ماذا يريد بن سلمان من تعيين مستشار أمريكي له؟!
[من الصحافة]
منذ توليه ولاية العهد في 21 حزيران 2017 عودنا بن سلمان على المفاجآت، حتى أدركنا أن عنصر المفاجأة هو جزء من سلوكه، ولكن هل هذا الجزء مبني على علم ومعرفة كاملة بما يجري في محيطه أم أن الخوف والارتباك والقلق كان الهاجس الأساسي خلف هذه المفاجآت والقرارات الجريئة؟!.
قرار جديد ومفاجأة جديدة خرج علينا بها بن سلمان بتعيينه كلاوس كلاينفيلد، الرئيس التنفيذي السابق للعملاق الصناعي سيمنس ولشركة إنتاج الألومنيوم الضخمة ألكوا، مستشارا له، وذلك بحسب بيان رسمي سعودي يوم أمس الثلاثاء "3 يوليو/تموز 2018".
المستشار الجديد لولي العهد ليس بالبعيد كثيرا عن أجواء المملكة فقد منحه الأمير الشاب "الثقة" وسلمه الادارة التنفيذية لمشروع "نيوم"بملياراته الخمسمائة، (وهي منطقة أعمال يجري إنشاؤها على مساحة 26500 كيلومتر مربع في شمال غرب المملكة، لكنه سيحتفظ بموقعه في المجلس التأسيسي للمشروع)، بن سلمان كما ظهر لنا خلال مسيرته في العام الماضي، لا يثق بأحد ولديه "فوبيا" من كل ما حوله بما فيهم أقربائه الذين احتجز قسما منهم في فندق الريتز، حتى انه جلب 1000 جندي باكستاني للحماية الشخصية وغيرها من التفاصيل التي لاتنتهي حول "حمّى الخوف" المصاب بها ولي العهد، فكيف له ان يثق بهذا المستشار الجديد "الذي شهد عهده في جميع الشركات التي تولى مناصب فيها من المانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر عمليات فساد ورشاوى"، هل يكمن السر في تأثير ترامب السحري على ولي العهد، ورغبة الأخير بإظهار الثقة المطلقة بكل ما يتعلق بأمريكا على حساب أبناء البلد، وهل حقاً سيتمكن كلاوس كلاينفيلد من النجاح في تعزيز التنمية الاقتصادية والتقنية والمالية في المملكة العربية السعودية، كما سوقت له مصادر رسمية من داخل المملكة؟!.
فساد ورشاوى
كان يتولى المستشار الجديد لولي العهد في السابق منصب المدير التنفيذي في شركة كليمنس الإلكترونية الألمانية، وخلال ولايته حدثت واحدة من كبرى عمليات الفساد في التاريخ، بحسب "دويتشه فيله". كما جرى تغريم الشركة ملايين الدولارات.
ولم يتوقف الأمر عند هذا ففي العام 2008، رفع صندوق تقاعد عمال الحديد في ولاية هاواي بأمريكا قضية ضد مجلس إدارة شركة الألومنيوم الأمريكية (ألكوا) بتهمة رشوة مسؤولين في البحرين، للحصول على عقد تزويد الألومنيوم لشركة ألومنيوم البحرين (ألبا) على مدى العقد الماضي، وكان حينها كلاينفيلد الرئيس التنفيذي لهذه الشركة، وتم رفع دعوى قضائية ضده من قبل صندوق التقاعد.
كما كشفت صحف عالمية فضيحة فساد كبرى انفجرت عام 2006، تمثلت بتقديم "سيمنز" الألمانية أكثر من مليار دولار كرِشا لمسؤولين حكوميين في عدة دول، بهدف الفوز بعقود مشروعات على حساب الشركات المنافِسة، وفق تقرير نشره موقع "دويتشه فيله"، في عام 2008.
هذه الفضيحة أطاحت بالرئيس التنفيذي السابق كلاينفيلد، ورئيس المجلس الإشرافي السابق هاينريش فون بيرير، بحسب ما نشرته وكالة "رويترز" سابقاً، كما اضطرت "سيمنز" إلى فصل معظم أعضاء الإدارة العليا لديها.
وكان كلاينفيلد هدفاً لهجوم عنيف بتهمة التأخير في مواجهة هذه الفضائح، وفق ما أعلنته وكالة الأنباء الألمانية، في تقريرعام 2007، وفي عام 2008، أعلنت "سيمنز" في بيان، أنها ستدفع 1.3 مليار دولار؛ لتسوية التحقيقات في قضية الفساد الكبرى بأمريكا وألمانيا.
هذا ليس سوى غيض من فيض في سلسلة رشاوي وفساد المستشار الجديد لولي العهد، فهل ستتحمل المملكة ضغوطا اقتصادية أكبر من التي تمر بها في حال خذل كلاينفيلد بن سلمان ودمر أحلامه الاقتصادية؟!.
لماذا مستشار غربي؟!
لم يستطيع بن سلمان الارتقاء بالاقتصاد السعودي قيد أنملة، وما فعله خلال العام الفائت كان مجرد "وهم للانفتاح الاقتصادي والاجتماعي"، فلا الاقتصاد تحسّن ولا المجتمع شهد قفزات نوعية في الاصلاح والحريات كما كان يدّعي الأمير الشاب، بل على العكس زاد كم الاعتقالات بحق المدافعين عن حقوق الانسان في المملكة أضف إلى ذلك حملة الاعتقالات ضد الدعاة ورجال الدين والأمراء، هذين الأمرين بالإضافة إلى غرق بن سلمان في مستنقع الحروب عديمة الجدى مع جيرانه، ادت إلى هروب المستثمرين الأجانب وانخفض حجم الاستثمار على اثرها، فهل سيتمكن السيد كلاينفيلد من حل هذه العقدة، وتحسين اقتصاد المملكة؟ّ!.
اليوم العلاقة مع الأمريكي لم تعد تُبنى على أساس "النفط مقابل الحماية" لأن عهد الطفرة النفطية ولى إلى غير رجعة، في ظل تصدّر الولايات المتحدة قائمة الدولة المنتجة للنفط على مستوى العالم مُتقدِّمةً على روسيا والسعودية، فضلا عن كون مستقبل إنتاج النفط الصخري سوف يطيح ثوابت سوقية، ومن المرشح وصول الولايات المتحدة إلى الاكتفاء الذاتي من النفط في غضون سنوات قليلة.
إذن العلاقة اليوم لا يمكن أن تستمر على هذا الأساس، لذلك على السعودية أن تستعد في الحقبة القادمة لنوع جديد من العلاقة مع الأمريكي سيكون لها أوجه عديدة، وفي حال لم يتمكن بن سلمان من تطوير الصناعات غير نفطية خلال العقد القادم، لن تبقى العلاقة كماهي، فالذهب الأسود لم يعد يكفي لإقناع الأمريكي بتقديم الحماية.
ارسال التعليق