حملة الاعتقالات تتسع.. القمع سياسة قديمة متجددة!!
تستمر السلطات السعودية في عمليات الاعتقال لشخصيات دينية واجتماعية وثقافية في حملة يبدو أنها ستتواصل حتى أشعار آخر، ربما حتى اقتناع صاحب القرار أن كل المعارضين أو من يمكن أن يشكل خطرا في لحظة ما بات خلف القضبان ومحاكمته لن تؤثر كثيرا في الرأي العام المحلي ولن يخرج من يعترض أو ينتقد هذه الأحكام، خاصة مع وجود من سيهلل ويمجد هذه القرارات حتى قبل أن تصدر.
واللافت أن سياسة الترويض بالقمع والتنكيل والاعتقال التعسفي غير المبرر من دون الاستناد إلى أدلة حقيقة أو وقائع ملموسة، باتت متبعة على نطاق واسع اليوم في المملكة السعودية علما أنها سياسة ليست جديدة على البلاد بل مكرسة منذ عشرات السنين وحتى اليوم، فهي كانت متبعة بحق كل من يعارض فعلا ويرفع الصوت الحق بوجه السلطان الذي يتصرف على أساس أنه مالك الرعية وأنه صاحب البلاد بطولها وعرضها، ولم يكن يخرج لا مسؤول ولا عالم دين أو صحافي حر ليقول لهذه السلطة أني أنصحك بتغيير هذا السلوك غير القانوني وغير الشرعي تجاه هذا المكون أو هذه الطائفة أو تلك الشريحة، فكل الفئات التي كانت مستفيدة من النظام كانت تهلل له دائما وما زالت وكذلك الفئات الشعبية الخائفة على نفسها وعيالها لم تكن تجرؤ على قول كلمة الحق طالما ليس لديها الدافع لترفع الصوت وهي ما زالت تلتزم الصمت.
سياسة قمعية واحدة..
إلا أن في المملكة شرائح من المواطنين التي تهدر حقوقهم ويعتقلون منذ عشرات السنين ويزجون بالسجون ويقتلون لأبسط الأسباب ويرمون بأبشع التهم المعلبة والملفقة، ومن هؤلاء من هو عالم دين وأستاذ مدرسة ورياضي ومثقفه ومن ضمنهم الرجال والنساء والأطفال ومنهم المريض والمعوق، فآلة القتل لا تميز بين إنسان وإنسان فهي طالما عملت على "مذهبة" القضايا وإبعادها عن السياسة والحقوق كي تضرب بيد من حديد وتخدع الرأي العام حتى يوافق على أساليبها من دون حسيب أو رقيب، واليوم هذه السلطة تتبع نفس الأسلوب بحق قيادات وشخصيات لا ينتمون إلى طوائف أو مذاهب أخرى، بل هم في صلب التيار السلفي والحركة الوهابية.
لكن هل ما تفعله السلطة اليوم يختلف عما فعلته في السابق؟ هل اعتقال العلماء في الرياض وجدة يختلف عن اعتقالهم في المنطقة الشرقية؟ هل اعتقال الشيخ حسين الراضي ومن قبله اعتقال الشهيد الشيخ نمر باقر النمر قبل اغتياله يختلف عن اعتقال الشيخ سليمان العودة وغيره من القيادات الدينية والقضاة الذين استخدموا من قبل هذه السلطة للانتقام من أخوتهم في الوطن وللزج بالمواطنين في السجون والمعتقلات لأسباب كانت تخترع لهم من دون وجه حق؟ هل من تنبه للاعتقالات التي تجري اليوم ولتعسفها كان يتنبه لكل ما كان يجري في المملكة سابقا ولمدى التعسف الذي كان يقع على أخوته في الدين والمواطنة؟ ولماذا البعض يعارض اليوم الاعتقالات التعسفية بينما لم يُسمع له أي صوت في السابق؟
البعض تنبه حديثا لسياسات قديمة..
فاليوم تخرج بعض الأصوات السعودية ممن كانت تحسب تاريخيا على السلطة وكانت تتفاخر بذلك، لانتقاد ما يجري خاصة أنها باتت: أما غير مستفيدة أو أنها خارج البلاد لأسباب مختلفة، ونفس الأصوات التي طالما رفضت انتقاد الحاكم تتحدث اليوم عن ضرورة أن يكون في المملكة متسع لجميع الآراء التي ينبغي الاستماع إليها من أجل حرية التعبير، وتشير إلى أن "عمليات الاعتقالات وما يتصل بها من إسكات حاد للمناقشة والنقاش ستقوض بشدة العلامة الشخصية الفارقة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان كزعيم شاب وحيوي وقائد يتطلع إلى المستقبل".
وبالسياق، تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قبل فترة أن "السعودية الجديدة" التي وعد بها ولي العهد السعودي في "رؤية 2030" تبني جيلا جديدا بنفس الطرق الاستبدادية، ولفتت إلى أن "الأخبار الواردة عن المملكة تشير إلى استمرار الفكر القديم وأنها مازالت تشبه الزنزانة"، وأشارت إلى "تزايد حدة حملة الاعتقالات التي شملت رجال دين وناشطين وصحفيين وكتاب والذين سجنوا دون تقديم تفسير علني يذكر"، وذكرت أنه "من السهل وضع مخططات الإصلاح كما فعل ولي العهد السعودي إلا أن بناء مجتمع حديث وصحي أصعب بكثير".
محاكمات وإدانات قبل موعدها..
وفي هذا الإطار، أكدت مصادر سعودية أن "السلطات تستخدم الإعلام في التضليل وتشويه صورة المعتقلين الذين يملكون وجهة نظر مختلفة عنها لتبرير القمع"، وأشارت إلى أن "التسريبات إلى وسائل الإعلام حول التهم المنسوبة إليها عديدة أبرزها التجسس والارتباط بدول خارجية"، وأضافت "هؤلاء تتم محاكمتهم في العلن وفي وسائل الإعلام قبل إحالتهم إلى المحاكم وإجراء الجلسات لهم"، ورأت أنه "طالما الاعتقالات تمت بهذه الطريقة وتبعها تشويه صورة المعتقلين وسيرتهم وتاريخهم فهناك تساؤلات عن إمكانية حصولهم على محاكمات عادلة أو تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم وفق الأعراف القانونية والقضائية المعمول بها في كل دول العالم".
بدورها، لفتت العديد من المنظمات القانونية والحقوقية إلى أن استمرار القمع في المملكة على غرار ما كان يجري سابقا وأن إعطاء المرأة حق القيادة لا يعني أن الأجواء باتت نموذجية في المملكة، بل اعتبرت أن مثل هذه القرارات تهدف إلى تلميع صورة الحكومة السعودية بينما الواقع مختلف تماما وأكثر تعقيدا وسوداوية لأن قبضة القمع تتسع ومساحات الحقوق والحريات تضيق.
كل ذلك يؤكد المؤكد أن المستقبل الموعود بمملكة مرفهة يعيش شعبها باطمئنان وأمن ورخاء ما هو إلا ضرب من الخيال بالحد الأدنى في المستقبل المنظور لأن كل المؤشرات تؤكد على استمرار الأوضاع على حالها، ويبدو أن السلطة تحتاج فقط إلى مواطنين وقيادات على شاكلة "أحد الدعاة" الذي خرج إلى الإعلام ليقول بافتخار أنه من المطبلين لـ"ولاة الأمر" بل يسعده أن يكون كذلك.
بقلم : مالك ضاهر
ارسال التعليق