محمد بن سلمان وسباق الزمن نحو التوتاليتارية
[حسن العمري]
* حسن العمري
الحقائق على أرض الواقع تشير الى حجم استبداد محمد بن سلمان الكبير لفرض سلطته دون منازع منذ تولي والده المصاب بمرض الزهايمر العضال السلطة في 2015، حيث عينه على احتكار جميع مناحي السلطة بكل شقوقها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية مستخدماً بذلك سياسة "الجزرة والعصا" مع ذوي النفوس الضعيفة من أفراد الأسرة الحاكمة ومن حوالي البلاط من جهة، ومع من يرفض تهوره وسطوته على أمور البلاد بفرضه حكم الفرد الواحد حتى وإن كان أخاه أو عمه أو ابناء عمومته أو حتى والدته ومدينة "نيوم" وفندق "ريتز كارلتون" والقصور الملكية في جدة والرياض تشهد ذلك.
توصف السلطة الشاملة أو جوهر الفلسفة الفاشية بالتوتاليتارية (Totalitas) والتي ظهرت بشكل واضح في أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين كحكم هتلر في المانيا وموسوليني في ايطاليا وستالين في روسيا، أي نظام الشخص الواحد الذي يقف فوق الأمة؛ مستوعباً الأفراد برعب أو تطميع، ومسيطراً على المجتمع إرهاباً وقمعاً، ساعياً بعد ذلك الى توسيع نفوذه الى ما وراء حدود البلد الذي يحكمه.. حركة سلطة فردية مهيمنة على جميع مناحي البلاد ومقدراته دون منازع باستخدام أساليب دعائية كاذبة ملونة ساعية الى إبعاد شبهت الشر والديكتاتورية من الحاكم المتفرعن تحت يافطة الوطنية والتطور والتقدم والقوة والأفضلية - من كتاب "أسس التوتاليتارية" للفيلسوفة الألمانية - الأمريكية "حنة أرندت" بتصرف.
تجاوز محمد بن سلمان كل أطر الأسرة الحاكمة وكل القوانين التي حكم بها آل سعود طيلة القرن الماضي البلاد، ورغم عدم توليه أي جهة حكومية عليا قبل 2015، لكن قربه من والده وعمله مستشارا له حين كان أميرا لمنطقة الرياض، مكّنه من العبور بسهولة دائرة الحكم والنفوذ بتولي والده السلطة جاعلاً من الأب حصان طروادة نحو بلوغ مبتغاه بتقليص نفوذ كل أمراء الأسرة الحاكمة رويداً رويدا بانقلابات والده الخمسة، بدءً من خلع عمه مقرن من ولاية العهد تحت سيف الدعوة العائلية في مساء 29 أبريل/نيسان 2015 بجدة وحتى اعتقال عمه أحمد وفرض الإقامة الجبرية عليه قبل عامين، بعد أن تمكن من عزل أبن عمه محمد بن نايف من ولاية العهد بخدعة قذرة في 2017 ليتولى هو المنصب.
ترى أرندت في "رجل السلطة"هو ذلك الرجل الذي يعاني من الانعزال والوحدة والبعد عن السياسة، شخصية مرشحة بقوة لرفع شعارات تؤدي الى تصدع وتشقق المجتمع تحت شعارات "الوطنية المتشددة المتسمة بالعنف الشديد"؛ ثم تشرح الكيفية التي يتم بها اجتذاب الجماهير الساذجة والعامة الى دعم هذه الشخصية الديكتاتورية، مؤكدة أن السبل والطرق البعيدة عن الأخلاق تلك التي يتخذها الحاكم المنفرد بالسلطة لها مفعول السحر على الدهماء والعامة، لأنها تُثير إعجابهم وإفتتانهم به، ولذلك فإن الجمهور يتعاطف معه مهما كان حجم بطشه وعنفه ضد أعدائه.. بل وتذهب "أرندت " الى أن ذلك التعاطف يظل باقياً حتى ولو قام الحاكم المتفرعن بتوجيه بطشه تجاه الجمهور نفسه أو حتى أقرب المحيطين به.
تجاوز نجل سلمان المدلل كل أعراف الأسرة ونظام حكمها الأساسي الذي ينص على أن “يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكا ووليا للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس”؛ ليسارع فور بلوغه السلطة الى ترتيب أوراقه وتوسيع سلطته وتجميع خيوط إدارة الدولة بقبضته مقابل تقليص سلطات منافسيه وإبعادهم، بدأ من تعيينه من قبل والده وزيراً للدفاع ورئيسا للديوان الملكي ومستشارا خاصا للملك في آنِ واحد، ثم وليا لولي العهد ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء مع الاحتفاظ بمنصب وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، لتكتمل سلطته نحو "التوتاليتارية" بشكل تام.
"أحمد بن عبد العزيز، متعب بن عبد الله، محمد بن نايف، خالد بن سلطان، مقرن بن عبد العزيز وخالد بن بندر" وعشرات الأمراء الآخرين الذين أبعدهم "بن سلمان" من السلطة عنوة وأسكتهم تحت حدّ السيف، الى جانب آلاف النشطاء والعلماء والمفكرين والباحثين والدعاة الذين زجوا في سجون مظلمة لا يعرف مصير الكثير منهم حتى الآن؛ كل ذلك خلال السنوات الخمسة الماضية في ظاهرة لم تشهدها المملكة من قبل، متجاهلاً كل نداءات وطلبات المنظمات الدولية لحقوق الانسان ودعوات الحكومات حتى الحليفة، منفلتاً اخلاقياً ومتهوراً سياسياً وغادراً حتى لأقرب حلفائه، وضارباً كل القرارات الأسرية والدولية عرض الحائط، همه الوحيد فرض القبضة الحديدة على رقاب الشعب .
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وفي تقرير لها كتبه الباحث بمركز كارنيغي للشرق الأوسط يزيد صايغ، تقول: "لا يبدو نجل سلمان أنه في وارد تسليم أو حتى تقاسم السلطة مع أحد من أبناء الأسرة الحاكمة، وهو الذي ما فتئ يزيح كل من يمكن أن يمثل له تهديدا أو عائقا في الطريق الى قصر اليمامة إضافة الى تجمع كل خيوط الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادي بيده.. العائلة المالكة أجبرت على الإذعان، أو هي على الأقل مستسلمة تماما، ولم تعد قادرة على الالتفاف حول شخصية متهورة تقبض بزمام أمور البلاد وحدها.. لقد فات الأوان كثيرا، حيث تفككت الكثير من سلطاتهم المؤسسية وضعفت كذلك".
أقدم "بن سلمان" على توجيه ضربة قاضية لعماد سلطة آل سعود على الجزيرة العربية أي المؤسسة الدينية بقيادة آل الشيخ بتقليص صلاحيات ما تسمى هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، هؤلاء "المطاوعة" الذين كانوا على الدوام عماد سلطة الأسرة الحاكمة بيافطة الدين المزيف في كافة أطوارها ومراحلها التاريخية منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، حتى ذهب الى إلغاء دور الهيئة بالكلية، بالتوازي مع إنشاء "الهيئة العامة للترفيه" والتي أُنشئت في إطار رؤيته "2030"، لتقيم الحفلات الغنائية الراقصة والماجنة ومسرحيات دعارة مختلطة في بلاد الحرمين الشريفين التي عُرفت برمزيتها الإسلامية وحافظة على الدوام على الآداب العامة والأخلاق، لتذهب نحو فساد اخلاقي بشع يقوده رئيس الهيئة تركي آل الشيخ.
عمل الفيلسوف الألماني "كارل فريدريش" على صياغة مفهوم حديث للتوتاليتارية، فوضع مجموعة من السمات المميزة لجوهر النموذج التوتالياري، وهي:
أولا: لنظام الحكم هذا أيديولوجيا رسمية موحدة؛ وعلى كل من يعيش في هذا المجتمع تحت حكم هذه الدولة أن يخضع لها.
ثانيا: للسلطة الحاكمة حشود جماهيري واحد مؤلف من نسبة ضئيلة من مجموع السكان، مخلصين للدولة وزعيمها بدافع المال وليس العقيدة.
ثالثا: احتكار كامل للتكنولوجيا والإعلام؛ بغرض السيطرة على الدولة باستخدام العنف.
رابعا: للنظام جهاز بوليسي إرهابي.
خامسا: تقوم الدولة بالسيطرة الكاملة على الاقتصاد عن طريق إدارته مركزياً.. ما يعني انه بمقدور الحاكم استخدام سياسة تجويع الشعب حتى يستجيب لرغباته وهو ما نشاهده اليوم في بلادنا حيث إرتفاع كبير في نسبة الطبقة الفقيرة في مجتمع بلاده الأولى عالمياً من حيث العوائد البترولية.
ارسال التعليق