النظام السعودي يرتكب وليمة إعدام جديدة
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيفي إطار استمراره بارتكاب الجرائم الوحشية والمذابح الدموية المروعة والبشعة بحق الشعب في الجزيرة العربية، التي تسمى "بمملكة آلسعود"، وبحق الشعب اليمني والشعوب المجاورة، أقدم النظام السعودي يوم الثلاثاء الموافق 23/4/2019 على ارتكاب مجزرة جديدة بحق 37 من الناشطين والمعارضين من أبناء الطائفة الشيعية، حيث حكم عليهم بالإعدام حتى الموت بتهم زائفة وملفقة أعتاد هذا النظام إلصاقها بمعارضيه ومنها، الإرهاب، وتهديد أمن الدولة، وقوى الأمن الداخلي، والتخابر مع جهات أجنبية في إشارة ضمنية إلى " إيران "!
وتعتبر وليمة الإعدام هذه الأكبر بعد وليمة 2016 التي طالت 47 شخصاً بينهم رجل دين من الطائفية الشيعية نمر النمر.
وفي تعليقها على هذه المذبحة الجديدة، قالت منظمة العفو الدولية " أن الإعدام الجماعي الذي نفذته السعودية أمس الثلاثاء، ما هو إلا مؤشر مروع على أنه لا قيمة لحياة الإنسان لدى السلطات التي تستخدم عقوبة الإعدام بشكل منتظم كأداة سياسية لسحق المعارضة " الشيعية ". وأضافت الوكالة في سلسلة تغريدات لها الأربعاء24/4/2019 قائلة " إن إعدام السعودية لـ37شخصاً في أعقاب محاكمات جائرة بحقهم والحكم على عبد الكريم الحواج بالإعدام على خلفية " جرائم " ارتكبها عند ما كان دون سن الـ18، انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ". وأشارت المنظمة الدولية إلى أن النظام السعودي أعدم منذ بداية العام الحالي 104شخصاً..حيث تُعد السلطات السعودية من أكثر الأنظمة تنفيذاً لعقوبة الإعدام في العالم، حيث بلغ عدد من أعدموا ما بين1980م و2006 أكثر من ألفي شخص وسط إدانات حقوقية محلية ودولية.
وكما جرت العادة في كل ولائم الإعدام التي يرتكبها النظام السعودي بحق أبناء الشعب الجزيري، فأن المحاكمات التي جرت لهؤلاء الأبرياء، هي محاكمات صورية، حرم فيها الضحايا، من توكيل محامي دفاع، كما انتزعت الاعترافات منهم انتزاعاً تحت التعذيب الشديد، أجبروا على التوقيع عليها، ثم استخدمتها المحكمة الجنائية لاحقاً لأدانتهم، كما تؤكد ذلك مصادر حقوقية، " حتى منير آل آدم الذي يعد من ذوي الاحتياجات الخاصة وفق السجلات الطبية، عُذّب بالضرب على أذنيه ورأسه وتكسير أصابع يديه وقدميه، وإرغامه على توقيع اعترافات كاذبة. أما عبد الكريم الحواج فتعرض للصعق الكهربائي، وربطه لساعات طويلة إلى الجدار. وهو عين ما طاول الشاب سلمان قريش، الذي أعتقل في 6كانون الثاني من عام 2013، وسبب له التعذيب مرضاً في القلب، وفقداناً جزئياً للبصر، والتهاباً في المعدة، تلك عينة من قصص33سعودياً فتح بهم بن سلمان فصلاً جديداً من فصول التوحش".(صحيفة الأخبار 24/4/2019)
وكل ذلك الظلم والإجحاف بحق ضحايا الإجرام السعودي يؤشر إلى ما يلي:-
1ـ إن إقدام بن سلمان على هذه الجريمة، لأنه بات مطمئناً من أن أي تبعات أو ملاحقات دولية غير موجودة، وحتى لو صدرت بيانات إدانة وشجب من منظمات دولية أو حقوقية فستظل مجرد فقاعات إعلامية لا أثر لها عليه وعلى مستقبله، ولا أثر لها على نظام آل سعود، لأن ثمة تواطئ أمريكي وحتى غربي مع هذا المجرم بن سلمان في اقتراف هذه الجرائم، وللإشارة فأن هذا التواطئ شجع بن سلمان على ارتكاب المئات من المجازر المروعة والوحشية ضد الشعب اليمني، التي راح ضحيتها الآلاف من الشهداء من النساء والأطفال وطلاب المدارس ومن الناس العزل، والذين تقطعت اشلاء بعضهم وتناثرت في محيط الجريمة أو دفنت تحت الأنقاض نتيجة انقضاض البيوت على ساكنيها بعد قصفها بالصواريخ الفتاكة من الجو، كما أن هذا التواطئ الأمريكي الغربي الصهيوني لهذا الجزار بن سلمان هو الذي شجعه على تقطيع أوصال الكاتب المخضرم جمال خاشقجي الذي خدم النظام السعودي أكثر من أربعين سنة بمقالاته وكتاباته..بناءاً على ذلك فأن بن سلمان يقدم على إرتكاب تلك الجرائم وهذه المذابح بحق الأحرار من أهالي الجزيرة العربية الواحدة تلو الأخرى دون خوف أو وجل من انتهاكاته للقانون الدولي ولشرعة حقوق الإنسان !!.
2ـ إن ما يدعيه النظام السعودي، حول وجود محاكم، ومحاكمات واعترافات كله زيف، فكما أشرنا قبل قليل، لا توجد محاكم بالمعنى وبالشكل المعروف عند الدول ولا يوجد في هذا البلد قضاة حقيقيون مطلقا، إنما مجرد أدوات يأخذون الأوامر من الملك أو من هذا الأمير أو ذاك، وهؤلاء الأدوات ينفذون حتى لو كانت القرارات والأحكام منافية للقانون ومنافية للشرائع السماوية، بل لا توجد في هذا البلد مؤسسة قضاء بالشكل المتعارف عليه، يمكن الوثوق بالمحاكمات وبالتحقيقات التي يجريها، إنما هو مجرد واجهة لمزاجات وتصرفات وقرارات الملك أو ولي عهده وبقية الأمراء النافذين في الحكم.
3ـ إن تركيز بن سلمان على أن يكون ضحايا ظلمه وتعسفه وقتله الهمجي، هم من المنطقة الشرقية يكشف بوضوح بل يؤكد تأصل الفكر الوهابي التكفيري في عقلية هذا المجرم المتهور، وينسف كل مظاهر إدعائه بالليبرالية والانفتاح ومغادرة الفكر الوهابي وما إلى ذلك من الشعارات والادعاءات الكاذبة التي خدع بها هذا الأحمق وما يزال الشباب والناس داخل مملكة مافية سعود وخارجها..كما أن تركيز بن سلمان وإيغاله في القتل والتنكيل بهذه الطائفة يؤكد عدوانية آل سعود لها وعنصريتهم تجاهها انطلاقاً من ثقافتهم التكفيرية الوهابية وإنطلاقاً من عنصريتهم وحماقتهم، وتمييزهم واستهتارهم بالقيم الإنسانية.
4ـ إن كثرة الضحايا الذين يقضون اعداماً أو اغتيالاً أو سجناً بعد محاكمات صورية..أن كثرة هؤلاء الضحايا من المنطقة الشرقية ومن طائفة محددة، يؤكد مرة أخرى المظلومية المضاعفة التي تتعرض لها هذه الطائفة على يد عصابة آل سعود، خصوصاً عصابة آل سلمان، ويؤكد أيضاً انتهاكات واضطهاد هذه العصابة الأهالي هذه المنطقة والفتك بهم، وحرمانهم من أبسط الحقوق التي يتمتع بها المواطن في مناطق أخرى من مملكة آل سعود، وهذا ما اعترفت به منظمات حقوق الإنسان وأقرت به على اختلاف أنواعها، وتباين انتماءاتها..فحتى منظمة العفو الدولية، أقرت اليوم "24/4/2019" بتعلقاتها على هذه الجريمة، وكما مر بنا في بداية الحديث، بأن النظام السعودي لا قيمة للإنسان في هذه الطائفة عنده، ولا لحياه هذا الإنسان، فهو يستخدم القتل كأداة لقهرها وظلمها!! وهذا يتطلب بدون شك صحوة ضمير لدى المنظمات الدولية والحقوقية لإنصاف هذه الطائفة على الأقل على صعيد الإعلام بالتعرض إلى مظلوميتها ومكابدتها التعسف على يد عصابة آل سعود.
يبد أنه ما دامت المحاكمات سرية، والاعترافات انتزعت بالتعذيب من الضحايا، فلماذا إذن يعلن النظام عبر وزارة داخلية عن تلك الإعدامات الجائرة التي فجع بها أبناء الجزيرة في مملكة الخوف والإعدامات مملكة آل سلمان وآل سعود؟
أعتقد أن النظام يريد من ذلك إرسال عدة رسائل في اتجاهات متعددة لتحقيق مآرب شخصية سياسية وغير سياسية لتعزيز مكانة بن سلمان وتحصينها وتحصين النظام من الإخطار والهزاهز، ومنها ما يلي:-
1ـ نشر أجواء الترهيب والخوف في المملكة ، لمنع أي تحرك مضاد للنظام، ذلك أن هذا النظام اهتزت أركانه بشكل لم يسبق له مثيل بسبب سياسات بن سلمان الحمقاء، لدرجة أن أسياد الأخير، الأميركان والصهاينة عبروا صراحة عن قلقهم من احتمالات انهيار نظام الملك سلمان وابنه ما يشكل بنظرهم، خسارة فادحة خصوصاً للكيان الصهيوني، وفي هذا السياق كتب الكثير من المعلقين والمحللين الصهاينة من الأميركان والبريطانيين، في الصحف الصهيونية والأمريكية والبريطانية البارزة، الكثير من المقالات التحذيرية من احتمالات الانقضاض على بن سلمان من الشعب الجزيري، أو حتى من عائلة آل سعود نفسها، وذكر هؤلاء المعلقون ان بن سلمان، وبسبب حربه على اليمن، وكذلك بسبب سياساته الطائشة ساهم في نمو البيئة المناهضة لآل سعود بشكل لافت، في وقت بدأت قوة نظامهم تتآكل من الداخل، فعملية الإعدام الجماعية بحق هؤلاء الأبرياء، هي عملية إستعراض للقوة أمام الشعب، وتبني لسياسة البطش والقبضة الحديدية !
2ـ أن يقدم بن سلمان على إعدام 33 من مجموع الـ37 الذين حكم عليهم بالإعدام، فهو أراد أن يثبت للصهاينة والأميركان، أنه ما زال الشخص الملتزم بمشروعهما في المنطقة والقائم في أحد أركانه على إثارة الفتنة الطائفية بين شرائح ومذاهب الأمة الإسلامية، فإثارة هذه الفتنة وكما بات معروفاً هدفاً استراتيجياً يراود أحلام الصهاينة، حيث يحاولون بشكل حثيث تحقيق هذه الأحلام، وما يزالون يحلمون، ولذلك فأن خطوة بن سلمان الدموية تلك والجبانة تدخل في هذا السياق، ولا أستبعد أن يكون للصهاينة دور في ارتكاب تلك المجزرة، سيما في ظل التأكيدات الواردة من هناك، على ان المستشارين الأساسيين لهذا الشاب الأحمق هم من خبراء الموساد الاسرائيلي المتقاعدين!
3ـ ذلك من جانب، ومن جانب آخر، فأن تزامن هذه الجريمة لبن سلمان التي استهدف فيها الشيعة، مع عقوبات ترامب وتصعيده ضد إيران.. أن هذا التزامن يعني أن بن سلمان يقدم شهادة سلوك للأمريكي والصهيوني بأنه يقف في الخندق الأول في مواجهة المحور الإيراني، ذلك من أجل أن يبقى الأمريكي في البيت الأبيض، ويبقى الصهيوني في الكنيست مدافعاً عن بن سلمان، لأن الأخير اهتزت صورته إلى حد كبير عند المسؤولين الأمريكان خصوصاً بين أوساط الكونغرس الأمريكي، أي سناتورات مجلس الشيوخ ونواب مجلس النواب، حيث طالبوا صراحة بمعاقبته وتنحيته عن ولاية العهد لأنه بات يشكل خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة...
نختم هذه السطور، بالإشارة إلى مظلومية هؤلاء الشهداء الذين قضوا على يد الجزار صاحب المنشار بن سلمان، ليس لأنهم حرموا من محاكمات عادلة ودفاع مستقل، وليس لأنهم عذبوا حتى الاعاقة وفقدان الأعضاء، وليس لأن الجزار الصق بهم اتهامات واعترافات انتزعت تحت التعذيب الرهيب وبإشراف خبراء صهاينة بحسب المعلومات الواردة من هناك... ليس لأن كل ذلك وغيره جرى لهم على يد الجزار وحسب، بل إن السكوت الدولي، وسكوت منظمات حقوق الإنسان عن هذه المجزرة، ضاعف من مظلوميتهم إذ بخلت عليهم هذه المنظمات حتى ببيان خجول للأسف، ما الفرق بين الجريمة التي اقترفها هذا المجرم الدموي بن سلمان بحق الصحفي جمال خاشقجي، بقتله ونشر جثته بالمنشار وإخفائها، وبين هؤلاء الضحايا الذين تعرضوا للاغتيال وحتى الموت تحت التعذيب، إذ ترجح الروايات أن بعضهم لفظ أنفاسه تحت التعذيب فأصدر النظام حكم الإعدام عليه لإخفاء الفضيحة..نقول ما الفرق بين تلك الجريمة المروعة وهذه الجريمة المروعة الجديدة، لا يوجد فرق مطلقا من حيث الإجرام والدموية والعدوانية، لكننا رأينا العالم كله حتى ترامب حليف بن سلمان ينتقد بن سلمان على جريمته ورأينا كل المنظمات الدولية والحقوقية ينتقد السعودية على قتل جمال خاشقجي، بينما كل هذه الأوساط تلوذ بالسكوت إزاء هذه الجريمة البشعة، إنه النفاق الغربي، الأمر الذي ضاعف من مظلومية هؤلاء الشهداء وذويهم.
ارسال التعليق