بن سلمان .. ومهمة صهينة بلاد الحرمين الشريفين!!
[عبد العزيز المكي]
صحيح أن نظام بن سلمان السعودي لم يعلن رسمياً التطبيع مع العدو الصهيوني، حتى يقبل الأخير بما يسمى " بالمبادرة السعودية" لتسوية القضية الفلسطينية، إلا ان الواقع يكشف ان التطبيع يجري على قدم وساق وعلى كل المستويات والصعد، لدرجة أنه بات يدق ناقوس الخطر ويهدد بخروج بلاد الحرمين الشريفين ومهد الدين الإسلامي، من هويتها الإسلامية، ولذلك فأن تصريحات نتنياهو التي أدلى بها بعد فوزه في انتخابات " الكنيست" الأخيرة، لم تأت من فراغ أبداً حيث قال" إن إعلان التطبيع مع السعودية سيتم"..و.." ان توصل "إسرائيل" والسعودية إلى إتفاق سلام، سينهي بشكل فعال الصراع " الإسرائيلي"- الفلسطيني، وفقاً لتصورات صناع القرار في المملكة، للسلام" على حد قوله مؤكداً، " أنا أؤكد لكم ان الرياض لم تكن سلبية حيال ذلك"، وكاشفاً للدور السعودي في حث الدول الخليجية المطبعة مع العدو على التطبيع والتعاون مع العدو.. قائلاً: " إن اتفاقيات التطبيع الأربع في2020 مع الدول العربية، لم تحدث بدون موافقة السعودية، وان الرياض لم تكن سلبية حيال ذلك".
ومن الخطورة بمكان ان بن سلمان لا يقوم بعمليات تطبيع اعتيادية وحسب وانما تجاوز هذه المرحلة الى مراحل خطيرة جداً، فهو يقوم بعملية تحول جذرية للبلاد نحو"الصهينة" والقضاء على هويتها الإسلامية ومحوريتها في العالم الإسلامي باحتضانها للحرمين الشريفين الكعبة الشرفة والمسجد النبوي الشريف الذي يضم قبر الرسول الأكرم (ص).
وتجري عملية الصهينة بهدوء وبشكل حثيث منظم وممنهج وتحت إشراف خبراء صهاينة وأمريكان، كما سبق واشرنا في مقالاتنا السابقة، وبدون ضجيج يذكر، وتجري عمليات الصهينة على مستويات ومفاصل مختلفة ومتكاملة نشير الى بعض منها، أو بالأحرى نذكر أبناء الأمة، بها، لعل ذلك يحقر الأصوات الرافضة ويلهم الهمم للتصدي لهذا الخطر المتعاظم!! ومن تلك المسارات لهذه الصهينة ما يلي:-
1- ضرب البنية الفكرية والثقافية للمجتمع الإسلامي في بلاد الحرمين الشريفين، وقد قطع بن سلمان في هذا المجال شوطاً كبيراً، وقد أشرنا في مقالات سابقة لهذا العمل، ولذلك نمر عليه سريعاً، لمجرد التذكير والتأكيد على إصرار بن سلمان وأسياده الصهاينة على إحداث انقلاب جذري للمنظومة الفكرية والثقافية للمجتمع هناك، ويتحرك الجهد السعودي الصهيوني في هذا المجال على مستويين:
الأول: تغيير المناهج الدراسية، وفقاً لما حدده الصهيوني والأمريكي لإنشاء جيل جديد، ممسوخ فاقداً لذاكرته وهويته ومرتكزاته الاعتقادية!! فمناهج التعليم في المملكة، كما بات معروفاً، تشهد تغييرات واسعة وجوهرية خصوصاً فيما يتعلق بالمفاهيم الإسلامية والتأريخية.. وفي هذا السياق يقول الباحث السعودي فهد الغفيلي: " إن ما جرى لمناهج التعليم في المملكة هو تبديل للمفاهيم والتوجهات وليست عملية تعديل". ورأى هذا الباحث في سلسلة تغريدات على تويتر رصدها موقع صحيفة وطن.." أن هذه المفاهيم تم وضعها لأهداف سياسية، ونفذها بن سلمان بتعليمات من جهات خارجية لتحقيق أهداف رئيسية، وهي تشويه الإسلام الصحيح، ونشر الأفكار الغربية، وتبديل نظرة العداء للصهاينة، وهو الأمر الذي بدا واضحاً في أكثر الأماكن قدسية بالنسبة للمسلمين كمكة والمدينة المنورة، وصولاً إلى حفلات الاختلاط والمجون والتنكر".
وبين الغفيلي ان ما يقوم به بن سلمان هو لإرضاء الصهاينة لإبقائه في السلطة وقال: ان " تبديل مفاهيم الشعب وسلخه عن قيمه سيمهد له التحكم به، كما ان موجات التغريب واسترضاء الصهاينة والغرب هو أدوات تمكين بقائه في السلطة"!
و من الجدير الإشارة إلى أن أمريكا شكلت لجنة من خبرائها وخبراء صهاينة مختصة بمراجعة مناهج التعليم السعودية لمتابعة بين فترة وأخرى التغييرات وإجراء توصيات جديدة بالتغييرات المطلوبة، حتى أن الصهاينة عبروا عن غبطتهم وعن فرحتهم بتلك التغييرات، بل ان المسؤولين السعوديين أنفسهم أكدوا هذه التغييرات، فقد كشف وزير التعليم السعودي الدكتور حمد آل الشيخ في آب2021، عن أن هناك 120 ألف تعديل طال نحو 89 كتاباً قائماً في المناهج التعليمية السعودية التي تم تطويرها حديثاً. ويضاف الى ذلك 34 كتاباً ومنهجاً تم استحداثها، ليصل مجموع المقررات المستحدثة الى 52 كتاباً.
والثاني: ضرب المنظومة الثقافية للمجتمع عبر نشر الرذيلة وتدمير قيم المجتمع عبر إقامة الحفلات الماجنة والراقصة، وإطلاق الممارسات المنافية للأخلاق وللقيم الإسلامية وما إلى ذلك كثير!! ولإحساسه بهذا التحدي الخطير، انتقد الكاتب الصحفي السعودي البارز المعارض للنظام تركي الشلهوب إقامة تلك المهرجانات الماجنة، ومنها المهرجان الموسيقي المسمى بـ " ميدل بيست الذي أقيم ضمن فعاليات موسم الرياض، وكتب الشلهوب في تغريدة له " هيئة التسفية- اي الترفيه- اتخذت شعار " هنرقص البلد" للترويج لمهرجان " ميدل بيست".. أي بلد سيُرقِصون؟ بلد الحرمين! هل يوجد تجاوز واستهزاء أكثر من هذا؟" وأضاف الشلهوب متساءلاً في تغريدة أخرى: " ما هي أبرز خدمة قدمها بن سلمان لأعداء الإسلام؟ حوّل بلاد الحرمين إلى ساحة رقص وغناء وحفلات"..."بن سلمان يحول بلد الحرمين إلى ساحة للفساد الأخلاقي"!! وللإشارة أن اتساع ظاهرة الحفلات الماجنة بحضور فنانين ومغنين أجانب وعرب إلى المملكة ووجه بمعارضة شديدة وتبرم من بعض علماء ومثقفي الأمة فعلى سبيل المثال، يقول نائب وزير الإرشاد وشؤون الحج والعمرة اليمني في حكومة صنعاء فؤاد ناجي" ان ما نشاهده هذه الأيام في المدن السعودية والرياض من احتفالات ماجنة وساقطة ومنفلته واختلاط بعيد الهالوين واستقبال الفنانات المشهورات بالمجون وعدم الحشمة يدل على ان بن سلمان يقدم الضمانات والرشاوى المطلوبة منه لقبوله ملكاً على السعودية، ويضيف قائلاً: " في الوقت الذي يمنع النظام السعودي فيه الحج ويقلص عدد الحجاج يفتح الأبواب على مصاريعها ويوجه الدعوة لكل من هب ودب لحضور هذه الحفلات الماجنة..". ويتابع نائب وزير الارشاد اليمني الحديث مفصلاً كيف ان ابن سلمان أصبح أداة بيد الصهيونية وأمريكا في تدمير الإسلام والهوية الإسلامية للمجتمع في بلاد الحرمين الشريفين، منتقداً سكوت علماء السعودية على هذا التدمير للقيم والأخلاق في الوقت الذي يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على الاحتفال بالمولد النبوي ويعتبرونه بدعة!! وذهب العلامة الدكتور خالد القروطي اليمني الى ما ذهب اليه العلامة فؤاد ناجي في انتقاده لبن سلمان، وسياسته في ضرب المنظومة الثقافية والفكرية لمجتمع بلاد الحرمين عبر هذا " الفسق والسقوط الأخلاقي"!!
2- تفكيك المنظومة القبلية والاجتماعية للمجتمع في المملكة، فلأن القبائل في الجزيرة العربية مازالت تحتفظ بثقافتها الإسلامية وتتمسك بثوابها العقدية، فهي تشكل عقبة كأداة بنظر بن سلمان وأسياده، أمام عملية التحول الجارية المتمثلة كما قلنا في تدمير ثقافة وأفكار المجتمع الجزيري، ذلك فضلاً عن ان القبائل يمكن أن تشكل عائقاً إمام وصول بن سلمان الى عرش المملكة.. وفي هذا السياق كشف الباحث والمهتم بشؤون الخليج فهد الغفيلي وسائل وأهداف الحرب التي يشنها بن سلمان على القبائل في المملكة، وقال ان " القبائل العربية مثلث العمود الفقري لدول الخليجية ومنها المملكة.. وشكلت صمام الأمان في جزيرة العرب عبر قرون، اذ كانت أحد أوجه الحفاظ على الأخلاق الإسلامية والقيم العربية. كما شكلت القوة الأولى التي تمد حكام المنطقة بالرجال والأموال التي تحميها وتدافع عنها ".. لافتاً الى انه على الرغم من تعاقب من حكم جزيرة العرب عبر قرون، لم يجرؤ أحد منهم على إضعاف القبائل أو تفكيكها وافراغها من قيمها الإسلامية والعربية التي توارثتها، بينما بن سلمان قام بهذا العمل ويحاول تغيير هوية المجتمع وتغريبه بأساليب شتى، وبالتالي نال القبائل نصيب من ظلم بن سلمان وحملته التغريبية الشرسة. متحدثاً هذا الباحث بتفصيل مذهل من حرب بن سلمان على القبائل واعتقال شيوخها واثارة الفتنة بينها وضرب منظوماتها الأخلاقية والعربية، وبالأسماء والمناطق!
3- هدم وتدمير ودثر المعالم الإسلامية والأماكن والشواخص التاريخية الإسلامية والمقدسة، كالمساجد وبيوت الصحابة و.,، ووصل به الأمر وبأسلافه الجفاة من آل سعود ببناء مرافق صحية على أنقاض بيت الرسول (ص) ، أو هدم بيوت الصحابة وإقامة عمارات على أنقاضها وهكذا.. منتهكا بذلك قدسية ومكانة هذه المعالم المقدسة ومحاولاً طمسها واخفائها والى الأبد!! وهناك عشرات التقارير التي تتحدث مفصلاً عن المساجد التي هدمت، والمعالم الإسلامية التي دثرت، وعن منع الأذان من مكبرات الصوت في المساجد، وعن منع إحياء المناسبات الإسلامية، مقابل إطلاق العنان للاحتفالات الصاخبة بالمناسبات الغربية المبتذلة، بما يؤكد الجهد الدؤوب الذي يقوم به بن سلمان في محاولة لتجريد البلاد من مكانتها الإسلامية وهويتها وثقافتها، وسلخ المجتمع هناك من دينه الإسلامي ومسخه!!
4- الأخطر من ذلك كله، هو سماح بن سلمان إقامة مستعمرات استيطانية صهيونية في المملكة، حيث باشر الصهاينة بإقامة أحياء لهم للاستقرار فيها في مناطق مختلفة من المملكة خصوصاً في جدة ، على غرار ما يجري في الأمارات حيث سمح بن زايد للصهاينة بإقامة أحياء سكنية في دبي وابوظبي، فضلاً عن إقامة القواعد العسكرية الصهيونية في الجزر اليمنية المحتلة وفي الأمارات نفسها!! واللافت بل الانكى من ذلك، ان بن سلمان لا يمنح الصهاينة الأراضي التي يشيدون البيوت عليها خارج المدن، انما يقوم بجرف أحياء بكاملها بحجة التطوير ويرمي بأهلها في العراء ودون تعويض مالي، ويسلم تلك المناطق للمسثمرين الصهاينة لإقامة الأحياء عليها كما يحصل في جدة وفي نيوم !! حيث دمر بن سلمان لحد الآن عشرات الأحياء، وهو مستمر لحد الآن، وفي هذا السياق أعلن المتحدث باسم " حركة التغيير الوطني الحر من أجل الانقاذ" عبدالرحمن السحيمي ان النظام السعودي يواصل التدمير التعسفي لاحياء القطيف وجدة وغيرهما، وتشير المعلومات إلى ان يهوداً صهاينة اشتروا عقارات كثيرة من جدة الى تبوك"! وتطرق السحيمي الى مشروع نيوم ودور شركة جاريد كوشنر صهر الرئيس السابق ترامب في هذا المشروع ومشاركة مستثمرين يهود صهاينة يهويات انجليزية وأمريكية وحتى " اسرائيلية"..!! وقال " شهدنا مؤخراً تهجيراً قسرياً ومنهجياً لأهالي هذه المدينة (جدة) بحجة الموافقة على مشروع تطوير وسط مدينة جدة، واتضح لاحقاً ان هذا الإجراء من قبل الحكومة السعودية كان من أجل مشروع استثمار أجنبي وفي إطار العقد المبرم بين بن سلمان وشركة جاريد كوشنر كذلك، ولأن جدة تعتبر بوابة المقدسات الإسلامية، فقد تمكن الصهاينة من دخولها بحجة الاستثمار!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق