فضيحة السعودية والأمم المتحدة: "إزدواجية معايير" أم إخفاق متبادل؟
فضيحة السعودية والأمم المتحدة: "إزدواجية معايير" أم إخفاق متبادل؟
خرج خلاف الأمم المتحدة مع السعودية إلى العلن، على خلفية إدراج "التحالف العربي" على اللائحة الأممية السوداء لقتل مئات الأطفال في اليمن. قرّر الأمين العام للمنظمة بان كي مون في الأشهر الأخيرة له في الأمانة، إفشاء الأوراق في الهواء، على الرّغم من أنّ ذلك قد لا يُفيد في إعادة إدراج "التحالف" إلى القائمة بعد رفعه بصفة مؤقتة، انتظاراً لمراجعة مشتركة مع "التحالف" لتقرير المنظمة الدولية، لكن الخطوة تمثل رسالة أممية محرجة للسعودية وحلفائها للحدّ من انتهاكاتها.
ردّت الرياض على رسائل الأمم المتحدة بـ "رسائل" أكثر عمقاً. أشارت إلى الضغوط التي مارستها واشنطن في منع وضع الاحتلال الإسرائيلي على القائمة لجرائم ارتكبها ضد أطفال فلسطين. تساءل السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي أمام الصحافيين الخميس عن السبب، "وهي تاريخياً متهمة بمهاجمة المدارس، وهذا يخبرنا أن هناك خطأ يحدث" يقول. سؤال مشروع وضعته السعودية في عهدة الأمم المتحدة، بعد يوم من ردّها السريع بالنفي لكل ما قاله بان بشأن "ضغوط غير مبررة".
يؤكّد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية حسن جوني لـ "السفير" أنّ للولايات المتّحدة دوراً كبيراً في إزالة اسم "التحالف" تماماً كما كان لها دورٌ في منع إدراج "إسرائيل" على "القائمة السوداء"، ويشير إلى أنّ مواقف المساعد السياسي للأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان تضغط في أروقة الأمم المتحدة لصالح أميركا وحلفائها، على الرغم من كل المطالبات الحقوقية والدولية بإدراج الاحتلال على اللائحة، لافتاً الانتباه إلى أنّ تلك الدعوات قوبلت بالتجاهل، وهو ما أكّده مدير مكتب بيروت لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" نديم حوري لـ "السفير"، بعد أنّ طالبت المنظمة الحقوقية إلى جانب العشرات من المنظمات غير الحكومية، بإدراج "إسرائيل" في "قائمة العار"، بحسب تعبيرها، في رسالة بعثتها في 27 نيسان العام 2014، أعربت فيها عن قلقها إزاء تجاهل وضع "إسرائيل" كـ "مخالف خطير لحقوق الطفل". يوضح حوري إلى أنّها "المعايير ذاتها التي نطالب من خلالها اليوم بإعادة التحالف إلى اللائحة السوداء".
يشير جوني في هذا الصدد، إلى أنّ القوى الغربية السياسية في الأمم المتحدة من الممكن أن تقف ضد السعودية إلاّ أنّها لا يمكن أن تقف ضد "إسرائيل"، لكنّه لا يتوقع أن تتراجع الأمم المتحدة عن إزالة "التحالف" عن اللائحة، موضحاً أنّ "مجلس حقوق الإنسان خاضع لميزان القوى السياسية خصوصاً الغربية، التي تهيمن على المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية"، فضلاً عن غياب اليمن ديبلوماسياً عن الساحة الدولية للدفاع عن نفسه.
الردّ السعودي الممنهج، بدأ في إعادة بعض أقلام صحافة "الديوان الملكي" خلاف السعودية مع المنظمة، إلى "مربع الخلاف السعودي ـ الأميركي على سياسة الشرق الأوسط"، ورفض واشنطن لحرب اليمن، بحسب ما أشارت الكاتبة في صحيفة "المدينة" فاطمة البكيلي، التي رأت أنّ هذه التهمة "أزاحت الستار عن كواليس فصول مسرحية مصالح جديدة تلعبها أميركا هذه المرة، وفي اليمن تحديدًا!"، فيما ذهبت رقية الهويريني في صحيفة "الجزيرة" أبعد من ذلك، متهمةً أميركا بقتل الأبرياء في اليمن، قائلةً إنّ "أميركا تقوم بغارات عشوائية عبر طائرات من دون طيار لاستهداف المنتمين لتنظيم القاعدة، وتصيب في تلك الغارات الأبرياء من السكان من دون أن تتدخل الأمم المتحدة".
تطويع "الإسلام"
رسالة سعودية أخرى، هدّدت فيها بـ "المعاملة بالمثل"، بوضع الأمم المتحدة على "لائحة المعادين للإسلام"، ملوّحةً بـ "اجتماع شيوخ في الرياض لإصدار فتوى ضد الأمم المتحدة تقضي بتصنيفها معادية للإسلام" وفقاً لمصادر مقربة من المنظمة الدولية. في حين تنظّر السعودية لنظريتها في حقوق الإنسان باسم "الإسلام". فقد أعلنت مرات عدّة من على منبر مجلس حقوق الانسان، رفضها الامتثال لمعاييرها الحقوقية بحجة تعارضها مع "مبادئ الدين الإسلامي الحنيف"، وهو ما أعلنه مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة فيصل بن حسن طراد ورئيس "لجنة الخبراء المستقلين" في حزيران العام الماضي، الذي استنكر فرض ما أسماها "ثقافات أحادية تتجاوز المعايير الدولية لحقوق الإنسان أو تتعارض معها"، رافضاً "التدخل الدولي" بشؤون السعودية "بدعوى المطالبة بحقوق الإنسان". وفي اليوم التالي لكلمة طراد هذه، سارعت وزيرة الشؤون الخارجية البريطانية إلى تأييده قائلةً إنّه "علينا أن ندرك أن ما تفعله الحكومة السعودية يحظى بتأييد الأغلبية الساحقة للشعب السعودي".
الموقف الغربي لم يكن مستغرباً، وخصوصاً من المملكة المتحدة، إذْ أنّ الفضل الأكبر في ترأس السعودية لجنة الخبراء، بحسب وثيقة نشرها موقع "ويكيليكس" فور تعيين طراد رئيساً للجنة يعود إلى بريطانيا. وتشير الوثيقة إلى أنّ الأخيرة وعدت السعودية بهذا المنصب في محادثات سرية حصلت في تشرين الثاني العام 2013 لتبادل الدعم داخل المجلس، ووفقاً لمذكرة سرية أخرى، جرى الاتفاق على أنّ تدعم السعودية بريطانيا في الفترة ما بين عامي 2014- 2015، مقابل دعم الأخيرة لها في الفترة ما بين عامي 2014 – 2016، ما يوضح سبب المجاملة البريطانية في موقفها من الانتهاكات السعودية.
يسهب مندوب الرياض في تفنيد سجلّ المملكة الحقوقي المثير للجدل بالردّ على الاتهامات والإدانات من على منبر الأمم المتحدة باسم الإسلام، بدءاً من أحكام الإعدام ذات "الضمانات صفر في استيفاء شروط المحاكمات العادلة" بحسب حقوقيين، إلى اتهامها بتقديم الدعم والمساعدة للجماعات المتطرفة، في حين لا يتعارض ميثاق الأمم المتحدة ومبادئها مع "الإسلام" بحسب ما أكّد أستاذ العلاقات الدولية جوني لـ "السفير"، مستنداً إلى إقرار المملكة بذلك حين انضمت إلى المنظمة، وأشار إلى أنّ ذلك نوقش مراراً ولا جدال فيه، والأمر نفسه ينطبق على إيران.
سبق حفلة الرسائل هذه، "رسائل" أممية عدّة، قابلها "وعود" سعودية جوفاء في التحقيق في الغارات التي سقط فيها ضحايا أطفال ومدنيين، وازدادت وعود المسؤولين السعوديين بالتحقيق في مثل هذه "الحوادث"، بعد "رسالة" أعلنت فيها الأمم المتحدة عن نتائج تقرير حقوقي، ذكر أنّ "السعودية ربما تكون ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في اليمن" في كانون الثاني الماضي، وخصوصاً بعد أن أعلنت بريطانيا حينها بأنّها ستأخذ التقرير بـ "جدية بالغة"، إلاّ أنّ السعودية لم تلتزم بتعهداتها العلنية، بحسب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين، الذي أكّد في انتقاد وجهه إلى "التحالف العربي" في آذار الماضي، بعد يوم من مقتل أكثر من 100 شخص في سوق في اليمن بغارة، أنّ التحقيقات السعودية الموعودة "لم تشهد أي تقدّم".
معركة الأمم المتحدة مع السعودية لم تكن وليدة الأمس، ولم يكن القرار بإزالة "التحالف" الذي تقوده في اليمن عن "القائمة غير المكتملة"، سوى مرحلة من مراحل النزاع الخجول مع المملكة المذهّبة. ففي العام 2013، وبعد ساعات من وقوع الاختيار عليها لتشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، بدأت السعودية تزايد عليها بـ "حل القضية الفلسطينية والنزاع السوري وجعل الشرق الأوسط خالياً من أسلحة الدمار الشامل"، رافضةً شغل المقعد بسبب "ازدواجية المعايير"، في حين توجّه دولاً ومراكز أبحاث دولية، أصابع الاتهام إليها بتقديم الدعم والمساعدة للجماعات المتطرفة في سوريا والعراق وأفغانستان واليمن، وتنامي الموجة الإرهابية في العالم.
إنّها "ازدواجية معايير" بأن توضع السعودية على "لائحة سوداء" بعد أن جعلتها تتربع في موقع "جوهرة التاج" ـ كما وصفته صحيفة "الاندبندنت" ـ في مجلس حقوق الإنسان، بقرار تعيين طراد، رئيساً لـ "لجنة الخبراء المستقلين" في مجلس حقوق الإنسان في تشرين الأول العام 2015، إذ إنّها اللجنة المسؤولة عن "رصد" مدى امتثال الدول الأطراف في المجلس لالتزاماتها التعاهدية، في حين تتهمها منظمات حقوقية عالمية عدة كـ "العفو" الدولية" و "هيومن رايتس ووتش" بالإضافة إلى عشرات المنظمات الحقوقية غير الحكومية، بانتهاك حقوق الإنسان في الداخل والخارج.
إنّها "ازدواجية معايير" بأن تمنح الأمم المتحدة السعودية لباس حقوق الإنسان الأبيض بفعل "التوصيات"، ثم تسعى إلى فضح دورها بادراجها على اللائحة السوداء، ثم الاذعان للتهديدات والتراجع مجددا. وفي ظل هذه التناقضات، ربّما بات يحق لكثيرين أنّ يسألوا الأمم المتحدة وأمينها العام: كيف لـ "قاضي العالم" أن يكون في موضع المتهم في الوقت ذاته؟
ارسال التعليق