النظام السعودي يمّول بلطجة أمريكا في سوريا
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي
أعلن النظام السعودي يوم الجمعة الموافق17/8/2018، تسديد أكبر مبلغ "للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا، لتسدد بذلك أول فاتورة طلبها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقابل بقاء قواته في سوريا...وكان الرئيس الأمريكي قال في أبريل الماضي، رداً على طلب ولي العهد محمد بن سلمان ببقاء القوات الأمريكية في سوريا، "إن التدخل الأمريكي في تلك البلاد مكلف ويخدم مصالح دول أخرى، وإذا كانت السعودية تريد بقاء القوات الأمريكية هناك فعليها دفع تكاليف ذلك".
الولايات المتحدة من جهتها رحبت بتقديم السعودية مبلغ100مليون دولار دعماً للقوات الأمريكية في سوريا، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الامريكية هيذرناروت "إن هذه المساهمة المهمة ضرورية لإعادة الاستقرار وجهود التعافي المبكرة في وقت مهم في الحملة على تنظيم داعش". على حد زعم المتحدثة باسم الخارجية التي أضافت أن الإمارات تعهدت بدفع خمسين مليون دولار أيضاً للقوات الأمريكية في سوريا...وبحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)، تعد هذه اكبر مساهمة تقدم "للتحالف" حتى الآن، وذلك بعد تعهد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بتقديم هذا المبلغ، خلال المؤتمر الوزاري للتحالف، الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل في 12تموز الماضي.
واللافت أن بيان النظام السعودي حول هذه المساهمة جاء متلبساً بعناوين وشعارات تبرر هذا الدعم السعودي للقوات الأمريكية، ومن هذه العناوين كما جاء في البيان،"تنشيط مشاريع حياتية في مدينة الرقة السورية، الواقعة تحت سيطرة "التحالف الدولي"، وذلك في مجالات الصحة، والزراعة، والكهرباء والمياه، والتعليم والنقل (الطرق والجسور الرئيسية)، وإزالة الأنقاض، وإعادة الاستقرار، والتخلص من داعش...". وهذا يتناقض تماماً مع الوقائع ومع ما أعلنه الأمريكان أنفسهم، حيث كانوا قد قالوا وعلى لسان أكثر من مسؤول أمريكي أن الهدف من بقاء قواتهم في سورية يتمثل في ما يلي:
1ـ إن مهمة بقاء القوات الأمريكية في سوريا تكمن في ضمان خروج "القوات الإيرانية " من سوريا، وهذا ما تأكد على لسان الرئيس الأمريكي ترامب نفسه، ومسؤولين أمريكيين آخرين.
2ـ إن الولايات المتحدة أعلنت صراحة أنها لا تساهم في إعادة إعمار سوريا، أو المساعدة على الاستقرار، إلا إذا تحقق الشرطان الآنفان، أي خروج القوات الإيرانية من سوريا، وتأمين الأمن الصهيوني.
ذلك ما يؤكد، إن هذه المساهمة السعودية تأتي لدعم البلطجة الأمريكية في سوريا، فلقد ثُبت باليقين والدليل القاطع أن الولايات المتحدة، هي التي أنشأت داعش وأخواتها، وهي مازالت تحافظ وترعى الآلاف بل عشرات الآلاف من الدواعش الذين هربوا من العراق، وهربوا من المناطق السورية التي حررها الجيش السوري وحلفاؤه من رجسهم في شرق الفرات، وترامب نفسه في حملته الانتخابية قال لهيلاري كلينتون منافسته المرشحة للرئاسة يومذاك،"يجب أن تقدموا للمحاكمة لأنكم أنتم الذين أسستم وأوجدتم داعش والتنظيمات التكفيرية الإرهابية الأخرى والتي عاثت فساداً وتدميراً في المنطقة، وكانت هيلاري كلينتون قد اعترفت في كتابها الأخير بان الولايات المتحدة هي التي أسست داعش بالتعاون مع أنظمة الخليج وعلى رأسها النظامان السعودي والقطري. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فأن ثمة حقائق كثيرة تؤكد دور النظام السعودي وحتى القطري في دعم الجماعات التكفيرية، وتسليحها وتمويلها وإرسالها إلى العراق والى سوريا واليمن ولبنان وليبيا، لانجاز المهام الموكلة إليها، والتي تصب في مصلحة المشروع الأمريكي الصهيوني، فهناك شهادات كثيرة لمسؤولين أمنيين وسياسيين في الولايات المتحدة، وفي الدول الأوربية أكدت مسؤولية النظام السعودي تحديداً عن انتشار الجماعات التكفيرية، ليس في العراق وسوريا و.و. وحسب وإنما في كل أنحاء العالم، محذرين من تبعات استمرار الدعم لهذا النظام ومن يدور في فلكه وغض الطرف عن جرائمه، وفي آخر هذه التحذيرات وليس أخيرها، حذرت المحللة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط (كيت كايرز) في مقالها بمجلة "ذا ناشيون" في يوم 18/8/2018،من خطورة التحالف المفتوح بين الولايات المتحدة ودول الخليج، مثل الأمارات والسعودية...ونوهت كيت إلى حدثين رئيسيين وقعا خلال شهر آب الجاري، كان لكل منها تداعيات هامة، ويكشفان خللاً عميقاً في استراتيجية الولايات المتحدة التي تقدم الدعم لدول الخليج الاستبدادية والقمعية باسم مكافحة الإرهاب، وأشارت كيت إلى الحدث الأول وهو تحقيق وكالة أسو شيتد برس حول علاقة المحتلة السعودية والأمارات في اليمن مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، "الذي وجد- أي التحقيق- أن استراتيجية السعودية بشأن ملف "مكافحة الإرهاب" المزعوم، على مدار أعوام، كانت تهدف بشكل مباشر إلى دعم بقاء تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، عن طريق إبرام الصفقات مع المقاتلين، ودفع بعض الأشخاص إلى الانتقال إلى التنظيم، وتجنيد عناصر من القاعدة في معارك التحالف الذي تقوده السعودية ضد " المتمردين "الحوثيين، في "الحرب الأهلية " في اليمن، وهي سياسات لا تساعد على محاربة القاعدة، بل تجعل الولايات المتحدة حليفاً فعليا للقاعدة في اليمن ". وهذا التحقيق كان وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني قد أكده في مقابلاته مع أكثر من وسيلة إعلامية أمريكية وبريطانية، حيث اعترف صراحة بأن السعودية وقطر دعمتا الإرهابيين التكفيريين في سوريا والعراق، وهما اللذان قدما الأسلحة والتمويل والتدريب لهذه المجاميع الإرهابية وإرسالها إلى العراق وسوريا، ليس هذا وحسب بل أكد حمد بن جاسم آل ثاني، أن قطر كانت تتبوأ موقع قيادة هذه المجاميع الإجرامية في سوريا من أجل إسقاط الحكومة السورية، لكن بعد فترة تولت السعودية زمام القيادة "ونحن جلسنا في المقعد الخلفي"بحسب ما قاله بن جاسم حرفياً..ما يؤكد ذلك، أن الدعم السعودي الجديد هو دعم للإرهاب، وان جاء مقلطيا وراء العناوين التي اشرنا إليها، فلو كان النظام السعودي حريصاً على بناء الرقة وإزالة أنقاضها لسارع أولاً لإعادة إعمار المحافظات الشرقية، التي يسكن بعض سكانها في بيوت الصفيح التي لا تقيهم برد الشتاء ولا حرّ الصيف اللاهب! فكان الأولى أن يقوم بهذه المهمة.
يضاف إلى ذلك، أن هذا الدعم السعودي للإرهاب الأمريكي يشكل تدخلاً سافراً في الشأن السوري، لا سقوطاً أخلاقياً مدوياً للنظام السعودي، كما جاء في بيان الرد السوري على هذه المساهمة السعودية، لأن الوجود الأمريكي العسكري في سوريا، هو وجود غير شرعي وهو احتلال وفق القوانين والأعراف الدولية، بل هو استهتار بهذه القوانين والأعراف واستخفاف أمريكي بها وانتهاك لسيادة دولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة، اذ لم تدعو الحكومة السورية الشرعية المعترف بها دولياً هذه القوات. إنما استغلت الولايات المتحدة حالة الفوضى في البلد، لتحتل هذه المنطقة وتتمركز فيها وتقدم المساعدة للدواعش في حرب الجيش السوري، ولقوات سوريا الديمقراطية_ القوات الكردية- بمعنى آخر أن النظام السعودي يدعم هذا الاحتلال غير شرعي لسوريا، والانكى من ذلك، وكما جاء على لسان ترامب أن ولي العهد السعودي هو الذي طلب من ترامب بإبقاء هذا الاحتلال الأمريكي في سوريا، وتعهد بتمويل هذا البقاء،وهو ما تم فعلاً...
واللافت أن هذا النظام يتدخل في الشأن الداخلي لسوريا ولليمن وللعراق وللبنان وبهذا السفور الفاحش، في حين أقام الدنيا ولم يقعدها على كندا لمجرد أن دعته إلى الإفراج عن النشطاء والناشطات الذين يدافعون عن حقوق الإنسان، وقام بقطع علاقاته الدبلوماسية مع آتاوا، بل حتى طلاب البعثات السعوديين وأتى بهم من كندا إلى عرعر والقصيم!! فهذا النظام يرى للأسف بعين واحدة، هي مصلحته الشخصية فقط وبقاءه في السلطة متربعاً على عرش المملكة...
وبالإضافة إلى ما تقدم، فأن الدعم المالي السعودي للقوات الأمريكية المحتلة لشمال شرق سوريا، سوف يمكن واشنطن من إنجاز مهامها الخبيثة في هذا البلد، والتي نشير إلى بعضها بما يلي:-
1- عرقلة عمليات الحسم العسكري للجيش السوري وحلفائه، حيث يوشكون على القضاء النهائي على المجاميع الإرهابية في سوريا، والدليل على ذلك، هو أن هذه القوات المتواجدة في منطقة التنف السورية قامت أكثر من مرة بقصف القوات السورية، انتصاراً وحماية للارهابيين، أما الكيان الصهيوني فهو الآخر قام بأكثر من غارة جوية وصاروخية استهدفت مواقع للجيش السوري، وذلك فضلاً عن احتضان العدو للإرهابيين في مشافيه، وتقديمه لهم الدعم التسليحي واللوجستي، وغير ذلك...ذلك أن الحسم العسكري للجيش السوري في سوريا، حيث يوجه ضربة قاصمة ونهائية للمشروع الأمريكي الصهيوني في سوريا وفي المنطقة، ويقضي على أحلام الأمريكيين والصهاينة بتقسيم الأوطان العربية والإسلامية وتجزئتها ضمن (سايكس بيكو) ثانية، ولذلك يحاول الأمريكان وبواسطة الدعم المالي السعودي والإماراتي، عرقلة هذا الحسم العسكري منعاً لتداعياته وآثاره وانعكاساته الهائلة على المنطقة كما أشرنا.
2- ومن أهداف البقاء العسكري الأمريكي، ضمان استمرار عملية الاستنزاف العسكري واللوجستي لكل من سوريا والعراق، وتبرير استمرار التدخلات بكل أنواعها في شؤون هذين البلدين، فالتقارير الواردة من سوريا أكدت بما لا يقبل الشك أن الهجوم الذي قام به الدواعش ضد عدد من القرى الدرزية في منطقة السويداء،جرى بتنسيق أمريكي مع هذه المجاميع الأرهابية، حيث انطلقت كما تؤكد معلومات المصادر السورية الحكومية، انطلقت هذه المجاميع من المناطق التي تحظى بحماية القوات الأمريكية، وقامت بمجزرة راح ضحيتها أكثر من مئتي شهيد وأكثر من هذا العدد من الجرحى، ذلك لأن الاستراتيجية في سوريا وفي المنطقة ترتكز في أحد قواعدها على استمرار نشر الفوضى وعدم الاستقرار، اللذان من شأنهما أن يبررا استمرار التواجد العسكري الأمريكي غير المشروع في سوريا، وبالتالي استمرار التدخلات الأمريكية والتأثير في الأحداث الجارية في هذا البلد بالشكل الذي يخدم المصالح الأمريكية غير المشروعة ويخدم أمن الكيان الصهيوني.
3- هناك تقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة وبدعم سعودي تحاول لملمة فلول داعش وبقية التكفيريين وإعدادِهم مجدداً تحت أسم جديد، أو لافتة أخرى، ويمكن أن تبدأ بهم الهجوم على مواقع سورية لاقتطاع المزيد من الأراضي السورية قرب الحدود العراقية، تضاف إلى مناطق شرق الفرات التي تخضع حالياً لسيطرة الأمريكان وحلفائهم الأكراد والدواعش، وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الاميركان وعلى لسان أكثر من مسؤول في المؤسسات الأمريكية أشار إلى أن أمريكا تسعى إلى قطع التواصل البري بين العراق وسوريا، بذريعة قطع التواصل الإيراني مع سوريا ولبنان، وبناءا على ذلك لا يستبعد المراقبون إقدام واشنطن على إقامة مثل هذا الكانتون في تلك المنطقة لتحقيق هدفها الآنف. صحيح أن الجيش السوري، والجيش العراقي، أجهضوا هذا المشروع، الّا أنه يظل هدفاً ماثلاً في الاستراتيجية الأمريكية الخاصة ببقاء قواتها في سوريا.
4- عرقلة العملية السياسية في سوريا، فكما أشرنا فيما مضى من الأسطر، بشأن هذه النقطة، أن الولايات المتحدة ومن خلال حضورها العسكري في سوريا، أفشلت الكثير من المصالحات التي كانت قد جرت بين الجهات السورية وبعض الفصائل الإرهابية، كان لها الدور الأساسي إلى جانب حلفائها الداعمين للإرهابيين في دفع هؤلاء إلى مقاتلة الجيش السوري! وبدون شك أن القوات الأمريكية المرابطة في شرق سوريا وفي منطقة التنف سوف تعمل المستحيل من أجل التشويش على الجهود الرامية إلى تسوية الأزمة السورية سياسياً، سواء في لقاءات آستانة أو في لقاءات جنيف، إذا جرت الأمور بالشكل الذي لم يحقق مصالح الولايات المتحدة وربيبها الكيان الصهيوني....
على أي حال صحيح أنه بات من المشكوك فيه، أن الولايات قادرة على تحقيق هذه الأهداف على خلفية الانتصارات التي يحققها الجيشان العراقي والسوري وفي مناطق أخرى، لكن يظل بقاء القوات الأمريكية غير الشرعي في سوريا تهديداً قائماً لاستقرار سوريا والمنطقة بشكل عام، بل تهديداً حتى للنظام السعودي نفسه !!
ارسال التعليق