بعد التعيينات الأخيرة...هل ينجح بن سلمان في تلميع وجهه الدموي
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيفيما أوكله الملك سلمان بن عبد العزيز، بعد غيابه، لذهابه للمشاركة في القمة العربية الأوربية في شرم الشيخ في مصر..فيما أوكله الإدارة المملكة، واتخذ محمد بن سلمان عدة أوامر وصفت بالملكية، ومذيلة بتوقيعه، تقضي بإعفاء أخيه خالد بن سلمان من منصبه السابق كسفير لبلاده في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعيينه في منصب نائب وزير الدفاع برتبة وزير، أي نائب له، لأن ولي العهد السعودي هو من يشغل هذا المنصب حالياً، أي وزير الدفاع..كما تنص تلك الأوامر على تعيين ريما بنت بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن وصاحب العلاقات المتميزة في اللوبيات الصهيونية في أمريكا، ومع المسؤولين الصهاينة... تعيينها سفير للمملكة في واشنطن، مكان خالد بن سلمان، وبرتبة وزير أيضاً...ذلك بالإضافة إلى منح العسكريين المرابطين في الحدود الجنوبية للمملكة مكآفئات مالية، بصرف راتب شهر لهم لمشاركتهم في الصفوف الأمامية في جبهات القتال في نجران وجيزان وعسير...
وأن يقوم بن سلمان باتخاذ هذه الأوامر، وبرضا من والده، لأن الأخير بإمكانه اتخاذها قبيل سفره، أو التريث باتخاذها لحين عودته، فذلك يعني رسالة واضحة لمن يعنيه الأمر، من بن سلمان ومن أبيه الملك، أن بن سلمان هو الملك القادم وان ثمة إصرار على هذا الأمر، ولذلك فهو يتصرف وكأنه الملك، الذي بيده الأمر والنهي، وذلك لقطع الشك باليقين عند الذين يراهنون على الولايات المتحدة، أو على المجتمع الدولي من داخل الأسرة الحاكمة لإبدال بن سلمان بأمير آخر، ذلك أن هناك جدلاً واسعاً داخل أروقة العائلة الحاكمة حول ضرورة إبدال بن سلمان وإزاحته عن ولاية العهد لأنه أدخل المملكة بسياساته الحمقاء في متاهاة مهلكة هي في غنى عنها، سيما وان هذا الجدل، وذلك التعويل تعزز وتعمق بين أوساط العائلة السعودية كثيراً بعد الحملة السياسية والإعلامية الأمريكية المتواصلة لحد الآن والضاغطة على بن سلمان، بعد فضح السي آي أي له في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، وبتلك الدموية والبشاعة التي كشفت حقيقة دموية وإجرام آل سعود وقمعهم للشعب في الجزيرة، وللمعارضة أيضاً. والى ذلك، فإنه اتخاذ بن سلمان هذه الأوامر، هي رسالة إلى القوى الغربية والى الولايات المتحدة الأمريكية، أنها يجب عليها أن تتعامل مع النظام السعودي، وكأن بن سلمان هو الملك الحقيقي للمملكة، وبالتالي عليها أن تطوي صفحة الجريمته المروعة في قتل خاشقجي، وتنسىها، لأن بن سلمان هو الحاكم الفعلي للبلاد، وان مصالحها سوف تتحقق مع التعامل مع هذا الحاكم لا غير!!
على انه ورغم أن هذه التعيينات أخذت هذا البعد المشار إليه، فأنها جاءت كمحاولة في إطار المحاولات الحثيثة والمتواصلة التي يواصلها الملك سلمان وابنه لتزين وجه النظام السلماني وتحسين صورته التي اهتزت وتشوهت كثيراً، نتيجة سياساتهما وكشفهما الوجه الحقيقي والقبيح الدموي للنظام البائس السعودي، على خلفية جرائمهما في اليمن وفتكهما بالمعارضة داخل المملكة وخارجها... ومحاولة التلميع هذه تجري من خلال ما يلي:-
1ـ استجابة بن سلمان للضغوط والطلبات التي تقدم بها بعض الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية بطرد السفير السعودي خالد بن سلمان لانكشاف دوره ألأجرامي في استدراج خاشقجي إلى قنصلية إسطنبول من أجل تصفيته، عبر خداعه والكذب عليه، ومنحه الأمان، من أجل تسهيل عملية اصطياده وتصفيته حيث أكدت، وأيضاً توصلت الأوساط المذكورة الى أدلة دامغة حول علم خالد بن سلمان بنوايا أخيه المبيتة بخصوص خاشقجي وقراره بتصفيته وإنهاء حياته. وفي هذا السياق تحدثت وسائل اعلام أمريكية عن رصد السي آي أي مكالمات هاتفية بينه وبين أخيه محمد بن سلمان، يبلغه فيها، الأخير، بضرورة التخلص من خاشقجي، وهي العملية التي يشتبه بأنه ساهم فيها من خلال إقناع الأخير، بأن السفارة السعودية في واشنطن لا يمكنها أن تمرر له معاملة إثبات الطلاق التي كان يطلبها قبيل مقتله، وطمأنته قبل السفر إلى اسطنبول لإتمامها. وعلى خلفية هذه القناعات تصاعدت الدعوات الأمريكية لطرد هذا السفير من أمريكا، وفور عودته إلى واشنطن من الرياض، وكان أبرز هذه الدعوات، دعوة السيناتور الأمريكي، ديك ديربن إلى طرد السفير السعودي في واشنطن بشكل رسمي من الولايات المتحدة، بسبب تورطه المباشر مع شقيقه ولي العهد في مقتل خاشقجي. بدورها وصفت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، السفير خالد بن سلمان، بأنه كاذب وشن حملة أكاذيب من أجل إخفاء ملامح جريمة مقتل جمال خاشقجي. ووصفت الصحيفة الأمريكية عودة السفير إلى واشنطن بأنها "كانت عملاً متغطرساً، وتؤكد أن النظام السعودي لا يريد التوبة عن جريمة القتل". ليس هذا وحسب، فبعض الأوساط الإعلامية الأمريكية أشارت إلى أن مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي(FBI) بدأ في منتصف شهر يناير من هذه السنة في دور السفارة السعودية بواشنطن بتهريب مبتعثين سعوديين يواجهون اتهامات جنائية خطيرة إلى بلدهم قبل انتهاء الإجراءات القضائية، وأن صحيفة الديلي ميل البريطانية ذكرت في تقرير لها، أن الحكومة الاتحادية حققت في تهريب ما لا يقل عن 17 طالباً سعودياً يواجهون اتهامات بارتكاب جرائم داخل الولايات المتحدة حيث السياسيون أن حكومة بلادهم هربتهم. على خلفية هذه الأجواء الأمريكية الرافضة لعودة خالد بن سلمان إلى واشنطن تم استبداله لاحتواء هذه الأجواء ولامتصاص الحملة المتصاعدة ضد بن سلمان وأخيه السفير، من جانب، ومن جانب آخر، تجنب احتمالات إقدام السلطات الأمريكية على اعتقال خالد بن سلمان، ومن ثم تدخل الأزمة انفاقاً معقدة، ومتاهات مظلمة تضع النظام السعودي في ورطة حقيقية لا يمكنه الخروج منها إلا بأثمان باهظة جداً.
2ـ أراد بن سلمان من خلال تعيين ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة في واشنطن للمملكة تحقيق أهداف متعددة منها:
أ- الاستفادة من خبرة وعلاقات أبيها، التي قلنا أنها قوية وتمتد لأكثر من عشرين سنة، فلديه علاقة مع آل بوش ومعسكر المحافظين والسياسيين الأمريكيين من باقي التيارات، سيما من الديمقراطيين، فهو أي بن سلمان يريد توظيف هذه الخبرة وهذه العلاقات المتشعبة لبندر بن سلطان، من أجل التأثير على التوجه المضاد له في الكونغرس الأمريكي وفي مؤسسات أمريكية أخرى على خلفية انكشاف تورطه في قتل جمال خاشقجي، وأيضاً محاولة تلميع صورته وارتفاع الأوساط المذكورة بالسكوت عن حملتها المضادة له.
ب- طمأنة بعض الأوساط الأمريكية، أو بالأحرى طمأنة الدولة العميقة في أمريكا، بأن بن سلمان بات يعتمد على الحرس القديم وعلى الخبرات المجوبة في العائلة السعودية، وفي الدائرة السياسية المحيطة بها، ويدخل في إطار هذه المحاولة أيضاً، إبدال وزير الخارجية عادل الجبير، بإبراهيم العساف الرجل صاحب الخبرة الطويلة من الحرس القديم، ذلك أن الكثير من الأصوات الأمريكية، المعبرة عن رؤية الدولة العميقة، أبدت ولأكثر من مناسبة قلقها من سياسات بن سلمان الطائشة والتي تخوفت من احتمالات أن تجر هذه السياسات أمريكا أو تورطها في حروب، أو في متاهات تشكل خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة.
ت- محاولة مسح الصورة التي تكرست عند الرأي العام الأمريكي والغربي، وعند أكثر الأوساط السياسية في أمريكا والدول الغربية حول بن سلمان، بأنه الرجل الدكتاتوري القمعي والدموي، الذي لا يؤمن بحرية الرأي، وما قام به من ترويج للإصلاحات التي أعلن عنها، وللانفتاح، كل ذلك لم يكن سوى لخداع الرأي العام وللتغطية على بطشه وقمعه الدموي للمعارضين وللناشطين والناشطات، ذلك أن التقارير التي تصدرها بين الحين والآخر منظمات حقوق الإنسان حول ما يجري في السعودية من قمع في ظل سطوة بن سلمان وطاقمه عززت هذا الانطباع وهذه الصورة عن حقيقة هذا الجلاد الصغير، ثم جاءت جريمة قتل جمال خاشقجي لتؤكد هذه الصورة، فبن سلمان يريد توجيه رسالة من خلال تغيير هذا الانطباع عنه، بأنه ما زال الشخص الذي يقوم بالإصلاحات، وما زال عند وعوده بالوفاء والالتزام بها !!
ث- أراد بن سلمان أيضاً من خلال وضع ريما على رأس سفارة المملكة في واشنطن إعادة الاعتبار إلى وعوده بإنقاذ المرأة السعودية مما تعانيه من قوانين وأحكام قاسية في ظل الفكر الوهابي التكفيري المتعجرف، حيث ان بن سلمان وطاقمه أثاروا في بداية مجيئهم للسلطة ضجة إعلامية، ساهم فيها حتى الإعلام الغربي، من أنه سيقوم بإصلاحات جذرية فيما يخص ما يسمونه حقوق المرأة السعودية، فأجتز لها بعض النشاطات التي كانت ممنوعة، كما قص أجنحة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوهابية، بهذا التوجه، لكن سرعان ما تعرضت هذه الرؤية إلى انتكاسة ساحقة عند ما قام بن سلمان باعتقال الناشطات في السعودية، ومنهن حقوقيات وسجينات رأي، ومن ثم افتضاح أمر التعذيب والممارسات اللانسانية بحقهن لدرجة أن التقارير الغربية والموثقة حول ما يتعرضن له في السجون السعودية، باتت متواترة، الأمر الذي كرس الصورة الحقيقية لدموية وقمعية النظام السعودي، ولزيف وكذب إدعاءاته بالانفتاح والإصلاح وما إلى ذلك من الشعارات البراقة.. ولذلك بن سلمان يريد إعادة تلميع صورة النظام من خلال هذه الأمير القانية ومحاولة مسح ذاكرة الأوساط المذكورة عن حقيقة ما يقوم به إزاء الناشطين والناشطات في المملكة.
ارسال التعليق