أين تقف أمريكا...بعد تفاقم الصراع بين السعودية والإمارات في اليمن
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي
من حيث المبدأ، تفضل الولايات المتحدة الأمريكية، أو الإدارة الأمريكية بعبارة أدق، استمرار الحرب في اليمن، لأنه وكما هو معروف، وكما أكدت ذلك أوساط إعلامية وسياسية أمريكية، أن الحرب اليمن، أو العدوان السعودي على اليمن، هو حرب أمريكا، أرادتها الأخيرة، لتشغيل مصانعها العسكرية، لشفط الأموال السعودية والإماراتية عبر عقود التسليح، لتغطية حاجات العدوان من الأسلحة المختلفة التي تستخدمها قوى العدوان ومرتزقتها ضد الشعب اليمني المظلوم، هذا بالإضافة إلى أن الحرب واستمرارها يؤمن لأمريكا مبررات التدخلات العسكرية والسياسية في شؤون المنطقة، ويساعد على نشر الفوضى وعدم الاستقرار فيها.
في إطار هذه الرؤية، التي تقف وراء إصرارها، أي ألولايات المتحدة، على استمرار الحرب، رغم ميل النظام السعودي إلى وقفها بعد فشله في تحقيق الأهداف التي أعلنها في بداية العدوان، وبعد ما باتت الحرب تهدد مملكته وكيانه أيضاً.. نقول في إطار هذه الرؤية، أيدت الولايات المتحدة أطروحة الأمارات بعد استدارتها الأخيرة في الحرب، والمتمثلة بتمكين المجلس الانتقالي من السيطرة على الجنوب اليمني ومحافظاته، وتقسيم اليمن، ومن إشعال حرب تستمر لعقود بين الشمال والجنوب، مع تقاسم المصالح بين السعودية والأمارات في الجنوب اليمني، بعد إشغال الجنوبيين بالحرب مع الشماليين، لأن هذا المشروع أن تحقق، يحقق أو يضمن لأميركا المزايا والمصالح الحالية في اليمن، حيث يستمر حلب الأموال السعودية والإماراتية، ويستمر استنزاف قوى الشعب اليمني، ومن ثم منع هذا الشعب من النهوض والتنمية لئلا يتحول إلى دولة رائدة، سيما إذا توفرت له قيادة وطنية.
غير أن أحداث شبوة الأخيرة، والتي أراد من خلالها المجلس الانتقالي، التمدد بعد سيطرته على عدن وأبين، نحو المحافظات الواحدة تلو الأخرى، إذ ان المعارك في هذه المحافظة، وإخفاق قوات الحزام الأمني، والنخبة الشبوانية من السيطرة على المحافظة، ومن ثم هزيمتها أمام قوات هادي وحزب الاخونج (الإصلاح)، أفرزت- تلك المعارك وتطوراتها عدة أمور مهمة، أعتقد أنها شكلت أساساً بنت عليه واشنطن موقفها من تطورات الوضع الميداني في مناطق تواجد الاحتلال السعودي الإماراتي، والذي أعلن عنه السفير الأمريكي في اليمن سابقاً جيرالد فيرستاين، والمتحدث باسم الحكومة الأمريكية، ومن هذه الأمور المهمة التي أفرزتها تلك المعارك ما يلي:-
1ـ ظهر أن لا السعودية ولا حتى الولايات المتحدة، لهما القدرة الكافية لضبط الميليشيات اليمنية السائرة في فلكهما، مثل ما يسمى بالجيش الوطني وجماعة الإصلاح (الإخوان المسلمين)..وغيرهما من الجماعات المسلحة التي أنشأتها وتشرف عليها السعودية أو الولايات المتحدة، تحت اسم الشرعية، ومسميات أخرى.. فهذه الفصائل تمردت على رعاتها حينما رأت أن ثمة تواطأ سعودي واضح مع التحرك الإماراتي، عبر سيطرة المجلس الانتقالي على محافظتي عدن وأبين، ومحاولة هذا المجلس التمدد للمحافظات الجنوبية الأخرى، وقد لاحظنا حالة الغضب والهستيريا التي ألمت بعدد من مسؤولي حكومة هادي، فوزير الداخلية أحمد الميسري الذي أخرجته القوات السعودية من عدن مطروداً، قال إننا ذبحنا على أيدي الإمارات من الوريد إلى الوريد، دون أن تحرك السعودية ساكنا، حيث ظلت صامتة طيلة الأربعة أيام التي شهدت معركة فاصلة مع "قوات الشرعية" بحسب قوله، متهماً السعودية بالتواطؤ مع التحرك الإماراتي.. بل إن مسؤولين آخرين من حكومة هادي أعلنوا صراحة، أن السعودية متواطئة مع الإمارات في هذا التطور، حتى أن بعض وسائل الإعلام اليمنية سربت أخباراً حول أن عبدربه منصور هادي أراد تقديم شكوى لمجلس الأمن ضد الإمارات واعتبارها دولة محتلة وكذلك ومنعته من الإقدام على مثل هذه الخطوات.. وإزاء مثل هذه التطورات وجدت جماعة عبدربه والإصلاح إن السماح لمرتزقة الأمارات مواصلة التمدد والسيطرة على مزيد من مناطق"الشرعية"، سوف يكون نهايتهم، وسوف ينتظرهم التهميش الإهمال السعودي، مع احتمالات تصفية قياداتهم على أيدي مجاميع المجلس الانتقالي، لذلك قرروا التمرد على التعليمات السعودية، واندفعوا بكل ثقلهم لإلحاق الهزيمة بقوات المجلس الانتقالي ومنعه من السيطرة على شبوة، المحافظة المهمة استراتيجياً من ناحية الموقع الجغرافي ومن ناحية الثروات النفطية، وأمور أخرى، وتجدر الإشارة إلى أن السعودية، ولأنها قبلت بالمشروع الإماراتي على مضض لأن ليس لديها خيار آخر، غضت الطرف عن تمرد مرتزقتها من حلفائها اليمنيين رسمت لهم قبل معركة شبوة الفاصلة بتمرير تبرمها من التحرك الإماراتي عبر تصريحاتهم الشديدة والقاسية في بعض الأحيان ضد الإمارات، ومنها اتهام الأخيرة بالخيانة، أي خيانة " التحالف" العدواني بقيادة السعودية...
وإزاء هذا التعقيد وجدت الولايات المتحدة أن من الصعوبة بمكان ضبط الأمور بحسب ما تقتضيه المصالح والأجندات السعودية والأمريكية، ولذلك لا بد من تدارك الأمور ومحاولة تطويقها والسيطرة عليها خوفاً من تدحرجها إلى ما لا يحمد عقباه.
2ـ وجدت الولايات المتحدة، أن الصراع في شبوة يمكن أن يتدهور إلى مواجهة مباشرة بين السعودية والأمارات، وحينذاك تكون هناك كارثة بالنسبة لهذه القوى، ولرعاتها الاميركان والصهاينة، فهؤلاء رأوا أن المعارك بين قوات هادي وقوات المجلس الانتقالي الموالي للأمارات، يمكن أن تتدحرج إلى مزالق خطيرة، سيما وان بوادر التراشق الإعلامي بين الطرفين بدأ يأخذ أبعاداً تصاعدية بين الطرفين، ففي هذا السياق..نشر موقع " إرم نيوز " الإماراتي هجوماً حاداً على الحكومة اليمنية وعلى الرئيس المخلوع هادي ووصف حكومته بحكومة الفنادق كما أشار إلى فساد نجلي هادي. كما أن المستشار السابق لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الأكاديمي عبد الخالق عبد الله شنَّ هجوماً ضد الحكومة اليمنية وقال إنها تتخذ مواقف مبتذلة وتفتعل معارك غير ضرورية مع أقوى حليف في التحالف من أجل استعادة "الشرعية".. وأضاف "حكومة اليمن (حكومة هادي..) أصبحت عالة، وتود إطالة الحرب، وخسارة فيها قطرة دم طاهرة، وخسارة فيها دولار واحد ذهب لقيادتها الفاسدة". وسبق ذلك الهجوم، وصف نائب المندوبة الدائمة للامارات في الأمم المتحدة سعود الشامي في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، لحكومة اليمنية "الشرعية" بأنها عاجزة عن إدارة شؤونها الداخلية" ورفض رفضاً قاطعاً لما وصف بـ "المزاعم والادعاءات التي وجهت إليها (للأمارات) حول التطورات في عدن". من جهته وصف الكاتب الإماراتي سامي الرياحي حكومة اليمن "الشرعية بأذناب الإخوان" على حد قوله، وذلك في مقال له بصحيفة الإمارات اليوم الرسمية.. أكثر من ذلك أن رئيس شرطة دبي السابق ضاحي خلفان غرد أكثر من مرة مسيئاً للسعودية ولحكومة هادي، ودعا الأخيرة الى الاستقالة..
وفي المقابل فأن مدافع الإعلاميين السعوديين وحتى بعض المسؤولين، ولم تكتف بردود وهجمات جماعة هادي وبقية المرتزقة ضد الإمارات ومرتزقتهم، وإنما نزل بعضهم بكل ثقله في المواجهة الإعلامية..ففي هذا السياق كتب سلمان الأنصاري مؤسس ورئيس لجنة العلاقات العامة الأمريكية- السعودية "سابراك "، مهاجماً الإمارات وبلهجة حادة، ضد من كان وراء ما حدث في عدن، في إشارة للإمارات، متوعداً إياهم بخسارة فادحة جداً نتيجة ما فعلوه.. وقال سلمان الأنصاري "أن خلط الأوراق الذي حصل في عدن وجنوب اليمن بلا تنسيق مع قيادة التحالف ما هو والله إلا خيانة صريحة مكتملة الأركان: وطعن حقيقي في الظهر، وسيخسر خسارة فادحة جداً كل من كان وراءه على المدى المتوسط والبعيد". وأضاف "السعودية قد تسامح بحكمتها وعلو شأنها متى رأت ذلك، ولكنها لا تنسى" على حد قوله.
من جهته شن الإعلامي السعودي منصور الخميس هجوماً على ضاحي خلفان رداً على قول الأخير، "من يقف إلى جانب هادي وحكومته فهو إلى جانب "رجل غدر وخيانة" وجاء في رد الخميس.. "هل السعودية غدر وخيانة" ووصف خلفان بأوصاف لاذعة، وانه لا يتحلى بالأخلاق وطالبه بالاعتذار للسعودية ولسعوديين! وأشد من ذلك رد الكاتب السعودي سليمان العقيلي قائلاً "هل تريدون طرد النفوذ السعودي من اليمن كله"؟ ومضى بالقول "يمن جنوبي تسيطرون عليه ويكرس يمناً شمالياً تسيطر عليه إيران!". على حد قوله، واستطرد بالقول "تريدون إسقاط الحكومة الشرعية (صديقة الرياض) لكن يتحقق هذا السيناريو، ولا يبقى في اليمن صديق للسعودية!.. هكذا الأمر واضح، سجل يا تاريخ واشهد يا زمن".
واستطراداً قال عبد العزيز بن عثمان التويجري وهو مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة سابقاً، "انه لم يعد هناك مجال للشك في أن المجلس الانتقالي الذي يحارب الحكومة الشرعية بالسلاح واللسان في الشطر الجنوبي من اليمن مصنوع لإفشال جهود التحالف في مواجهة "ميليشيات الحوثي" المدعومة من إيران. التبرير والتوقيت مشبوهان" على حد مزاعمه.. واعتبر الصحفي والناشط السعودي تركي الشلهوب، رداً على تغريدات ضاحي خلفان أن "إتّباع محمد بن سلمان لشيطان أبو ظبي بشكل أعمى، أوصلنا إلى درجة أن يقوم حارس بيوت الدعارة والملاهي الليلية، بالإساءة إلى السعودية واحتقارها!!، مضيفاً في تغريدة أخرى..ظهر القليل من حقدهم. قريباً ستبدأ الحملات الإماراتية المنظمة ضد السعودية" على حد مزاعمه وأقواله..
ولم تتوقف الأمور عند حدود التراشق الإعلامي بين الطرفين والاتهامات المتبادلة، بل كشفت مصادر يمنية مطلعة أن المعارك التي شهدتها محافظة شبوة بين مرتزقة السعودية والأمارات تحولت في مدينة عتق بين القوات السعودية والقوات الإماراتية. وأكد الكاتب الجنوبي سعيد الحسيني، أن الصراع يدور حول الثروة النفطية التي تزخر بها هذه المحافظة. كل ذلك دق جرس الإنذار عند الأمريكيين، بأن النتائج ستكون وخيمة بالنسبة لمصالحهم في اليمن، لأن انزلاق الوضع إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الإمارات والسعودية، من شأنه أن يساهم في هزيمة الاثنين معاً أمام جماعة الحوثي، وبالتالي إلحاقهم هزيمة كبيرة بالمشروع الأمريكي الصهيوني وبإنهاء الحرب لصالحهم..
3ـ الأخطر من ذلك، هو أن الأمريكان، وجدوا أن تفاقم الصراع بين السعودية ومن مرتزقتها من جهة وبين الإمارات ومرتزقتها من جهة أخرى، ساهم بشكل كبير بكشف أطماع السعوديين والإماراتيين، وزيف شعاراتهم وكذبها التي سوقوها في بداية العدوان وما زالوا، لتبرير هذا العدوان واستمراره، ومنها إعادة ما يسمونه "الشرعية" إلى صنعاء، فإذا بهذه "الشرعية" المصطنعة تذبح على يد الإمارات ومرتزقتها من الوريد إلى الوريد، كما قال الوزير أحمد الميسري، وهناك الكثير من التطورات التي أشرت إلى تصاعد وعي أبناء الشعب اليمني في الجنوب، بالأهداف الحقيقية للاحتلالين السعودي والإماراتي، وبإطماعهما بالثروات اليمنية.. ففي هذا السياق كتب المواطن اليمني صدام الكمالي على توتير قائلاً: إن "التحالف السعودي الإماراتي دخل إلى اليمن في مارس2015 لإعادة شرعية هادي، ومحاصرة الحوثيين، فإذا به بعد سنوات ينقلب على الشرعية ويحاصر ويعري نفسه يمنياً وإقليميا ودولياً، فيما الحوثي يتمدد ولا يبالي" على حد قوله، وهناك الكثير من التعليقات المماثلة على توتير لمواطنين يمنيين كلها تؤشر إلى افتضاح أهداف العدوان في اليمن. سيما وان مستشار بن زايد عبدالخالق عبدالله كشف فيه "التحالف" في تقسيم اليمن بقوله "الشمال شمال والجنوب جنوب ومن الصعب أن يندمجا بعد اليوم".
أكثر من ذلك، وعلى خلفية تصاعد هذا الوعي الجماهيري بأهداف العدوان، دعا رئيس المجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي حسن باعوم إلى قيام جبهة وطنية عريضة ومجلس إنقاذ من أجل إعلان عن خارطة طريق "لتحرير واستقلال الجنوب" بعيداً عن الاحتلالين الإماراتي والسعودي، مشدداً على رفض التدخل الخارجي مهما كان، ومشيراً إلى أن التواجد الأجنبي ينقص من "الحرية الكاملة التي هي شرط موضوعي للاستقلال واستعادة الدولة وطرد الاحتلال" في إشارة للتواجد السعودي والإماراتي في الجنوب..
من جهته دعا وكيل محافظة المهرة السابق الشيخ علي سالم الحريزي الى طرد السعودية والإمارات من الأراضي اليمنية والعمل على وقف الحرب التي تسببتا بها في اليمن. وقال إن الشعب اليمني يستطيع حل مشاكله بنفسه وباستطاعته التوصل لتفاهمات فيما بينه مطالباً حكومة عبدربه المقيمة في فنادق الرياض بمغادرة السعودية. وأكد الحزيري على ضرورة وقف التدخلات الخارجية بشؤون الوطن، لافتاً إلى أن السعودية والأمارات هما السبب في الخلافات والحروب الداخلية التي تشهدها اليمن.. وفي وقت سابق أكد الحزيري على أن قبائل المهرة على أهمية الاستعداد ليس فقط لمواجهة قوات الانتقالي الذي اعتبره أداة بيد الأمارات، بل أيضاً مواجهة الميليشيات التي صنعتها السعودية في المحافظة.. ما يعني كل ذلك، احتمال هبة شعبية في المناطق الجنوبية تكنس الأميركان وعملائهم السعوديين والإماراتيين، ومرتزقتهم من اليمن.. لذلك سارع الأميركان بعد هذه التطورات، إلى محاولة ضبط تحركات المجلس الانتقالي، كما جاء في تصريحات المتحدث باسم الحكومة الأمريكية، لصحيفة الشرق الأوسط السعودية حيث أعلن أن بلاده (أمريكا) تدعم حكومة اليمن "الشرعية" المعترف بها سعوديا.. وقال هذا المتحدث أن الولايات المتحدة تستنكر أعمال العنف الأخيرة في جنوب اليمن والاستيلاء على المؤسسات الحكومية والمنشآت العسكرية..وتأكيداً لهذا الموقف الأمريكي حذر السفير الأمريكي الأسبق لدى اليمن جيرالد فيرستاين، من خطر تقسيم اليمن وتفتته، متهماً الإمارات باللعب بالنار..
لكن السؤال الذي بات مطروحاً اليوم بعد التطورات العسكرية التي شهدتها محافظة الشبوة، هو هل تستطيع الولايات المتحدة ضبط واحتواء العداء بين مرتزقة السعودية ونظرائهم مرتزقة الإمارات، بعد سقوط هذه الدماء والتمثيل بموتى قوات النخبة الشبوانية التابعة للإمارات، وسحل جنائزهم في الشوارع؟ يبدو لي أن الأمور تتجه نحو الأسوأ بالنسبة للسعودية وللإمارات ولأميركا في اليمن،فاليمن بات فيتنام جديدة للسعوديين وللإماراتيين معاً، ومن ورائهم الراعي الأمريكي والصهيوني.
ارسال التعليق