أنصار الله .. بعد الهزيمة العسكرية لأمريكا وبريطانيا في البحر الأحمر، يلحقون بهما هزيمة مخابراتية مدوية وغير متوقعة !
[عبد العزيز المكي]
أن يعتبر الكشف الذي حققته أجهزة أنصار الله بشبكة تجسس تشرف عليها المخابرات الأمريكية والبريطانية إنجازاً استراتيجيا، وهزيمة مخابراتية يلحقها الأنصار بأمريكا وحلفائها، فذلك ليس لأن الكشف يعتبر بحد ذاته تطورا كبيراً في قدرات أنصار الله، وإن كان هذا التطور مهم للغاية، وإنما لأن الشبكة بلغت من الحصانة مالم تستطع أية أجهزة عريقة ومتمرسة في المخابرات كشفها والعثور على أفرادها، نظراً للفترة الزمنية التي استغرقتها هذه الشبكة لعدة عقود، ومنذ عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ثم أنها حظيت بحماية ورعاية النظام السابق بقيادة صالح بحيث تمكنت من بناء خنادق ومصيدات لها في كل مكان. وفرت لها الحماية الكاملة، ووفرت لها فرص العمل والتأثير حتى استطاعت أن تنفذ في كل مفاصل البلد، كما تمكنت من تجنيد كل السياسيين تقريبا في اليمن من الموالاة والمعارضة وعلى رأسهم أركان النظام السابق، فهي جندت بحسب اعترافات المتهمين أغلب الشخصيات السياسية المؤثرة في تقرير مصير البلد !! فعلى سبيل المثال تمكنت أمريكا من اختيار الرئيس في اليمن ! كما توضح اعترافات شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية في اليمن، وتظهر بنفس الوقت مدى الاختراق الكبير للمخابرات الأمريكية للواقع اليمني في مختلف القطاعات.. وعلى رأسها الواقع السياسي وفي هذا السياق يرى "رئيس وكالة الأنباء اليمنية سبأ نصر الدين عامر، أن اعترافات الشبكة التجسسية حول استهداف الجانب السياسي احتوى على عدة ملفات، ولكن الأمر الخطير في تلك الاعترافات هو اختراق المخابرات الأمريكية للبرلمان اليمني" ! ويشير عامر إلى أن اختراق البرلمان اليمني معناه وصول أمريكا لسلطة الهرم وبالتالي التدخل في الدساتير والقوانين بما يخدم المصلحة الأمريكية ! مؤكداً أن اعتراف شبكة الجواسيس عن الدور الأمريكي في استقطاب الأحزاب السياسية يثبت المساعي الأمريكية في السيطرة على المكونات السياسية، وحرف مسارها بما يلائم المصلحة الأمريكية ! وبين عامر أن تواطؤ غالبية المكونات السياسية كالمؤتمر والإصلاح وتنظيم الوحدوي الناصري أسهم في تحقيق المصالح الأمريكية داخل البلد طيلة الفترة الماضية !! وأوضح عامر أن التدخلات الأمريكية جرت في كل مرحلة مهمة مرت بها الدولة، كالانتخابات الرئاسية، واختراق ثورة الشباب السلمية، مروراً بالمبادرة الخليجية ثم مؤتمر الحوار الوطني، ومؤخرا التحضير العسكري للعدوان على اليمن!! وأشار عامر إلى أن الولايات المتحدة كانت تدعم المعارضة وتدعم السلطات الحاكمة وتثير الخلافات بين الطرفين من أجل مصالحها، بل وتسعى جاهدة لإيجاد هوة عميقة بين الطرفين تجعل من مسألة الالتقاء والتفاهم بين الطرفين أمراً مستحيلاً !!..
وفي الجانب السياسي أيضاً، كشفت خلية التجسس اليمنية التابعة للمخابرات الأمريكية في اعترافات بعض أعضائها، والتي بثها أنصار الله في وسائل إعلامهم.. كشفت أن المخابرات الأمريكية استقطبت شخصيات سياسية وبرلمانية كبيرة في اليمن عملت لصالح المخابرات الأمريكية، منها، علي محسن الذي كانت تربطه علاقة حميمة مع السفير الأمريكي، وسلطان البركاني الذي كان يستضيف في منزله برامج وجلسات استقطاب لصالح المخابرات الأمريكية، وعثمان مجلي، وهاشم الأحمر، وشوقي القاضي وصخر الوجيه، وياسين سعيد نعمان، وعبد الملك المخلافي، وتوكل كرمان، وسعد الدين بن طالب، واحمد عوض بن مبارك، وحميد الأحمر، وأسماء أخرى !!
وكشفت تلك الخلية معلومات مذهلة، تخص توجهات سابقة للمخابرات الأمريكية - قبل مؤتمر الحوار - لتحويل اليمن إلى دولة ممزقة فيدرالية، وان المسؤولين الأميركان صرحوا علانية أن الجمهورية اليمنية بشكلها الحالي سوف تنتهي !!! وكشفت تلك الخلية أيضاً عن جانب كبير ومهم من التفاصيل حول دور البرامج والمشاريع الأمريكية التي كانت تعمل في اليمن باسم "التنمية الديمقراطية وحقوق الإنسان" !! وتحدثت الخلية التجسسية عن كيفية اختراق المخابرات الأمريكية لثورة 11 فبراير والتأثير على قياداتها ومن ثم ضمان مساراتها لصالح المصالح الأمريكية، كما تدخلت المخابرات الأمريكية في مؤتمر الحوار وضبطت إيقاعاته بالاتجاهات التي تناسب المصالح والتوجهات الأمريكية، كما كان لها دور مباشر من خلال الحضور المباشر - أي المخابرات الأمريكية – في لجنة صياغة الدستور التابعة لمؤتمر الحوار.. وتوفير السياقات التي تتناسب مع الخطط الأمريكية لهذا البلد، ومنها تقسيمه إلى ستة أقاليم وتحرير القطاعات الاقتصادية التابعة للدولة وتحويلها إلى قطاعات مملوكة للقطاع الخاص، بغية السيطرة عليها والاستحواذ عليها.. وعندما ظهر أنصار الله كحركة مؤثرة ومتنامية في أحداث اليمن انزعج الأميركان ولذلك قرروا شن الحرب عليها بواسطة السعودية والإمارات وعملائهم في اليمن، وتحول أعضاء الشبكة إلى مخبرين ومزودي العدوان بالاحداثيات للأهداف العسكرية من أجل تدميرها.. هذا ما كشفته شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية البريطانية في اليمن !! وفي هذا المجال كشف الجاسوس هشام الوزير بعضاً مما كانت تقوم به أمريكا عبر شبكة التجسس وعبر سفارتها في اليمن وعبر إعلامها وعملائها في المنطقة، ضد أنصار الله، وما تقوم به في هذا الإطار تحريض الجماهير اليمنية ضدهم عبر تشويههم وعبر إلصاق تهم وممارسات يقوم بها عملائها وتنسب إليهم بهدف تنفير الناس منهم وعزلهم، ومحاولة تقويض عمقهم الجماهيري، وأكد هذا الجاسوس أن أميركا ما زالت تواصل هذه الاستراتيجية حتى اليوم للأسف!! واستطراداً أن الجاسوسين شايف الهمداني، وعبد المعين عزان تحدثا بشكل مفصل عن التحرك الأمريكي عن طريق مباشر وغير مباشر بواسطة أعضاء هذه الشبكة في السيطرة على البرلمان، وعلى المعارضة، وعلى الحكومة وحتى على المجتمع المدني من خلال إقامة ندوات وبرامج ومنظمات حتى أصبحت قرارات البرلمان ملبية لما تريده وتمليه المصلحة الأمريكية، وحتى بانت قيادات أحزاب المعارضة والأحزاب الحاكمة تتسابق فيما بينها لإرضاء الأمريكي الذي حقق اختراقات مذهلة وجمع معلومات على مدى عقود حول النفط والاقتصاد وحول المجتمع المدني وحول عادات الناس وسلوكهم واهتماماتهم و.و. من خلال هذه الشبكة العريقة !! والأخطر من ذلك، أن هذه الشبكة كشفت بحسب اعترافات الجاسوس شايف الهمداني، أن الولايات المتحدة كانت تقوم بتصفية كل من يعارض مشاريعها في اليمن، ويقول الهمداني أنها أوعزت إلى أذرعها في اليمن لتصفية كل من يعارض من أعضاء الحوار الوطني أجندة أمريكا التي تدعو إلى تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم!! وما يثير السخرية هو أن كل نشاطات شبكة التجسس الأمريكية كانت تجري برعاية الرئيس السابق علي عبد الله صالح ! ما يعني ذلك أن هذه الشبكة تتحرك بحرية كاملة والخيارات كلها أمامها مفتوحة، ما يفسر ذلك التخلف واستمراره، واستمرار معاناة وفقر الشعب اليمني إلى يومنا هذا، فحتى الدول العربية الخليجية التي تعتبر أكثر تخلفاً من اليمن شهدت بعض التطور، لكن اليمن ظل يراوح مكانه لأن أمريكا ما كانت ترغب في ذلك، لماذا ؟ لأن اليمن يمتلك كل مقومات النهضة الحضارية، وبالتالي سيشكل مصدر خطر على مصالحها غير المشروعة وعلى غدتها السرطانية الكيان الصهيوني! ولذلك لم يفاجئنا حديث الشبكة الجاسوسية عن دور أمريكا وعبر هذه الشبكة في تخريب القطاع الزراعي بمختلف الطرق والأساليب الجذابة والخادعة والتي كانت تشكل غطاءا لهذا التخريب الذي ترك أثره في تدمير القطاعين الزراعي والصناعي.. وكشفت خلية التجسس أن وزارة الزراعة الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية وعناصرها لعب دوراً رئيسياً في استهداف القطاع الزراعي في اليمن، وحسب اعترافات عدد من أعضاء خلية التجسس انه "تم إعداد استراتيجية أمريكية لاستهداف الإنتاج الزراعي والحيواني باليمن منذ مرحلة مبكرة تعود لنهاية ثمانينيات القرن الماضي" وأوضح هؤلاء الجواسيس أن أمريكا دمرت هذا القطاع عبر إغراق اليمن بأسمدة مدمرة سامة دمرت حتى التربة وليس المحاصيل فحسب، و... وهناك تفاصيل مذهلة حول هذا التخريب المستمر حتى الآن وللأسف كان يجري على أيدي عناصر من هذه الشبكة وامتداداتها.. وما يقال عن التخريب الزراعي والسياسي والعسكري والأمني يقال عن التخريب الاجتماعي فهذه الشبكة ذكرت تفصيلات مثيرة من الأساليب الأمريكية في هذا المجال لتخريب المجتمع وذكرت أي الشبكة كيف أن الأمريكان يستخدمون الجنس وممارسة الرذيلة والتصوير والتهديد في عملية تجنيد العملاء الجدد وفي تخريب المجتمع، وأكد الجاسوس بسام المرداحي ضمن اعترافاته انه التحق بالسفارة الأمريكية في صنعاء منتصف ٢٠١٢ ، وانه تم إرساله لحضور دورة تدريبية في فرانكفورت ليتم الإيقاع به جنسياً وتوثيق ذلك!!
على أي حال هذا غيض من فيض حول ما كشفته وتكشفه شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية في اليمن من معلومات حول التدخلات الأمريكية وحول التخلف والتخريب التي ظل هذا البلد يشهدها منذ عقود نتيجة هذا الاختراق الخطير، لكن ذلك يكشف بدوره كما قلنا في بداية الحديث ضخامة الإنجاز الأمني الذي حققه أنصار الله في مواجهتهم العسكرية والأمنية المحتدمة مع الأمريكان والغربيين ومع الصهاينة وعملائهم في المنطقة.. وهو انجاز يتكون له تداعيات استراتيجية كبيرة بالتأكيد ستترك بصماتها، على اليمن وعلى الإقليم وعلى القوى المؤثرة في المنطقة كما يقول بعض الخبراء ومنها يا يلي:
1- إن أنصار الله تفوقوا في مخابراتهم وأجهزتهم الأمنية على المخابرات الأمريكية و"الإسرائيلية" فهم نجحوا في اكتشاف شبكة تجسس متجذرة اتخذت كل إمكانات التحصين والاختفاء والتمويه ما يعني ذلك أن مخابرات أنصار الله باتت تمتلك من المؤهلات والإمكانات، ما يؤهلها لأن تكون صنوا وندا لأجهزة مخابرات دول متقدمة جداً، وهذا ما يساهم مساهمة فعالة في تحصين وحماية البلد من الاختراقات المخابراتية ومن التلاعب باستقراره السياسي والأمني والاجتماعي وعلى كل الأصعدة، كما كان يحصل في السابق خصوصا في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح !!
2. كما تقول صحيفة كاردل "The cardle" الأمريكية، أن عملية اكتشاف هذه الشبكة فقأت العيون الأمريكية في اليمن ووفرت الفرصة لأنصار الله بصنعاء من الاستفادة مما يلي:
"- إعماء أعين الأمريكيين والإسرائيليين" أكثر فيما يتعلق بالقدرات العسكرية وما وصلت إليه الصناعات الحربية، وهي عوامل مساعدة في تطوير العملية الحربية البحرية الحالية .
ترميم الثغرات داخل الدولة خصوصاً في المراكز الحساسة المتعلقة بسبل الصمود اليمني بمواجهة الحصار على رأسها الزراعة.تحسين مناهج التعليم كون أحد مهام الشبكة كان يستهدفها .تحصين القطاع الصحي وتطويره بما يساعد على تخفيف معاناة اليمنيين . التعامل بحذر مع المنظمات الدولية وأعضائها خصوصاً الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية..".3- صحيح أن المخابرات الأمريكية لا تيأس وستظل تحاول اصطياد جواسيس جدد، أو قد يكون لديها شبكات أخرى غير تلك المكتشفة، لكن مع ذلك سوف تكون عملية استقطاب عناصر جديدة، عملية صعبة جداً بعد هذا الاكتشاف خوفا من المصير المحتوم، بل حتى أن الشبكات التي لا زالت غير مكتشفة، سوف تتردد كثيراً في العمل والتهرب خوفاً من الاكتشاف أو حتى ترك هذه الشبكات وهذا من شأنه أن يساهم في تحصين سيادة البلاد ويقرر استقلاله واستقلاية قراره السياسي، وذلك يفسر الاعتراف الأمريكي نفسه والاعتراف الأوربي أن قرار أنصار الله قرارا مستقلاً ويحظى بالدعم الجماهيري، بدليل المظاهرات المليونية في كل يوم جمعة دعما لقرار أنصار الله في استمرار حظرهم وحصارهم التجاري المفروض على العدو الصهيوني بسبب عدوانه على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
4- إن عملية تحصين اليمن، باكتشاف هذه الشبكة تجعل من عملية تطوير البلد عملية سلسلة وكفوءة، وبالتالي تحقيق النهضة الكبيرة والتقدم التي ينشدها قادة اليمن أنصار الله ، والشعب اليمني معاً.
ارسال التعليق