ما وراء الطبخة البريطانية الأمريكية الجديدة للعرش السعودي
[حسن العمري]
بقلم: جمال حسن كشفت مصادر مقربة من القرار في لندن أن اتصالاً هاتفياً جرى بين رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد عودة موفدي العاصمتين السرّيين الى الرياض، تمت خلاله الإعداد لطبخة جديدة لحماية العرش السعودي ربما تشمل عزل محمد بن سلمان لتهوره في اتخاذ القرارات التي أساءت للمملكة وصورتها الخارجية، وتعيين أحمد بن عبد العزيز شقيق سلمان ولياً للعهد.
ونقلت مصادر المخابرات الغربية أن تاريخ السعودية لم يشهد من قبل كل هذا التخبط والتهور بعمليات خطف وإغتيالات طالت الكثير من المعارضين حتى أمراء ومنهم سلطان بن تركي على مرحلين 2003 و2016 من اوروبا، وتركي بن بندر في 2015 بتواطئ من السلطات المغربية التي أعترفت بالأمر قبل أيام، وكذلك سعود بن سيف النصر الذي غابت أخباره عام 2014؛ ولم تقتصر "دبلوماسية الخطف" السعودية على مواطنيها بل تخطت ذلك منها تسليم سياسيين ليبيين قدموا للمملكة لأداء مناسك العمرة الى قوات خليفة حفتر، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ثلاثة اسابيع في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وإجباره على تقديم استقالته، قبل أن تتدخل فرنسا لإطلاق سراحه؛ وغيرهم.
ويقول مراقبون أن تملق محمد بن سلمان للرئيس الأمريكي ترامب خلال حديثه مع "بلومبيرغ" بأنه "يجب تقبل المديح والنقد من الأصدقاء"، وأن علاقة عمل جيدة ومميزة تربطنا بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأنا أحب العمل معه ولدينا استثمارات ضخمة بين البلدين ولدينا تحسن جيد في تجارتنا والكثير من الإنجازات وهذا رائع حقا، لن يجديه نفعاً سوى أنه تم إتخاذ القرار بإبعاد شبهة قتله خاشقجي، فيما دعا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام المقرب من ترامب، الى إقصاء محمد بن سلمان، وقال: "هذا الرجل مدمّر.. السعودية ارتكبت القتل على مرأى منا.. إنهم لا يُضمرون لنا سوى الازدراء.. لا بد لولي العهد السعودي من الرحيل.. سنفرض عقوبات قصوى على السعودية داخل الكونغرس".
وقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤول أميركي رافق صهر ترامب جاريد كوشنر في زيارته السرية للرياض قبل يومين، أن سلمان طلب من ترامب حماية نجله محمد بأي ثمن وأنه مستعد للدفع رغم أن معلومات استخبارية تؤكد أن ولي العهد هو من أمر بقتل خاشقجي، وستعلن الرياض إن العملية التي استهدفت خاشقجي في القنصلية بإسطنبول سارت على نحو خاطئ وأنه قتل بالخطأ خلال التحقيق معه في إطار عملية أمر بها المسؤول المخابراتي، فيما ولي العهد كان قد وافق على عملية تشمل التحقيق مع خاشقجي وإذا اقتضى الأمر جلبه بالإكراه، لكن متولي الأمر "ذهب بعيدا" متجاوزا الخطة الأصلية بهدف إثبات كفاءته.
ومن هذا المنطلق بدأ الرئيس الأمريكي إثارة احتمال أن يكون "قتلة مارقين" هم من قاموا بتصفية خاشقجي لتهدئة الكونغرس الذي يريد فرض عقوبات على الرياض، وقد جوبهت تصريحاته الهزيلة بانتقادات شديدة في الولايات المتحدة، مع تسارع ردود الفعل الدولية بدفع دوائر صنع القرار الأمريكي لاتخاذ قرار بمنع "الحصان الرابح" الذي لطالما راهن عليه ترامب وصهره كوشنر، من تولّيه السلطة خلفاً لوالده والتخلص منه وإنهائه سياسيّاً؛ بعد أن تسبّبت سياساته الداخلية والخارجية بإدخال بلاده والمنطقة في سلسلة من الأزمات غير المسبوقة، مع تصاعد حالة الغضب والسخط الشديدين في الوسط العائلي ضده أكثر من ذي قبل ما يوحي التحضير لأمر كبير خلال الفترة المقبلة، قد يصل الى الاصطفاف خلف شخصيّة توافقيّة ودعمها للقيام بتحرّك مدروس ضدّ الملك سلمان وأبنه.
وبحسب تقارير الاستخبارات الغربية فإن هناك مساعي حثيثة داخل الأسرة السعودية لإقناع "أحمد بن عبد العزيز" المقيم في لندن بالتحرّك دولياً وقبول مقترحات بعض الجهات الغربية ليكون البديل المحتمل للملك المخرف العاجز عن إدارة مقاليد المملكة، خاصة وأنه يتمتّع بعلاقات قويّة جدّاً مع مسؤولين نافذين داخل الإدارتين الأمريكية والبريطانية، ويدعمه عبد العزيز بن عبد الله والأمراء الذين رفضوا قرار "هيئة البيعة" بدعم محمد بن سلمان لإعتلاء السلطة.
البعض يرى أن إعلان سلمان بإجراء تحقيق داخلي والتعاون مع السلطات التركية للتحقيق في قتل خاشقجي هو "اعتراف" واضح بتورط نجله رسمياً بالجريمة، المتزامنة مع تصريحات ترامب بأن "عناصر غير منضبطة" وراء عملية قتل خاشقجي، وإن الملك ونجله أكدا له عدم علمهما بالقضية؛ ما يعني وجود طبخة وصفقة رباعية أمريكية بريطانية تركية سعودية للخروج من المأزق بتقديم "كبش فداء" على مستوى رفيع مقرب من البلاط لإغلاق الملف الى الأبد، ما دفع بأبناء خاشقجي للمطالبة بتحقيق دولي مستقل بقضية قتل والدهم بأمر من ولي العهد.
وقد سخر الكثير من السياسيين الأمريكيين من تبريرات ترامب ونفي سلمان ونجله معرفتهما بما جرى للصحفي خاشقجي، وقال روبرت جوردان السفير الأمريكي السابق لدى الرياض لشبكة "سي أن أن" الأمريكية: لقد "بدا لي وكأن قتلة مارقين هم من قاموا بالأمر" في إشارة منه لسلمان ونجله، أما السيناتور تيد ليو فقال: "عزيزي ترامب عليك أن تحصل على إحاطة من وزارة الخارجية بأن القتلة المارقين لا يتجولون حول وداخل أي سفارة". فيما علق المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" على حديث ترامب عن "قتلة مارقين" بالقول: "15 شخصاً يحضرون على متن طائرتين خاصتين يدخلون القنصلية وبيت القنصل خلال تواجد جمال خاشقجي في القنصلية ثم يقول قتلة مارقين"؟!.
هذا وأشارت وسائل اعلام أمريكية تقول أن سياسة محمد بن سلمان زادت من هشاشة المملكة وكراهيتها في العالم، وكتب الخبير الأمريكي الشهير بروس ريدل على موقع المانيتور يقول: ان استقرار الأوضاع في السعودية يزداد هشاشة، فكفاءة محمد بن سلمان موضع "شك أكثر فاكثر"، ويملك سجلاً حافلاً بإتخاذ قرارات داخلية وإقليمية متهورة، ما "سيضع مستقبل السعودية موضع تساؤل"، وصحيفة "الأندبيندنت" البريطانية كشفت النقاب عن قيام مسؤولين بريطانين بوضع قائمة مقترحة من مسؤولين أمنيين وحكوميين سعوديين على لائحة العقوبات.
أما ريتشارد سبينسر فقد كتبت في التايمز البريطانية، "آن الآوان لعزل محمد بن سلمان.. لم يصل غضب الغرب إزاء سياسات السعودية من قبل لمثل ما حدث في حالة خاشقجي"، فقد كان مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي من أوائل من طالبوا الرياض بإجابات، كما دعا الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ لفرض عقوبات، وبدأت مؤسسات كبرى في الانسحاب من مؤتمر استثماري، والجميع يريدون إجابات من رجل واحد وهو ولي العهد السعودي.
في وقت كتب الصحفي والكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست موقع ميدل إيست آي البريطاني ابن سلمان بالعمل على "إسكات جمال خاشقجي"، وقال: "ما من شك في أن ما يفعله محمد بن سلمان صادم، ولكنه بصدماته تلك لا يعالج. بل هو شخص حقود، يندفع برغبة جامحة في الانتقام".
وحذّر مسؤولون ومعلقون إسرائيليون من تداعيات كارثية على مصالح إسرائيل الاستراتيجية، حيث رأى المُستشرِق الإسرائيليّ البروفيسور إيال زيسر في مقالٍ نشره بصحيفة (يسرائيل هايوم) المقربة من نتنياهو، أنّ عملية “اغتيال” الخاشقجي، جعلت من المملكة بمثابة “الولد الشرّير” في منطقة الشرق الأوسط، لافتًا في الوقت عينه الى أنّ "هذا الأمر سبب خيبة أملٍ من محمد بن سلمان، في كلٍّ من واشنطن وتل أبيب".
ارسال التعليق