حدث وتحليل
بن سلمان...ولغز اختفائه بعد واقعة حي الخزامي
[ادارة الموقع]
منذ عودته من جولته الخارجية الأخيرة المطولة، والتي شملت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا واسبانيا، لم يظهر بن سلمان،ولي العهد السعودي على وسائل الإعلام السعودي أو حتى الخارجي، خلاف العادة، حيث يبرز الإعلام السعودي نشاطاته وتحركاته بشكل لافت، وذلك ما أثار الكثير من التساؤلات وإطلاق الروايات الكثيرة عن سببب اختفائه طيلة الفترة الماضية، وتحديداً منذ حصول حادثة إطلاق النار في حي الخزامي في ال21 من شهر نيسان الماضي، وهي الحادثه التي قالت الرواية السعودية الرسمية في حينها، انها كانت نتيجة اطلاق نار على طائرة (درون) ترفيهية حومت فوق القصر الذي يتواجد فيه الملك سلمان، اخترقت الأجواء بدون إذن السلطات المعنية، وهي رواية شكك فيها الكثير من الخبراء والمحللين، الذين ذهب بعضهم الى تأييد الروايات القائلة بأن القصر الملكي في تلك الليلة شهد مواجهة بالأسلحة النارية بين حرس بن سلمان، وقوة مضادة لبن سلمان، واستمرت50دقيقة تلك المواجهة، التي عرض بعض النشطاء فيديوهات حية على مواقع التواصل الاجتماعي في حينها، ثم عرضتها بعض شاشات التلفزة، مثل الجزيرة وغيرها، والتي تؤكد بما لا يقبل الشكوك بأن الرواية الرسمية رواية غير صحيحة وان هناك مواجهة فعلاً، وتحركاً استهدف سلمان وابنه، والذي قالت المصادر السعودية يومها أن الملك نقل إلى منطقة آمنة في ثكنة عسكرية قريبة.
وعلى أساس ما حصل في ليلة السبت الواحد والعشرين من نيسان، ساق البعض من المراقبين روايات عديدة، حول مصير بن سلمان وسر عدم ظهوره أمام الأعلام، ومنها رواية القتل، أي انه قتل في تلك المواجهة التي قيل أنها حصلت بين آل سلمان وجناح آخر من العائلة السعودية الناقمة على سلمان وابنه بسبب استحواذهما على السلطة، وبسبب تنكيل بن سلمان بالأمراء من أبناء عمومته المعارضين والناقمين على سياسته...
وللرد على هذه التساؤلات، حاولت السلطات السعودية نفي التحليلات والتكهنات من خلال إقدامها على نشر صورة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان تجمعه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وحاكم الأمارات محمد بن زايد، وملك البحرين حمد آل خليفة.لكن عند مراجعة جدول تحركات هؤلاء الزعماء خلال شهر، لم يكن لهم أي لقاء خلال تلك الفترة، ما يؤكد أن هذه الصورة قديمة لإبعاد تلك التساؤلات عن سبب اختفاء بن سلمان بحسب مراقبين.
ولأن نشر هذه الصورة لم يضع حداً لهذه التساؤلات عن اختفاء ولي العهد السعودي، قامت السلطات السعودية بإبراز خبر لقاءات بن سلمان برئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد الذي وصل السعودية قبل أكثر من أسبوع، في زيارة رسمية، تلبية لدعوة وجهها الملك سلمان له، ودون أن تنشر له هذه السلطات أي صور تجمعه برئيس الوزراء الأثيوبي، لكنها نشرت له صوراً خلال لقاءاته بفريق كرة القدم السعودي، قالت وسائل الإعلام السعودية انه التقاه وشجعه على احراز نتائج جيدة في المباريات الدولية، ذلك لإعطاء انطباع بأن بن سلمان موجود ويمارس نشاطاته بشكل عادي، غير أن الصور التي نشرها الإعلام السعودي عن لقاءات بن سلمان لا يمكن أن تكون دليلاً يقطع الشك باليقين، نظراً لتطور عمليات التصوير، وعمليات "الفوتوشوب" إذ بالإمكان فبركة مثل هذه الصور بسهولة ودون أن يكون هناك شك في صحتها، ولذلك لا تصح دليلاً قاطعاً عن مصير ولي العهد السعودي.
وما عزز تلك الشكوك، هو ان ولي العهد السابق والمعزول محمد بن نايف، ظهر وعلى غير العادة، وفاجأ الجميع بانتقاده لبن سلمان علنا، بنشر تغريدة له على حسابه في تويتر، أدان بها بشدة سياسات بن سلمان، معتبراً أن استمرار بن سلمان بهذه السياسات سيؤدي إلى انهيار حكم آل سعود على المملكة. ويقول المراقبون أن بن نايف لم يجرأ طيلة تلك الفترة، أي منذ عزله عن ولاية العهد، وحتى تغريدته الأخيرة، على انتقاد الملك سلمان وابنه، حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية، ووضع تحت المراقبة المشددة التي تحصي عليه حتى أنفاسه، فكيف يتجرأ على بن سلمان، إذا لم يكن الأخير في حالة ضعف، أو حصل شيئ ما، أو انه تعرض لإصابة، هكذا يتساءل المراقبون على أنني استبعد مقتل بن سلمان، لكن أرجح الاحتمالات التالية لاختفاء بن سلمان عن المشهد الإعلامي منذ زيارته المطولة ولحد الآن وهي ما يلي :
إن يكون بن سلمان قد تعرض فعلاً لإصابة بالغة في المواجهة التي حصلت ليلة السبت في ال21 من الشهر الماضي، في قصره في حي الخزامي، والتي استمرت لمدة خمسين دقيقة، ويحتمل انه يتلقى العلاج في الولايات المتحدة أو في الكيان الصهيوني...ما يعزز هذا الاحتمال أمران، الأول، هو الأخبار المتواترة حول إصابة بن سلمان في كتفه برصاصتين في هذه المواجهات التي حصلت في القصور الملكية، والتي استهدفت قتله وقتل أبيه، وقتل أيضاً،اثنان من الأمراء لم يفصح الأعلام عن هويتهم ومن هم، أما الأمر الثاني، فهو تغريدة بن نايف، فهذا الأخير وجد في إصابة بن سلمان فرصة ليعبر عن رأيه، وينتقد بن سلمان على سياساته. لكن الأهم من ذلك،هو الهجوم الذي شنه الأمير السعودي المنشق خالد بن فرحان آل سعود على الملك سلمان وابنه واعتباره أن الفرصة مواتية للانقضاض عليهما، حيث طلب من بقية الأمراء في يوم 17/5/2018 الإجهاز على سلمان وابنه، وذلك بالتحرك وإعلان رفضهم سياسات المملكة، وتسارع التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، محذراً من المصير الذي ينتظر حكم آل سعود.وقدم بن فرحان التهنئة "للشعب السعودي" بمناسبة شهر رمضان المبارك متساءلاً: "هل تنازلنا عن عروشنا وإسلامنا وأحللناها باليهودية والصهيونية؟ وهل انتهت فترة التطبيل من قبل المنتفعين عديمي الضمير والأخلاق والكرامة إلى فترة التطبيع؟ فأين هو الشعب السعودي، شعب دولة الحرمين الشريفين؟ وأين هي أسرتي؟ ".
ووصف الأمير السعودي المنشق، حكم سلمان بالظالم، منتقداً انفراد نجله الذي وصفه " بالصهيوني" من المرتزقة، التي تحكم دولنا العربية بغير شرعية وفي مقدمتهم خائن الحرمين الشريفين ونجله الصهيوني محمد الصهاينة لتحقيق أهداف شخصية أنانية بحته على حساب أشقائنا الفلسطينيين".
وأضاف هذا الأمير في خطابه التحريضي والجريء والأول من نوعه ضد ابناء عمه، " وقد تحولت مكانة وسمعة السعودية على أيديهم من دولة الإسلام، التي كانت تعتبر اكبر وأغنى دولة في الشرق الأوسط بما من الله علينا من مقومات ربانية مجانية دون أي مجهود من قبلنا، إلى دملة الذل والهوان، الذي يصاحبها بالتأكيد السقوط الحتمي المريع" واتهم بن فرحان، من أسماهم " مجموعة المرتزقة المراهقين عديمي الخبرة والدراية والأخلاق والدين، الذين انفردوا بالديوان الملكي، بأنهم نسفوا مكانة وشأن المملكة العربية السعودية بسياساتهم الصبيانية العبثية، التي أهانتنا واحرجتنا كثيراً للأسف في الداخل والخارج إلى الحد الذي جعلنا نخجل حقيقة في الإفصاح عن جنسيتنا التي من المفترض أن تكون مفخرة لنا وللجميع" على حد قوله. وتابع بن فرحان قائلاً " أُبرئ ذمتي من هذه السياسات الخائنة أمام الله ثم أمام التاريخ، وأناشد عائلتي كاملاً فرداً فرداً رجلاً وامرأة، وأخص بالذكر الأمير أحمد بن عبد العزيز، والأمير مقرن بن عبد العزيز، بإعلان رفضهم لهذه السياسات أمام الرأي العالم السعودي والعربي والإسلامي والعالمي علنياً، والتكاتف جميعاً بأخذ إجراءات جادة وسريعة ضد هذه الموجة العاتية، التي سوف تقتلع العائلة الحاكمة من جذورها بطريقة دموية "..
فهذا النوع من الخطاب، هو تحريض ثوري ضد حكم آل سلمان، ومحاولة استنهاض أولاد عبد العزيز وبقية أمراء العائلة السعودية من أجل الانقضاض على الحكم السلماني قبل أن تقلع العائلة السعودية وبشكل دموي، ما يعني ذلك أن هذا الأمير يمتلك من المعلومات ما يرى أن الأمور باتت مواتية للقيام بمثل هذه الخطوة الثورية والتخلص من الحكم السلماني، أي أن هذا الحكم بات ضعيفاً وأصبحت الأوضاع مواتية للتخلص منه، وذلك ما يرجح الرواية الآنفة.
أن يكون الاختفاء بهدف الابتعاد عن أعين الرصد من قبل أفراد العائلة المالكة، لأنه بات مستهدفاً نتيجة تحرك بعض أجنحة العائلة السعودية للتخلص منه بأية صورة، وما حادثة حي الخزامى، وقبلها المواجهات أمام قصر سلمان من قبل 11أميراً سعودياً، وقبل ذلك محاولة الاغتيال في قصر السلام بجده، كل ذلك وغيره مما لم يعلن عنه، مؤشر على ثمة إصرار من قبل بعض أجنحة العائلة السعودية على تصفية بن سلمان وضرورة التخلص منه.
أو قد يكون الاختفاء جاء بناءاً على توصية أو نصيحة من الصهاينة والاميركان الذين يتولون فعلاً حماية بن سلمان وأبيه لتحقيق أمرين،
هما: محاولتهم كشف المعارضين من الأمراء ومن الطبقة النافذة المحيطة بهم، لمحمد بن سلمان ولسياساته والقضاء عليهم،أو التخلص منهم بأية صورة، سيما الذين لم يتحركوا منهم لحد الآن، هذا أولاً، وثانياً: إن ابتعاد بن سلمان عن الواجهة يوفر لهم أي للاميركان والصهاينة فرصة ترتيب الأوضاع الداخلية بالشكل الذي يجعل هذا الترتيب يجري بحسب المقاسات الأمريكية والصهيونية، لأن استمرار إطلالات لبن سلمان، سيما الإعلامية منها يمكن أن تفسد خطط الأمريكان والصهاينة، لأنه بات عنصراً، أو بالأحرى ظهوره الإعلامي، محفزاً لتحرك المعارضين، ودافعاً قوياً للأمراء وللمعارضة نحو محاولات الانقضاض عليه والتخلص منه.
وللإشارة، فإن الأوساط الإعلامية كانت قد أشارت أن القوات الأمريكية المرابطة في الرياض، انتشرت في العاصمة وسدت مداخلها ومخارجها وأخذت بن سلمان من قصره ووضعته في القاعدة الأمريكية لحمايته من القتل، وذلك يعني بدون شك ان حادثة حي الخزامى، حادثة القصور الملكية كانت من الخطورة بمكان، بحيث شكلت تحدياً جدياً لحكم سلمان وابنه. ذلك ما يعزز الرأي الآنف، فالاميركان والصهاينة لا يريدون التفريط بهذا الأحمق الذي وهبهم كل هذه الأموال الطائلة، ووثق العلاقة مع الكيان الصهيوني. وللإشارة أيضاً كانت أوساط إعلامية وسياسية صهيونية قد أوصت في دراسات وفي تصريحات بضرورة الحفاظ على بن سلمان، لأنه رجل " إسرائيل" بامتياز حقق لها، ما لم تكن تحلم به من قبل وعلى كل الأصعدة.
وعلى الرغم من أهمية الاحتمالات الأخيرة، إلا أن احتمال أن بن سلمان قد أصيب في حادثة القصور الملكية في 21 نيسان الماضي، يبقى هو الراجح، لأنه لو لم يصب، لاضطرت السلطات السعودية إلى القيام بإظهار احد نشاطاته ولو لمرة واحدة، من أجل تفنيذ الآراء والتحاليل حول سبب إخفائه وابتعاده على الأنظار.
على أنه، مهما تكن الأسباب فإن كل هذه الأحداث تؤشر إلى أن النظام السعودي يعيش مرحلة انعدام الوزن واللا استقرار، وبالتالي أصبح وابنه، كما قال الأمير السعودي خالد بن فرحان المعارض لبن سلمان، أصبحا عاملاً من عوامل انهيار النظام السعودي الوهابي الداعشي، وتلاشيه.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق