حمد بن جاسم آل ثاني.. للسعوديين والإماراتيين.. لا تضيعوا الفرصة
[عبد العزيز المكي]
في تعليقه يوم 1/11/2019 على رسائل إيران للحوار مع دول الخليج العربية، أكد رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني، على ضرورة مناقشة الدعوة الإيرانية لهذه الدول للحوار، بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي تغريدات له على حسابه في موقع توتير، قال حمد بن جاسم: إن هناك فرصة قد لا تتكرر للحوار مع ايران واضاف ما نسمع ان هناك رسائل من إيران لدول المجلس لبدء حوار جاد تحت مظلة الأمم المتحدة، وأنا أعتقد أن هذه فرصة مهمة يجب مناقشتها بكل مسؤولية من دول المجلس، وأن يضع الطرفان على الطاولة كل مخاوفهم بشكل واضح للوصول إلى تفاهم واتفاق يُطبّع الوضع المتأزم في الخليج على الأقل من قبل أهله ".
وفي تغريدة أخرى قال حمد بن جاسم آل ثاني، المسؤول القطري السابق " وهذه فرصة قد لا تتكرر إذا تم الاتفاق بين إيران وأمريكا لأنها ستكون غير ضرورية لإيران " مشيراً إلى أنه " من المهم أن تكون هناك مسؤولية وتقدير موقف لهذا الوضع وعلى دول المجلس ألّا تبني سياساتها على الوضع الحالي بين أمريكا وإيران ".
يشار إلى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني تقدم إلى الدول الخليجية بمبادرة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة انعقادها الأخيرة وتقضي هذه المبادرة بالتعاون الأمني بين إيران وجاراتها الخليجيات لتأمين الملاحة البحرية بعيداً عن التدخلات الخارجية أو الاستعانة بها.. كما تقضي بتوقيع اتفاق أو عقد معاهدة عدم اعتداء أو تدخل في شؤون الآخر، بين إيران والدول الخليجية.. يضاف إلى ذلك أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف صرح الشهر الماضي، "بان بلاده مستعدة للدخول في حوار مع المملكة العربية السعودية مباشرة أو من خلال وسطاء". وأضاف في تصريحات صحفية، : " كنا دائماً على استعداد للحوار مع السعودية حول جميع القضايا، فالسعودية هي جارتنا وسنكون دوماً جنباً إلى جنب في هذه المنطقة إلى الأبد، لذلك ليس لدينا خيار سوى التحدث بعضنا مع بعض، نحن على استعداد للحوار مع السعودية مباشرة أو من خلال وسطاء". وحينها اعتبر أغلب الخبراء في المنطقة، وحتى بعض الخبراء في دول الغرب وأمريكا، أن هذه المبادرات والدعوات تشكل فرصة مهمة وممتازة لإنهاء التوتر في المنطقة، ولوضع حد للتصعيد بين إيران والسعودية.. غير أن هذه الأخيرة، وحليفاتها الخليجيات لم يتجاوبوا لحد الآن مع هذه المبادرات !! ومن هنا جاءت نصيحة حمد بن جاسم آل ثاني لأشقائه الخليجيين، ودعوته لهم للنظر إلى الوضع الحالي برؤية ثاقبة، وقراءة دقيقة، مذكراً إياهم، بأن تكون هذه الرؤية أو القراءة للوضع، مستندة إلى معرفة عدة أمور في غاية الأهمية من وجهة نظر الوزير القطري السابق، من هذه الأمور ما يلي:
يجب على الدول الخليجية العربية، لاسيما السعودية عدم الاطمئنان إلى الوضع الحالي، فالتغيّرات التي تشهدها المنطقة متسارعة، وقد يتفاهم الأمريكان مع الإيرانيين على حساب غياب أو حتى مصالح هذه الدول، فإذا توصل هذان الطرفان إلى تفاهم ثنائي، فإن الخسارة ستكون من نصيب السعودية وحليفاتها الذين يراهنون الآن على التصعيد مع إيران.
إن ما بين أمريكا وإيران، من الخلافات و من العداء، ومن الحرب الإعلامية والاقتصادية والموقف من الكيان الصهيوني، اكبر وأكثر بشكل واضح وجلي، مما بين إيران والدول الخليجية، فإذا كانت أمريكا رغم هذا الكم الهائل من الخلافات والعداء مع إيران، وهي تدعو إلى الحوار مع المسؤولين الإيرانيين، فمن باب أولى أن تبادر الدول الخليجية إلى محاورة إيران، ومكاشفتها حول مخاوف جيرانها الخليجيين وهواجسهم، مادامت إيران هي التي تطلب الحوار وهي صاحبة مبادرة عدم الاعتداء، فهذه فرصة لا تعوض، فلا مبرر ولا داعي لهذا العناد.
الأمر الآخر الذي أراد حمد بن جاسم آل ثاني التذكير به، هو أن إيران جار باقٍ والى الأبد، كما السعودية وحليفاتها جارات لإيران والى الأبد، هذا هو قدر المنطقة، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يستمر التوتر بين الجيران لأنه يدخل المنطقة في متاهات خطيرة، ويوفر فرص التدخل الخارجي الذي لا همّ له كما أثبت أحداث المنطقة في العشريات الماضية وحتى اليوم، انه لا يفكر إلا بمصالحه وحماية الكيان الصهيوني ولا يهمه، حتى لو احترقت هذه المنطقة وقتل نصف شعوبها أو شردوا، أو دمرت بلادهم والأمثلة كثيرة.
يبدو لي أن بن جاسم، حتى وان لم يعقل بشكل مباشر أو حتى يلمح تلميحاً، انه يريد إيصال رسالة إلى المعنيين بحديثه، أن خيار الحوار مع جارتنا إيران هو الخيار الوحيد والأمثل المتاح أمام السعودية وحليفاتها في ظل التطورات والوقائع التي تشهدها المنطقة أمنياً وعسكرياً وما إلى ذلك و منها ما يلي:
فشل النظام السعودي في أن يكون قائداً للعرب في مواجهة إيران، فمنذ مجيء بن سلمان إلى السلطة بعد صعود أبيه إلى عرش المملكة، تبنى سياسة أن تكون السعودية قائدة العرب والقوة المتقدمة في الخندق الأمريكي الصهيوني في مواجهة إيران ومحور المقاومة، وذلك بالتنسيق وبالتشجيع أيضاً من الحليفين الأمريكي والصهيوني، وهذه القضية باتت معروفة كشفها بن سلمان نفسه وكشفها إعلامه وسياسيوه في المملكة، كما كشفها الاميركان والصهاينة أنفسهم، وكانت الحرب على اليمن، هي انطلاقة للنظام السعودي لتبني هذا الدور وللاضطلاع به والذي يرجع إلى 2015 ويتابع الخطاب الإعلامي السعودي وكذلك الأمريكي الصهيوني، يتذكر كيف أن هذا الخطاب يصور لنا أن المملكة غادرت موقف السكوت والتفرج إلى التحرك على كل الأصعدة وقيادة المنطقة إلى التخلص من التحديات التي تواجهها ومنها " خطر التحدي الإيراني" بحسب زعم تلك الاوساط.
على أن الرياح سارت بما لا تشتهي سفن بن سلمان وأسياده فقد أثبت هذا المتهور فشلاً ذريعاً في سياساته، خصوصاً في العدوان على الشعب اليمني، فصمود هذا الشعب ومقاومته الباسلة دمر أحلام النظام السعودي وأسياده، بل بات يهدد بشكل جدي النظام السعودي وجوديا وجغرافياً بانتصاراته العسكرية المتلاحقة في جبهات القتال، وبضرباته التي اهتز لها كيان النظام و اقتصاده، سيما الضربات التي طالت مؤسسات ومنشآت شركة أرامكو العملاقة، وتحول هذا الفشل إلى غصة لبن سلمان ولحلفائه الاميركان وأشقائه الصهاينة حيث باتوا يتحدثون بصراحة في تصريحاتهم وفي وسائل إعلامهم عن الفشل السعودي، وعن الخطر الذي بات أنصار الله والجيش اليمني يشكلونه ليس على السعودية واستقرارها فحسب، بل وحتى على النظام الصهيوني، كما جاء ذلك قبل أيام على لسان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، عندما قال إن امتلاك أنصار الله لصواريخ كروز الدقيقة يشكل تهديداً لما أسماه الأمن الصهيوني، أما التعليقات الأمريكية لخبراء أمريكيين ولمحللين صحفيين فهي متواصلة حول الفشل السعودي في العدوان على اليمن، وحول حاجتها إلى المزيد من الحماية الأمريكية من خطر الحوثيين !
من الواضح أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لا يريدان الحوار بين السعودية وجارتها الفارسية، وهما يدفعان بالنظام السعودي إلى المزيد من التصعيد والعدائية لإيران، ومن شأن هذا التصعيد إذا استمر أن يؤدي الى المواجهة العسكرية في المنطقة برمتها، وبدون شك أن السعودية بعد تجربة العدوان على اليمن، ليس بمقدورها المواجهة مع إيران وحلفائها في لبنان والعراق وسوريا وحتى اليمن، فإذا هي أخفقت في القضاء على الحوثيين وهم لا يمتلكون السلاح المتطور الذي تمتلكه القوات السعودية، وأيضاً تتلقى الدعم من أميركا ودول الغرب والكيان الصهيوني، فكيف إذا تورطت مع إيران المسلحة بالأسلحة المتطورة والتي هي تصنعها، وتهابها أميركا القوة الكبرى، كما تجلى ذلك في امتناع الرئيس الأمريكي عن الرد على إسقاط إيران لطائرته المتطورة بدون طيار فوق مياه الخليج..
وإلى ذلك ، فإن كل من أمريكا و الكيان الصهيوني أعلنا صراحة، بعد ضرب منشآت آرامكو في بقيق وخريص، إنهما لا يدافعان عن السعودية إذا اشتعلت الحرب، وقالها ترامب بالفم الملئان، انه لا يحارب من أجل السعودية، رغم انه حلب الأخيرة التي وصفها بالبقرة الحلوب، المئات من المليارات من الدولارات !
وكذا الأمر بالنسبة للمسؤولين الصهاينة و وسائل إعلامهم فإنهم أيضاً أعلنوا صراحة إنهم لا يدخلون الحرب حماية لبن سلمان. ذلك رغم أنهم، والاميركان أيضاً ظلوا و مازالوا يحرضون السعودية على اتخاذ مواقف أشد من إيران ومحور المقاومة باتهام إيران بضرب منشآت بقيق وخريص، مرة، وباتهام الحشد الشعبي العراقي مرة أخرى. وكل ذلك يعني أن النظام السعودي إذا ظل سادراً على موقف التصعيد و التوتير في المنطقة، واشتعلت الحرب، فإنه سيظل وحده وستتركه أمريكا طعمة للصواريخ ونيران الحرب تلتهم الأخضر واليابس في هذا البلد وسقوط النظام لا محالة، والأمثلة كثيرة على خذلان الاميركان لعملائهم، فكانوا قد تخلوا عن عملائهم في فيتنام في حرب الستينات الفيتنامية، ففتك بهم ثوار الفيتكونك، وتخلوا عن عملائهم في لبنان في الثمانينات بعد تفجير مقر خبرائهم في بيروت وتخلوا عن الصوماليين، وتخلوا عن الشاه الإيراني وعن مبارك وبن علي.. لأن مصالحهم أهم من حماية العملاء، ولأن حماية الكيان الصهيوني هي الأولوية لهم، حتى ولو احترقت المنطقة، سيما وان تجزئة السعودية ومحاولة التخلص من وهابية نظام آل سعود والفكر التكفيري الخطير الذي تصدره هذه الوهابية للعالم، يشكل أولوية للنظام الأمريكي في المستقبل، صحيح أن الأميركان حالياً يستثمرون في هذا الفكر لإضعاف المسلمين وتجزئتهم والهيمنة عليهم، وتمكين العدو منهم، لكنهم في النهاية يفكرون في التخلص من هذه الوهابية بجدية، ويحاولون الآن من خلال تغيير المناهج الدراسية ومن خلال تشكيل ما يسمى بهيئة الترفيه، التمهيد لأضعاف والتخلص من الفكر التكفيري الوهابي لمملكة آل سعود.
ح- إن أي حرب، إذا نشبت في المنطقة، وبغض النظر، عن المنتصر فيها والمهزوم، فأنها ستؤدي إلى إلحاق أضرار جسمية بالبلدان المتحاربة، أي السعودية وحلفائها من الدول الخليجية وإيران، وستولد كوارث انسانية واقتصادية واجتماعية، سوف تعصف بشعوب المنطقة، من شأنها أن تترك مصائب ومعاناة لا يمكن لملمة جراحها إلا بعد عقود من الزمن، أي أن التنمية سوف تتعطل، و سوف تدمر البنية التحتية لهذه البلدان، وتفقد شعوبها ما بنته خلال المئة سنة الأخيرة، فضلاً عن فقدانها لشبابها وجيوشها، الذين يفترض أن يساهموا في تحرير الارض الفلسطينية والقدس من براثن الاحتلال الصهيوني. على العكس من ذلك، أن كل ما يلحق بالمنطقة من قتل وتدمير ذاتي يخدم الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكية، لأن العدو، من مبادئ وجوده واستمراره هو، استنزاف الأمة الإسلامية والقضاء على إسلامها وإيجاد الفرقة بينها ودفع دولها إلى الحروب بينها، لتهديم وتدمير صروحها بيدها ليبقى العدو هو السيد في المنطقة وهو المتحكم بشؤونها وبمجريات الأحداث فيها بما تقتضي مصلحة هذا العدو ومصالح اسياده الأميركان والغربيين، وحتى لو إفترضنا جزافاً، وهذا فرض خيالي، أن السعودية وحلفائها انتصروا في الحرب، فأن النظام السعودي لا تستقيم أموره مطلقاً لأنه كما قلنا أن الحروب تُنهك البلدان، وتضعف قبضة الأنظمة الدكتاتورية التسلطية العميقة على شاكلة النظام السعودي، مايوفر فرصة سانحة للشعب في الجزيرة والناقم والغاضب جداً على النظام، للخروج والانقضاض على هذا الأخير، كما حصل للنظام الصدامي عند ما هاجمته أمريكا في عام 2003، حيث تخلى عنه الشعب والجيش العراقيين ولم يدافعا عنه، فسقط بسهولة فاجأت حتى الاميركان أنفسهم.
د- إن استمرار التوتر بين إيران وجاراتها الخليجيات، وبالأخص الجارة السعودية، سوف يوفر لترامب و لباقي القوى الغربية والصهيونية، الفرصة المناسبة لابتزاز الدول الخليجية مالياً، بدفعها المليارات من الدولارات لقاء ما يعتبره ترامب الحماية الامريكية لهذه الأنظمة، وأيضاً بإرغامها أي هذه الأنظمة على عقد صفقات أسلحة بمئات المليارات من ألدولارات، مع مصانع الأسلحة في أمريكا أولا، وفي بريطانيا وباقي الدول الغربية ثانياً، كما يحصل اليوم، ومن المفارقة أن صفقات هذه الأسلحة الضخمة لم تمكن السعودية من الانتصار على الحوثيين، ولم تحمِ منشآتها النفطية ومطاراتها من ضربات أنصار الله بالصواريخ المجنحة (( كروز)) وبالطائرات المسيرة بدون طيار..
ولقد بات واضحاً للعيان، أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والدول الغربية يحاولون تضخيم " الخطر الإيراني " المزعوم على هذه الدول، من أجل تحويل إيران إلى " فزاعة" لإرعاب ولتخويف أنظمة وشعوب هذه الدول لدفعها إلى مزيد من الارتماء في أحضان أمريكا والغرب والكيان الصهيوني، والى عقد المزيد من صفقات الأسلحة معها !! وبالتالي فأن الحوار والتفاهم بين الدول الخليجية وإيران، سوف يقطع الطريق على هذا الابتزاز الأمريكي للدول الخليجية العربية ويبعدها عن كل التوترات المفتعلة من قبل القوى الخارجية الدخيلة.
هـ- والى ما تقدم، فأن تحالف العدوان السعودي على اليمن يشهد تفككاً وضعفاً فالإمارات أعلنت رسمياً انسحابها من قوات التحالف العدواني على اليمن بقيادة السعودية، رغم أنها دربت كما أعلن أنور قرقاوش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنها دربت أكثر من 90 ألف يمني جنوبي يمثلون مصالحها هناك.. كما أن بعض الأوساط الخبرية قالت إن الحكومة السودانية سحبت عشرة آلاف من قواتها في اليمن، فضلاً عن ذلك تفاقم الصراع بين مرتزقة السعودية و مرتزقة الإمارات في الجنوب، وكذلك الإشاعات المتواترة حول الخلاف المتزايد بين بن سلمان وبن زايد.. كل ذلك من شأنه، أن يجعل الانتصار السعودي في هذا العدوان ليس مستحيلاً وحسب، بل ويمكن أن يشكل تهديداً وكابوساً للنظام السعودي نفسه كما أشرنا..
على أي حال، نصيحة حمد بن جاسم آل ثاني للسعودية ولأخواتها الخليجيات تتأكد اليوم وتزداد أهمية، خاصة بعد ما ذكرت صحيفة " الجريدة الكويتية " في 2/11/2019، أن إيران وجهت في خطوة غير مسبوقة أول رسالة رسمية مكتوبة إلى السعودية والبحرين عبر الكويت، عرضت فيها مشروعها لتأمين الملاحة في مضيق هرمز وخطتها لتحقيق السلام مع جميع جيرانها في المنطقة.. فهل ستتجاوب هذه الدول و تجنح للحوار وتجنيب المنطقة بالتالي، التوتر والتدخلات الخارجية ؟
لننتظر ونرى ؟
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق