تخبط الاعلام السعودية في تعاطيه مع الازمة بين الرياض واتاوا
[ادارة الموقع]
شرُّ البلية ما يُضحك؛ ربما هو التوصيف الأدق الذي وصلت إليه أبواق آل سعود الإعلامية، فلم ينحازوا إلى الظالم وحسب؛ بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك ليبدأوا بكيل الشتائم ضد كندا أو أيّ حليف آخر "تسوّلُ له نفسه" أن ينتقد سياسة آل سعود لا سيما الخاصة باعتقال النشطاء السياسيين، حيث أنّ آل سعود وبقيادة الشاب الأرعن محمد بن سلمان لا يكتفون بإسكات الأصوات الحقوقية وبوحشية، بل يُسلطون ضباعهم الإعلامية ضدّ الدول الأخرى التي تنتقد اعتقال النشطاء المدنيين، وهي رسالةٌ من ابن سلمان مفادها أن انتقاد السعودية لسجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان يعرّض الدولة المنتقدة لخطر انقطاع كامل للعلاقات التجارية والدبلوماسية مع المملكة، من جهة، ومن جهةٍ أخرى تشويه سُمعة أيّ دولةٍ تحاول انتقاد هذا السجل الأسود أو حتى تطالب بمعاملة أقل وحشية في السجون التي يقبع بها النشطاء.
ومنذ نشوب الأزمة بين السعودية وكندا لوحظ هجومٌ غريب ولا شك كاذب من قبل وسائل الإعلام التابعة لآل سعود أو الممولة منها، حيث شهد الجميع ما قالته قناة العربية من أن السجون الكندية مكتظة بسبب التأخير في المحاكمات، مدعيةً أنّ القوة المفرطة تُستخدم ضد السجناء، كما وأن الطعام والخدمات الصحية سيئة ولا يوجد قانون يحظر احتجاز الأطفال!، بل وصلت الوقاحة بالمحطة السعودية إلى القول أنّ 75% من السجناء يموتون قبل وصولهم إلى المحاكمة! ربما نسيت أو تناست تلك المحطة السعودية أنها تتحدث عن كندا وليس عن السعودية، أو ربما فاتها أنّ كندا حلّت في المرتبة الثانية في تقرير معدل جودة الحياة في العالم، كما أنّه بإمكان أيّ كندي أن ينتقد كافة أركان الحكومة ابتداءً من رئيسها، على عكس المعمول به في مملكة الرعب المُسماة "السعودية".
أكثر من ذلك، فقد ذهبت صحيفة الرياض السعودية إلى القول أنّ التشرد والعنصرية ينتشران على نطاق واسع في كندا!، فيما ذهبت صحيفة الحياة في مقالة لها الخميس الماضي أن كندا لا يمكنها القبول بأنها فشلت في مضاهاة المملكة العربية السعودية المتميزة اقتصاديا، لذلك قامت أوتاوا بتحريك ملف حقوق الإنسان في السعودية، مشيرةً إلى أنّ "النفاق" الكندي واضح في تعامل الحكومة مع السكان الأصليين الذين يعانون من تعاطي المخدرات والعنصرية والتمييز، بل وبحسب الصحيفة فقد تعرض السكان الأصليون في كندا تعرضوا "بلا شك" لأقصى مستويات العنف من القتل إلى التشرد وغيره من الإهانات.
في الحقيقة لم أستطع أن أفهم مدى الانحطاط الذي وصل إليه الإعلام السعودي في تعاطيه مع كندا، بعد أن صورها على أنّها بؤرة الاستبداد والظلام والعنصرية في العالم، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى لا أستطيع أن أفهم مدى الاستخفاف بالجمهور الذي يُتابع تلك المحطات التلفزيونية أو الصحف، فالجمهور يعلم جيداً أنّ كندا ليست كما تصفه تلك المحطات، ولو كانت كذلك لما أرسلت إليها المملكة وأغلب دول العالم البعثات العلمية لاستسقاء العلم والمعرفة من جامعاتها، كما ولم ترسل المملكة آلاف المرضى للاستشفاء في المستشفيات الكندية!،.
أكثر من ذلك؛ لم تبق الحملة الموجهة ضد كندا حبيسة المحطات السعودية؛ بل وصلت إلى نظيراتها في مصر والإمارات العربية المتحدة، حيث شنّت تلفزيونات تلك الدول حملات شرسة لدعم الموقف السعودي، حيث خرجت صحيفة الوطن المصرية بتقريرٍ حافل عن تاريخ انتهاكات حقوق الإنسان الكندية، مشيرةً في تقريرها أنّ كندا ربما نسيت ملف حقوق الإنسان داخل بلادها!.
أزمة السعودية مع كندا وردّةُ فعلها لم تكن الأولى من نوعها، فالجميع يذكر الأزمة مع قطر، وكيف استخدمت السعودية جيشا من الصحفيين لتشويه سمعة قطر، ناهيك عن آلاف الأكاذيب التي حاكها الإعلام السعودي بأجنحته المختلفة، لكن المُستغرب في كل تلك الروايات هو سلوك الصحفيين العاملين هناك، فهم يعلمون أننا نعلم أنهم يكذبون، ولكنهم يستمرّون في أكاذيبهم، فلا مجال مهما حاولوا مجال حتى في الخيال لمقارنة ملف حقوق الإنسان في السعودية مع نظيره الكندي "إن وجد".
ومما سبق نستنتج أنّ ردّ فعل السعودية أقرب ما يكون إلى ردّات فعلٍّ المراهقين سياسيًا، ومن الواضح أنّ السعودية لن تقبل بشكلٍ من الأشكال أيَّ نقدٍ أجنبي لسلوكها أو لمعاملتها السيّئة لنشطاء الرأي وحقوق الإنسان، كما وستسمر في إظهار جبروتها الإعلامي طالما كانت قادرةً على دفع مستحقات الصحفيين العالمين لديها.
ارسال التعليق