قمة الرياض الخضراء.. الرياض نحو التطبيع والدفع
[جمال حسن]
* جمال حسن
حطت طائرة إسرائيلية خاصة في العاصمة السعودية الرياض يوم الثلاثاء، وذلك بعد مكوثها لعدة ساعات في مطار العاصمة الأردنية عمّان. الطائرة من طراز "بومباردييه تشالنجر 604" كانت قد غادرت مطار بن غوريون الدولي الإسرائيلي.
وصول الطائرة الاسرائيلية هذه والتي ليست الأولى من نوعها، تزامن مع فعاليات قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر الدولية والتي انطلقت يوم الاثنين لمكافحة التغير المناخي والتصحر وحماية البيئة عبر خفض الانبعاثات الكربونية التي أعلن عنها محمد بن سلمان في آذار الماضي.
النظام السعودي أعلن أن الهدف من هذه القمة هو دعم جهود المجتمع الدولي في الإصحاح البيئي والمناخي لحماية كوكب الأرض والتوصل إلى توافق حول الإجراءات الكفيلة بتلبية الالتزامات البيئية المشتركة؛ فيما الحقيقة تحاكي أموراً اخرى.
وفي يوم بدء اعمال قمة السعودية الخضراء كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن وصول رحلة جوية مباشرة تل أبيب الرياض حيث هبطت الطائرة التي تحمل اسم "(A6-AIN) 737 VIP" في مطار بن غوريون، وفق صحيفة "جيروزاليم بوست" دون ذكر تفاصيل اخرى.
ويُذكر أنه في مايو/آيار عام 2015 أي بعد أشهر قلائل من اعتلاء سلمان العرش، هبطت طائرة ركاب سعودية في مطار "بن غوريون" بتل أبيب، وهي من طراز إيرباص A330، لم يعلن وقتها الأسباب الكامنة من وراء ذلك ومن كانت تقل، وماذا تم نقله من بلاد الذهب الأسود الى الكيان الاسرائيلي.
مصادر عربية وأجنبية تشارك في قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر الدولية كشفت من أن المباحثات الثنائية التي دارت بين ولي العهد السعودي والمبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط الذي شارك في القمة والقى كلمة فيها، دار بخصوص عملية التطبيع بين الكيانين السعودي والصهيوني.
وكان مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان قد أثار القضية خلال زيارته للرياض واجتماعه مع محمد بن سلمان الشهر الماضي، "عملية التطبيع" التي واجهت بقبول الأخير إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي مقابل تنفيذ شروط منها تحسين التعامل الأمريكي معه؛ وفقًا مصادر أمريكية وعربية مشاركة في المحادثات.
منذ إدارة ترامب والبيت الأبيض يسعى الى مهمته في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين دول مجلس التعاون والكيان الاسرائيلي حيث تمكن من إلحاق الإمارات والبحرين الى ركب الأردن ومصر والمغرب، وجعل من ذلك ورقة ضاغطة على النظام السعودي، التنفيذ مقابل الحماية.
وفي أبريل/ نيسان الماضي صرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود في واشنطن بعد لقائه نظيره الأمريكي أنطوني بلينكين، وفي مقابلة مع شبكة سي إن إن بالقول: إن اتفاق التطبيع بين المملكة والكيان الإسرائيلي سيفيد المنطقة، وأن التطبيع سيكون مفيدًا للغاية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية”.
لكن النظام السعودي لم يكتف بهذا الحجم من التصريحات بل ذهب الى أبعد من ذلك حيث دفع لسلطة الخرطوم العسكرية مليارات الدولارات للإنخراط في ركب التطبيع، بعد أن دفع الذيل خليفة بن سلمان الى ركوب موجة العار هذه الى جانب الحليف والمعلم الاماراتي.
وبعد أن تمكنت إدارة ترامب من استحلاب البقرة السعودية بتريلوني دولار عبر اتفاقيات بيع اسلحة خردة وأنظمة دفاعية قامت بسحبها في الآونة الأخيرة، وصكوك وسندات لدى الخزانة الأمريكية؛ جاء الآن دور الكيان الصهيوني ليأخذ نصيبه من الكعكة السعودية.
ووفق تقارير إستخباراتية أمريكية فأن تل أبيب تضغط كثيراً على إدارة بايدن لإتخاذ مواقف أكثر انتقاداً تجاه سلمان ونجله مقارنة بسلفه دونالد ترامب، حيث التركيز على حقوق الإنسان وأثارت قضية اغتيال المعارض جمال خاشقجي، مشيرة الى أن أي صفقة يجب أن تكون جزءًا من حزمة أكبر تشمل إجراءات إسرائيلية فيما يتعلق بالفلسطينيين.
وفي مفاجأة كبيرة أقدمت تل ابيب وعن طريق مدير عام إدارة الأملاك بوزارة الخارجية الإسرائيلية بإعداد مشروع قانون سيطرح على الكنيست في مارس/آذار المقبل يلزم الحكومة الإسرائيلية بمطالبة السلطات السعودية بدفع تعويضات قيمتها تتجاوز المائة مليار دولار مقابل أملاك اليهود في شبه الجزيرة العربية منذ عهد الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
والمشروع هذا الذي يعكف عليه حالياً كبار خبراء القانون الدولي والتاريخ والجغرافيا الإسرائيليين في جامعات بار إيلان وبئر السبع وتل أبيب والقدس وحيفا، يسعى لتجريم السعودية ومصر والمغرب بأكثر من 300 مليار دولار كتعويض عن ممتلكات اليهود التي زعموا انهم تركوها في هذه البلدان الثلاث- وفق إدعاء القائمين على المشروع؛ وذلك تمهيدا لوضعها علي مائدة المفاوضات الدولية في حالة الضغط على الكيان المحتل بحق العودة الفلسطينية.
ما نقله بعض الدبلوماسيين العرب والأجانب المشاركين في مؤتمر الرياض الأخضر، توحي الى أن حركة الطيران السرية التي شهدتها العاصمة السعودية تزامناً مع أعمال القمة الدولية هذه لها صلة قريبة بموضوعي التطبيع والغرامة، مشيرة الى أن رسائل حملها أحد كبار رجال الأعمال الاسرائيليين الى محمد بن سلمان خلال اليومين الماضيين بهذا الخصوص.
المصادر ذاتها كشفت أن الكثير مما أشترطه رجل الأعمال الإسرائيلي المقيم في الولايات المتحدة حاييم سبان، عراب التطبيع الاماراتي البحريني الاسرائيلي؛ قد واجه بموافقة ولي العهد السعودي مشروط بدعم تل أبيب في غلبته على خصومه داخل الأسرة الحاكمة وبلوغه العرش.
وكان سبان قد كشف قبل ذلك عن لقائه مع محمد بن سلمان قبل فترة في واشنطن بدعم وتنظيم وكالة المخابرات الأمريكية، مشيراً الى أنني "وجدت هناك رئيس المخابرات الأمريكية وغيره من الشخصيات الأمريكية. كل واشنطن حضرت تلك الاحتفالية"، منوها باستحقار أنه "ليس من المفهوم ضمنا أن يجالسه ولي العهد السعودي 4 ساعات، لكن في النهاية وصلنا لحظة الحقيقة وفهمت الثمن"؛ فما الذي دار بينهما حتى بات المقرب والموثق لدى نجل سلمان؟!.
على الصعيد ذاته نقلت وسائل إعلام إسرائيلية بأن شركات سعودية حكومية من مختلف القطاعات بدأت في الاستثمار داخل "إسرائيل"، مؤكدة أنه تم عقد اجتماعات في العاصمة البحرينية المنامة لبحث الموضوع؛ وهو ما تجلى الى الحقيقة بوضوح خلال قيام "سوفت بنك" المرتبط بالسعودية باستثمارات بكثافة في "إسرائيل".
في هذا الاطار أشار الكاتب في موقع "المونيتور" الأمريكي داني زاكِن، أن حجم استثمارات ""SoftBank سوفت بنك" المتعاون بشكل كبير مع صندوق السيادة السعودي الذي يقوده محمد بن سلمان، في شركات التكنولوجيا الفائقة (هايتِك) الإسرائيلية، بما في ذلك Any Vision وEToro وRedis Labs وTrax، وكذا في WeWork، الذي شارك في تأسيسه الإسرائيلي آدم نيومان.
من السذاجة أن نصدق أن ما يقوم به ولي عهد سلمان بجمع عدد من كبار المسؤولين الخليجين والعرب والأجانب في الرياض، يأتي بهدف دعم جهود المجتمع الدولي في الإصحاح البيئي والمناخي لحماية كوكب الأرض والتوصل الى توافق حول الإجراءات الكفيلة بتلبية الالتزامات البيئية المشتركة، المعلنة.
ففي الوقت ذاته نرى أن للنظام السعودي سجل أسود دموي كبير في مجال انتهاكات حقوق الانسان لم يمر يوماً علينا دون التعرض له في وسائل الاعلام العالمية والمنظمات الأممية، لكن دون جدوى حيث كل نظام مدعي للديمقراطية لا يبحث سوى عن مصالحه القومية في استحلاب البقرة السعودية، لذا نراه يلتزم الصمت بكل وقاحة.
ارسال التعليق