في تصريحاته الأخيرة... هل كان تركي الفيصل يعبر عن معاناة سعودية حقيقية من السيد الأمريكي!؟
[عبد العزيز المكي]
في تصريحاته الأخيرة، التي أدلى بها لصحيفة " عرب نيوز" السعودية الناطقة باللغة الانجليزية، عبر الفيديو، ونشرت في 9/5/2022، زعم تركي الفيصل ان النظام السعودي منزعج من الولايات المتحدة ويشعر بالإحباط منها، لأنها تركت هذا النظام لوحده في مواجهة " الحوثيين"، بحسب لفظه وقوله!!
و في هذا السياق قال رئيس المخابرات السعودية السابق والسفير الأسبق للسعودية في واشنطن وصاحب النفوذ القوي في مؤسسة ومنظومة النظام السعودي، سيما في الوقت الحاضر.." ان الرياض تشعر بان الولايات المتحدة خذلتها فيما يتعلق بالتعامل مع التهديدات التي يشعلها الحوثيون على المملكة والمنطقة بأسرها" وأضاف.." إن السعوديين كانوا يعتبرون هذه العلاقة استراتيجية لكنهم يشعرون بخيبة أمل في وقت كنا نعتقد إنه يجب أن تكون الولايات المتحدة والسعودية في مواجهة ما تعتبره خطراً مشتركاً لاستقرار وأمن المنطقة"!! واستطرد الفيصل قائلاً.. " كانت هناك أوقات صعود وهبوط خاصة منذ أن قال الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية انه سيجعل السعودية منبوذة" مشيراً الى " أنه فعلاً بدأ في تنفيذ ما قاله" بحسب زعمه!!
على ان اللافت في تصريحات تركي الفيصل الصديق الحميم وبطل تسويق التطبيع مع العدو الصهيوني، هاجم هذا الأخير مسجلاً موقفاً مثيراً، مما يعني ان هذه الالتفاتة الخاصة بالعدو كان مخططاً لها ومقصودة، " سؤالاً وإجابة"، لهدف في نفس "يعقوب" سنشير اليه بعد قليل، حيث قال الفيصل في هذا السياق في رده على سؤال حول ماذا كان يجب فرض عقوبات على العدو الصهيوني، أسوة بالعقوبات التي فرضت على موسكو بسبب عملياتها العسكرية في أوكرانيا... قال " بالطبع، فأني لا أرى الفرق بين الاثنين" وأضاف " العدوان، عدوان سواء ارتكبته روسيا أو إسرائيل"! وذهب إلى أكثر من ذلك في مهاجمة الكيان الغاصب قائلاً: " لم أرَ أي دليل على ذلك، فالشعب الفلسطيني لا يزال محتلاً، وتحصل الاعتداءات عليه بشكل يومي"!! وتابع في الهجوم قائلاً: " كما تتواصل سرقة الأراضي الفلسطينية من قبل " إسرائيل"، على الرغم من التأكيدات التي قدمتها " إسرائيل" للأطراف الموقعة على اتفاق السلام بين الأمارات العربية المتحدة و" إسرائيل"! بحسب قوله..
سنعود بإذن الله الى هذا الشق الثاني من تصريحات الفيصل الخاص بالموقف من العدو الصهيوني، ودعونا نتوقف مع الشق الأول الخاص بالموقف من الولايات المتحدة والعتب المشوب بالمرارة من موقف السيد الأمريكي من بقرته السعودية الحلوب، وتركها لوحدها في مواجهة مصيرها أمام الذباح اليمني!! فهل فعلاً ترك الأمريكي النظام السعودي بوحدة في مواجهة أنصار الله كما يزعم الفيصل، وكما يروج بعض الإعلام السعودي والغربي وحتى بعض الإعلام الأمريكي؟
الوقائع الميدانية تكذب هذه المزاعم جملة وتفصيلا، فالولايات المتحدة نزلت بكل ثقلها في المواجهة العسكرية مع أنصار الله، ففي معركة مأرب قبل الهدنة أشرفت باعتراف الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية والبريطانية وحتى الصهيونية، على سير المعارك، وقالت تلك الأوساط أن خبراء عسكريين أمريكيين وبريطانيين وصهاينة كانوا يقودون تلك المعارك مع أنصار الله، فضلا عن الدعم العسكري الأمريكي الصهيوني اللوجستي وغير اللوجستي لقوى العدوان السعودي في معاركها مع الجيش اليمني واللجان الشعبية، وهو الدعم الذي لا يزال متواصلاً منذ بدء العدوان في 2010م وحتى اليوم، وفي كل يوم يزداد هذا الدعم كماً ونوعاً!! وبعد تشكيل المجلس السياسي بقيادة العليمي وطرد هادي من منصبه جاءت أمريكا بقوة لها لتحتل المنطقة الحساسة في عدن بحجة حماية العليمي ومجلسه الجديد ونوابه السبعة، وفي 9/5/2022 دعمت هذه القوة بقوة مسلحة جديدة بحسب ما نقلت بعض المواقع الالكترونية اليمنية، التي قالت إن هذه الدفعة جاءت من القوات الأمريكية المتمركزة في مدينة المهرة اليمنية، وبعد ساعات من وصول ضباط أمريكيين إلى قصر المعاشيق في عدن! وبالإضافة إلى قيام السعودية بتمثيلية هزلية في سجن سيئون الذي يسيطر عليه مرتزقتها للإفراج عن قيادات القاعدة، والسماح لهم بالفرار الى مأرب للمشاركة في محاربة أنصار الله، بالإضافة إلى تلك الخطوة فأن بريطانيا هي الأخرى أرسلت قوات بحرية إلى عدن في إطار عسكرة السواحل والشواطئ والجزر اليمنية!! وجاء ذلك تزامناً مع تعزيز القوى الغربية تواجدها في المياه الإقليمية اليمنية، بعد إعلان أمريكا تشكيل قوة بحرية من 34 دوله بينها الكيان الصهيوني والسعودية والإمارات تحت مبررات حماية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وهذا ما أكدته القوات الغربية المشتركة في الخليج في تغريدة لها على حسابها الرسمي بتويتر يوم 20/4/2022، حيث أعلنت انه تم إرسال الفرقاطة البريطانية (تي23) إلى خليج عدن مؤكدة أن البارجة البريطانية باشرت عملها هناك.. وذلك في الوقت الذي يتواصل فيه تقاطر العشرات من الضباط والخبراء العسكريين والأمنيين الاميركان والصهاينة والبريطانيين على الجزر اليمنية والموانئ البحرية اليمنية أيضاً، سيما جزر سقطري، بعد استحداث الإمارات والسعودية فيها المطارات والمواقع العسكرية المستحكمة!! وهناك كلام كثير حول زيادة الدعم العسكري الأمريكي والبريطاني الصهيوني للسعودية وقوى العدوان ضد الشعب اليمني، لا يسع المجال لسرده، إنما بات واضحاً ومعروفاً وتناقلته وسائل الإعلام بشكل متواتر، وهذا ما يدحض إدعاءات تركي الفيصل المشار إليها، فأمريكا لم تتخل عن عميلها النظام السعودي ولم تخذله فيما يقوم بهذا العدوان نيابة عنها، فما ذكره الفيصل يتناقض مع ما ذكره دبلوماسيون غربيون من أن الولايات المتحدة زادت في الأشهر الأخيرة دعمها العسكري للسعودية، وهو دعم لم يتغيّر بتغير سيد البيت الأبيض، فقرار الحرب على اليمن كما قلنا قبل قليل، هو قرار أمريكي صهيوني بواجهة سعودية إماراتية! فهل يعني هذا الواقع ان تركي الفيصل لا يراه أو لا يعلم به؟ والجواب كلا،انه يعلم بذلك لكنه يغالط الحقيقة من أجل هدف كبير هو التمهيد وتعبيد الطريق لبن سلمان الإعلان التطبيع مع العدو الصهيوني، لأن بن سلمان بات أمام حاجة ماسة جداً للإقدام على هذه الخطوة على خلفية ثلاثة عوامل هي:-
1- حاجته الماسة لضمان توليه عرش المملكة بعد أبيه، والصهاينة يوحون إليه باستمرار ويرسلون له الرسائل المتكررة، بأنهم لا يمكنهم ضمان توليه العرش بإسكات المعارضين من الأميركان ما لم يقدم على خطوة لحد الآن، فالإدارة الأمريكية تواصل الضغط عليه وبتحريض خفي من قبل الصهاينة أنفسهم من أجل دفعه نحو الإقدام على إعلان التطبيع فبين الحين والآخر تسرب المؤسسات الأمريكية معلومات ووثائق توحي بمسؤولية بن سلمان عن مقتل خاشقجي، أو باقتراف جرائم بحق الناشطين والمعارضين وحتى ضد اليمنيين...فعلى سبيل المثال، أقرت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الأمريكي قبل أيام مشروع قانون " نوبيك" والذي يتيح برفع دعاوى قضائية ضد منتجي النفط في منظمة أوبك وحلفائها بدعوى التآمر لرفع أسعار النفط، وهو ما يشي بأن أمريكا قد تستخدم هذا القانون ضد بن سلمان.. ومثال آخر، ان موقع "بيزنس إنسايدر" الأمريكي نشر تقريراً جديداً لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، ترجمه " موقع الخليج الجديد" ونشر الترجمة في 6/5/2022، كشف هذا التقرير أو المذكرة التي أمر الرئيس جو بايدن برفع السرية عنها، أن الحكومة السعودية متورطة بشكل مباشر في هجمات11 سبتمبر/إيلول2001 والتي أسفرت من مقتل 3 آلاف شخص، واتهم أفراد من تنظيم القاعدة بتنفيذها.. وهذا يعني انه سيفتح الباب لمزيد من الابتزاز الأمريكي والضغط النفسي أيضاً للنظام السعودي، وبالتالي حمله على دفع أثمان مالية وسياسية وفي مقدمتها إعلان التطبيع مع العدو الصهيوني. وكإشارة أخيرة في هذا السياق نشر موقع السي أن أن مقالاً للدبلوماسي الأمريكي السابق آرون ديفيد ميلر تحدث فيه عن الآفاق المستقبلية بين واشنطن وولي العهد السعودي بن سلمان. وقال ميلر: انه " إذا أراد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التصالح مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، فأن على بايدن أن يقاوم الأغراء ويبطئ السير نحو أي مصالحة، وإذا كان هناك أي اعتذار، فيجب أن يتخذ بن سلمان الخطوة الأولى، وان يتأكد بايدن بأن نتائج هذه الخطوة كافية لضمان المصالحة".. وتلك إشارة واضحة وان غير مباشرة إلى أن المصالحة لا تكتمل ولا تتم إلا بإعلان التطبيع مع العدو الصهيوني!! وفي ثنايا المقال كان ميلر واضحاً في بيان هذه الحقيقة.
2- الضغوط الصهيونية، وهي مباشرة وتتم مرة بالابتزاز وبالتهديد المبطن لبن سلمان، ومرة بالإطراء على النظام السعودي وعلى ما يسميه العدو " المنافع" الجمة التي سيحصل عليها بن سلمان من إعلان التطبيع، ومنها إقناع العدو للامريكان بالسماح لبن سلمان بالوصول إلى العرش، وضغوط غير مباشرة عبر تجنيد اللوبي الصهيوني داخل المؤسسات الأمريكية وهو ما أشرنا إليه قبل قليل..
فعلى أثر كل هذه الضغوط يريد بن سلمان تهيئة الرأي العام في المملكة وخارجها كما أشرنا، لهذه الخطوة، فأنبرى تركي الفيصل المهندس الفعال مع زميله المسؤول السابق في المخابرات السعودية أنور عشقي، في تظهير التعاون والتنسيق الأمني والعسكري بين العدو والسعودية، وإخراج ذلك من السرية إلى العلنية، وفي تصريحاته الأخيرة يريد الانتقال بهذا التطبيع إلى مراحله النهائية بإعلان رسميته وفرضه كأمر واقع مفروغ منه!!
على أن بن فيصل كشف إلى جانب ذلك الكثير من الأمور المهمة، ومنها اعتراف النظام السعودي بأن العدوان على اليمن هو لمصلحة الولايات المتحدة، وكذلك اعتراف هذا النظام بهزيمته أمام أنصار الله، وأنهم قوة جبارة باتت تهدد مستقبل آل سعود والكيان الصهيوني في المنطقة.
نختتم هذه المقالة بالإشارة إلى أن تركي الفيصل بإطلاق التصريحات المتشددة نوعا ما ضد العدو، إنما للتغطية على محاولاته تسويق خطوة بن سلمان لإعلان التطبيع مع العدو، وتلك محاولة بائسة باتت هي الأخرى مكشوفة لدى الرأي العام داخل وخارج المملكة.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق