ابن سلمان بعيون ضبّاطه «هلكنا هذا الطفل!»
خصّص محمد بن سلمان جزءاً بسيطاً من إطلالته الإعلامية، مساء أول من أمس، للحديث عن العدوان على اليمنيين. كرّر وزير الدفاع السعودي أن قوات تحالفه تسيطر على قرابة 85% من أراضي اليمن، متغاضياً عن الواقع الميداني… وطبعاً، ثمة ما ليس متحدثاً عنه، لا رسمياً ولا إعلامياً.
قبل مقابلة ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان الأخيرة، بعشرة أيام، أي في الثاني والعشرين من نيسان الماضي، أمر الملك سلمان بـ«صرف راتب شهرين مكافأة للمشاركين الفعليين في الصفوف الأمامية لعمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل، من منسوبي وزارات الداخلية والدفاع والحرس الوطني، ورئاسة الاستخبارات العامة»، كما نشرت ذلك وكالة الأنباء السعودية الرسمية «واس». هذا القرار تزامن مع أوامر ملكية عزّزت إمساك ابن سلمان بالسلطات الحساسة وتمهيد الطريق أمامه لخلافة أبيه بعد إقصاء محمد بن نايف.
لكن قرار صرف الراتبين لم يكن الأول، إذ سبق لسلمان أن أمر بصرف راتب إضافي للقطاعات العسكرية المشاركة في العدوان على اليمن أواخر آب الماضي، إضافة إلى الراتب الإضافي (مكافأة) الذي أمر بصرفه أواخر نيسان 2015. فلماذا يحرص الملك السعودي وابنه، القادران كما قال الأخير على حسم المعركة بسرعة لو أرادوا، على الإغداق على جنود المملكة كل مدة، علماً بأن القوات المسلّحة المشاركة في العدوان لم تحقّق أياً من النتائج التي تمنّاها الاثنان على مدى عامين ونيف؟
يذهب كثيرون إلى النظر إلى هذه «المكرمات» الملكية كضرورة ملحّة لساكن قصر «اليمامة»، نظراً إلى وجود مشكلات كبيرة تنخر جسد القطاعات العسكرية السعودية، بل آثارها السلبية آخذة في التراكم، فهو يسعى إلى لملمتها عبر صرف رواتب ومكافآت إضافية لاسترضاء العسكريين والتستّر على الفشل. لكن وجهاً آخر للأزمة بدأ يتكشف.
يفيد ضابط صف يقول إنه انشقّ عن الجيش السعودي، ويدعى عبد الواحد بن عبد المحسن العريمة الحربي، لـ«الأخبار»، إنّ «الروح المعنوية للجنود السعوديين محطّمة منذ الشهر الرابع لبدء العدوان على اليمن». والحربي لجأ إلى ألمانيا بداية العام الجاري، وهو كان قد شغل كما يقول منصب سكرتير رئيس «هيئة إدارة القوات المسلحة» في وزارة الدفاع السعودية اللواء علي بن سعد آل مرعي، والأخير هو المسؤول مباشرة عن إدارة شؤون أفراد القوات المسلحة ومحاكمتهم، وفي مكتبه تصبّ كل التقارير التي تشرح المصاعب التي تواجه عسكريي وزارة دفاع ابن سلمان.
بحكم وظيفته، استطاع الحربي الاطلاع على معلومات حساسة احتوتها تقارير كانت تصل إلى مكتب اللواء آل مرعي. ويضيف أن الوضع بالنسبة إلى الوحدات المقاتلة في اليمن «ازداد سوءاً بعد خصم الرواتب، إذ وصلت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام المنصرم سبع برقيات من الحدود الجنوبية يفيد فيها ضباط كبار بأنّ الروح القتالية للعسكريين متدنية جداً». ووفق الضابط المنشق، «تجاهل محمد بن سلمان كل ذلك، وقال بالحرف الواحد: لا أشوف أحد من العسكريين واقف عند باب مكتبي بحي الناصرية بالرياض».
بعد ردّ ولي ولي العهد، يؤكّد الحربي أن وفداً من قادة القطاعات العسكرية في «هيئة الأركان» توجه إلى نجل الملك ليخبره بأن الجيش منهار معنوياً، فكان ردّ ابنه أن «يصبرون». ولاحقاً، يضيف الحربي، بدأت ظاهرة عصيان الأوامر، ثم اختفاء الجنود في منطقة «الحد الجنوبي»، الأمر الذي دفع ضباطاً إلى الاستعلام عن عناصرهم المفقودين لدى الجانب اليمني عبر وسطاء، وعندما كان يأتي الرد بنفي وجودهم أسرى لدى اليمنيين، كانت الشرطة العسكرية تمشّط المناطق المحاذية لجبهات القتال على الحدود ولا تجد لهم أثراً، ليتبين لاحقاً أنّ الجنود يفرّون من الجبهة ويهربون إلى خارج السعودية، أو يلجأون إلى مناطق زراعية لأقاربهم سراً ويتوارون عن الأنظار.
يشرح الحربي أنه استطاع توثيق هرب 62 عسكرياً في الأشهر الثلاثة الأخيرة قبيل انشقاقه، وأن «الشرطة العسكرية صارت تتقاعس مؤخراً في عملية البحث عنهم»، كذلك فإن شكلاً آخر من حالة الانهيار ورفض القتال بات يتكرر بنحو لافت، فقد تأكدت القيادة العسكرية أن «جنوداً باتوا يشعلون النيران في آلياتهم ومع ذلك لا يُحاسبون، أو يشغلون أضواء في المواقع التي يشغلونها لتُقصف من الجانب اليمني!».
ولأن الحربي كان يطّلع على تقارير الضباط المسؤولين في الجبهات، يؤكّد أنّ الهيئة التي خدم فيها أحصت مقتل 4700 عسكري سعودي وخليجي، وأن الإدارة كانت تتلقى طلبات عسكريين بإعفائهم من الخدمة بحجة «الاضطراب والمشكلات النفسية». وقبل انشقاقه، «ارتفع عدد هذه الطلبات حتى وصل عدد العسكريين في مستشفيات الأمراض النفسية الذين يتلقون العلاج إلى نحو ألفين، الأمر الذي دفع هيئة الأركان إلى رفض هذه الطلبات والكفّ عن تحويل العسكريين إلى العلاج النفسي».
ويكشف الحربي عن أن محمد بن سلمان نادراً ما يكون في مكتبه في وزارة الدفاع، بل «يفضّل متابعة شؤون الاقتصاد وأسعار النفط والاستثمارات، ويوكل إلى مدير مكتبه الحالي محمد آل الشيخ (وقبله فهد العيسى) تسيير أمور وزارة الدفاع وإعطاء التوجيهات لهيئة الأركان». ويذكر الضابط المنشق أن غالبية الضباط من ذوي الرتب العالية ينظرون بعين الغضب جراء سياسة اللامبالاة التي يمارسها ابن سلمان في وزارته، وهم يمتعضون من وصول الأوامر والقرارات إلى مكاتبهم من مكتب وزير الدفاع التي تحمل إمضاء مدير مكتبه.
في هذه النقطة، يروي حادثة كان شاهداً عليها في مكتب عقيد في مبنى الوزارة، كانت قد وصلت إليه معاملة من مكتب الوزير يحملها عسكري، وبعدما عرف أنها من مكتب الوزير، قال للعسكري: «اعطني أشوف، جحفلنا هذا الطفل!». ويرى الحربي، الذي عمل سابقاً سكرتيراً خاصاً لعميدين ولواء في وزارة الدفاع، أن ابن سلمان ينتهج سياسة العناد الرافضة للإقرار بالهزيمة، ولن تتمكّن قواته المسلحة ولا المرتزقة الذين يستجلبهم من السودان ودول أخرى، ولا حتى الرواتب والمكافآت المالية الإضافية التي يصرفها لهم، من تأمين أي انتصارات له. ويختتم: «هو يعرف هذه الحقيقة، ولكنه يسعى إلى الخروج من المستنقع اليمني بأي طريقة حتى لو كان هذا الخروج مجرد نصر إعلامي فقط».
بقلم : علي مراد
ارسال التعليق