الازمة السعودية مع كندا.. ومعايير الرياض المزدوجة
[ادارة الموقع]
تتفاعل تداعيات الازمة الدبلوماسية والسياسية المستجدة بين مملكة آل سعود وكندا، بعد انتقاد الاخيرة لانتهاك الحريات والحقوق في داخل البلد والاعتقالات التعسفية التي تتم هناك، والمطالبة باطلاق سراح النشطاء والمعتقلين، ما دفع بردود فعل حادة ومتهورة من قبل النظام الحاكم في الرياض.
والحجة الاولى التي استندت اليها السعودية للرد بعنف على المواقف الكندية الواضحة والرافضة للممارسات السعودية المنتهكة لكل الاعراف والقوانين الدولية، انه لا يحق لاي دولة ومن ضمنها كندا التدخل في شؤون دولة اخرى ذات سيادة عملا بأحكام القانون الدولي العام، وبالتالي يتحجج النظام السعودي انه لا يحق لكندا التدخل بالشؤون الداخلية في بلاده، هذا الشعار المرفوع بنيت عليه الكثير من المواقف المنتقدة لمواقف كندا بدءا من موقف الجامعة العربية ومن فيها وصولا لمواقف الجهات التي تعيش وتنتظر الدعم المالي والسياسي السعودي، فالجميع بات بقدرة قادر يتمسك بالقوانين والانظمة ولا يقبل الخروج عليها.
هل تلتزم السعودية أحكام القانون؟!
حقيقة ان العودة الى احكام القانون الدولي هو شيء ضروري واساسي في علاقات الدول فيما بينها، لكن ذلك يستدعي جولة بسيطة على أداء السعودية اليوم وفي الماضي القريب والبعيد لنرى مدى التزام آل سعود بهذا المبدأ وغيره من احكام وقواعد وأعراف القانون الدولي العام والخاص، وهنا تطرح تساؤلات كثيرة جدا حول مدى التزام السعودية بمجمل احكام القانون ومن ضمنه القانون الدولي وبالتحديد مبدأ عدم التدخل بشؤون الدول الاخرى.
وفي هذا السياق، يمكن طرح اسئلة بديهية، هل الحرب على اليمن منذ ما يزيد عن الـ3 سنوات هو تدخل في شؤون هذا البلد العربي المسلم الشقيق والجار ام انه لا يعتبر كذلك؟ وهل قتل الاطفال والنساء وتدمير اليمن بحجج وذرائع واهية هو تدخل بشؤون الغير ام ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية لا تندرج في إطار مخالفة المبدأ القانوني الدولي حول منع التدخل بشؤون الدول الاخرى؟
وهل التدخلات السعودية في الحرب السورية منذ بدء الازمة هناك في العام 2011 وحتى اليوم ودعم الجماعات التكفيرية الارهابية وبث الفتن المذهبية والطائفية والمساهمة باغراق البلاد بحمام من الدم وتحريض الناس على الحكومة والرئيس المنتخب هناك، هل كل ذلك من الامور التي تعتبر تدخلا في شؤون سوريا ام لا؟ هل يحق لآل سعود التلاعب بحاضر ومستقبل سوريا والسعي لتقسيمها والعمل لاحداث انشقاقات في صفوف الجيش وأجهزة ومؤسسات الدولة هو امر مسموح به طبقا لاحكام القانون الدولي؟
هل اعتقال رئيس حكومة لبنان سعد الدين الحريري في نهاية العام 2017 في الرياض واجباره على تقديم استقالته رغما عنه واحتجازه هناك وعزله عن العالم الخارجي بناء لقرار واضح وشبه معلن من ولي العهد محمد بن سلمان، من الامور المسموح للسعودية القيام بها ام انه يعتبر تدخلا فاضحا في شؤون دولة عربية هي لبنان؟ وهل التدخل اليوم لمنع تشكيل الحكومة هو امر مسموح به ومباح لآل سعود بغية تحقيق بعض الاهداف السياسية لها في لبنان؟
مخالفات بكل الاتجاهات.. واتهام الآخرين
هل ما كشفته ماليزيا عن تدخلات سعودية في العديد من ملفات الفساد عندها ومحاولة التلاعب باقتصادها، هو أمر يجيزه القانون الدولي أم انه يندرج ايضا في خانة التدخل بشؤون الدول الاخرى؟ وماذا عن التدخلات السعودية المعروفة في أفغانستان وباكستان والتحريض على ايران دوليا واقليميا والتلاعب في الاوضاع العراقية منذ الاحتلال الاميركي وحتى اليوم؟ وماذا عن محاولات التدخل بالشؤون التركية وما سرب عن وقوف السعودية والامارات خلف محاولة الانقلاب الفاشلة التي سبق ان حصلت في تموز من العام 2016؟ هل كل ذلك يعتبر تدخلا بشؤون الغير ام لا؟
وهل الازمة الخليجية مع قطر والدفع بالدول الاخرى لمقاطعتها وحصارها في محاولة مكشوفة لاسقاط النظام القائم في الدوحة والتحريض عليها دوليا، هو من الامور المسموح بها ام انه يندرج في خانة التدخل بشؤون الغير؟ وماذا عن المحاولات الدائمة سعوديا للتحرش بالكويت وسلطنة عُمان؟ أليس كل ذلك يندرج في خانة التدخل بشؤون الآخرين؟ وكيف يسمح آل سعود لأنفسهم التعرض للقانون الدولي وانتهاكه بهذا الشكل وبعد كل ذلك رفع شعار منع التدخل بشؤونهم من قبل دولة طالبت بفتح الباب امام الحريات ومنع انتهاك حقوق الانسان وهو الامر المتعارف عليه دوليا وتكفله كل الدساتير والشرائع العالمية في الحاضر والماضي.
والحقيقة ان تعداد ممارسات وآل سعود في الخارج لا تعد ولا تحصى وإن أردنا سردها لاحتجنا الى اكثر من مقال، وهي تتوزع في مختلف الاتجاهات وبكل المجالات والصعد، إلا ان اللافت ان آل سعود يبيحون لانفسهم التدخل في شؤون الآخرين بشكل فظ ووقح بينما يعيبون على الاخرين توجيه الانتقادات السياسية والاعلامية لها، في اسلوب طالما اتبع من قبل حماة النظام السعودي في الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وكيان الاحتلال الاسرائيلي الذين يعتمدون سياسة المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين حسب مصالحهم دون اي اعتبار حقيقي للقوانين، من كل ذلك على آل سعود ان يفهموا ان "من بيته من زجاج لا يرشق الآخرين بالحجارة"، والاولى بهم وقف التدخل بشؤون غيرهم والاهتمام بمعالجات المشاكل المتفاقمة في داخل البلاد ورفع الظلم عن المواطنين لا سيما في مجال الحقوق والحريات العامة والسياسية وإطلاق سراح المعتقلين والنشطاء ووقف التوقيفات الاعتباطية واللاقانونية.
ارسال التعليق