محكومة من معاتيه يديرونها وفقا لما تقتضيه مصالحهم الخاصة ومصلحة ديمومة حكمهم.
ارسال التعليق