تركي الفيصل يتراجع عن مواقفه المعادية لحركة حماس... ما الذي حدث ؟؟
[عبد العزيز المكي]
في تصريحاته الأخيرة، التي أدلى بها خلال لقاء له مع قناة الإخبارية السعودية" الرسمية، انقلب تركي الفيصل السفير السعودي الأسبق في واشنطن، ومدير المخابرات السعودي الأسبق .. على مواقفه العدائية لحركة حماس ولباقي فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، حيث اعتبر ان عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي في السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، حطمت صورة "إسرائيل" أمام العالم.. وقال للقناة السعودية المذكورة .. " أن ما قامت به منظمة حماس من هجوم على إسرائيل" ، والطريقة التي استطاعت بها أن تغزو الحصن الحصين الذي وضعته إسرائيل" حول غرة، أدى إلى تداعيات كبيرة جداً ، وتابع أن أهم هذه التداعيات "هو تحطيم الصورة التي كانت لدى الكثير من الناس في العالم، عن ان إسرائيل منيعة ضد أي قوة ممكن أن تنافسها، أو تجاريها، أو تتحداها في المنطقة . وأشار إلى أن ثاني تداعيات عملية طوفان الأقصى هي أن (( القضية الفلسطينية حية ،ولم تمت كما إدعى البعض خلال السنوات الماضية أن فلسطين هذي شيء أصبح منسياً ولا يوجد اهتمام به "..وبحسب تركي الفيصل، فإن هاتين النتيجتين اللتين أتت بهما هذه الحادثة - على حد وصفه - التي حصلت منذ ثلاثة شهور، أيقظت العالم ليس فقط إلى ان هناك قضية فلسطينية، ولكن أيضا ان هناك إضطهاداً، وهناك ظلم، وهناك ضيم يمارس ضد هذا الشعب، من قبل محتل يشبه الأحتلالات الاستعمارية في القرن التاسع عشر، التي كانت تمارسها دول أوربا في مناطق مختلفة من العالم، ان كان في آسيا، وفي أفريقيا، وفي أمريكا اللاتينية" ... وكان تركي الفيصل قد شن هجوماً عنيفاً على حركة حماس، بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الماضي وذلك خلال كلمته بمعهد "بيكر" ، اذ ساوى الفيصل بني الضحية والجلاد مديناً حماس و"إسرائيل" على ما يحصل في غزة
كما انتقد قطر لأنها تستضيف المتحدث باسم حماس وبعض قياداتها ، وتقدم لها الأموال! كما أدان تحويل "إسرائيل" الأموال القطرية لحماس رغم أنها تسميها منظمة إرهابية على حد زعمه. وذكر الفيصل في ذلك الوقت أنه لا يؤيد الخيار العسكري في فلسطين ويفضل العصيان المدني، مكرراً إدانته لحماس ومحملاً إياها مسؤولية ما يحصل في غزة بذريعة أنها أعطت "إسرائيل"، فرصة لتدمير القطاع الفلسطيني المحاصر !! وفي الحقيقة ان تركي الفيصل يعبر عن وجهة نظر النظام السعودي فهذا الأخير طالما يفصح عن مواقفه من الأحداث عبر واجهة تركي الفيصل، وهجومه وانتقاده لحماس و لعملياتها "طوفان الأقصى"، كانت تعكس وجهة نظر النظام السعودي تماما ، فهذا النظام كان منزعجاً من حماس ومن تلك العمليات بل ان مارتن انديك معاون وزير الخارجية السابقة قال ان بعض العرب الذين التقيت بهم يطالبون بعدم وقف الحملة العسكرية الصهيونية بقيادة نتنياهو على غزة حتى القضاء على حركة حماس، في اشارة واضحة إلى المسؤولين السعوديين! في السياق ذاته كشف الصحفي الأمريكي "الإسرائيلي "باراك رافيد المعروف بعلاقاته مع مسؤولي الحكومتين الأمريكية والصهيونية، أن أكثر من مسؤول أمريكي. أبلغوه خلال الفترة الأخيرة، بأن السعوديين يقولون لهم وراء الأبواب مالا يقولونه في العلن!! وقال رافيد لقد أبلغني أكثر من مسؤول أمريكي في الأسابيع الأخيرة ، بأن السعوديين يقولون لهم من وراء الأبواب إنهم يريدون إسرائيل أن تنهي حماس ..! وأضاف: أما المؤتمرات الصحفية التي يعقدها السعوديون بواشنطن وجولاتهم حول العالم فليست إلا ألاعيب للاستهلاك المحلي ) !!
يعزز هذا الأمر، مقالة رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية، ومدير قناة العربية السابق عبد الرحمن الراشد المقرب جداً هو الآخر من النظام السعودي ، والقناة الأخرى التي يسرب هذا النظام مواقفه ووجهة نظره تجاه القضايا والأحداث لاسيما الخطيرة والحساسة منها،فالراشد في مقالته المنشورة في4/1/24 تحت عنوان "هذه هي الطريقة للتخلص من حماس" اعتبر الحركة نتاج ما اسماه التطرف الديني على شاكلة داعش والقاعدة وأخواتهما، وساوى بينها وبني المتطرفين الصهاينة !! ناكراً أنها نتاج الاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني طوال العقود الماضية!
هذا هو الموقف الرسمي للنظام السعودي من حركة حماس و"ضرورة القضاء عليها "!! والذي حكم تصرفات وسلوك السعوديين طيلة الأسابيع الماضية قبل استدارة تركي الفيصل، حيث إتسم هذا السلوك كما يعرف الجميع باللاابالية وبالصمت وبإقامة الحفلات والمهرجانات التي استفزت أهالي غزة الذين يتعرضون إلى الإبادة والمجازر المتنقلة يوميا !!
فما الذي جعل تركي الفيصل مهندس التطبيع بمعية زميله رئيس مركز الدراسات في كل هذه الاستدارة؟ بعبارة أدق ما الذي جعل نظام بن سلمان يغير موقفه ولو ظاهريًا وإعلاميا من خلال ما طرحه تركي الفيصل !؟ ثمة متغيرات جذرية واستراتيجية تركتها أو بصمتها عمليات طوفان الأقصى الفلسطينية على صعيد الصراع مع العدو الصهيوني وحاميته الولايات المتحدة، وكشفت أموراً في غاية الأهمية نشير إلى بعض منها بما يلي:-
1- لعل تصريحات تركي الفيصل نفسها تضمنت بعض من الأجوبة على التساؤل أعلاه، فعمليات طوفان الأقصى كما أشار الفيصل كشفت هشاشة العدو وضعفه، وحطمت صورته أمام العالم .. وفعلاً أن تلك العمليات كشفت أن كل الهالة من القوة والاقتدار التي كان العدو قد نسجها وبدعم أمريكي غربي، هي هالة مزيفة وهو أو هن من بيت العنكبوت كما قال السيد حسن نصر الله فرغم كل هذه الهالة من التفوق العسكري والاستخباري للعدو في المنطقة إلا انه سقط سقوطاً مدويا أمام المهاجمين الفلسطينيين في عمليات طوفان الأقصى.. ثم ما عزز هذه الصورة من الضعف والخواء هي الخسائر الفادحة التي يتعرض لها الجيش الصهيوني " الذي لا يقهر" بحسب تلك المقولة التي صنعها الإعلام الصهيوني والأمريكي وحتى بعض العربي للأسف.. يومياً في المعدات والأفراد منذ بدء الهجوم البري على غزة وحتى كتابة هذه السطور تلك الخسائر التي تتضاعف بحيث أجبرت المسؤولين الأمنيين الصهاينة على الاعتراف بقساوة المعركة وببأس المقاتلين الفلسطينين وتنكيلهم بالقوات الصهيونية الغازية، فالقتلى والجرحى بالآلاف من الجيش الصهيوني، ومذابح معداته ودباباته العسكرية بالمئات دمرها وأعطبها المقاومون في غزة.. ومثلما قال تركي الفيصل ان طوفان الأقصى حطمت تلك الصورة، حول "إسرائيل"، أنها "منيعة ضد أي قوة ممكن أن تنافسها أو تجاريها أو تتحداها في المنطقة ".. فإذا كان حالها أمام حركة حماس المحاصرة، هو هذا الـوهن والضعف، فكيف ان كانت هناك قوة اكبر من حماس عدد أو تسليحا؟ بالتأكيد سوف يتلاشى هذا العدو وينتهي إلى الزوال، وكمل هذه الوقائع على ما يبدو أنها مخيبة لأمال السعوديين الذين إلى ما قبل طوفان الاقصى كانوا يراهنون على الحماية
الصهيونية، ويسارعون الخطى للتطبيع مع الكيان الاحتلالي!!
2- كشفت طوفان الأقصى، ان الكيان الصهيوني الذي لم يستطع حماية نفسه - والكيان الذي هرعت الولايات المتحدة والغرب هرع معها، بقضهم وقضيضهم خوفا من انهياره وزواله ، لا يمكن أن يكون قادراً على حماية النظام السعودي وبقية الأنظمة المتطلعة إلى هذه الحماية !!وتبين بشكل لالبس فيه انما كان يروج له الاميركان والصهاينة والغربيون حول ان العدو يمكن أن يكون البديل المناسب عن أمريكا بعد إنسحابها من المنطقة للدفاع عن هذه الأنظمة وحمايتها من الإخطار .. تبين كل ذلك مجرد وهم وخدعة لهذه الأنظمة، فهذا الكيان باعتراف بعض الخبراء، لولا الدعم الأمريكي العسكري والاقتصادي الهائل لوضعت عملية طوفان الاقصى حدًا لوجوده واستمراره، ولأنهت هذا الوجود والى الأبد...
3- في تصريحات له سابقة ، كان بن سلمان قد قال أن القضية الفلسطينية أصبحت وراء ظهورنا، بل وعد بن سلمان كما نقل الأمير كان أنفسهم، إن السعودية ستكافئ العدو بالتطبيع في اليوم الثاني لقضاء العدو على حماس !! " وهذا ما أكده بنيامين نتنياهو بقوله، إن السعودية ستطبع معنا بعد انتهاء حربنا على حماس وبقضائنا على ما اسماه الأرهاب وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية وتولي النظام السعودي وبدعم أمريكي وصهيوني فرض الحلول التصفوية على الشعب الفلسطيني وإسدال الستار على هذه القضية نهائيا ، هذا هو المخطط المرسوم صهيونياَ وأمريكيا وسعوديًا للقضية الفلسطينية، لكن عمليات طوفان الأقصى قلبت الموازين والمعادلات، واثبت لآل سعود ان القضية الفلسطينية حية ولم تمت ، كما قال تركي الفيصل، وان هذه القضية لم تمت أضاف الفيصل، كما ادعى البعض خلال السنوات الماضية، وهنا يشير بشكل غير مباشر إلى النظام السعودي نفسه وإلى أنظمة البحرين والإمارات وو. والأكثر من ذلك والأهم، ان عمليات طوفان الأقصى سلبت من آل سعود ومن لف لفهم فرص التصرف واتخاذ القرارات بشأن القضية بالشكل الذي يصادر حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والعادلة، ويتناسب مع الطروحات الأمريكية والصهيونية الرامية إلى تصفية هذه القضية العادلة، فطوفان الأقصى أسقطت بالضربة القاضية ما يسمى بالمبادرة العربية أو المبادرة السعودية ؟ وما يسمى صفقة القرن وغيرها من المشاريع التصفوية، وكرست - أي عمليات طوفان الأقصى - مبدأ أن الشعب الفلسطيني هو من يقرر مصيره ومصير وجود هذا الكيان. ولذلك ليس بعد الآن من حق النظام السعودي أو اي نظام عربي آخر عميل أن يساوم على مستقبل الشعب الفلسطيني نيابة عن هذا الشعب ....
4- لعل أكثر المتابعين والمحللين يشاطروننا الرأي في أن الأنظمة المطبعة كانت قد صدقت بأنها نجحت بإعلامها وثقافتها الأنهزامية أمام العدو، بحمل الأمة على الياس والإحباط، وانها اي الأمة باتت لا حول لها ولا قوة، ويمكن تجاوزها والمساومة على قضاياها !! وللاشارة ان تركي الفيصل نفسه ساهم في ثقافة التيأئيس للأمة، ومحاولة تدجينها على الخنوع والتسليم بالأمر الواقع لكن طوفان الأقصى أحيت الآمال عند الأمة وكنست كل ثقافات الإحباط والانهزامية والتسليم بقدر العدو او هيمنته ووجوده وخنوع الأنظمة المطبعة له ولذلك فالأمة بعد عمليات طوفان الأقصى تكرست لها مفاهيم ان التطبيع مع العدو خيانة، وان التعاطي معه خيانة وخنوع وعمالة ، مقارنة بزمن ما قبل عمليات طوفان الأقصى، وذلك ما أكدته نتائج الاستطلاع الأخيرة، التي أجريت على عينات في شارع الأمة، فعلى سبيل المثال أظهر استطلاع أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى نتائج مثيرة حول آراء الشارع في مملكة آل سعود تجاه العدوان الصهيوني على غزة ، فبحسب هذا الاستطلاع فأن ٩٦ % من السعوديين يعتقدون ان الدول العربية يجب أن تقطع جميع علاقاتها مع اسرائيل احتجاجاً على الحرب في غزة. ووفقا للاستطلاع، أعرب 40%من السعوديين" عن تأييد حركة حماس في حربها ضد الاحتلال، بنسبة ارتفاع ۳۰% عن آخر استطلاع أجري قبل شهور، حيث كانت نسبة تأیید حماس لا تتجاوز 10% وتجدر الإشارة إلى أن المعهد ذكر أنه أجرى الاستطلاع على 1000 مواطن في المملكة السعودية في الفترة بين ١٤ نوفمبر إلى 7 ديسمبر ٢٠٢٣ ، الماضيين. أكثر من ذلك ان هذا الاستطلاع أظهر أن 87%من السعوديين قالوا ان الحرب أظهرت ان إسرائيل ضعيفة ومنقسمة داخليا بحيث يمكن هزيمتها في يوم من الأيام، كما قال 91% ان الحرب تعد انتصاراً للمقاومة الفلسطينية التي كسرت شوكة الاحتلال . ونوه المعهد الأمريكي إلى ان هذه النتائج تعد تغييرا كبيراً، لأنها جاءت رغم أن السعوديين أصبحوا أكثر توجيها من قبل السلطة في السنوات الثماني الماضية.
هذه المتغيرات هي التي جعلت النظام السعودي ينقلب على مواقفه السابقة، كما أنعكس ذلك في تصريحات تركي الفيصل ! ولكن هل هذا الانقلاب يعكس تغيراً جذريا جوهريا !؟ اعتقد أن هذا التغيير غير جوهري، انه انحناء مؤقت أمام عاصفة المتغيرات الجديدة التي أوجدتها عمليات طوفان الأقصى، فأل سعود يدركون أن الاستمرار في السباحة ضد تيار المتغيرات سوف تشكل خطراً على وجودهم ويمكن أن تؤدي بهم إلى الغرق لذلك سارعوا الى التحرك باتجاه هذا الموج الجارف.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق