ما يدور في القصور الملكية ينبئ عن قرب انقلاب جديد
[حسن العمري]
* حسن العمري
قرناً من الزمن والأسرة السعودية الجاثمة على شبه الجزيرة العربية حكمها قائم على البلطجية والحقد والكراهية والسفك والدمار والتنكيل بالمسلمين فاستبيحت المحارم وسفكت الدماء واهينت المقدسات وكُفِّر المسلمون وعطلت شعائر الإسلام وحرموا الشعب من خيرات البترول بل حرموا المسلم من أبسط ما يتمتع به الإنسان من كرامة بل من أبسط الحريات.. فلا حرية للمعتقد ولا حرية للعبادة ولا حرية للقول ولا حرية للكلام، فالكتب والصحف محظورة إلا ما يمجدهم ويبيح جورهم ونفاقهم وجبروتهم ويبرر طغيانهم ملبساً ذلك حلّة دينية مزيفة، بينما تحرق كتب الإسلام الصحيح وتمزق أسفار الدين القويم.
"لسنوات عديدة كنا ندعم السعودية، حليفتنا الاستثنائية، المشكلة الوحيدة هي ان الاشخاص الذين يحكمون هذا البلد هم بلطجية سفاحون قتلة" - بيرني ساندرز في حديثه لقناة سي سي ان الأميركية، وصف كامل لنهج سلطة آل سعود على بلاد الحرمين الشريفين، وليس على المستوى الداخلي أو الأقليمي أو الدولي فقط بل حتى في داخلهم الأسري حيث الأمور تسير على قاعدة "أن المُلك عقيم ولو نازعتني أنت على الحكم لأخذت الذي فيه عيناك" – من قول الخليفة العباسي لولده المأمون، متخذاً أبن الخيزران سياسة والدته التي أوصلته للسلطة بعد أن قتلت أبنها الهادي وتنصيب هارون على عرش الخلافة العباسية - الطبري في كتابه "تاريخ الأمم والملوك".
الوضع الراكن في القصور الملكية بات غامضاً ومخوفاً متزلزلاً للحاكم والمعارض، فكلاهما يسعى لوضع قطع البازل لصالحه بين التحكم بأركان السلطة من جميع المناحي ويتفنن في إخراج المشهد ظاهرياً بصورة تحفظ البعض المفقود داخلياً وخارجياً، فكانت النتيجة أنه لم يصدقها ولم يتعامل معها لا القريب ولا البعيد حتى هو ذاته ما يدلل على الكم الهائل من "السخف السياسي" الذي يلم به القابض على زمام الأمور؛ فيما الشق الآخر الذي أبعد عن السلطة وفقد تأثيره عليها يفكر بمخرجات تنقذه ومن معه بالتعاون مع ما تبقى له من "حصان طروادة" في المؤسسات الحكومية ومساعدة الاسياد الغربيين للعودة الى السيادة والريادة والانتقام.
الانقلابات الستة التي شهدتها بلاد الحرمين الشريفين خلال العهد السلماني تنبئ بما هو أسوأ في المستقبل القريب ربما تصل الدماء الى الركب في القصور الملكية خاصة وأن كلا الطرفين قد شحدا سيوفهما على بعضهما البعض ولم يتوان أبو منشار من إستهداف أقرب المقربين له، حيث صوب سهمه الأول على والدته التي كانت تحذره منذ البداية من سياسة الطيش والتفرد بالسلطة والإطاحة بأفراد الأسرة الحاكمة ما أثار غضبه عليها فتركها في احد القصور، لكونه يعرف خوفها عليه من نفسه ، ومدى تأثيرها على والده - وفق تقرير للمخابرات الأمريكية أعده 14 مسؤولا أميركيا رفيعاً.
والده سلمان هو الآخر تمكن من فرض إرادته عليه بحصاره برجال يأتمنهم ويعتمد عليهم بعد أن أزاح حارسه الشخصي اللواء عبد العزيز الفغم في فبركة هزيلة في 29 سبتمبر/أيلول 2018 والتي اعلنت الشرطة وقتها أن المغدور قتل باطلاق النار من قبل أحد أصدقائه يدعى ممدوح آل علي بجدة والذي كان في ضيافته ببيته في جدة بعد أن تطور الحديث فيما بينهما، فخرج بن علي من المنزل وعاد وبحوزته سلاح ناري وأطلق النار على اللواء الفغم واصابة آخرين وفق تصريحات قوات الأمن السعودية التي اعلنت انها تدخلت فوراً وقتلت الجاني في المكان، وقد تزامن هذا الحدث مع حادثة "ريتز كارلتون".
"السجن الذهبي" الذي شهد اعتقال عشرات الأمراء والعديد من كبار رجال الأعمال بذريعة "مكافحة الفساد" لكونهم من المعارضين لاعتلاء محمد بن سلمان العرش، هو الآخر شهد فضيحة مقتل اللواء علي القحطاني في الاستخبارات العسكرية السعودية كان من المقربين الى سلمان، تحت التعذيب المبرح حيث كانت آثار التعذيب واضحة على جثتة التي رآها بعض أقرباء المعتقلين وأطباء زاروا المعتقلين وبعض المسؤولين في السفارة الأمريكية في الرياض ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نقلاً عنهم، ولم يشير الأخبار الرسمية للاعلام السعودي أي ذكر لاسمه لا من قريب ولا من بعيد ضمن من أجبروا على توقيع مستندات تتضمن التنازل عن أموال طائلة في فندق "ريتز كارلتون" عام 2018.
اختفاء مسؤولين سعوديين مقربين من البلاط لن يتوقف عند هذا الحد لدى نجل سلمان الذي يعتبر ذلك لعبة يتسلى بها خاصة وانه يعرف أن لا أحد يجرأ على محاسبته أو ملاحقته لسبب هذه الأمور وما عملية تقطيع الصحفي جمال خاشقجي في السفارة السعودية بإسطنبول الا عربون جس النبض على المستوى الداخلي والخارجي لطي هذه المسيرة المريبة لأعضاء الأسرة الحاكمة والمقربين منهم وكذا المعارضة الناشطة في خارج البلاد، حيث المتواجدين في الداخل كلهم أضحوا وراء القضبان لايعرف عنهم شيء، يعلن عن موت أحدهم في السجون بين الحين والآخر دون معرفة الأسباب الحقيقة كما جرى للواء محمد الأسمري أحد أبرز القادة الأمنيين السعوديين والذي أعلن عن وفاته في ظروف غامضة نهاية العام الماضي، بعد أن أمر ولي العهد باحتجازه والتحقيق معه وتعذيبه.
كتب ابن منظور في معجم لسان العرب: "ويُقال: المِلك عقيم لا ينفع فيه نسب لأن الأب يقتل ابنه على المُلك. وقال ثعلب: معناه أنه يقتل أباه وأخاه وعمه في ذلك. والعقم: القطع، ومنه قيل: المُلك عقيم لأنه تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق"..
فيما يشير المراقبون وبعض قادة المعارضة في خارج البلاد: إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يقف وراء الهجمات السرية التي تستهدف منتقدي النظام الحاكم، وأن استهدافه لمعارضيه بات يجري بشكل علني، وباتوا تحت نظر أزلام ومرتزقة "بن سلمان" و"فرقة النمور" التي شكلها لتصفية معارضية، فهم مراقبون عبر هواتفهم النقالة.
مسلسل الاعتقال والاقامة الجبرية الذي طال أبناء عبد العزيز من مقرن وحتى أحمد وكذا أحفاده مثل محمد بن نايف وأبناء عبد الله وغيرهم، لن يتوقف عند هذا الحد من قبل القابض على السلطة بكل جوانبها والذي بات يخاف حتى من ظله ليل نهار وينبئ عن حصول صراعات دامية عما قريب في داخل القصور الملكية بإشراف وتوصية من المعلم بن زايد من جهة والحليف الأمريكي من جهة اخرى لبلوغ الهدف المرجو، وأمر نجل سلمان بمنع أخيه سلطان بن سلمان من السفر قبل أيام يدخل في هذا الإطار والذي شدد الإرتباك في داخل الأسرة الحاكمة خلال الأيام الماضية وزاد من مخاوف "حمام الدم".
"بندر بن سلمان" الشقيق الآخر لولي العهد كان أول المستهدفين بسهام بغض وحقد "المدلل" منذ اعتلاء الأخير السلطة حيث تم اعتقاله قبل سنوات لسبب شك أخيه محمد بضلوعه في مؤامرة تستهدف الانقلاب عليه، وتم حجزه لفترة طويلة في سجن انفرادي ثم أمر بنقله الى مزرعة في طريق الخرج مع عدد من الحرس والمرافقين، وقد تسبب سوء معاملته بداية الاعتقال في تدميره عقليا ونفسيا، لكن محمد بن سلمان ينشر في أوساط العائلة أن سبب اعتقاله هو مبالغته في المخدرات". لكن الخبير الإسرائيلي "آساف غيبور" كشف في تقريره بصحيفة "ميكور ريشون"، أن "بن سلمان تعرض لمحاولة اغتيال، وأصدر قرارا باعتقال شقيقه بندر بن سلمان، في أعقاب ضنه التورط بهذه المحاولة".
الاستخبارات الأمريكية أفصحت مؤخراً من أن "ابن سلمان" شكل وحدة أمنية تحمل اسم قوة التدخل السريع، مكونة من عناصر أمنية جديدة، تم انتخابهم بعناية فائقة، وخاضوا تدريبات مكثفة وهدفها الأساسي توفير الحماية الأمنية اللازمة لولي العهد، والقوة تعمل على إبعاد أي مخاطر تحيط بالأمير من داخل الدولة وخارجها، على اعتبار أن هناك قناعة بأنه محاط بسلسلة تهديدات، حتى من دائرته العائلية الضيقة، وقد يأتيه الخطر من الضباط والحراس المرافقين له.
ارسال التعليق