الإمارات والصهاينة... من التحالف السري... إلى التحالف العلني
[عبد العزيز المكي]
لاحظت من خلال متابعتي لردود الفعل السياسية والتغطية الإعلامية في الولايات المتحدة وفي الكيان الصهيوني وفي الإمارات، وحتى في الدائرة الغربية والعربية الأوسع، على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13آب 2020 عن توصل الإمارات والكيان الصهيوني إلى ما أسماها اتفاقية سلام، وسيتم توقيع الاتفاقية في غضون الشهرين القادمين.. لاحظت من خلال هذه المتابعة أن ثمة تعمّد في تضخيم هذا الحدث واعتباره تحولاً استراتيجياً وتاريخياً!! ولقد ركزت ردود الفعل هذه وكذلك التغطية الإعلامية على الأبعاد التالية:
1ـ اعتبار "الاتفاقية" اختراقا في جدار المعادلات الإقليمية والدولية، حققته الأطراف الثلاثة أمريكا والكيان الصهيوني والإمارات، وبالأخص ترامب ونتنياهو وابن زايد!! وهذا الاختراق سوف يغير في توازنات والمعادلات العسكرية والأمنية القائمة في المنطقة، لصالح أمريكا ولصالح الكيان الصهيوني والإمارات، بل ذهب البعض من المطلبين للتحالف مع العدو الصهيوني من العرب ومن الغربيين إلى القول أن المعادلات العسكرية والأمنية، "سوف تتغير" في المنطقة على حساب تراجع قوة وانحسار دائرة نفوذ المحور الإيراني، في المنطقة لصالح المشاريع والخطط الأمريكية الصهيونية الرامية إلى استمرار الهيمنة الأمريكية والى تأمين الأمن للكيان الصهيوني!
2ـ أوصت هذه الضجة المشار إليها حول الاتفاقية إلى أن هذه الأطراف "حققت انجازاً تاريخياً" بحسب وصف كل من نتنياهو وترامب وكوشنر وصعاليك الإمارات ومن لف لفهم، بمعنى أن هؤلاء حققوا انتصارا ضخماً وكبيراً!! ونجاحاً يُسجل للرئيس الأمريكي ولنتياهو، وبن زايد الذي برر هذه "الاتفاقية" بإقناع نتنياهو بتجميد ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني، وهو تبرير نسفه رئيس الوزراء الصهيوني بعد ساعات من إعلان بن زايد وإعلامه له، بالقول إن عملية الضم ما زالت قائمة، إنما تراجع عنها مؤقتا بسبب معارضة الإدارة مؤكداً، أي نتنياهو، أنه سيقدم على الضم متى ما سمح له ترامب بذلك!!
3ـ التأكيد على مقولة سابقة للعدو الصهيوني، وصدق بها المطلبين من العرب، حيث كان العدو يرددها دائماً ويحاول تحويلها إلى قناعة راسخة في أذهان الحكام العرب، وحتى الشعوب في البلدان العربية، وهي ان العدو "قوي" وان هذه الأنظمة " المطبعة) تلجأ إليه للاحتماء به لأنه قوي!! وهذا ما أشار إليه نتنياهو صراحة في ثنائه واحتفاله بإعلان التحالف الرسمي مع الإمارات، من واشنطن، حيث قال إن هذا الاتفاق يكتسب أهمية، لأنه يرتكز على مقولة السلام مقابل السلام، في رد غير مباشر على مبادرة السعودية المعروفة والقائمة بحسب مزاعم النظام العربي الرسمي على معادلة أو مقولة الأرض مقابل السلام، بل إن نتنياهو ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بالتأكيد على مقولته هو، "القوة مقابل السلام" أي لأن الكيان الصهيوني قوي بحسب زعمه فهؤلاء يلجئون إليه ويستجدون التطبيع والتحالف معه لحماية عروشهم وكروشهم!
4ـ الاستستخار والتهكم على مقولات شكلت مصطلحات وشعارات في أدبيات خطاب المعادي للكيان الصهيوني، من مثل رمي "إسرائيل" في البحر، وتحرير فلسطين وما إلى ذلك، ولو نرجع إلى خطاب المطبلين لبن زايد ولبن سلمان من الإعلاميين والسياسيين نجده يعج بالتقليل من هذه المصطلحات والمقولات والاستهزاء بها، معتبرين أن العدو بات واقعاً وجزءاً لا يتجزأ من واقع المنطقة، وأصبحت هذه المقولات "فارغة" لا قيمة لها في محاولة لزرع اليأس عند الأمة ودفعها إلى التسليم والاستسلام لقناعة وجود العدو كواقع في المنطقة بات مفروغاً منه، ولا طاقة لهذه الدول من تغيير هذا الواقع!! وهذا ما عجت به تغريدات وتعليقات الاعلاميين السعوديين والإماراتيين وحتى الصهاينة، وبإمكان المتابع والقارئ الرجوع إلى تغريدات هؤلاء ليرى استهزائهم وسخريتهم من هذه المقولات!!
لماذا تقصد هؤلاء النفخ في هذا الحدث ومحاولة نسج هالات من الأهمية ومن "التحول الاستراتيجي" حوله!؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل، اسمحوا لي أيها القراء الأعزاء، بالإشارة إلى النقاط التالية، لأنها تشكل مقدمة ضرورية لهذه الإجابة، وهي ما يلي:
أولا: إن الاتفاقية التي أعلن عنها بعنوان " اتفاقية سلام " ليست كذلك لان اتفاقيات السلام تحصل عادة بين أطراف متحاربة والأمر ليس كذلك بين الكيان الصهيوني والإمارات، إنما أريد بهذا الاختيار التأثير النفسي على الأمة، لأنه مؤاده إنهاء حالة الحرب والعداء بين الطرفين والتحول إلى السلام، في محاولة واضحة لزرع اليأس والإحباط عند الأمة، وقتل الأمل عندها في تحرير الأرض العربية والإسلامية فلسطين وقدسها من براثن هذا الاحتلال، سيما وان هذا الأمل تضاعف في السنين الأخيرة على خلفية الهزائم متراكمة وفشل الذريع للمشروع الأمريكي الصهيوني الرجعي في المنطقة. كما أن الاتفاقية ليست إعلانا رسمياً للتطبيع الإماراتي وحسب، فالإمارات تجاوزت التطبيع إلى التحالف العسكري والأمني وعلى كل الأصعدة، ومنذ عقود. فبإمكانكم أيها الأخوة مراجعة مقالات المواقع العربية والأجنبية المترجمة لتطلعوا على هذا الحلف، الذي تتحدث عنه تلك المقالات بالتفصيل وبالأرقام الموثقة انه بدأ منذ أكثر من عقدين من الزمن، وكان من نتائجه اغتيال قائد الجناح العسكري لـحركة حماس "محمود المحبوح" قبل أكثر من عقد من الزمان.. وفي هذا السياق قالت مجلة "فورين بوليس" الأمريكية: "إن اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل التي فاجأت العالم بها، ثمرة ما يقرب من 20 عاماً من العلاقات السرية" وذكرت المجلة، أن ذلك التعاون السري "بدأ منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 عندما لجأ الإماراتيون للإسرائيليين لتطوير برامج الأمن السيبراني". وفي بعض التفاصيل كتبت المجلة الأمريكية ما يلي: "استخدام الخاطفين -مهاجموا مركز التجارة الدولي في نيويورك- دبي كنقطة رئيسية لتحويل الأموال، دفع الإمارات إلى اللجوء سريعاً لتطوير برمجيات الأمن السيبراني التي من شأنها أن تساعد أبو ظبي في إنقاذ وإعادة بناء مصداقيتها كمركز مالي ورئيسي في الشرق الأوسط". ونقلت فورين بوليس عن غانم نسيبة، مؤسس شركة كورنرستون غلوبال للاستشارات ومقرها لندن، قوله إن "احداث 11 سبتمبر كانت دعوة للاستيقاظ تبرر حاجة الإمارات إلى أفضل التقنيات، وكان ذلك بمثابة فرصة للإسرائيليين"! يشار إلى أن نسبية بحسب تقارير إعلامية تربطه علاقات وثيقة مع رجال الحكم في الإمارات. وتسهب المجلة في شرح التواصل والتعاون بين مسؤولي الإمارات والكيان الصهيوني وتبادل الزيارات السرية والعلنية، وفي كل المجالات، ولذلك فيجب تحليل وقول الصحيفة، فأن هذا الاتفاق جاء تتويجاً لسلسلة طويلة من التعاون والتنسيق والتواصل وتبادل الزيارات بين الطرفين.
في السياق ذاته تحدثت صحيفة "هاآريتس" الصهيونية هي الأخرى في مقال لها، عن تاريخ العلاقات السرية بين الإمارات والكيان الصهيوني، كاشفة تفاصيل مثيرة حول هذا التواصل بين الطرفين، مشيرة إلى انه عندما قتل عملاء الموساد القيادي البارز في حركة حماس "محمود المحبوح" في كانون الثاني 2010 في دبي كان الدبلوماسي الصهيوني "بروس كشدان" موجوداً أيضاً في الأمارة"!! وهناك كما أشرتا عشرات المقالات الحالية المنشورة في كبريات الصحف الغربية والأمريكية تتحدث كما قلنا عن قدم هذه العلاقة والتعاون، وتجاوزها مرحلة التطبيع الى التحالف السري! ولذلك فأن ما جرى هو الإعلان الرسمي لهذا الحلف.
ثانياً: إن هذا الحلف أو ما أطلق عليها "اتفاقية أبراهام" للسلام!! لم تحقق السلام مطلقاً، ولم تحقق الازدهار للمنطقة، ولم تغيّر الشرق الأوسط للأفضل كما يروج مسؤولو الإمارات والكيان الصهيوني وكذلك إعلامهم من أجل تبرير هذا التحالف ومحاولة إقناع الشعب الإماراتي به وإقناع بالتالي شعوب المنطقة أيضاً، بل وخلق المبررات لأنظمة عربية أخرى تقف في صالة الانتظار لإعلان مثل هذه الاتفاقات مع العدو الصهيوني... ولنا في تجربة " التطبيع والسلام " مع العدو ومصر والاردن تجربة واضحة وبالأدلة الدامغة، أن التحالف مع العدو من قبل أي دولة عربية لا يؤدي الّا ضرر هذه الدولة العربية لأن كينونة العدو الفكرية والسياسية والتاريخية والعسكرية قائمة على اساس تمزيق الدول العربية واستغلال ثرواتها، والقضاء على هويتها وحضارتها ومقدساتها وما الى ذلك.. ولذلك حاول نتنياهو الكذب على الرأي العام بالايحاء الى ان الاتفاق مع الإمارات يختلف عن اتفاقات كمبديفيد ووادي عربة ، لابعاد تداعيات هذه الاتفاقات عن اذهان الرأي العربي واستحضارها، بهدف الابتعاد عن الحكم المبكر لمؤديات هذا الاتفاق بأنها لا تختلف عن مؤديات الاتفاقات السابقة.
ثالثاً: ان هذا الاتفاق أو الحلف بمعنى أدق سيخرج القضية الفلسطينية من الحلبة نهائياً ولا يخدم هذه القضية أبداً، كما يسوق زوراً وكذباً المسؤولون الإماراتيون ووسائل إعلامهم وإعلام بقية بعض الدول الخليجية بهذا الاتجاه! ولعل الصهاينة أوضح في هذا المجال واكثر صراحة، اذ صرحوا وقالت وسائل اعلامهم ان الأنظمة العربية، وضعت القضية الفلسطينية جانباً، وهي آخر ما يفكر به هؤلاء في ظل الاهتمام بالكيان الصهيوني وبالتحالف معه والاتكاء عليه في حمايتهم!! ففي هذا السياق رأى البروفسور الصهيوني إيتان غلبواع المختص بالعلاقات بين واشنطن وتل أبيب، رأى "ان اتفاقية السلام الاسرائيلية مع الإمارات العربية المتحدة تعمل على تغيير التحالفات الاستراتيجية في الشرق الأوسط " بحسب زعمه، واضاف ان الاتفاقية ترسل أربع رسائل للفلسطينيين واضحة هي:
أ- لم يعد بامكان الفلسطينين ممارسة حق النقض (الفيتو) على العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، التي تتشارك معها مصالح أمنية واقتصادية كبيرة.
ب- احتواء التهديد الإيراني أهم لبعض الدول العربية من القضية الفلسطينية.
ج- الوقت ليس في صالح الفلسطينيين.
د- أكدت الدراسة أن الاتفاق يقوّض إستراتيجية الفلسطينيين في اشتراط اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول العربية باتفاق بينها وبين إسرائيل ". على حد تعبيره.
أعود إلى السؤال الذي طرحنا في نهاية استعراض عملية التضخيم الأمريكي الصهيوني الإماراتي لإعلان الحلف الإماراتي الصهيوني، بعدما فتحت لنا الإشارات التي مرت، باب الإجابة، ونقول إن هذا التضخيم يهدف فيما يهدف إلى ما يلي:
1ـ الإيحاء بأن هذا الإعلان هو مؤشر واضح على قوة وسطوة أمريكا وكذلك قوة وسطوة الكيان الصهيوني! وذلك في محاولة للتغطية على ضعف الأنظمة العربية العملية وتراجع قوتها وسطوتها نتيجة إنكشاف حقيقتها وعمالتها وتآمرها على شعوبها وشعوب المنطقة.. ذلك من أجل صنع أو محاولة صنع انتصار وهمي لأمريكا وللكيان الصهيوني يقلل من تسليط الأضواء على هزائمها المتلاحقة في المنطقة وحتى عالمياً، ولا نحتاج الى الشرح في هذا الأمر فالمتابع يسمع كل يوم ما تتعرض له أمريكا من صفعات في مجلس الأمن في المنطقة من اخفاقات خارجية وداخلية أثرت على حظوظ ترامب الانتخابية ورفعت من رصيد منافسة الديمقراطي جوزيف بايدن، والّا فأن الاعلان عن هذا الحلف، ليس فيه جديد كما سبق وان قلنا، سوى الاعلان عنه، كما يقول استاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفاد "ستيفن براين": " ان التطبيع الإماراتي الاسرائيلي مجرد تحصيل حاصل، وليس حدثا فريداً أو تغيّراً جذرياً بالمنطقة، فالعلاقات قائمة بالفعل منذ فترة طويلة، وما حدث هو الاعلان عنها رسمياً" واضاف براين قائلاً: " ان الإمارات تتعاون مع اسرائيل بطرق مختلفة منذ فترة طويلة، مدفوعة في الغالب بمعارضة ايران، والاعتراف الدبلوماسي هو خطوة رمزية، لكنه لا يغير هذا الواقع كثيراً". إذاً فهي خطوة رمزية بنظر الخبراء والاستراتيجين لكن ترامب وحلفائه الصهاينة وعملائه العرب ضخموا الحدث من أجل صنع انتصار وهمي كما قلنا!!
2ـ الأعلان بالاضافة الى انه انعكاس للهزائم الأمريكية الصهيونية في المنطقة، فأنه أيضاً انعكاس للأزمات التي يعاني منها هؤلاء الاطراف الامريكان والصهاينة وحتى الانظمة العميلة في المنطقة، فأمريكا ترامب تعاني من الأوضاع الاقتصادية المتردية والتي تزداد تدهوراً يوماً بعد آخر، وتحتاج الى حلب أموال الابقار الخليجية عبر صفقات الأسلحة وغير الاسلحة، والكيان الصهيوني ليس حاله أفضل هو الآخر اقتصادياً من حال الولايات المتحدة، ولأن الأخيرة تعاني من الأزمة الاقتصادية قلّت التبرعات والمساعدات الأمريكية لهذا العدو في السنوات الأخيرة، خصوصاً في الآونة الأخيرة، ولذلك فأن الامريكان والصهاينة يريدون مصدراً مالياً واقتصادياً يتكئ عليه العدو بديلاً عن المساعدات الأمريكية يوظفه هذا الكيان من أجل الاستقواء وتطوير السلاح وجذب المزيد من الغزاة اليهود الجدد!! ويدعم هذا التحليل كل المعطيات التي أشار اليها بعض المحللين والمراقبين في معرض أحاديثهم وتحليلاتهم لاعلان هذا التحالف.. بل ان وسائل الاعلام الصهيونية توقعت قبل هؤلاء المحللين الاثمان الاقتصادية الكبيرة التي ستعود على العدو من هذا الاعلان عن التحالف، وفي هذا السياق اشارت صحيفة "غلوبس" الى ان الاتفاق مع الإمارات سيوفر لاسرائيل جسراً رسمياً وثابتاً الى العالم العربي، سيمنح الشركات الاسرائيلية فرصاً هائلة في الاسواق الخليجية مما سيفضي الى زيادة التصدير بشكل كبير الى الإمارات وعبرها الى الدول العربية الأخرى".
ونقلت الصحيفة الصهيونية عن اتحاد مكاتب التجارة في الكيان الصهيوني، قوله: "انه يعمل منذ وقت طويل من أجل تحسين قدرة الشركات "الاسرائيلية" على الاندماج في الاسواق الخليجية"!
ونقلت الصحيفة أيضاً عن رجل اعمال، سبق وان تبوأ منصباً أمنياً رفيعاً في الجهاز الأمني الصهيوني، لم تسمه الصحيفة، قوله "ان الإمارات واسرائيل على الرغم من أنهما ارتبطتا بعلاقات اقتصادية قبل التوقيع على الاتفاق الأخير، فأن الاتفاق سيزيد من حجم العلاقات الاقتصادية بين اسرائيل والعالم العربي، من منطلق ان الاتفاق يوفر الشرعية للشركات والحكومات التي تتعامل مع اسرائيل"!!
وترجمة لهذه الطموحات والتوقعات الصهيونية، اشار موقع نون بوست في 16 آب 2020 الى انه بعد ساعات فقط من اعلان الاتفاق سارعت شركتا أبيكس الوطنية للاستثمار الإماراتية ومجموعة تيرا " الاسرائيلية " الى توقيع اتفاق تجاري استراتيجي في مجال تطوير الابحاث المتعلق بفيروس كورونا المستجد " حيث قال الموقع ان هذا الاتفاق يشكل باكورة الاعمال بين الطرفين بعد الاعلان عن التحالف، مشيراً "الموقع" وبشكل مفصل وبالارقام الى العجز الذي يعاني منه الاقتصاد الصهيوني والذي زاد ثلاث مرات مقارنة بالعام المنصرم 2019!! مؤكداً ان العدو وجد في الإمارات منقذاً لاقتصاده المنهارا. وفي هذا السياق يقول الموقع المشار اليه " في اول قراءة واقعية- للاتفاق- ان هذا يعني بأن ثروات العرب سوف تتدفق نحو "اسرائيل" لأن ابوظبي تمتلك واحداً من اكبر صناديق الاستثمار السيادية في العالم، وهذه سوف تحدث تاثيراً مهماً لدى الاسرائيلين"!! يشار الى صندوق أبوظبي السيادي يحتل المركز الثالث على مستوى العالم من حيث حجمه باجمالي قيمة أصول تبلغ 579 مليار دولار امريكي.
ولا يقتصر الأمر على الغزو الاقتصادي الصهيوني للامارات فحسب، وانما سيوظف العدو اموال الإماراتية في تطوير صناعاته العسكرية وفي مشاريعه الأمنية، وأجمع المحللون تقريباً على ان الصناعات العسكرية الصهيونية التي تعاني من نقص الدعم المالي الامريكي، ستنتعش بعد الاتفاق، لان للإمارات ميزانية سنوية لشراء الاسلحة من الولايات المتحدة تقدر بـ23 مليار دولار، وبعد الإعلان عن هذا التحالف سوف يختص جزء من هذا المبلغ بالتنسيق مع امريكا لشراء الاسلحة الصهيونية!! هذا ما اكده الكاتب الصهيوني حجاي عميت في مقاله في صحيفة هاآريتس يوم 16/8/2020 والذي أشار فيه الى العقود العسكرية بين الإمارات والكيان الصهيوني!!
3ـ يحاول الكيان الغاصب التعويض عن تراجع قوته وتفوقه العسكري والأمني أمام المقاتلين اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهما من الفصائل المناهضة له بشكل عام، ذلك ان هذا التفوق العسكري يعتبر العمود الاساسي الذي يقوم عليه وجود الكيان الصهيوني وبنى تكوينه الفكري والتاريخي وما الى ذلك، فأن اهتزاز هذا العمود يعني اهتزاز جذور هذا الكيان، وفعلاً من يراجع الخطاب الصهيوني في وسائل الاعلام وفي تصريحات المسؤولين الصهاينة، يجده يتحدث عن ان الوجود الصهيوني بات مهدداً في ظل تراجع القوة العسكرية للعدو، مقابل تراكم قوة المناهضيين له، ولذلك فأن الاتفاق أو الاعلان عن الحلف مع الإمارات يعتبر بمثابة القشة التي يتصور العدو أنها ستعوضه هذا التراجع، وانتهاء زمنه زمن التفوق والحاق الهزائم بالاطراف الأخرى.. ولذلك اعتبر الصهاينة وحلفاؤهم الامريكان والغربيون الاتفاق نصراً وانجازاً لهم، فصحيفة "فورين بوليس" الامريكية اعتبرت ان اسرائيل هي الفائز الاكبر في هذه الصفقة، لأن هذه الصفقة ستوفر للعدو مناخات سياسية وعسكرية وأمنية تعوضه عن اخفاقاته وعن انهياراته المحتملة نشير الى بعضها بما يلي:
أ- توظيف امكانات الإمارات والدول الأخرى التي تنتظر في طابور الاعلان عن التحالف مع العدو، بل والتحرك أيضاً حتى ضد الشعب الإماراتي والشعوب العربية المجاورة وتجربة معاهدات الذل والهوان مع مصر والاردن خير دليل على دور العدو الافسادي والاجتماعي والتخريبي ثقافياً في هذه الدول! وكذلك يفعل في الإمارات!
ب ـ إمكانية أو هكذا يطمح الصهاينة والامريكان، الى ربط الإمارات وبقية الدول المطبعة مع العدو في منظومة حلف عسكري مع العدو، لايجاد ثقل عسكري واقتصادي لمواجهة ايران ومحورها، وهذا ما صرح به الصهاينة صراحة وفي كل مناسبة!! ففي هذا السياق قال محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يدعوت احرونوت "اليكس فيشمان" في مقالة له في في 17 آب 2020، ان الرابح الاكبر في الاتفاق الشركات العسكرية الصهيونية، لافتاً الى "أن فتح الابواب الإماراتية امام اسرائيل بشكل علني يجعل مهمة اسرائيل في مراقبة ايران، جارة الإمارات، سهلة جداً "وتتحول الجمهورية الاسلامية الى هدف واضح المعالم أمام مخابرات الكيان لقربها الجغرافي في ايران، موضحاً ان الاتفاق الاسرائيلي الإماراتي يعزز من فرص اسرائيل لمواجهة التهديدات الاستراتيجية عليها، وفي مقدمتها ايران. اكثر من ذلك ذهب الاعلام العبري بعيداً في اطلاق اليد الصهيونية، حيث كشفت هيئة البث الرسمية للعدو الصهيوني في 18 آب 2020 عن وثيقة صادرة من وزارة الاستخبارات الصهيونية، تطرقت الى ان اتفاق تل أبيب وابوظبي يمهد لتكثيف التعاون العسكري بينهما من البحر الأحمر! وبحسب الوثيقة فأن التعاون في مجال الأمن يتصدر قائمة مجالات التعاون المحتلة، ورجحت الى ان الاتفاق سيجعل من الممكن تعزيز تحالف عسكري بين دول الخليج (الإمارات، السعودية، البحرين، عمان والكويت وقطر) فضلاً عن تكثيف التعاون بشأن امن البحر الاحمر، بحسب التوصيف الصهيوني.ت ـ ان الاتفاق سيوظفهُ الصهاينة لترميم ما يسمونه شرعيتهم المتآكلة في الوسط الغربي الرسمي والشعبي نتيجة افتضاح دمويتهم وارهابيتهم، وبالاساس هم لا يتمتعون بهذه الشرعية المزعومة في الوسطين العربي والاسلامي، لكن شرعيتهم تلك في الوسط الغربي تآكلت بشكل كبير في السنوات والشهور الأخيرة للاسباب التي ذكرناها، أما ان هذا الاتفاق سيساعدهم على ترميم هذه الشرعية، ولذلك فهم لم يكتموا فرحتهم بذلك وصرحوا جهازاً بامكانية هذا الانجاز!! فهذا الخبير العسكري في صحيفة يدعوت احرونوت "رون بن يشاي" قال في مقال له في 17 آب 2020.. ان الاتفاق الاسرائيلي مع الإمارات يعد حدثاً تاريخياً لتحسين الوضع الاستراتيجي والدولي الاسرائيل بشكل كبر، ويفتح امكانيات واعدة جداً في المجال الاقتصادي والعلمي ويعطي شرعية إقليمية وعربية اسلامية لوجود دولة يهودية في قلب الشرق الاوسط"! ذلك مقابل تهميش القضية الفلسطينية وتصفيتها كما صرح الصهاينة بذلك عياناً واكثر من مرة!
لكن هل يحقق الصهاينة كل هذه الأهداف؟ نجيب بلا، فهذا الاتفاق سيفشل كما فشلت اتفاقات "كامب ديفيد" المصري و"وادي عربة" الأردني، لان الشعوب العربية حتى وان بدت مهزومة نفسياً وحتى عسكرياً ومدجنة الى حد ما، الّا انها عصية على تقبل هذه الغدة السرطانية وستقول كلمتها حتما وتقلب الطاولة في يوم ما على الانظمة العميلة في المنطقة، وان غداً لناظره قريب.
ارسال التعليق