آل سعود...والحلف مع اليهود، والثمن الباهظ!
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيصار الحديث عن العلاقات اليهودية- السعودية، وتطورها وتطور آفاق التعاون والتنسيق الأمني والاستخباراتي بين آل سعود ونظامهم وبين الكيان الصهيوني حديثاً مألوفاً ومتواتراً في وسائل الإعلام، الصهيونية منها بشكل خاص، فبين الحين والآخر، تطل علينا هذه الأوساط بتفاصيل ومعلومات جديدة، وتكشف خبايا بعض كواليس هذا التعاون، وفي جديد ما أشارت إليه وسائل الإعلام الصهيونية في هذا السياق التحقيق الذي أعدته صحيفة هاآريتز الصهيونية من خمس حلقات نشرت الحلقة الأخيرة، منها على موقعها مساء يوم 5/4/2019 وجاء فيها أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو استنفر للدفاع عن محمد بن سلمان في أعقاب اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وقالت صحيفة هاآريتز في هذا التحقيق "إن التقاء المصالح السعودية الإسرائيلية أسفر عن تشكيل واحد من أهم المحاور الإقليمية في الشرق الأوسط، على الرغم من أنه لا يتم الحديث عنه بتوسع". مشيرة إلى منظومة العلاقات التي تربط الرياض بتل أبيب بالغة الحساسية.
ونوه التحقيق الذي أعده كل من الكاتب الصهيوني عاموس هارئيل والكاتب ويريدين ميخائيل، إلى أن مساعي الرياض لتعزيز العلاقة مع "إسرائيل" تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في حقيقة ان الحاجة الى مواجهة إيران تدفعه إلى التقرب من تل أبيب، وفي الوقت ذاته فأن السعودية التي تقدم نفسها زعيمة العالم العربي لا يمكنها الإفصاح عن علاقات الصداقة مع "إسرائيل"، في الوقت الذي تزداد أوضاع الفلسطينيين سوءاً تحت الاحتلال ".
ولفت التحقيق إلى أن العلاقات بين الرياض وتل أبيب تطورات لدرجة أن نتنياهو بات من الزعماء القلائل في العالم الذي يخرج للدفاع عن النظام السعودي، بعد إقدام المخابرات السعودية على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.
هذا وتحدث التحقيق عن التعاون الاستخباري بين الطرفين وآفاقه التي تتسع يوماً بعد آخر، مشيراً الى الأدلة والأمثلة الكثيرة على ذلك، معتبراً الى أي سقوط للنظام السعودي، ينطوي على تهديدات كبيرة وجدية على " الأمن القومي الإسرائيلي " .!! وفي السياق ذاته نشرت ذاته صحيفة " إسرائيل هيوم" " العبرية في 5/4/2019 تقريراً كشفت فيه عن زيارة قام بها صحفي صهيوني مؤخراً إلى السعودية لحضور مسابقة الفورمولا التي جرت في الرياض. ويروي التقرير تفاصيل الزيارة بدءاً من اتخاذ الصحفي الصهيوني يوسف زينيتش القرار، مروراً بتقديم الفيزا، والوصول إلى الرياض، وانتهاءاً بزيارة إلى مدينة المستقبل التي يعكف محمد بن سلمان على إقامتها.. وقال هذا الصحفي أنه تجول في أنحاء المملكة وتمكن خلال زيارته من جمع ما يكفيه من المعلومات الاستخبارية، الاجتماعية، والسياسية، بعد أن التقى بالبدو والحضر في السعودية، وعرف أدق التفاصيل هناك عن الحياة والنساء والرجال والمساجد، والعائلة المالكة، وعاد لبيع هذه القصة للصحيفة المذكورة !
تواتر هذه التقارير عن تطور العلاقات السعودية اليهودية، يؤشر بوضوح إلى أن هذه العلاقات تمضي قدماً دون كوابح، وهو ما يترتب على ذلك أخطاراً جسمية على النظام السعودي وعلى المملكة برمتها، لم يلتفت إليها النظام السعودي، عمته عن رؤيتها تصوراته الخاطئة بأن مفاتيح الحفاظ على النظام وضمان الحماية الأمريكية له بيد الكيان الصهيوني، بينما في الواقع أن هناك أخطاراً جسيمة سوف تترتب على هذه العلاقات، وقبل التطرف إليها، أي إلى هذه الأخطار، اسمحوا لي بالتوقف عند عدد من الملاحظات حول التقارير الصهيونية الآنفة عن العلاقات الصهيونية السعودية وتطورها، أرى من الضرورة الإشارة إليها، ولو بشكل سريع، وهي كما يلي:
1ـ الملاحظة الأولى، وهي أنه مع تواتر التقارير الصهيونية الصحفية، ومع تواتر تصريحات المسؤولين الصهاينة حول تطور العلاقات الصهيونية السعودية، حصل تطور في طبيعة الخطاب الصهيوني في عرض هذه التقارير، فبينما كانت هذه التقارير تؤكد على رغبة وحاجة الكيان الصهيوني الى هذه العلاقات، وتؤكد على "الجانب الايجابي" للسعودية ولغيرها من الدول العربية، من تطبيعها مع الكيان الصهيوني، اتخذ هذا الخطاب نبرة جديدة، إذ بدأ يركز على أن هذه الدول المطبعة وعلى رأسها السعودية هي التي تلهث وراء التطبيع مع العدو، لأن هذا العدو يمتلك " التطور التكنولوجي"، وهو الذي "يضمن لها البقاء لأنظمتها "، وهو الذي يؤمن لها الحماية الأمريكية وما إلى ذلك من الإيحاءات، التي تتمحور حول محور واحد، وهو أن العدو، يشكل اليوم ملاذ هذه الأنظمة وحاميها من الأخطار المحدقة بها، وخصوصاً ما يسمونه الخطر الإيراني !! وأتصور أن أهداف هذا التحول في نبرة الخطاب الصهيوني واضحة ولا تحتاج إلى توضيح.
2ـ الملاحظة الثانية، تتمثل في أن الخطاب الصهيوني يركز على أن الدافع الأساسي لهذه الهرولة السعودية نحو العدو، ولهذا التعاون الأمني والاستخباري المتنامي معه هو من أجل التصدي "لإيران" ولمحاولة تقويض نفوذها، وبالطبع أن التركيز على " الخطر الإيراني المزعوم" يستهدف تبرير وتسويق هذه الهرولة نحو العدو من أجل تدجين الشعوب العربية عليها وتعويدها على هذه الهرولة...هذا من جانب، ومن جانب آخر، يحاول هذا الخطاب إخفاء حقيقة التواصل بين النظامين السعودي والصهيوني، فهذا التواصل ليس وليد اليوم كما هو بات معروفاً، وليس وليد ما بعد ما يسمونه " التمدد الإيراني في بعض البلدان العربية " انه وليد الحقبة التأريخية التي ظهر فيها الكيانان الصهيوني والسعودي على يد المستعمر البريطاني في بداية القرن المنصرم، فهذان الكيانان أحدهما يضمن بقاء الآخر، فالترابط بينهما ترابط جدلي، وهذا ما اعترف به ترامب بشكل صريح، عندما خاطب الكونغرس الأمريكي المطالب بتنحية بن سلمان وبمعاقبة النظام السعودي على جريمته في قتل الصحافي جمال خاشقجي، قائلاً: "أتريدون زوال إسرائيل!؟ إذن سقوط النظام السعودي يعني تهديداً مباشراً لوجود العدو الصهيوني، وهذا ما بات يعترف به الصهاينة صراحة أو حتى بشكل تلميح...
3ـ الملاحظة الثالثة، وتتمثل في تركيز الخطاب الصهيوني، كما أشرنا في الملاحظة الأولى، على أن العدو هو "القلعة الحصينة" في المنطقة التي يمكن أن تكون ملاذاً لهذه الأنظمة المرعوبة بسبب الإخطار المحدقة بها، والتي بعضها أخطار مزعومة ومبالغ بها بهدف إرعاب هذه الأنظمة، في حين أن العدو لم يكن كذلك، بل هو مهدد نفسه باعتراف مسؤوليه وقياداته العسكرية، ولم تخف هذه القيادات أن هذا العدو يبحث عن الاستقواء عند الولايات المتحدة، أو من خلال التطبيع مع السعودية والأنظمة العربية الأخرى، لتمكينه من مواجهة التحديات التي باتت تهدد وجوده واستمراره في المنطقة.
نعود إلى الأخطار التي سوف تترتب على هذا التحالف السعودي مع الكيان الصهيوني إلى الأخطار التي سوف تترتب على هذا التحالف السعودي مع الكيان الصهيوني، ونشير إلى بعض من هذه الأخطار بما يلي:-
1ـ واضح من تصريحات المسؤولين الصهاينة والمسؤولين الأمريكيين، والسياسات التي يواصلون إتباعها في المنطقة.. أن هؤلاء يريدون السعودية أن تكون في الخندق الأول لمعاركهم مع شعوب ودول المنطقة، وان تشكل الدرع الأول المدافع عن المشاريع الأمريكية الصهيونية التي تتلقى ضربات متلاحقة من هذه الشعوب، وبالتالي، أن السعودية سوف تكون ميدان أي معركة أو مواجهة أمريكية صهيونية مع هذه الشعوب، أي أن المملكة السعودية سوف تتحول إلى محرقة يدفع فيها شعب الجزيرة العربية الأثمان الباهظة، لأن الأمريكي والصهيوني يريد أن تسخير كل إمكانات المملكة المالية والجغرافية والعسكرية والبحرية وما إلى ذلك في تلك المعركة، التي يتوقع الخبراء، باحتمالية وقوعها في ضوء التوتر الذي يقوده ترامب والمسؤولون الصهاينة مع إيران ومحورها في المنطقة، وحتى لو لم تحصل هذه المعركة فأن هذا الوضع المتوتر يشكل استنزافاً مالياً واقتصادياً ونفسياً للمملكة، وبالتالي فأن الولايات المتحدة تواصل حلب السعودية من خلال استمرار هذه الأجواء المتوترة، وأيضاً توقف التنمية في هذه المنطقة، ومن شأن كل ذلك، أن ينعكس سلباً على البلاد والعباد.
2ـ ولأن النظام السعودي نجح من خلال تحالفه مع المؤسسة الدينية الوهابية، في أنه أسبغ على نفسه نوعاً من "القداسة" عند البلداء والبلهاء في الجزيرة، أو في خارجها في المحيطين العربي والإسلامي، بأنه "حامي الحرمين "و" زعيم ما يسمى بالعالم السني" وما إلى ذلك من العناوين والمصطلحات الدينية والإسلامية، ولأن النظام نجح في صنع هذه الهالة الإسلامية المزيفة على نفسه، والتي شكلت حاجزاً عن قيام شعب الجزيرة بتحرك ثوري ضد هذا النظام، فأن هذه الهالة سوف تسقط تماماً مع انكشاف التحالف السعودي مع العدو الصهيوني، لأنه وكما هو معروف لا يستقيم وجود هذه الهالة مع عدو الإسلام والأمة التأريخي العدو الصهيوني، والذي يجاهر بعدائه للإسلام وللأمة ويتربص بها الدوائر للتآمر عليها وللقضاء على هويتها وعلى تأريخها وعلى عوامل وجودها...ولأن هذه الهالة المزيفة تشكل ركناً أساسياً من أركان وجود واستمرار هذا النظام العميل، فأن سقوطها يعجّل من سقوط هذا النظام، أو على الأقل تفتح ثغرة خطيرة في حصون النظام مما يكون ذلك سبباً من أسباب انهيار وتلاشيه، على عكس ما يتصور من أن تحالفه مع هذا العدو سوف يزيد من تحصين وجوده واستمراره.
3ـ من شأن تحالف النظام السعودي مع العدو، أن يشكل سقوطاً أخلاقياً للنظام، وهذا ما بدأ يحصل فعلاً، لأن مثل هذا التحالف، وكما أسلفنا سوف ينسف كل هالات التضليل، ويزيل كل مساحيق التجميل التي برع النظام السعودي وإعلامه في تجميل صورته أمام الأمة الإسلامية، وإخفاء تجاعيد العمالة والخيانة بها عن هذه الأمة، أي أن هذا التحالف يكشف وجه النظام على حقيقته أمام هذه الأمة، فاسقط احترامها له، ومن ثم تقف على مسافة بعيدة منه، إذا لم تساهم مساهمة فعالة في مساعدة الشعب الجزيري في التخلص منه.
4ـ وبالإضافة إلى ذلك، فأن النظام بحلفه مع العدو، سوف يكنس بنفسه كل هالات تزييفه للوعي العربي والإسلامي حول ادعاءاته بالوطية وبالدفاع عن الإسلام وعن المسلمين (السنة منهم على وجه الخصوص)، تلك الهالات والصور التي ظل طيلة العقود الماضية يتلطى ويتمترس هذا النظام ورائها، ويخدع بها الرأي العام العربي والإسلامي، بإخفائه حقيقة عمالته وخيانته للأمة ولإسلامها ولهويتها...والحصيلة انه بهذا الحلف يعجّل ويساهم في توعية الأمة بحقيقة خيانته، ومن شأن ذلك، التعجيل في التخلص من هذا النظام وسقوطه المدوي.
وفضلاً عن ذلك، أن الأمة الإسلامية لا تقبل أن تصبح بلاد الحرمين الشريفين مكة والمدينة الشريفتين ومهبط الوحي، تابعة للنظام الصهيوني وأداة بيده لمحاربة الأمة الإسلامية، وبالتالي فالنظام السعودي بتحالفه مع العدو وتسخير نفسه كأداة بيد الصهيونية وبيد المستعمر الأمريكي، يسير نحو حتفه لا محالة.
ارسال التعليق