نحن من سمح للداعرين بالسلطة على الديار المقدسة.. تباً لنا
[حسن العمري]
نساء عاريات يترنحن في شوارع الرياض وجدة، وأخريات قابعات في نوادي القمار، وغيرهن ملأن صالات الرقص المختلط ينافسن الرجال، والتراث الإسلامي بات في خبر كان، والتقاليد الإجتماعية لم يبق منها غير بعض العوائل المحترمة المحتشمة؛ هذا هو واقع بلاد الحرمين الشريفين التي كان يضرب بها المثل بأنها "دار المؤمنين"، لتضحى اليوم ملاذاً للشواذ والداعرين والملحدين والقتلة والسفلة والناقصين والحاقدين والفاسدين والفاجرين والخارجين عن الدين والملة.. وأَبن مقبل يقول: باتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لها... جَزْلَ الجِذَى غيرَ خَوَّارٍ ولا دَعِرِ.
المؤسسة الدينية التي تقيم الدنيا ولا تقعدها على أدنى حرف يخرج داعياً السلطة الحاكمة المتهورة الوقحة التي لا تبالي لا بأحكام الشريعة ولا بالقوانين الدولية، الى العدالة والمساواة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلتزم الصمت المطبق على ما يجري في بلاد الوحي والتنزيل من بغاء وشقاء ورذيلة وقباحة وفجور وشرب للخمور في الشوارع والنوادي والمقاهي، رافعة شعار "طاعة الولي" بتحريف وتزوير على الله ورسوله وما جاء في القرآن الكريم.
بسرعة فائقة أنتشر الخبر وسط مواصلة المؤسسة الدينية الصمت على فحواه حتى لحظة كتابة هذه السطور.. أما الخبر فهو: "عارضات أزياء يتواجدن بفساتين فاضحة وأجساد مكشوفة لإلتقاط الصور ومقاطع الفيديو بذريعة الترويج لمنطقة أثرية بمنطقة العلا، التابعة للمدينة المنورة مدينة الرسول والوحي والتنزيل" حيث سمح محمد بن سلمان لمجلة “فوغ” العالميّة، بتصوير هذه اللقطات المخزية والصاخبة لعارضات أزياء لا دين لهن كافرات داعرات ممسوخات القيام بما يطيب لهن والقائمين على المشروع، ضمن حملة العلامة التجاريّة “مونو”، دعمه خبر "السماح ببيع المشروبات الروحيّة في مطارات المملكة.
وعاظ سلاطين عبدة الدينار والدرهم لا يأخذوا من الاسلام إلا "وأطيعوا أولي الأمر" في حين هو الأولى اطاعة الله واطاعة الرسول.. الله لم يجعل لولي الأمر طاعة مستقلة.. قال عزوجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} - سورة النساء: 59، أي أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولم يقُل أطيعوا أولي الأمر بل قال "أولي الأمر" دون أن يكرر الطاعة، ليدل أن طاعة ولي الأمر من باطن طاعة الله وطاعة الرسول وليس خارجها ولمفردها دون طاعة الله والرسول - الشيخ الشعراوي.
مجلة “فوغ” وبنسختها العربيّة نشرت تعليقاً على حملة التصوير هذه في العلا: “قليلة هي الصور الجديرة بأن نصفها فور مشاهدتها بكلمة “أيقونية”. وهي بالتحديد تلك التي لها القدرة على إشعال الخيال، وإثارة سؤال: “ماذا لو..؟”. ويمكن للمصمم الإبداعي لعلامة مونو، اللبناني إيلي مزراحي، أن ينام قرير العين بعد 24 ساعة مليئة بالأحداث قضاها في مدينة العلا السعودية، وتمثلت ثمارها في صور التقطتها عدسةُ المصورين لويجي وإيانغو تألقت فيها كلٌ من كيت موس، وماريا كارلا بوسكونو، وكانديس سوانبويل، وأمبر ڤاليتا، وجوردان دان، وشياو وين، وأليك ويك. وتشهد هذه الصور على قوة الأنوثة، وروح التعاون، والرغبة في التحليق إلى أبعد مدى، وهي العوامل التي بثّت كلها روحاً جديدة في الأراضي القاحلة".
علماء السلطة وعملاء الشرطة يعتمدون في مهمتهم القبيحة تحريف كلام الباري عزوجل والتزييف والتزوير على الكم الهائل من الأحاديث النبوية في هذا المجال، على الناس والمسلمين لترقيع دنيا الملوك والسلاطين بغطاء ديني، رغم أنهم يعلمون أنهم يحرفون كلام الله عن مواضعه، ويستعملونه على غير مراد الله منه، فالآية في حقيقتها ضدهم بل وهي حجة عليهم، وتعاريفهم وتفاسيرهم لها إنما هي دلالة واضحة أوضح من نور الشمس في الصيف الحار لحجم الكذب والإفك والتضليل والفجور الذي يمارسونه هؤلاء المنحرفين والخارجين عن الدين والملة.. كل ذلك يعود سببه لصمتنا وسكوتنا وقبولنا لكل ما يتطرقون له ويصرحون به من على المنابر والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي دون تحقيق أو تأمل.
الآية المباركة تؤكد كل التأكيد على صيغة الجمع "أولي الأمر" وليس الصيغة المفردة "ولي الأمر" كما يزعم دجالي المؤسسة الدينية، مما يدلل على أن الحاكم أو الخليفة الذي يجب أن تأتمر به الأمة ليس شخصاً واحداً يستفرد بالسلطة بدكتاتورية وإستبداد ووقاحة وظلم وقتل ودمار، أستورث الحكم من أبيه بقهرٍ وقسرٍ وفرضٍ على الشارع دون الرجوع الى رأي الأمة في تنصيبه كما جاء الوالد الى السلطة بحد السيف والسرقة والنهب والسبي من قبل؛ بل أن أمر الأمة منصرف الى جماعة "أولي الأمر" وهو تركيب من الحكام والعلماء كما يذهب المفسرين الكبار في تفسير هذا لفظ الجلالة هذا في الآية 95 من سورة النساء، ليأخذوا بالأمة نحو ساحل الوحدة والتعاضد والتكاتف والقوة وإقامة القسط والعدل وليس الفرقة والتشتت والنفاق والصراع الطائفي والفرعنة.
"اشترى رجل حماراً لأول مرة في حياته، ومن فرحته به أخذه إلى سطح بيته، وصار الرجل يدلل الحمار ويريه مساكن قبيلته وعشيرته من فوق السطح، حتى يتعرف على الطرق، ولا يضيع حين يعود للبيت وحده.. وعند مغيب الشمس أراد الرجل أن ينزل الحمار من على السطح لإدخاله الإسطبل، فحزن الحمار ولم يقبل النزول، فالحمار أعجبه السطح وقرر أن يبقى فوقه.. توسل للحمار مرات عديدة، وحاول سحبه بالقوة أكثر من مرة، أبدا لم يقبل الحمار النزول.. لكن الحمار دق رجله بين أعمدة السطح، وصار يرفس وينهق في وجه صاحبه.. البيت كله صار يهتز، والسقف الخشبي المتآكل للبيت العتيق أصبح عاجزا عن تحمل حركات ورفسات الحمار.. فنزل الرجل بسرعة ليخلي زوجته وأولاده خارج المنزل، وخلال دقائق، انهار السقف بجدران البيت ومات الحمار.. فوقف صاحبنا عند رأس حماره الميت وهو مضرج بدمائه.. وقال: والله الغلط مش منك، لان مكانك تحت، وأنا طلعتك للسطح..".
هذا هو واقعنا في بلاد الحجاز سكتنا وصمتنا على وصول آل سعود الى السلطة والتحكم بأمور ديننا ودنيانا كيفما يشاؤون ونحن نلتزم الصمت خوفاً على الرقاب ولقمة العيش.. والآن لمن الصعب إنزال الحمير خاصة وإن كانت داعرة فاحشة وقحة الذين بلغوا مكاناً غير مكانهم الحقيقي.. فالحمير كثرت على أسطحنا، حتى تزعزعت دعامات الأمة والوطن والدين والمعتقد وتقاليدنا الإجتماعية، وبدأنا نحلم بتلك الأيام الخوالي التي كنا فيها "خير أمة أخرجت للناس..." فيما اليوم نحن في أسفل القائمة أو خارجها بخصوص تطبيق أحكام الشريعة السمحاء والأخلاق والتعاون.. فهل من معجزة لإنزالهم؟ لأن من يصعد السطح منهم، لا يقبل أن ينزل قبل أن يهدم البيت عليه وعلينا جميعاً.. وتلك هي المصيبة العظمى وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} - سورة الرعد:11.
أبو المعالي الجويني الملقب بـ"إمام الحرمين" هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حَيُّويَه الجويني، صرح يقول: أن الأمير "إذا تواصل منه العصيان، وفشا منه العدوان، وظهر الفساد، وزال السداد، وتعطلت الحقوق والحدود، وارتفعت الصيانة، ووضحت الخيانة، واستجرأ الظلمة، ولم يجد المظلوم منتصفا ممن ظلمه، وتداعى الخلل والخطل الى عظائم الأمور، وتعطل الثغور، فلا بد من استدراك هذا الأمر المتفاقم.. وذلك أن الإمامة إنما تعني لنقيض هذه الحالة، فإذا أفضى الأمر إلى خلاف ما تقتضيه الزعامة والإيالة، فيجب استدراكه لا محالة.."- الجويني، الغياثي: غياث الأمم في التياث الظلم، تحقيق: د. عبد العظيم الديب، ط1 (جدة: دار المنهاج، 2011م)، ص275، 276.
ارسال التعليق