آل سعود وفلسطين.. نكبة قبل النكبة
[حسن العمري]
* حسن العمري
ذكرى النكبة التي تعيشها هذه الأيام الأمة تعيد للذاكرة كما في كل عام خلال السنوات الـ 75 الماضي، دور النظام السعودي في أيجاد هذه المأساة الكبيرة والبالغة الخطورة على الأمة العربية والاسلامية، لكن المراقبون للشأن السعودي يعدونها النكبة الثانية وليست الأولى بخصوص القضية الفلسطينية بعد نكبة تأسيس الكيان السعودي من قبل الاحتلال البريطاني؛ أو النكبة الثالثة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تعهد عبد العزيز آل سعود للمندوب البريطاني السير بيرسي كوكس وبالنص الحرفي "أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود ، أعترف ألف مرة لسير برسي كوكس ، مندوب بريطانيا العظمى ، لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما ترى بريطانيا ، التي لا أخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة"، وذلك قبل وعد بلفور (تشرين الثاني 1917) بعامين أي عام 1915.
مسلسل خيانة آل سعود طويل وعريض ولا يمكن لكل انسان منصف وواعي وحر أن ينكر ذلك، خيانات بدأت بتأسيس هذا الكيان في الجزيرة العربية من قبل الانجليز.. حيث كتب حاييم وايزمن أول رئيس للكيان الصهيوني في مذكراته أن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك السير ونستون ليونارد سبنسر تشرشل قال لي بالحرف الواحد: "أريد أن أرى ابن سعود سيداً على الشرق الأوسط وكبيراً كِبَر هذا الشرق، على أن يتفق معكم أولاً يا مستر حاييم ، ومتى تم هذا، عليكم أن تأخذوا ما تريدون منه .. إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول، والمشروع الثاني من بعده هو إنشاء «إسرائيل» بواسطته''.. فقد أسس الثعلب العجوز النظام السعودي في قلب العالم الاسلامي باسم الإسلام والعروبة، واستمرّوا بضحكهم ومهازلهم من خلال السيطرة على الإعلام وتشويه الحقائق وقلب الصورة لتعميم المفاهيم التي أرادوها أن تدخل الى خضمّ العقل العربي لمصادرته وسهولة الاستيلاء عليه.
لا نقول هذا جزافاً أو عبثاً أو من باب التجني على النظام السعودي، بل نقوله استناداً الى حقائق ظهرت على الساحة وعلى أرض الواقع؛ نقول هذا الكلام موثقاً بتقارير استخباراتية وتصريحات أقرب الحلفاء المقربين للنظام السعودي بخصوص دوره في دعم وبقاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، ومساعي هذا النظام الخياني العميل الاجرامي في تبديد آمال الأمة وتضعيف عزيمتها الراسخة بتحرير أولى قبلتها من براثن الصهاينة الماكرين. ووسائل الاعلام آل سعود تشغل العقل العربي والاسلامي ليل نهار بمهازل "السلام" و"التسوية" و"حل الدولتين" و.. خطواتها تدعم وتساند وتخطو نحو تثبيت هذا الكيان اللقيط و"صفقة القرن" بالمال والسياسية والضغوط التي قاموا بها على رئيس السلطة محمود عباس وغيره من القيادات الفلسطينية الضعيفة النفس، بوسوسة مال البترول المنهوب من لقمة عيش المواطن السعودي.
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وفي اعتراف خطير له خطير من حيث قطعه الطريق على كل من يدّعي عكسه، قال بالحرف الواحد خلال معارضته لمشروع قُدّم للكونغرس لعدم بيع سلاح للسعودية بسبب جرائم حرب اليمن قال: "لا يمكننا اتخاذ هذا الموقف، فالسعودية تملك المال، ونحن نريد هذا المال وأضيف إلى ذلك ما هو أهم من المال... فلولا السعودية لما نشأت إسرائيل... ولما استمرت في العيش ولما تقدمت وأصبحت قوة إقليمية.. الحقيقة هي أن السعودية مفيدة جدا لنا في الشرق الأوسط، لو لم يكن لدينا السعودية لما كانت لدينا قاعدة ضخمة، إذا نظرتم إلى إسرائيل، فإن إسرائيل ستكون في ورطة كبيرة من دون السعودية. فماذا يعني ذلك؟ هل تعتزم المغادرة؟ هل تريدون أن تغادر إسرائيل (المنطقة)"؟ - من حديثه للصحفيين يوم الخميس (2018/11/22) في الكونغرس، وهو ما نشره موقع “كان” العبري مراراً للتذكير به.
تقارير استخباراتية غربية واخرى اعلامية كشفت النقاب عن استمرار تواصل التعاون الأمني السري (والذي لم يعد سراً) بين تل أبيب والرياض حيث الرحلات المكوكية لموفدي محمد بن سلمان الى العاصمة الاسرائيلية من أمثال عادل الجبير وزير الدولة للشئون الخارجية السعودية، والفريق خالد الحميدان رئيس الاستخبارات العامة، عضو مجلس الشؤون السياسية والأمنية بالمملكة؛ وغيرهما حيث يلتقون كل شهر برئيس جهاز الموساد الاسرائيلي وقادة أمنيين صهاينة آخرين للبحث في سبل تعزيز التعاون وتضييق الخناق على دول المحور المناهضة للكيان الصهيوني، الى جانب الاستعانة بخبرات العدو الغاشم في تتبع معارضي محمد بن سلمان وربما تصفيتهم هنا وهناك وهو ما طلبه الأخير خلال اللقاء الأخير الذي جمع الجانبين في العقبة.. وهو ما كشف عنه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي ايزنكوت في مقابلة مع صحيفة “إيلاف” السعودية قائلا: "هناك توافق تامّ بيننا وبين المملكة العربية السعودية والتي لم تكن يومًا من الأيام عدوة أو قاتلتنا أو قاتلناها، واعتقد ان هناك توافقًا تامًا بيننا وبينهم بما يتعلق بالمحور الايراني، فأنا كنتُ في لقاء رؤساء الأركان في واشنطن وعندما سمعت ما قاله المندوب السعودي وجدتُ أنه مطابق تماماً لما افكر به بما يتعلق بايران وضرورة مواجهتها في المنطقة وضرورة إيقاف برامجها التوسعية"- حسب تعبيره.
صحيفة لوفيغارو الفرنسية وفي مقال لها كتبت أن "السعودية وإسرائيل على اتصال سري منذ 2014، لكن الجديد فيه هو ازدياد هذه الاتصالات منذ بلوغ محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة".. وفي هذا السياق، كشف المحلل العسكري في القناة العاشرة الإسرائيلية ألون بن دافيد إن "مسؤولا رفيعا جدا من المخابرات السعودية يزور إسرائيل بشكل دوري، ويجتمع بكبار المسؤولين الأمنيين".. ومنذ العام 2013 ووسائل الإعلام الإسرائيلية تنشر أخباراً وتقارير عن كثافة في الزيارات التي يقوم بها مسؤولون ''رفيعو المستوى'' من السعودية الى فلسطين المحتلة.. ثم لا ننسى المصافحة الودية والحارة بين تركي الفيصل وداني أيالون نائب وزير الخارجية الصهيوني آنذاك في 7 شباط من عام 2010 على هامش مؤتمر ميونيخ الأمني الدولي في المانيا.
التعاون المشبوه بين نظام السعودي و«إسرائيل»' قديم قدم زراعة هذه الغدة السرطانية في الجسد العربي الاسلامي، لكن ذلك التعاون كان سرياً ولا تكشفه إلا الوثائق التي يتم الإفراج عنها بعد سنوات من وقوعها، أما الآن فقد أصبحت ظاهرة للعيان.. ففي العام 2008 خطة الرياض خطوتين واسعتين جداً باتجاه المجاهرة بالتقارب مع «إسرائيل» الخطوة الأولى كانت مع مؤتمر حوار الأديان الذي نظمته السعودية في العاصمة الاسبانية مدريد وكانت «إسرائيل» أبرز المشاركين فيه وبدعوة رسمية من آل سعود، والخطوة الثانية كانت مع مؤتمر حوار الحضارات والأديان الذي نظمته الأمم المتحدة في نيويورك وشارك فيه الملك السعودي عبد الله إلى جانب رئيس الكيان الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز في سابقة تلاها مباشرة عشاء جمعهما.. سبق أن حاولوا ذلك عام 2006 عندما دعموا العدوان الصهيوني على لبنان لإسقاط المقاومة فيه لاعتقادهم أنهم بذلك يضعفون سورية ومقاومتها، لكنهم فشلوا فعمدوا إلى تغيير التكتيك والاتجاه نحو ''إسقاط'' سورية مباشرة عبر حرب إرهابية لم يسجل التاريخ مثيلاً في وحشيتها قتلاً وتدميراً.
ثورات فلسطينية متعددة متصلة متلاحقة 1923، 1929، 1933، 1936، 1939، 1946؛ تعدّدت أشكال النضال فيها من النضال المسلح الى التظاهر السلمي والإضراب، وكان لآل سعود اليد الطولى في إخمادها وإفشالها وفي مقدمتها ثورة واضراب الشعب الفلسطيني عام 1936، أطول إضراب شامل في تاريخ الشعوب المناضلة لانتزاع حريتها، إذ استمر إضراب عام 1936، ستة أشهر كاملة وتعرّض الشعب الفلسطيني لجرائم وفظائع ارتكبها البريطانيون وابتكروا أساليب في الاضطهاد والتعذيب والعقاب الجماعي لم يسبق لقوة طاغية وظالمة أن استخدمتها في تاريخها.. فكان لعبد العزيز الدور الكبير في إفشال الإضراب والثورة هذه بإيفاد ولي عهده فيصل بن عبدالعزيز وإقناع القيادات الفلسطينية بإنهاء الثورة والإضراب متعهداً بتحقيق المطالب، فكان تعهده حتى لا يساوي الحبر والورقة التي كتب عليها.. قتل واعتقالات وتهجير بالجملة في الوسط الفلسطيني.
ما تقدم يشكل غيضاً من فيض من تاريخ تآمر نظام آل سعود الخياني على قضايا الأمة برمتها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تشكل جوهر الصراع العربي- الصهيوني، ومن ثم دورهم الريادي في الحرب على سوريا ودعم الارهاب التكفيري هناك وفي العراق الذي مزقته بترودولارات آل سعود وآل نهيان وآل ثاني ومن لف لفهم، وكذا العدوان الإجرامي على اليمن الشقيق.. والذي يأتي كل ذلك في سياق خدمة للكيان الصهيوني، والمشروع الصهيوأمريكي الرجعي في المنطقة.. ووسائل الاعلام الاسرائيلية تكشف النقاب كل يوم عن العلاقات السرية بين سلطة آل سعود والكيان الاسرائيلي المحتل والتي تعود الى عقود بعيدة، في حين بات مؤكداً أن الانفتاح التطبيعي بين بقية دول مجلس التعاون الخليجي وحتى السودان و.. والكيان الصهيوني، يتم بضوء أخضر سعودي وبدعم أموال البترول المسروق من قوت شعبنا... ولنا في هذا المضمار مقالات اخرى لنكشف جانباً من مسلسل خيانات هذه الأسرة الفاسدة العميلة المسلطة على رقاب شعبنا.
ارسال التعليق