الأسباب الكامنة وراء تدخلات السعودية في اليمن والشرق الأوسط
لم يكن لموجة الانتفاضات العارمة التي جابت المنطقة العربية في العام 2011 والتي عُرفت آنذاك بمايسمي بالربيع العربي أي تأثير ملموس على مدى التوازن الهيكلي للقوى في المملكة السعودية.
وبالتالي عملت بشكل واضح على إنهاء الظروف المحيطة بالجغرافيا السياسية التي تتلاءم مع وضع المملكة خصوصا في الفترة التي صاحبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما التي شهدت انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الصراعات والنزاعات السياسية المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط.
ترى المملكة السعودية من منظورها الخاص أن مصالحها وموقعها الاستراتيجي خط احمر لا يمكن المساس به وبالتالي فان الحلف الإستراتيجي المتبادل والذي يربطها مع الولايات المتحدة الأمريكية والذي عُرف باتفاقية كوينسي التي عقدت في 14 من فبراير من العام 1945، نص على توفير الولايات المتحدة الأمريكية الحماية اللامشروطة لعائلة آل سعود الحاكمة مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة التي تحتاجها الولايات المتحدة الأمريكية من النفط والغاز.
اقتصر النهج الدبلوماسي الإقليمي الذي تنتهجه الرياض في سياستها العامة على الحكمة وتوخي الحذر حتى هبت رياح الربيع العربي التي تلقت الدعم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
استجابت السعودية أثناء الصدمة النفطية الأولى التي شهدها العالم في العام 1973- التي دعت إليها الدول الأعضاء في منظمة الدول العربية المصدرة للبترول “أوبك” – لما نص عليه إعلان حظر تصدير النفط وذلك لدفع الدول الغربية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب الغفران كما عرفت في إسرائيل أو حرب العاشر من رمضان كما عرفت في مصر، وذلك قبل التوصل بسرعة إلى اتفاق في نهاية عملية التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية.
فمنذ سبعينيات القرن الماضي استطاعت المملكة العربية السعودية الاستفادة من نفوذها القوي وذلك بفضل العائدات النفطية، إذ استندت بشكل كامل على “قوتها الناعمة” والتي تتمحور حول المحور الديني الإسلامي القائم على وجود اثنان من الأماكن المقدسة في الإسلام ضمن نطاقها الجغرافي – مكة والمدينة – من اجل تنصيب نفسها كمركز إسلامي رئيسي ومحوري في العالم الإسلامي والعربي.
ولكن بدلا من الخوض في غمار تفاصيل هذه العلامات المعروفة للدبلوماسية السعودية، فإنه يجب إعادة النظر في التغيير الجذري الذي قاد إلى اختيار الدبلوماسية الجديدة والمبنية على التدخل في شؤون منطقة الشرق الأوسط.
الخوف من تخلي اوباما:
إن النهج الذي سار عليه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش والذي عرف باسم ” القيادة من الخلف” لم تختلف عن النهج الذي انتهجه الرئيس السابق باراك اوباما، فقد أثارت هذه السياسية ردود أفعال فورية من قبل القادة وصناع القرار السعوديين حيث رأوا في ذلك النهج بمثابة خيانة وتخلي عن السعودية من قبل الدبلوماسية الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط.
تستند هذه السياسة الإستراتيجية على تعزيز التحالفات للحفاظ على الأهداف الإستراتيجية والعملياتية في المنطقة بمعنى انه يجب على الشركاء المحليين أن يحلوا القضايا المحلية بأنفسهم بينما تتجه واشنطن صوب سياسة شن الغارات الجوية باستخدام طائرات بدون طيار.
وخصوصا في الوقت الذي عمل فيه الرئيس السابق باراك اوباما في خلق بيئة مواتية للحوار مع جمهورية إيران الإسلامية مما عزز في نفس الوقت من الدور الإقليمي لطهران.
فمنذ مارس من العام 2011 اتخذت السياسة الإقليمية السعودية في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز منحى اتسم بالعدوانية، وهذه السمة تتجلى في قرار التدخل العسكري لقوات درع الجزيرة في مملكة البحرين، إذ سيظل هذا القرار تحت مظلة مد يد العون لأسرة آل خليفة الحاكمة التي تعتنق المذهب السني ووضع حد للانتفاضة الشعبية التي أشعل شرارتها الأغلبية الشيعة في المملكة الصغيرة.
نتج عن التدخل العسكري حدوث صدع بين المملكة السعودية والولايات المتحدة الأمريكية التي نظرت إلى هذه الانتفاضات الشعبية ضد الحكومات المستبدة بعين الرضاء.
كما تم تفسير محاولات إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما إقناع الرئيس المصري السابق حسني مبارك الإذعان للمطالب التي نادت بها الانتفاضة الشعبية والتي جابت شوارع القاهرة في مطلع العام 2011 تم تفسيرها من قبل الرياض على انه تخلي أو انسحاب بشكل مرموق وبصورة رسمية من قبل واشنطن التي تربطهم بها علاقات وثيقة منذ 30 عاماً، بالإضافة إلى كون القادة وصناع القرار في المملكة العربية السعودية رأوا بأنها بمثابة خطوة سهلة من خلالها من الممكن أن تقود الإدارة الأمريكية إلى التخلي عنهم.
اليمن الخط الأحمر:
شهد مطلع العام 2015 تتويج سلمان بن عبد العزيز ملكا على عرش المملكة السعودية والذي حاول بدوره التنصل من الوصاية الأمريكية القوية حيث عمل على إشعال فتيل الحرب في اليمن وذلك بدون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية.
تمكن الحوثيون من إسقاط العاصمة اليمنية صنعاء في أواخر سبتمبر من العام 2014 وذلك بفضل التعاون الذي جمعهم مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومن ثم واصل الحوثبون زحفهم صوب الجنوب وبالتحديد إلى مدينة عدن العاصمة السابقة لليمن الجنوبي، وبالتالي نتج عن تلك الأحداث الإخلال بالعملية الانتقالية للسلطة التي أشرفت عليها الرياض ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي في 23 من نوفمبر من العام 2011 تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ان الخوف من زيادة المد الحوثي المدعوم من جمهورية إيران الإسلامية أدى بالرياض إلى إعلان بدء التدخل العسكري في اليمن تحت ذريعة القضاء على الذراع الأيمن لطهران.
ولكن وبالنظر لما هو ابعد من ذلك فان الدافع وراء قرار بدء التدخل العسكري في اليمن استند بشكل خاص على ان العملية السياسية في اليمن قد تفشل بشكل كامل وهذا ما تراه المملكة العربية السعودية بأنه خط احمر.
إعادة توازن:
يسير الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه الرياض من خلال هذا التوجه في اتجاهين مختلفين: فالأول يكمن في الاستجابة لرياح التغييرات التي هبت على المنطقة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، إذ رأت الرياض في نفسها الحصن المنيع الذي يعمل على استقرار نظام الملكيات في منطقة الخليج والأعضاء ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي الذي رأى النور في 25 من مايو من العام 1981 في القمة التي عقدت في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.
أما الهدف الثاني يكمن في سعي الرياض إلى إحباط تنامي النفوذ الإقليمي لجمهورية إيران الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط: العراق، البحرين واليمن، وفي بلاد الشام : سورية ولبنان، وذلك من خلال تفعيل شبكة من التحالفات المختلفة و المتعددة مع مصر، الأردن وتركيا،و أيضا من خلال اتفاق ضمني مع إسرائيل او مع باكستان ضمن إطار التحالف الإسلامي ضد الإرهاب وذلك من اجل ملء الفراغ الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
بيد أن عمليات إعادة التركيب الاقليمية بصورتها الجديدة تم تطويرها في ظل هذه الفوضى الحاصلة والتي استفاد منها تنظيم الدولة الإسلامية حيث عمل على إعادة تحديد مسار الحدود الدولية التي جاء على إثرها إقامة إقليم جديد في شرق سورية وغرب العراق وذلك ضمن إطار التنافس الحاد بين المملكة العربية السعودية و جمهورية إيران الإسلامية فكل هذا يصب في مصب السيطرة على المنطقة.
حارس الحصن المحاصر:
تكمن الدوافع التي استظل عليها هذا التدخل العسكري السعودي في اليمن في مواجهة التغييرات التي طرأت على المنطقة والمتمثلة في الانتفاضات التي جابت البلاد العربية، ناهيك عن سعى المملكة إلى توطيد وترسيخ مكانتها الرائدة على رأس دول مجلس التعاون الخليجي.
كما تعتبر الرياض نفسها الحصن المنيع ضد الوضع الراهن الذي يعصف بالمنطقة وحامي حمى الأنظمة الملكية الحالية من رياح الربيع العربي وذلك بالرغم من كبر حجم التعبئة الشعبية في سلطنة عمان، الكويت وفي اصغر الممالك الخليجية البحرين التي تعاني من وهن دائم.
ومن ناحية أخرى فان هذا التدخل الهجين الذي ترافق مع تقديم المساعدات المالية والمعدات الحربية كما هو الحال في الشأن السوري او على المساعدات العسكرية كما هو الوضع في الأزمة اليمنية فكل هذا أدى إلى إضعاف المملكة السعودية في وضعها التنافسي على السيادة الإقليمية مع طهران ونظرا لطابعها التدخلي فقد استفادت من ضعف حلفائها المحليين و غياب الحوار الاستراتيجي داخل منظومة دول مجلس التعاون الخليجي.
ومما لا شك فيه فان التواطؤ السعودي – الإماراتي يجسد القوة الصلبة العاتية لهذا التحالف الإقليمي. لكن هذا الاحتكار الثنائي المزدوج الآمن للغاية بدأ بالتآكل بفعل التنافس والنزاعات اللامبالية بشأن نتائج الصراعات المتأججة في اليمن وسورية.
وفي مقابل ذلك تعمل طهران على نشر الأهداف الإستراتيجية على طرفي نقيض وذلك ردا على الانسجام الاستراتيجي واضحة المعالم بفضل تأييد الحلفاء المحليين والمخلصين و لتعزيز التماسك بصورة جيدة مع الروس.
إدارة ترامب أكثر انسجاما وتماشياً مع الرياض:
من المؤكد أنه لمن السابق لأوانه تحديد إستراتيجية متماسكة للإدارة الأمريكية الجديدة ممثلة بالرئيس ترامب وذلك في مواجهة العالم الخارجي، وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك ظهرت بعض التوجهات التي ستنتهجها الإدارة هناك منها : العداء الذي يكنه عدد من أعضاء الحكومة الأمريكية الجديدة ضد جمهورية ايران الإسلامية، تواطؤ قوي وتقارب في وجهات النظر مع الحكومة الإسرائيلية .
وفي هذا الإطار تشعر الرياض بالاطمئنان من قوة الإرادة التي تتحلى بها إدارة الرئيس ترامب للاستيلاء على الملف الإيراني وذلك من اجل التقليل إلى أدنى حد من تنامي النفوذ الإقليمي لطهران، الذي بلغ أوجه خلال عهد الرئيس السابق باراك اوباما دون تعهد الإدارة الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي تم التوصل اليه في منتصف يوليو من العام 2015.
في حين ان الميل والتحيز تجاه دولة إسرائيل ظهر جليا في النهج الذي تسلكه إدارة الرئيس ترامب فهي ترفض مبدأ حل الدولتين بالإضافة إلى كونها تدعم سياسة الاستيطان وبالتالي فهذا الأمر يضع المملكة السعودية في موضع حرج كونها لطالما رأت في نفسها المدافع عن مدينة القدس العربي -ثالث مدينة مقدسة في الدين الإسلامي- فالرياض كانت صاحبة المبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
ومع ذلك فان من الواضح السعي الدؤوب الذي تسعى وراءه المملكة السعودية في ان تصبح الحليف العربي الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل جاهدة على ردع تنامي صعود طهران كقوة إقليمية وتبادل المصالح المالية والتعاون في مجال الطاقة المشتركة وذلك من خلال طرح 5٪ من اسهم شركة أرامكو، شركة النفط الوطنية الذي عُهد التنسيق والعمل فيها إلى جي بي مورغان : بنك أمريكي متعددة الجنسيات للخدمات المالية المصرفية ومورغان ستانلي : مؤسسة خدمات مالية وإستثمارية أمريكية متعددة الجنسيات، تعتبر من أكبر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة والعالم.
ان التصريحات والبيانات المفاجئة وغير المتناسقة للرئيس ترامب في مختلف القضايا الدولية، بالإضافة إلى عدم وجود إمكانية قراءة حقيقية لاتخاذ القرار تُظهر جلياً مدى الاتزان الذي يتحلى به المستشارين في حين يفتقده الوزراء فيما يخص السياسة الخارجية وقضايا الأمن الدولي، وهذا ما دفع بعض المسؤولين التنفيذيين في مجلس التعاون الخليجي إلى حث المملكة العربية السعودية على اخذ الحيطة والحذر وتخفيف حدة التوتر بينها وبين جمهورية إيران الإسلامية.
ارسال التعليق