اتفاقية السلام مع العدو... الوجه الآخر للاحتلال الصهيوني الأمارات
[عبد العزيز المكي]
ليس بالضرورة، أن يحصل الاحتلال لدولة ما، من قبل دولة أخرى بالزحف العسكري، والسيطرة على موافق الدولة تلك المحتلة بالجيوش الزاحفة وبأداتها العسكرية، كما هو حال الاحتلالين الأمريكيين لأفغانستان والعراق، أو الاحتلال الغربي لليبيا، وقبل ذلك الاحتلال الاستيطاني الصهيوني لفلسطين، والأمثلة على نموذج هذا الاحتلال كثيرة... نقول ليس بالضرورة أن يكون الاحتلال على هذه الشاكلة، إنما قد يتم بوسائل أخرى غير الاحتلال والزحف العسكري وإسقاط منظومات ومقومات كيان الدولة المحتلة بهذه الوسائل، فقد تستخدم وسائل ناعمة وغير مثيرة لانجاز هذا الاحتلال، وهو ما يعتبر بنظري أخطر أنواع الاحتلال العسكري، فالاحتلال، بالوسائل الناعمة دائماً يتلطى وراء شعارات خادعة وتبريرات ومسوغات كاذبة، كما هو حال اليوم، "التحالف بين الأمارات والكيان الصهيوني" أو ما أطلق عليه " اتفاقية السلام" أو "اتفاقية إبراهيم" وما إلى ذلك من التسميات، فهذه الاتفاقية أو إعلان الحلف، هي الوجه الآخر للاحتلال الصهيوني للأمارات!!
هذا الكلام ليس تجنياً، وليس اتهاما لقادة الأمارات، وإنما تؤشر عليه بوضوح الوقائع والمعطيات اليومية، لتداعيات هذا الاحتلال الناعم، فلو رجعنا إلى خطاب وأدبيات الإعلام الصهيوني، وما تتضمنه خطابات وتصريحات المسؤولين الصهاينة من الطبقة السياسية والأمنية، نجد أن هذا التحالف، هو احتلال صهيوني بكل ما للكلمة من معنى، وتتجلى الصورة هنا أكثر إذا استحضرنا تجربة "كامبد يفيد" مع مصر و"وادي عربة" مع الأردن، وما آلت إليه الأمور الأمنية والاقتصادية في ظل إتفاقيتي " السلام " أو بعبارة أدق الصلح مع العدو، وعلى مدى العقود الماضية أي منذ عقد هاتين الاتفاقيتين ولحد الآن. وإذا أردنا أن نوضح أكثر، نشير إلى مراحل هذا الاحتلال والزحف الناعم للعدو الصهيوني للأمارات وبقية الدول العربية الخليجية، ويمكن تقسيم هذه المراحل إلى ما يلي:
1ـ الزحف الأمني: وهو ما يعتبر أهم وسائل وأدوات العدو إلى جانب الزحف العسكري، فعلى سبيل المثال بدأ العدو بالزحف نحو دول أفريقيا، بالوسائل العسكرية، ليس بإرسال جيوش، وإنما بإرسال خبراء تدريب، ثم إرسال أسلحة ومعدات عسكرية، ثم التغلغل في البنية العسكرية والسياسية، والاقتصادية وإيجاد شبكات سيطرة ووصولا إلى الإمساك بالوضع السياسي وضبط إيقاعاته بحسب النغمة الصهيونية، كما حصل في الكونغو وأفريقيا الوسطى، حيث بدأ الاحتلال بإرسال أربعة خبراء صهاينة عسكريين، وانتهى بالسيطرة على الوضع السياسي في "الكونغو" مثلاً عبر طبقة عسكرية وسياسية متصهينة.. وفي الأمارات بدأت الأمور على هذه الشاكلة بالتواصل الأمني بين الطرفين.. فعلى سبيل المثال كشف المسؤول في الموساد الصهيوني "ديفيد ميدان"، مسؤول تجنيد العملاء للموساد حول العالم، بحسب ما نقله أو ما نشر موقع عربي21 في 24 آب2020.. كشف أن عام 2005 شهد أول زيارة له إلى دولة الإمارة، وشكلت بداية الاتصال السري بين الطرفين بحسب ميدان! الذي أشار إلى توليه مسؤولية التحرك على الأنظمة العربية كجزء من مهامه في الموساد.. وأضاف " كنت أول مسؤول إسرائيلي كبير من الموساد يطير ويلتقي بقائد الأمارات، ومن هنا بدأت علاقة سرية مع موظفينا باستمرار على الخط،، في تعاونات متنوعة ومثيرة للإعجاب، وبكثافة عالية، هذا رسم بياني بدأ بشركاء صغار، يرتفعون ويصعدون حتى وصلوا إلى الذروة التي رأيناها في الاتفاقية الأخيرة بين "بنيامين نتنياهو" و"محمد بن زايد".." وتابع قائلاً " بعد الانتهاء من عملي في الموساد، بدأت منذ 2013 ببناء بنية تحتية تجارية كبيرة جداً، كأحد ركائز السلام الاقتصادي مع الدول العربية. هذا لا يظهر ذات صباح فجأة، لأنها عملية تم بناؤها ببطء، مع العلم انه بعد الاتفاق الأخير أرسل لي أحد كبار المسؤولين الإماراتيين رسالة عبر الواتساب باللغة الانجليزية، نصها، (أنت من بدأت هذه المسيرة يا أخي)"! وهكذا يواصل ميدان حديثه عن تطور العلاقات وتزايد دفئها بنيه وبين المسؤولين الإماراتيين واصفاً أجواء المحبة والود بينهم خصوصاً من جانب "محمد بن زايد" واخوته!!، ومشيراً إلى اللقاءات الحميمة بهم منذ لقاءه الأول عام 2005 وحتى هذا الوقت!! التعاون الأمني الذي تحدث عنه ميدان مع الإمارات، اتسعت آفاقه وتطورت إلى الاستعانة بالكيان الصهيوني في التجسس ومتابعة نشاطات المعارضين في الأمارات وخارجها، للسلطات الإماراتية، والانظمة دول خليجية أخرى كالبحرين والسعودية!! بالاستعانة ببرامج التجسس التي نتجها شركة " إن إس او" (NSO) التي تقع في مدينة "هرتزيليا" القريبة من "تل أبيب"، وهذه الشركة تقنية تركز في عملها أو متخصصة بالاستخبارات الالكترونية، تأسست عام2010، من أصحاب أعمال كانوا يعلمون في الموساد الصهيوني، وبعضهم يحمل رتب عالية، ومن أشخاص كانت لهم علاقة وارتباط وثيق بالموساد وبالحكومة الصهيونية.. صحيفة "هاآريتز" العبرية نشرت تقريراً مفصلاً عن لجوء حكومات عربية خليجية بينها الأمارات إلى هذه الشركة للتجسس على المعارضين لهذه الحكومات، كتب هذا التقرير الكاتب "حاييم لفنسون"، وجاء في تقرير الصحيفة الصهيونية، أن الشركة زودت حكومة الإمارات وحكومات عربية خليجية أخرى ببرنامج "بيغاسوس" الذي يخترق الهواتف النقالة والأجهزة الالكترونية الأخرى وينسخ محتوياتها ويضعها في خدمة من يستخدم هذا البرنامج، ذلك مقابل مئات الملايين من الدولارات من حكومات تلك الدول، كما أن هذا التعاون استدعى تواجد وزيارات لمسؤولين صهاينة في "الأمن السيبراني" يتبعون لهذه الشركة، أو حتى للموساد الصهيوني، تواجدهم وزياراتهم المستمرة والمتواصلة للإمارات وللسعودية والبحرين!!
وأشارت صحيفة هاآرتيز إلى أن "شركة الإسرائيلية"، استأجرت "إسرائيليين" عملوا سابقاً في الأجهزة الأمنية، لتوفير تحليل لمعلومات إستخبارية إلى جانب خدمة اختراق الهواتف، وذلك إزاء الصعوبات في دول الخليج التي تتمثل بالحصول على معلومات نوعية من إجمالي الرسائل والملفات"! وبهذه الطريقة فأن العدو بات يمسك بتفاصيل الوضع الأمني في الأمارات لدرجة كما ذكرت وكشفت صحف ووسائل إعلام صهيونية، سابقاً أن الإمارات والسعودية تستعينان بشركات أمنية صهيونية لحماية مسؤوليها ومراكزها، بل اعترفت وسائل الإعلام الصهيونية، أن السعودية استعانت العام الماضي في "موسم الحج" بشركات أمنية إسرائيلية لحماية "الحجاج"، الأمر الذي يكشف ذلك وغيره مما لازال مخيفاً وهو كثير، سطوة العدو الصهيوني الأمنية على هذه الحكومات ونفوذه المتفاقم في مفاصلها الحساسة!!
وإلى جانب المتمركز والتوسع الأمني فأن العدو يحاول بعد إعلان التحالف رسمياً مع الإمارات توسيع نطاق حضوره العسكري في الإمارات تحديداً وفي الدول الأخرى المرشحة لإعلان اتفاقيات "سلام" مماثلة معه، ففي هذا السياق أشارت مصادر يمنية إلى أن جزيرة "سقطري" شهدت بعد إعلان الأمارات التحالف مع العدو وتحركا عسكرياً صهيونياً، فُسّر على انه تحرك لإقامة قواعد عسكرية صهيونية في الجزيرة بالاشتراك مع الإمارات!! ففي تغريدة لأحد المقربين من الإمارات، من "حزب الإصلاح اليمني"، على تويتر في 21 آب 2020، قال "عادل الحسني".." وصول وفد مشترك من ضباط المخابرات الإماراتية والإسرائيلية إلى جزيرة سقطري وترتيب إنشاء قواعد عسكرية في أماكن مهمة في الجزيرة وهي: مركز "جمجموه" في منطقة "مومي" في الشرق الجزيرة، ومركز قطنان في غرب الجزيرة، في أعلى قمة الجبال ومطل على الممر الدولي للبواخر"! يشار إلى أن الصحف الصهيونية كانت قد هللت ورحبت قبل أشهر بسيطرة الجماعات الموالية للإمارات بالسيطرة على جزيرة سقطري وطرد جماعة "عبد زربه منصور هادي" منها، مع سكوت وتواطأ مريب من قبل النظام السعودي حليف جماعة هادي!! الأمر الذي يؤشر إلى النوايا الصهيونية المشار إليها. أكثر من ذلك أن المستشرق الصهيوني "عوديد غرانوت" أوضح في صحيفة، إسرائيل اليوم، أن وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" يسعى في جولته الأخيرة إلى إقناع بعض الدول العربية مثل السعودية والمغرب والبحرين، إلى الحذو، حذو الأمارات، والتمهيد لإقامة حلف عسكري يضم الكيان الصهيوني وهذه الدول المطبعة، المتحالفة مع العدو ضد "إيران"!! علماً أن وسائل إعلام عربية كانت قد أشارت إلى تواجد خبراء عسكريين وضباط صهاينة في الأمارات، بل إن مصادر يمنية موثوقة كانت قد كشفت عن زيارة وفد عسكري عالي المستوى ضم خبراء صهاينة في المجال العسكري، بمعية ضباط إماراتيين، قاموا بها للساحل الغربي المحتل والتقى الوفد بالعفاش "طارق صالح" ابن أخ الرئيس السابق "علي عبد الله صالح" حيث ذكرت المصادر اليمنية الموثوقة أن صالح أطلع الوفد على آخر مستجدات الحرب مع "الحوثيين"، وانه تلقى نصائح وأوامر عسكرية من الوفد العسكري الصهيوني والإماراتي!!
2ـ الغزو الاقتصادي، أو الاحتلال الاقتصادي الصهيوني للأمارات، وهو إلى جانب الأهداف الأمنية والعسكرية، الهدف الأساسي لهذا التحالف، لكني لا استغرق في توضيح هذا الغزو، لأنه كتبت عنه مقالات كثيرة وشروحات مستفيضة ولا داعي للتكرار، إنما سأكتفي بإشارات سريعة في هذا المجال للتذكير فقط، وابدأ بنقل إشارة "ديفيد هيرست" الكاتب البريطاني في صحيفة ميدل إيست آي البريطانية في مقالة له، الى الفوائد الاقتصادية للعدو من التحالف مع الإمارات بقوله.. "لم يكن نتنياهو يبالغ حينما قال مساء الخميس، عندما أعلن عن الصفقة- التحالف في 13 آب- أن الاعتراف الصادر عن الإمارات العربية المتحدة سوف يثري إسرائيل"، وأضاف رئيس الوزراء "نتنياهو": هذا أمر بالغ الأهمية لاقتصادنا ولاقتصاد المنطقة ولمستقبلنا... وقال: إن الإمارات العربية المتحدة سوف تستثمر أموالاً من شأنها أن تعزز الاقتصاد الإسرائيلي بالضبط، فبدلاً من استثمار أموالها في الأردن أو في مصر، وكلاهما في حاجة ماسة إلى المال، سوف يبدأ صندوق الثروة السيادي الأغنى في منطقة الخليج بالاستثمار في "إسرائيل"، التي تعتبر بالمقارنة إقتصادًا ضخماً في قطاع التكنولوجيا المتقدمة.."، هذا وكنا قد أشرنا في مقالنا السابق إلى أحاديث وشهادات الأوساط الصهيونية الأخرى عن المكاسب الاقتصادية سيجنبها العدو من هذا الإعلان عن التحالف، ولذلك ننهي هذه الفقرة بما كتبه صاحب حساب "بدون ظل" الذي يعرف نفسه على أنه ضابط أمن إماراتي معارض، على تويتر في 24 آب/2020، حيث كشف عن معلومات مذهلة تعزز التحليل المشار إليه، ومما جاء في سلسلة تغريداته: "أن بنود التطبيع السرية بين الإمارات وإسرائيل تقوم على أساس مراقبة جميع الحوالات المصرفية"! وأضاف بدون ظل: "جميع الموانئ البحرية والجوية ستكون تحت مراقبة إسرائيلية بشكل دائم، ومراقبة شبكة الاتصالات ومواقع شبكات الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي، وأسماء وجنسيات العاملين في الصحف والقنوات التلفزيونية التابعة للدولة"!! وتابع حساب "بدون ظل" قائلاً: إلى جانب ما سبق "معرفة جميع الدبلوماسيين والعسكريين والموظفين المدنيين العاملين في سفاراتنا بالخارج، وأرقام حساباتهم المصرفية وأماكن سكنهم في الدول المقيمين فيها بشكل تفصيلي"!! وأكمل بدون ظل القول: "إرسال جميع الحوادث والجرائم الجنائية والمدنية والحقوقية وقضايا الدولة في الخارج ومشاكل الخلافات العنصرية داخل الدولة للسفارة الإسرائيلية"!! وأشار الضابط الإماراتي المعارض صاحب الحساب المذكور إلى انه "تم تسليم إسرائيل" كشوفات بكل كميات الأسلحة ومصادرها وصناعاتها وسنوات التخلص منها ومواقع تخزينها وأسماء القائمين على حراستها"!! لافتا- هذا الضابط- إلى وجود اجتماعات تنسيقية إستخباراتية إسرائيلية هندية في الإمارات بشكل دوري بعلم الجهاز الأمني الإماراتي، وذلك ضمن الاتفاق الأخير"!! وتابع: "جميع الطلبة والطالبات من تمت الموافقة عليهم من مرشحي الضباط والسلك الدبلوماسي والإعلامي يتم إرسال كشوفاتهم للسفارة الإسرائيلية"!! كما أشار الضابط الإماراتي إلى أن ملّاك الفنادق في الإمارات نوعان، مالك معلن، ومالك خفي، وان "إسرائيل" طلبت من الأجهزة الأمنية معرفة جميع الملّاك الحقيقيين وصلتهم بمّلاك الواجهة!! وإذا صح كل ذلك، وهو المرجح فأن ذلك يعني أسوء من الاحتلال، أي انه احتلالاً متكامل الأوجه، لأن كل مفاصل الدولة باتت بيد العدو الغاصب أليس كذلك؟! وبدون شك أن هذا الاحتلال يفسر كلام الصحفي الصهيوني كرمل لوتساتي الذي تجول مؤخراً لمدة أسبوع في الأمارات بأن الأخيرة تشبه في كل شيء لكيان الصهيوني أي أنها متماهية مع هذا الكيان في كل موافقة!! كما من حق هذا الصحفي أن يبتهج ويعبر عن فرحته بهذا الفتح!!
3ـ الغزو الثقافي، فمثلما كانت البنود الثقافيية جزءاً أساسياً أو فصلاً رئيسياً من فصول اتفاقيتي "كامب ديفيد" و"وادي عربة"، أيضاً شكلت هذه البنود نواة أساسية الاتفاقية إعلان التحالف مع الإمارات، لكن الفرق هو أن العدو وجد تجاوباً بل وحماساً واندفاعاً من جانب السلطات الإماراتية لتنفيذ وترجمة بنود الغزو الثقافي في الاتفاقية "السلام" مع العدو، ذلك من أجل الإسراع في تحقيق أهداف هذا الغزو، ومنها تدمير هوية الشعب الإماراتي ومسح ذامرته التاريخية وتحويل أجياله القادمة إلى مسخ يخدمون المشروع الصهيوني!! وهذا ما كشف عنه صراحة في وقت سابق رئيس لجنة الدفاع والداخلية في المجلس الاتحادي الإماراتي على "راشد النعيمي"، أن دولته ستقوم بتغيير كل شيء يزعج الإسرائيليين، وستفعل ما بوسعها لإرضائهم وجعلهم يشعرون أنهم جزء من نسيج الخليج!! على حد قوله.. وقال على راشد النعيمي "نحن نريد مشروع جديد في المنطقة يشعر الشعب الإسرائيلي بالانتماء والأمن والأمان، ويشعر انه مكون طبيعي من مكونات المنطقة وانه له قبول " على حد قوله.. وأشار النعيمي إلى أن الاتفاقية مع الكيان الصهيوني: "تستهدف العلاقات بين الشعوب" مضيفاً "نريد أن ينعكس هذا السلام على العلاقات بين الشعوب أكثر من العلاقة بين الحكومات، هي قضية تغيير المنطقة كلها، بتغيير الخطاب السياسي والخطاب الديني والخطاب الأعلامي، وتغيير العلاقات الثقافية، ونظرة كل واحد منا للآخر"!! على حد قوله. فهل أكثر صراحة من هذه الصراحة على التسليم الإماراتي للغزو الثقافي الصهيوني!! وأوضح راشد النعيمي مؤكداً: إن الإمارات تراجع مناهجها وخطابها الإعلامي"! وتابع " نراجع كل ما يمكن أن يقال، لأننا جادون في بناء جسور من الثقة"..إذن المستهدف من هذا الغزو كما اشرنا هو عقل الأمة وفكرها ومقدساتها وهويتها بدءاً بالأمارات..
وكما قال علي راشد النعيمي، فأن الأمارات باشرت فعلاً في تغيير مناهج الطلبة في كل المراحل الدراسية لديها، بل أنها باشرت قبل الإعلان عن هذا التحالف، منذ أكثر من سنتين مضت!! كعربون ثقة واخلاص للعدو على ما يبدو!! حيث كان نشطاء قد تداولوا، في شباط عام 2018 صورة من أحد كتب مناهج الأمارات تزعم أن رام الله عاصمة فلسطين وليس القدس الشريف. ويقول الخبير في الشأن الصهيوني "عمر جعارة" إن: "الأمارات ستعمل على تربية أبنائها على أن ما يجمعها مع دولة الاحتلال اتفاق تطبيعي، ولا يوجد بينهما أي عداء، أو يتم إطلاق الصواريخ بشكل متبادل، أو تكون هناك دماء". وبحسب جعارة فإن الأمارات تحاول جاهدة المس بوعي شعبها وأجيالها حول "إسرائيل" من خلال التأثير بشكل مباشر على عقولهم عبر مناهج جديدة خالية من أي دعوة لمحاربة الإسرائيليين". وستولي أبو ظبي بحسب جعارة: "مسؤولية تغيير المناهج لجهات عليا في الدولة، لكونها ذاهبة إلى مرحلة جديدة وحساسة جداً، بحيث سيتم إبراز السلام بشكل قوي جداً، خاصة في مواد التأريخ واللغة العربية".
وعن إمكانية نجاح الإمارات في تغيير وعي شعبها، يرى الخبير جعارة، أن السلطات المصرية سبقتها في ذلك من خلال تغيير مناهجها التعليمية ومصالح دولة الاحتلال، ولكن الطلبة بعدما كبروا لم يتأثروا بشكل كبير وغيّروا من نظرتهم حول "إسرائيل"!
واللافت بل المثير، أن الدول العربية المطبعة مع العدو رغم أنها تقوم بتغيير المناهج الدراسية وتزور التأريخ لصالح العدو، فأن هذا الأخير لم يغيّر أي شيء بل يكرس مفاهيم التوراة، التي تؤكد على قتل العرب وتدميرهم وسبي نسائهم، واعتبارهم أفاعي وعقارب لابد من إبادتهم!! بل إن نشيدهم "الوطني" يدعو إلى هذه المفاهيم ويصرح بها علناً!!
وإلى ذلك، قالت وسائل إعلام عبرية أن الإمارات والكيان الصهيوني اتفقا على بدء تعاون فوري في مجال الصحة! وأوضحت القناة الـ "12" العبرية أن الاتفاق على بدء التعاون المذكور جاء في بيان مشترك لوزيري الصحة الصهيوني "يولي إدلشتاين" والإماراتي "عبدالرحمن بن محمد العويس"، عقب محادثة هاتفية بينهما. كما تم الاتفاق على تعيين مسؤول في كل وزارة عن العلاقات الثنائية!! كما أن الوزيرين اتفقا على إطلاق لتبادل الزيارات بين طلاب "البلدين" بعد انحسار "جائحة كورونا"!! وهذا ما أكدته وسائل الإعلام الإماراتية في حينها.
خلاصة ما يمكن الإشارة إليه في هذه النقطة ما قاله الدكتور "خليل العنائي" أستاذ العلوم السياسية بـ "معهد الروحة" للدراسات العليا في نهاية مقاله، وجاء فيه "ليست خطورة التحالف بين أبو ظبي وتل أبيب في أبعاده الأمنية والإستراتيجية فحسب، ولكن، هذا هو الأهم في أن تستخدم الثانية الأولى وتوظفها رأس حربة في مشروعها لتغيير الأدمغة العربية وغسلها".
على غرار ما حدث مع قيادات الأمارات ونخبتها السياسية والإعلامية، بحيث يهرول الجميع إلى تل أبيب، طالبين رضاها والتحالف معها، وذلك على غرار ما تفعل هذه النخب حالياً.. بكلمات أخرى، سوف تصبح الأمارات بمثابة "بئر السم" الفكري والعقلي التي تريد "إسرائيل" أن يشرب منها العرب، خصوصاً النخب الشابة، من أجل أن تتم غسل أدمغتهم وقلب الثوابت والموازين لديهم بحيث يصبحون أكثر بعداً عن قضاياهم وفي القلب منها قضية فلسطين، وأكثر دفاعاً عن مصالح تل أبيب" وما يثير الاشمئزاز والتندر حقاً هو أن عملية غسل الأدمغة تتم بواسطة الفريق من السياسيين والإعلاميين الإماراتيين المطلبين والمتحمسين حالياً للتطبيع مع الكيان الصهيوني!!
مرة أخرى نقول ونذكر أن هذا الإعلان عن التحالف، هو بالأحرى عملية غزو واحتلال صهيوني لهذه البلاد، أي "الإمارات"! فأين الشعب الإماراتي من هذا الغزو؟ لعل الإعلان عن قيام مقاومة للتطبيع في الأمارات بدايات التحرك ضد هذه الخيانة الكبرى، دائماً المشاريع الكبرى تبدأ نواتها صغيرة.
ارسال التعليق