هل نتحكم في عقولنا أم هم من يتحكمون بها؟!
[حسن العمري]
يقول علماء النفس والسياسة، إن غالبية الساسة يلجئون إلى الكذب على شعوبهم فيما يخططون لها أو يسيرون فيه سعياً منهم لتعتيم حقيقة مشروعهم الخياني الأمر الذي تطلق عليه العلوم السياسية هو "ستراتيجية التستر"، كما هو الحال بالنسبة لدول مجلس التعاون التي خطة الخطوات السريعة والمذلة نحو التطبيع مع العدو الصهيوني مغتصب أرض المسلمين المقدسة وأولى القبلتين حيث ضغوط البوفالو الأمريكي كانت من وراء القصد لضمان أمن واستقرار الكيان الغاصب وليس التهديدات الإيرانية المزعومة التي تطبل لها هذه المشايخ في إعلامها وتغذي بها عقول الرعاع من شعوبها، فيما علاقاتها التجارية قائمة على قدم وساق مع إيران، ناهيك عن العمل في آبارها المشتركة مع إيران في حوض الخليج.
الرأي العام العالمي تجاوز حقيقة من أن الغالبية المطلقة للسياسيين يكذبون دون إستحياء أو خجل، والعجب أن الشعوب تميل لتصديقهم رغم وقوفهم على كذب الساسة جملة وتفصيلاً، وهذا الأمر لا يقتصر على فئة خاصة من المجتمع بل هي نقطة مشتركة بين مختلف طبقاته التعليمية أو غير المتعلمة على حدِ سواء وهو ما دفع بالباحثين الى السعي خلف الأسباب والدوافع التي تجعل السياسيين لا يتوقفون عن الكذب، فيما لا تتوقف الجماهير عن التصديق أيضاً؛ كل ذلك نابع من نرجسية السياسيين وخوفهم المفرط على مناصبهم تلك التي تهددها يقظة شعوبهم ووقوفها على حقيقة الوعود الخاوية والتصريحات الواهية الملونة.
البوفالو الأمريكي تمكن ومنذ الزيارة التي قام بها الى الرياض عام 2017 وحتى يومنا هذا من بلوغ هدفه باستحلاب بقراته على مختلف الصعد السياسية والعسكرية والمالية مستفيداً من ذلك بإيجاده فرص عمل لشعبه فيما شبابنا وخريجي جامعاتنا ومبتعثيننا من كلا الجنسين يعانون البطالة المفرطة، أمثال عبداللطيف جرفان، والكثير من العوائل المستورة تبحث عن لقمة عيشها في مزابل الأمراء ورجال الأعمال بكثرة تبذيرهم لتحتل المملكة مركز الصدارة على المستوى العالمي، وارتفاع نسبة الفقر يمنحها المرتبة الأولى على المستوى الإقليمي.
الخبير والمحاضر في جامعة سان فرانسيسكو الأميركية "لجيم تايلور" يقول: أن غالبية السياسيين يمتلكون نرجسية متغطرسة ويحملون اعتداداً مفرطاً بالذات وشعوراً مبالغاً فيه بالاستحقاق السلطوي وأن الرب هو من انتقاهم للسلطة وحكم شعوبهم دون غيرهم مستخدمين بذلك أساليب دينية وروحية ماكرة مخادعة لتضليل الحقيقة، ثم انهم يعتبرون أنفسهم أكثر ذكاءاً من الآخرين وأنهم على حق حتى وإن كذبوا، لأن شعوبهم تصدقهم على الدوام بكل غباء وسذاجة.. وهو ما نراه في محمد بن سلمان والشارع السعودي الذي بات يصدق كل كلمة يصرح بها أو كل إستراتيجية ينتهجها رغم انها تتنافى مع معتقداته الدينية وقواعده الاجتماعية فيهرع ليصفق للتعري واحتساء الخمور والرقص المختلط والاحتفال المنحط باليوم الوطني، متشدق بكل ذلك على أنه إنفتاح!!
تستعين السلطات القمعية الحاكمة في تمشية سياستها على شعوبها بالإعلام المقنن سلطوياً يشكل الذباب الإلكتروني الذي هو أبرز أذرعه في عصرنا الحاضر ليقلب الحقيقة إلى كذب والأكاذيب إلى حقيقة يغذي بها عقول الشارع، مستخدماً بذلك سياسة أن "العالم قرية واحدة" فيكون المجتمع الذي يسيطر عليه كغرفة مغلقة يسهل السيطرة عليه والتحكم به وتغذيته بأفكار وأحلام بنفسجية وهمية تصنعها الأذرع الماكرة والمخادعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الماجنة لتنشر الأفلام الخلاعية في أوساطه لتخديره، والفضائيات ببرامجها التي تستهدف من خلالها عفة وكرامة وعقيدة الشارع السعودي، والصحف وأقلام كتابها المخادعين الكاذبين الذين يحولون اللون الأسود إلى أبيض والعكس بجرة قلم دون أن يدركوا مخاطرها والله سبحانه وتعالى يقسم بالقلم {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} سورة القلم الآية 1و2.
يستخدمون مقولة "جوزيف غوبلز" مهندس ماكينة الدعاية الألمانية النازية الشهيرة "اكذب اكذب حتى يصدّقك الآخرون ثم اكذب أكثر حتى تصدّق نفسك"، كما وأن هناك شيء مشابه لذلك في أوساط علماء النفس يعرف باسم تأثير "وهم الحقيقة".. ويكررون الوعود الوهمية والأقاويل الكاذبة حتى يقال عنها أنها الحقيقة عبر استهدافهم عقول المجتمع بالأباطيل ليل نهار، فكلما سمع الناس ما تريده السلطة بشكل مكثف زاد من قناعته به وتصديقه له بشكل إرادي باعتقادهم إن هذا المتداول باستمرارية هو الحقيقة السائدة وإلا لما أصبح مُتدَاولاً وسائدًا، فيما الحقيقة تجافي ذلك؛ فالأخبار الكاذبة والشائعات أكثر انتشاراً وأكثر عرضة للتردد والتكرار في وسائل الإعلام السلطوية لتضمن السيطرة الدائمة على الآذان والعيون وبالتبعية على الإفهام والعقول؛ كما يقول عالم النفس الألماني ومؤسس علم النفس التجريبي توم ستافورد "هل نتحكم في أدمغتنا أم يتحكمون هم بها"؟
قبل سنوات أقدم فريق من جامعة "فاندربيلت" البحثية ومقرها ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية، وبقيادة ليزا فازيو الباحثة في مركز الأمن الأمريكي الجديد، على إجراء تحقيق عن كيفية تفاعل تأثير "وهم الحقيقة" مع معرفتنا المسبقة. فهل يمكن لهذا الوهم أن يؤثر فعلا على معرفتنا القائمة؟.. فجمع الباحثون بين جمل صحيحة وأخرى غير صحيحة، فاستخدموا جملة "المحيط الهادي هو أكبر محيط على سطح الأرض" وهي صحيحة، الى جانب جملة "المحيط الأطلنطي هو أكبر المحيطات على سطح الأرض" وهي غير صحيح، ويرجح معرفة المشاركين بذلك.. لكن النتيجة كانت صادمة حيث تأثير "وهم الحقيقة" كان حاضراً بنفس القوة في حالة الأشياء المعروفة وغير المعروفة .. فطلبوا من المشاركين تقييم مدى صحة كل جملة من الجمل وفقا لمقياس مكون من ست نقاط، ومعيار آخر يقيموا فيه كل جملة بكلمة "خطأ" أم "صواب".. فأدت عملية التكرار الى ارتفاع متوسط صحة كل جملة لأعلى على مقياس النقاط الست، وزادت من فرص اختيار التصنيف "صواب".. ما يؤكد أن تكرار الجمل، سواء كانت صحيحة أو خرافية، معروفة أو غير معروفة مسبقا، يجعلها تبدو أكثر قابلية للتصديق!!
الأنظمة القمعية الحاكمة تسعى على الدوام الى كتمان صوت الحقيقة بكل ما لديها من قوة وبأي ثمن كان حتى وأن طلب ذلك حملات اعتقال تطال مختلف طبقات المجتمع من علماء أو مفكرين أو ناشطين أو عمال أو أكاديمين أو فلاحين أو متعلمين أو أميين كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً.. وسط ركام هائل من التزييف وإلصاق تهم متعددة منها "التخابر مع جهات أجنبية" أو "الخروج على الولي" أو "مكافحة الإرهاب" التي زج بموجبها الآلاف من خيرة شبابنا في معتقلات آل سعود وإلى الآن لا يعرف مصيرهم؛ وبعد أن تنكشف الحقيقة يكون المجتمع قد نسي أو تناسى تلك الكذبة التي طالته، وسط تضخيم أيديولوجية السلطة وتقزيم ما يعارضها بشتى الوسائل البوليسية أو التمييزية أو الدينية أو الجنس أو الطائفية المستخدمة على الدوام في بلاد الحرمين طيلة عقود وقرون مضت.
مسلسل إستهداف الحقيقة يجعلها متعبة ويجعل الشارع الى عدم الاستماع اليها خوفاً أن تهدد ما غذته به أبواق السلطة التي لطالما ربطت الحقيقة بالعمالة للخارج والإستهداف الأجنبي، وأن الحكومة تتولى حمايته وهو أسهل بكثير من أن تصدق الحقيقة فيما الواقع أن الحكومة نفسها هي التي تشكل الخطر عليه، وليس هناك ما يحول دون فعلها أي شيء تبغيه وفق رغبات ومتطلبات العرش والسلطة من نهب وقمع وقتل وتشريد واعتقال وتخويف وترهيب وتطميع، آنذاك سيكون من السهولة أن يصدق المجتمع وعود السياسي الكاذب حتى ولو وعده بإدخاله جنة الخلد فيما يدفعه نحو المجون والخلاعة والفسق والفجور، مدعوماً بفتاوى مأجورة مدفوعة الثمن على طول تاريخ آل سعود.
عالم النفس الأمريكي "دانيال كانيمان" يقول: يكفيك أن تصنع للناس شيطانهم، واتركهم ينسبون إليه كل شيء، فبعد أحداث 11 سبتمبر كان الجمهور الأمريكي مُهيّأً لتقبل أي شيء، وحجم الأساطير والأخبار الكاذبة التي صدقها الأمريكيون حول "بن لادن" و"القاعدة" أكبر من أن تحصى، لدرجة أن بعضهم كان بإمكانه أن يصدق أن "بن لادن" ربما يكون سبباً في تعطل سيارته وتأخره عن العمل.. هو ذات الشيء الذي يفعله "بن سلمان" مع مجتمعنا فبتنا نصدقه أن "الانفتاح الماجن" و"الابتعاد عن المعتقدات" و"التطبيع" أمور ضرورية لحماية مجتمعنا من التفكك والتشتت و"الإرهاب الإيراني" و"الجماعات الإرهابية المسلحة" التي هو من أوجدها ودعمها ويدعمها حتى يومنا هذا.
ارسال التعليق