بين إقناع الداخل وإرضاء السعودية.. ترامب والحسابات المعقدة (مترجم)
تواجه إدارة دونالد ترامب تعقيدا جديدا في جهودها الرامية إلى وضع استراتيجية أمريكية للشرق الأوسط المتقلب، بعد أن قدم أقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر دعوى قضائية في نيويورك، متهمين الحكومة السعودية والجمعيات الخيرية السعودية بالتمويل المادي للإرهابيين السعوديين المنفذين للهجمات.
خلال الحملة الرئاسية، انتقد ترامب، الرئيس السابق باراك أوباما، لاعتراضه على قانون جاستا، وهو قانون ضد رعاة الإرهاب، والذي يسمح لأصدقاء وأقارب ضحايا 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية، كما رفض الكونجرس بأغلبية ساحقة اعتراض أوباما، والآن يقول المسؤولون السعوديين إنهم يتوقعون من ترامب إلغاء القانون، بافتراض أنه يرى المملكة الآن صديقة وحليفة، فهل يمكن للرئيس الأمريكي المتقلب أن يفعل ذلك، مثلما فعل مع العديد من القضايا الأخرى التي واجهها؟.
من الواضح أن مدعي “جاستا” يريدون من ترامب مواصلة تقديم دعمه للقانون، في حين أن السعوديين يريدون إلغاءه، ولكنه أمر خارج صلاحيات الرئيس الدستورية.
الأمر هنا معقد، حيث يرى ترامب أن الإرهاب الإسلامي أحد المشاكل الأمنية الرئيسية، ولكن هل السعودية حقا جزءا من المشكلة؟.
الحكومة السعودية أعلنت معارضتها لتنظيم داعش والقاعدة والمنظمات الإرهابية الأخرى، ومع ذلك، هناك أدلة كبيرة على أن الجماعات غير الحكومية السعودية أو حتى المنظمات شبه الحكومية، تقدم الدعم الأيديولوجي والمالي للجماعات المتطرفة.
في الشهر الماضي، تناول محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الغذاء مع ترامب في البيت الأبيض، ذلك الأمير البالغ من العمر 31 عام، أصبح هو قائد قوة التغيير في المملكة، وترى الحكومة السعودية أن اجتماع ترامب وبن سلمان كان مبهجا، حيث إعادة العلاقات الأمريكية السعودية والتي كانت متوترة مع الإدارة السابقة، لعلاقة أوباما بإيران وهدف الحد من أنشطتها النووية.
يبدو أن الحكام السعوديين لم ينزعجوا من خطاب ترامب ضد المسلمين، واستخدامه لمصطلح الإرهاب الإسلامي، بالإضافة إلى ذلك، فإن السعوديين يعلقون آمالا على الاستثمارات والأموال الأمريكية، لتطوير البنية التحتية السعودية.
هل فوائد التناسق الأيديولوجي سيدفع الكونجرس إلى الاستمرار في تطبيق القانون في مقابل خسارة الاستثمارات في السعودية، أو أن الرئيس سيتقرب إلى السعوديين في مقابل خسارة الدعم المحلي.
ربما قد يستمر ترامب باستثمار المزيد من رأس المال السياسي والعسكري في النظام السعودي، بجانب التقليل من تأيده لجاستا، ولكن هذا لا يعني أن الإدارة الأمريكية سعيدة بشراكتها مع السعودية، حيث إن السعودية ليست بريطانيا العظمى.
وبالنظر إلى الوضع الفوضوي في الشرق الأوسط، فإن إدارة ترامب قد خلصت إلى أن العلاقة البناءة مع حكام المملكة يجب أن تحظى بأولوية إبعاد الكراهية وتهمة دعمهم للإرهاب، ودعم السياسات السعودية في المنطقة، لا سيما الحرب في اليمن. وباعتبارها قوة عالمية، فإن للولايات المتحدة مصالح كثيرة في الشرق الأوسط، وهي لا تتفق بالضرورة مع السعودية.
يحذر العديد من الخبراء من أن استقرار النظام السعودي في عهد محمد بن سلمان، قد يكون موضع شك، نظرا للأعباء الداخلية والمتمثلة في عجز الميزانية وتخفيض امتيازات المواطنين السعوديين، وانخفاض أسعار النفط، وارتفاع مستوى البطالة، فضلا عن الأعباء الخارجية، حيث تكاليف حرب اليمن غير الناجحة.
حرب اليمن التي تقود أفقر البلدان العربية إلى حافة المجاعة، شاركت فيها إدارة أوباما بشكل محدود، إلا أن ترامب زاد من المساعدات العسكرية للسعودية ويزيد من الضربات الأمريكية على تنظيم القاعدة في اليمن.
كل ما سبق يثير غضب اليمنيين والعرب والمسلمين ضد أمريكا، ولكن اليمن الآن هي أفغانستان الشرق الأوسط، فهل ترغب واشنطن حقا في الدخول إلى حرب أخرى غير قابلة للربح؟
تأتي إيران، فبالنسبة للسعوديين لا يمكن تحديد من هو الأكثر تهديدا لهم، وهل هو “داعش” أم إيران، وهذا أيضا قد ينطبق على الأمريكيين، حيث يشعر السعوديون بالقلق من تأثير إيران على العراق.
ومع إدارة ترامب، والتي تركز على تمويل الجيش، لا تريد واشنطن التورط في حرب مع إيران، إضافة لتدخلاتها العسكرية المستمرة في أفغانستان والعراق وسوريا والصومال، والآن اليمن، كما أنه من مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ على علاقتها مع إيران، مهما كانت مزعجة للسعوديين.
ويتفق معظم المحللين في الشرق الأوسط على أن الصراعات المختلفة في المنطقة لا يمكن معالجتها بفعالية إلا من خلال الدبلوماسية والمبادرات السياسية بدلا من الوسائل العسكرية البحتة، وباعتبارها القوة العظمى العالمية الوحيدة في العالم، يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ وتدير الجهود الرامية إلى إيجاد حلول سياسية للصراعات المتعددة والتفاعلية في المنطقة.
بقلم : ریهام التهامي
ارسال التعليق