
هل سيأخذ "بن سلمان" بنصح "باول" هذه المرة، أم سيتجاهلها ايضاً؟!
[جمال حسن]
* جمال حسن
يقول العلماء: أن يتعظ الإنسان من تجارب الحياة أمر جيد وربما لا يعد خاسراً (أحياناً) إذا ما كانت سبباً في صقل أفكاره وسلوكه وتصحيح مساره بالسير نحو الأفضل، لكن الخسارة التامة تكون لما يختار لنفسه أن يقضي عمره مسرحاً لها (أي التجارب)، والمفروض أن العاقل لا يلدغ من جحر مرتين، فما بالك بالمرات!!.
كتبت وسائل الاعلام العربية قبل يومين: شكرا للسعودية والقواعد الأمريكية المتواجدة في المملكة على حماية الاسرائيليين من الصواريخ والطائرات المسيرة التي تطلقها صنعاء من اليمن صوب «اسرائيل»؛ واصبح مواطني «دولة إسرائيل» في أمان من الصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيين من اليمن!!.
في هذا الاطار تذكرت ما قاله وزير الخارجية الامريكي الأسبق "كولن باول" قبل عقد من الزمن تقريباً لقناة فوكس الامريكية، من "أن بلاده اخطأت عندما تركت السعودية تهاجم اليمن، مبينا انه من المفروض على امريكا ان لا تصدق وعودهم.. لقد وعدونا الدخول الى صنعاء في عشرة أيام؛ فيما النتيجة كانت كارثية بعد شهر ونصف من القصف سمعنا صراخ حلفائنا السعوديين يطلبون النجدة..".
لا أدري هل سيعيد محمد بن سلمان كرة الغباء التي تلازمه مرة اخرى في إرتهانه الى الإرادة والقرار الأمريكي أن ينجو بجلده من الفخ الجديد الذي نصب له بمغريات بلوغه العرش أذا ما دعم الكيان الاسرائيلي على الأرض ومنع الصواريخ والمسيرات اليمنية من حرث الاحتلال؟!.
وفق معطيات الأمر فإن محمد بن سلمان لم يبلغ بعد سن الرشد السياسي ولا يزال متهوراً وأرعنا في اتخاذ ما هو في مصلحته وبقائه في السلطة، وصنعاء كررت مراراً تهديدها بضرب البنى التحتية للبلدان الخليجية التي تساند الكيان الاسرائيلي في التصدي لصواريخها ومسيراتها.
في هذا الاطار لابد من القول أن الكابوي الأمريكي يضغط ويصر على السلطة السعودية وكذا الاماراتية منها في دعم بقاء الكيان الغاصب مهما كلفهما الثمن، لكن الحقيقة على الأرض تؤكد أن الأمريكي لن يهرع لردع قصف الحوثيين للبنى التحتية لهذه البلدان أذا ما نفذوا تهديداتهم، لنا في قصف أرامكو عبرة من قبل.
"لقد سمعنا صراخ حلفائنا السعوديين يطلبون النجدة، لأن اليمنيين خلقوا مفاجأة لم يتصورها أحد بالداخل اليمني وعلى الحدود دخلوا مدن سعودية وقتلوا الجنود السعوديين وصادروا أسلحتهم رغم اننا قدمنا دعم كبير عسكري ولوجستي لهم..أننا أخطأنا برهاننا على جيش ضعيف ووزير دفاع ليس لديه فكرة عن كلمة حرب"- كولن باول.
الأمر هذه المرة لم يقف عند عتبة صنعاء، حيث الكابوي الأمريكي عازم على توريط بقراته الحلوب الدخول الى جانبه هذه المرة في صراع مستميت مع الجارة ايران؛ وترامب يصرح أنه "سيقوم قريباً بزيارة السعودية والإمارات لبحث التعاون الاستراتيجي بخصوص التطورات الاقليمية الأخيرة"!!؛ ما يعني دفعهما نحو الموت.
هنا نستذكر مرة اخرى النصح الذي قدمه "باول" قبل عقد من الزمن لآل سعود بقوله "نصحت اصدقائنا السعوديين الكف عن المهاترات لانهم مكشوفين من قبل ايران وان حرب مع ايران معناها عودة السعودية الى ما قبل العصر الصناعي خلال ساعات ، وأننا غير قادرين في تلك الساعات على منع الإيرانيين من تدمير البنية التحتية للسعودية وبذلك لن يجد السعوديين حتى خط هاتف يخاطبونا منه".
في هذا الاطار كتب موقع Defense one العسكري الأمريكي تقريراً مؤخراً بعنوان "أقل من أربع دقائق.. هو الوقت الذي تملكه السعودية والخليج للتصرف في حال أطلقت إيران صواريخها ذاتي الدفع، قبل أن يصيب الصاروخ هدفه"، أو ربما أقل من ذلك وفق مراقبين عسكريين لشؤون الشرق الأوسط.
ليتذكر "بن سلمان" أنه مع بداية عدوانه الغاشم على اليمن الشقيق، وما صاحبه من قرع لطبول الحرب بين واشنطن وتل ابيب من جهة وطهران من جهة ثانية، في أزمة الملف النووي، كان قد راهن على الحلف الغربي المضاد لإيران؛ لكن ماذا كانت النتيجة سوى أن أندفع ملتمساً طهران للتوسط لدى صنعاء لايقاف الحرب.
لطاما اعتمدت أمريكا وكالعادة، على وكلائها في المنطقة، بعد أن خسرت نفوذها في معظم الدول التي حاربتها، لصالح ايران، من أفغانستان إلى سوريا والعراق ولبنان. وكانت الحرب على تلك الدول بتدخل أمريكي-غربي مباشر، إلّا أنه وفي المحصلة، انتهت في تلك المناطق لصالح طهران- وفق مراقبين.
لكن ضعف ذاكرة صبي آل سعود الأرعن وعلى شاكلة كبارهم المصابين بالزهايمر العضال، باتوا ينسون أو يتناسون أن أحداث الصراع الإيراني- الغربي، الممتد منذ الثورة الإيرانية عام 1979، كانت محصلتها معاكسة للمصالح الغربية في المنطقة، حيث حصدت إيران سياسياً وبطول نفس ما زرعته الآلة العسكرية الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية.
ولو أخذنا عدوان التحالف السعودي الظالم على اليمن كعينة اختبار، لجدوى الحلف السعودي- الغربي؛ نستخلص منه عبث رهان السلطة السعودية في تبعيتها للغرب والكيان الاسرائيلي التي تسعى اليوم جاهدة لدعمه وتهرول للتطبيع معه وسط أنهار دماء الأبرياء من أطفال ونساء وكبار سن في غزة ولبنان وسوريا، وأن العم سام يبيت نواياه لدفع المملكة نحو المهلكة خاصة وأن هذه المرة لن تكون لطهران وساطة للإنقاذ.
ويقول مراقبون "إن وجد السعوديون هاتفاً لطلب النجدة من "ترامب"، فإن الهاتف الأمريكي لن يكون متاحاً، كما لم يكن متاحاً قبل أربعة عقود ونيف لشاه إيران، الذي استثمر كل إمكانيات بلده، ليكون شرطي أمريكا في المنطقة تقبل يديه الأنظمة الخليجية والاقليمية برمتها، ولكن عند أول صدام مع الثورة الإيرانية، وجد نفسه وحيداً، بينما كانت الهواتف الأمريكية مشغولة في تنسيق هرب موظفو السفارة، الذين انقطع الخط عنهم ووقعوا رهائن.
وهو الأمر ذاته الذي تكرر مع "الكنز الاستراتيجي" للكيان الاسرائيلي، "حسني مبارك" الذي تخلت عنه أمريكا وتركته وحيداً في مواجهة الشعب.. فهل الذاكرة السعودية التي عايشت كل تلك الاحداث قصيرة الى هذه الدرجة؟ أم أنها مدفوعة رغماً عنها في تجاه لا تحمد عواقبه؟ كلا الاحتمالين أيضاً يبرزان بدرجة أقوى مدى ضعف الأسرة السعودية الحاكمة وأنها ليست سوى "حصان طروادة" تقوم "بحروب الوكالة" في المنطقة رغم أنفها.
وقد اعترف بذلك طلال بن عبد العزيز في حديث له مع قناة "نوكس الالمانية" من محل إقامته هناك، حيث أكد "أن القوات الإيرانية قادرة على تدمير المملكة السعودية خلال ساعات.. لقد أخبرنا حلفاؤنا بأننا لا نغامر باستفزاز إيران، وإلا سنفتح نار جهنم علينا، وأن القوات الايرانية قادرة على تدمير البنى التحتية والقوة العسكرية للمملكة خلال سويعات".
وبعد رسائل التحذير غير المسبوقة التي بعثتها طهران للعواصم الخليجية مع ارتفاع حدة التوتر بين امريكا وايران، من أن كل البنى التحتية وحقول البترول ومحطات الطاقة وتحلية المياه، ستكون الهدف الأولى إن شاركت هذه البلدان في أي عدوان امريكي عليها أو سمحت باستخدام أراضيها لذلك العدوان.
فما كان من الرياض والإمارات والكويت وقطر حتى سارعت طمأنة طهران بأنها أبلغت الإدارة الأمريكية بأنها لن تسمح بذلك، لكن المراقبين يشككون في مدى جدوى هذه الوعود خاصة وأن "ترامب" مصر على دفعها نحو الإنزلاق في مستنقع الحرب مع الجوار ؛ فهل يا ترى سياخذ "بن سلمان" بنصيحة "باول" التي تجاهلها قبل عقد من الزمن أم سيعيد الكرة ثانية وهذه المرة مع خصم لا يستهان به؟!.
ثم لا ننسى أن العين اليمنية لا تزال تتربص نقض وعود محمد بن سلمان لتكون البنى التحتية للمملكة لقمة سائغة للمسيرات والصواريخ الباليستية والفرط صوتية الحوثية، تلك التي هدد بها عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد الفرح الإمارات، متمنياً "أن تعي الإمارات أن زنابيلها يجنون عليها وستدفع الثمن قريباً ولن تكون وجهة صواريخنا المخا ولا شبوة في حال ورطهم الأمريكي في عدوانه. بل سيكون الرد ألى أبوظبي ودبي".
ومستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز يؤكد لشبكة "سي بي إس نيوز": "الحوثيون" يملكون صواريخ كروز متطورة، وصواريخ باليستية، وبعض أكثر الدفاعات الجوية تطورا؛ في الوقت الذي كشف موقع "ميدل إيست آي"، عن ان "إدارة ترامب تمكنت من الحصول على الإذن من دول الخليج لاستخدام قواعدها لضرب اليمن خلال هجماتها الأخيرة"، بعد أن كانت قد فرضت حتى وقت قريب، قيودا صارمة على استخدام هذه القواعد؟!.
ارسال التعليق