الانفتاح السعودي على العراق...بين المخفي والمعلن
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكييوم22/4/2019، تناقلت وكالات الأنباء وصول أول طائرة تابعة للخطوط الجوية السعودية إلى مطار النجف الدولي، منذ29عاماً، وفق إدارة المطار العراقي. وعلى متنها وفد السعودي رفيع المستوى لزيارة مدينة النجف العراقية، حسب ما نقلت الوكالة الوطنية العراقية للأنباء. وكان محافظ النجف لؤي الياسري قد قال قبل يوم من وصول هذا الوفد، " أن وفداً من الناقل الوطني السعودي، برفقة وفد استثماري رفيع المستوى سيصل إلى النجف".
وصول هذا الوفد يشكل بنظر العراقيين خطوة سعودية تؤشر الى إستعداد السعودية لترجمة الاتفاقات والعقود بين الطرفين التي توصل إليها رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي والوفد المرافق له مع الجانب السعودي في زيارته الأخيرة للرياض، وهي زيارة اعتبرها الاعلامان العراقي والسعودي على جانب كبير من الأهمية، نظراً لطبيعة الوفد الزائر، حيث اصطحب عادل عبد المهدي معه 11وزيراً و88مسؤولاً حكومياً من المستوى الرفيع وأكثر من ستين من رجال الأعمال ما يؤشر إلى توجه القيادة العراقية في الانفتاح على النظام السعودي هذا أولاً، وثانياً، نظراً للاستقبال والحفاوة السعوديين بالضيف الزائر وبوفده الذي فاق المئة شخصية كما أشرنا، ثم العقود والاتفاقات التي تم التوقيع عليها، وكما أعلنت المصادر العراقية والسعودية أيضاً، وبحسب هذه المصادر فأنه تم التوقيع على 13اتفاقاً وفي مختلف المجالات، بالإضافة إلى عشرات التوافقات حول الاستثمارات السعودية في العراق، وتشمل هذه العقود الموقعة وتلك غير الموقعة والخاصة بالقطاع الخاص لدى الطرفين، مختلف المجالات، ولعل الكتاب والإعلاميين والسياسيين العراقيين والسعوديين أضاءوا عليها بشكل مفصل، وأشاروا إلى أنها تشمل التعاون بين الطرفين في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية! وبحسب هؤلاء المتابعين فأن هناك تركيز لافت على القطاع الاقتصادي بحيث انه يؤشر إلى الانفتاح السعودي والإقبال على الاستثمار في العراق في المجالات الزراعية والتجارية والصناعية وفي الأراضي العراقية، بحيث يسمح للسعودية استثمار الأراضي الممتدة من الرمادي إلى السماوة إلى البصرة وباستخدام خبرات سعودية وأجنبية، قد تكون صهيونية أو أمريكية أو بريطانية !! وبخلاصة فأن مذكرات التفاهم التي وقعت بين الطرفين، بحسب ما ذكرها، الكاتب العراقي الزميل محمد صادق الهاشمي في مقالته القيمة المنشورة في صحيفة" آفاق " في 20/4/2019، هي مذكرة التفاهم في المشاورات السياسية وتخص على توحيد القرار السياسي السعودي في ما يخص شؤون المنطقة ومواقف البلدين، واتفاقية حول الاعتراف المتبادل بشهادة المطالبة للمنتجات، والغلبة بحسب السيد الهاشمي للسعودية. واتفاقية حماية الاستثمار، وهذا ما يعني تحصين وحماية الشركات السعودية العاملة في العراق. ومذكرة تفاهم في المجال الزراعي، ومذكرة تفاهم في مجال الصناعة والثروة النفطية. ومذكرة تفاهم في مجال النفط والغاز، ومذكرات تفاهم في مجالات التعاون العلمي والتعليم العالي، والتربية والتعليم بين الطرفين، والربط الكهربائي بين البلدين، وفي المجال البحري، والنقل، بما في ذلك إنشاء خطوط سلك حديد..إضافة الى أن وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم، وكما أشرنا قبل قليل صرح بأن العراق والسعودية اتفقا على التعاون في مجالي الأمن والمخابرات !!
وكل هذه الاتفاقات والمذكرات، تؤشر إلى أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي كان محققاً، في القول، إن زيارته على جانب كبير من الأهمية، إذ قال " إن العراق أمام تحول كبير في علاقته مع السعودية ".
ماذا يعني كل هذا الاهتمام السعودي بالعراق، والانفتاح على قياداته السياسية ثم الاستعداد على التعاون مع الجانب العراقي في كل تلك المجالات المشار إليها وبذل الأموال الطائلة من أجل تحقيق هذا النوع من التعاون الباهظ الكلفة مالياً ؟
بدون شك وهذا ما يعرفه كل العراقيين بما فيهم الدكتور عادل عبد المهدي نفسه، أن السعودية، لم تنفتح بهذا الشكل على العراق والعراقيين لخاطر عيونهم أو رأفة بهم، أو بدافع وطني أو قومي، وهي تفتك بالشعب اليمني الفقير المسالم المجاور لها ليل نهار بطائراتها وصواريخها المدمرة، ومرتزقتها المجرمين، بل لا نذهب بعيداً فهي التي فتكت بالشعب العراقي خصوصاً في الفترة، من سقوط النظام حكم صدام حسين في عام2003 وحتى مجئ ترامب إلى السلطة عام 2017، فما جرى على الشعب العراقي في تلك الفترة من ويلات ومذابح وفتن طائفية، وفتاوى قتل الشيعة واستباحة أعراضهم وأموالهم من علماء البلاط السعودي و.و..غير خافية على أحد بل اعترف بها حتى أسياد آل سعود من الأميركان، فجو بايدن نائب الرئيس الأمريكي السابق (باراك اوباما) إعترف صراحة بان النظام السعودي هو المسؤول عما يجري في العراق من مذابح ومسالخ على يد التكفيريين من خريجي مدارس النظام السعودي ودربهم آل سعود وسلحهم وزج بهم في العراق وفي دول أخرى مثل سوريا ولبنان وليبيا وما إلى ذلك...لدرجة أنه بحسب إحصاءات وزارة الداخلية العراقية وحصل عدد الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم بالتجمعات السكنية في المحافظات الوسطى والجنوبية، ومن الجنسية السعودية..وصل هذا العدد إلى تسعة آلاف سعودي كما أن الكاتب العراقي المنشق عن صدام والذي كان مستشاره الإعلامي سابقاً، حسن العلوي، قد أشار إلى أن الملك السعودي كيف وبخ طارق الهاشمي الذي وصل الرياض على رأس وفد للقائمة العراقية التي كان العلوي ينتمي إليها..إذ قال إن الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز استقبلنا وتقدم نحو طارق الهاشمي مباشرة فسلّم عليه وقال " مليارين ونص إطيتك وبعدهم الشيعة بالحكم، مليارين ونص "!! ثم عاد هذه العبارة مرة أخرى، ويضيف العلوي إبتسم طارق الهاشمي وقال للملك السعودي، ترى من الجماعة هم شيعة لا يزعلون، في إشارة منه إليَّ ".
وقال النائب المنشق عن قائمة العراقية أن هذا الأمر هو أحد الأسباب الذي دفعه للانسحاب من القائمة المذكورة..وهناك المئات بل الآلاف من الوثائق والأدلة المحفوظة لدى وزارة الداخلية العراقية تؤكد دور النظام السعودي في تلك الويلات والمذابح التي عانى منها الشعب العراقي طيلة تلك الفترة خدمة لأمريكا والصهيونية..ما تقدم يؤكد إن ثمة دوافع سعودية غير مغلفة لهذا الانفتاح والاهتمام بالوضع العراقي، ولكن ليس بالمتفجرات وإرسال التكفيريين والاغتيالات وتحريض فئة ضد فئة أخرى، لأن هذه الأساليب أثبتت عقمها، ولكن بأساليب أخرى، بأساليب الاحتواء والاستقطاب السياسي والاقتصادي وما إلى ذلك من أساليب الحرب الناعمة، فمنذ مجئ ترامب ولحد اللحظة يواصل النظام السعودي هذه الأساليب، وقد أخفق في المرحلة الأولى عندما أرسل سفيره وزير الدولة الحالي ثامر السبهان، فهذا العميل الأمريكي الصهيوني يتميز بالحماقة والوقاحة وبدأ يتدخل بفجاجة في الشؤون الداخلية العراقية، ما اضطر الحكومة العراقية إلى طرده وإخراجه، حيث سارعت السلطات السعودية إلى إخراجه وتكريمه بمنصب وزير دولة، ويمكن القول إن النظام السعودي بدأ مرحلة جديدة من مراحل الأساليب الناعمة، وهي محاولة الانفتاح على العراقيين وعلى بعض القيادات الشيعية تحديداً لكسب ثقتهم وودهم وبالتالي نسج علاقات وتعاون معهم، مستغلاً بذلك عدة عوامل أشرنا إلى بعضها في مقالات سابقة ومنها، أولاً، الخلافات بين الرموز والكتل الشيعية السياسية وحتى الدينية، وهي خلافات كان للأميركان والسعودية وجهل وغباء تلك الرموز، الدور الكبير في إثارتها وفي إيصال هذه الكتل وتلك الرموز إلى ما وصلت إليه من التشرذم والضعف !! وثانياً: سذاجة العراقيين ونسيانهم آلامهم ومعاناتهم لمن أساء إليهم وشارك في قتلهم، وتسبب في الكوارث التي ألمت بهم. وثالثاً: وجود ثغرات وهفوات وقصور في الأوضاع السياسية، والحكومية سيما الفساد السياسي والإداري المستشري بين أوساط السياسيين العراقيين، والدوائر الحكومية وما إليها..
الحكومة العراقية تظن أنها يمكن أن تستفيد من الإمكانات السعودية دون أن تفرط بعلاقاتها مع محيطها الإقليمي، لكن هذه الظنون أو التصورات في غير محلها النظام السعودي لديه نوايا وأهداف خبيثة تجاه العراق والعراقيين من خلال هذا الانفتاح، منها ما يلي:-
محاولة النظام السعودي التأثير على سياسة الحكومة العراقية ودفعها إلى الوقوف على الحياد، في الصراع الدائر بين أمريكا والكيان الصهيوني والنظام السعودي من جهة وبين الحكومة الإيرانية وحلفائها في المنطقة، وهذا الهدف هو من الأهداف التكتيكية التي بدأت السلطات السعودية تشتغل عليها، بعد ما فشلت في عملية الاستقطاب وضم العراق إلى التحالف الأمريكي السعودي لوجود رفض شعبي لمثل هذا التوجه..ذلك أن النظام السعودي والولايات المتحدة يعتقدان بأن سحب العراق من محور إيران ووضعه على الحياد يشكل تطوراً مهماً وإيجابيا لهما يمكن أن يتسبب في إضعاف الآخر على صعد كثيرة سيما منها العسكرية والأمنية.
محاولة النظام السعودي كسب ود قيادات شيعية واحتوائها وضمان بالتالي ولائها للسعودية وللمحور الأمريكي، الأمر الذي يعني بنظر السعوديين إضعاف التأثير الإيراني في العراق وصولاً إلى إضعاف ما يسمونه النفوذ الإيراني في العراق.ما يعزز هذا الأمر هو تودد النظام السعودي للنظام العراقي الذي يقوده الشيعة ومحاولة تقربه من شخصيات شيعية ورموز دينية محسوبة على هذه الجهة، وفي هذا السياق استدعى النظام السعودي لزيارة السعودية شخصيات عديدة منها عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى سابقاً، ومقتدى الصدر وشخصيات أخرى.
والأهم من ذلك، محاولة النظام السعودي الإمساك بمفاصل الاقتصاد العراقي الرئيسية والحساسة، عبر الشركات السعودية ومشاريعها الاستثمارية في العراق، وعبر فتح المعابر الحدودية وتنشيط التبادلات التجارية التي ستكون كفتها الراجحة لصالح النظام السعودي نظراً لما يعانيه العراق من تخلف اقتصادي وفساد حكومي، فعلى الصعيد الاستراتيجي، أن الإمساك بالمفاصل الاقتصادية، يعني هيمنة تدريجية على الاقتصاد العراقي، ومن ثم ربط هذا الاقتصاد بالسعودية، التي لم تتردد في ذلك الوقت عن التحكم بالوضع العراقي ومحاولة تدويره بالاتجاهات التي تراها السلطات السعودية مناسبة لمصالحها..
إضافة إلى ذلك أن محاولة النظام السعودي سيطرة على مفاصل الاقتصاد العراقي الرئيسية تؤمن لهذا النظام تحقيق ثلاثة أهداف خطيرة، وحتى أكثر من ذلك منها:-
1ـ التحكم بالوضع السياسي، أو على الأقل يؤمن لها ذلك فرص التدخل والتأثير في المناخات والأجواء السياسية، لصالح حلفائها، وصولاً إلى إنهاء سيطرة الشيعة على رئاسة الحكومة، فهذا الأمر يشكل هدفاً استراتيجياً للنظام السعودي يتحرك منذ سقوط صدام لتحقيقه وشهادة حسن العلوي المشار إليها خير دليل على ذلك.
2ـ الاختراق الأمني، لأن النظام السعودي سوف يجلب للعراق باسم شركات استثمارية قطعاناً من الجواسيس والخبراء الأجانب الذين سوف يقومون بإحصاء الشاردة والواردة، وبالتالي ضمان تأثير ونفوذ النظام السعودي في العراق وفي كل المجالات سيما السياسية والأمنية والعسكرية منها، فمن غير المستبعد أن تقدم السعودية على تمرير مشاريع الاغتيالات السياسية لتصفية خصومها من العراقيين، أو لإثارة الفتن السنة والشيعة أو بين العرب والكرد من أجل ضمان اضطراب أو الساحة السياسية في العراق وعدم استقرارها.
3ـ ما يجنيه النظام السعودي من أموال من مشاريعه وشركاته الاستثمارية سوف يوظفها في نشر ثقافته الوهابية في البيئة العراقية، بالإضافة إلى إقدامه على إنشاء كتل وتبنيه لرموز سياسية ودينية من أجل ضمان ولاء العراق للمحور السعودي الأمريكي..
4ـ لا أستبعد أن يكرر النظام السعودي بهذا الانفتاح تجربته مع لبنان، بالتدخل في الانتخابات والتأثير بنتائجها عبر شراء الولاءات، أي رشوة الناخبين ففي انتخابات2000على ما أتذكر والتي فاز فيها المرحوم رفيق الحريري، قسمت المناطق التي جرت فيها الانتخابات إلى بلوكات وحتى إلى شوارع، وفي كل شارع هناك مندوب للمرشح الحريري يقوم بشراء العوائل المسؤول عنها في شارعه، وضمان تصويتها لصالح مرشحه قبال الأموال التي تُسلم إليها مقدماً.
وكانت هذه الأموال التي استخدمت في العملية الانتخابية ضخمة جداً وأثارت حينها ضجة بين ألأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية، أصطلح عليها في ذلك الوقت " بالمال السياسي ".
هذه هي الأهداف التي يتحرك نحوها النظام السعودي، وبالتالي فأن كل هذه الاتفاقات الموقعة والمشاريع الاستثمارية لم ير منها الشعب العراقي أي شيء يفيده، إنما ستبقى وسائل وطرق مرور يحاول النظام السعودي من خلالها تحقيق أهدافه المشؤومة المشار إليها، والأمل في عرقلة هذا الجهد التخريبي للنظام السعودي، معقود على فطنة ووعي الاحرار من الشعب العراقي، واستذكار ما قام به هذا النظام من خراب ودمار وقتل وبشاعة مروعة على مدى السنوات الماضية في بلاده وفي أوساط أبنائه الذين ما زالت صور بعضهم معلقة على جدران البنايات والبيوت تذكر العراقيين بمظلوميتهم وبدموية النظام السعودي.
ارسال التعليق